|
تسواهن
عبد الرزاق عوده الغالبي
الحوار المتمدن-العدد: 5321 - 2016 / 10 / 22 - 21:36
المحور:
الادب والفن
تسواهن
عبد الرزاق عوده الغالبي
هي فعلا تسواهن وتسواهم ايضاً .....!؟ ، لكن الزمن بالمرصاد لمن يرفد الخير زهواً ويرفس الشر حقداً وجفاءً ، ويتحرك غصن شجرتي ، في حديقتي الصغيرة ، فهو اعتاد أن يتحرش بي كثيراً ، كلما وقفت تحته ، يداعب أذني ، فأنا دائم الوقوف والنظر بخضرة الطبيعة ، عاشقاً لكل شيء أخضر ، كأن تلك الامتار التي بعدد الاصابع هي جنتي في الارض ، ابتسمت لتلك المداعبة ، هو أحد أحفادي ، الذي كان يمسك أذني دوماً ، ويتسنّم ظهري المنهد ، وأنا أتحمّل ذلك بشوق وفرح ، وأتذك قول جدي الذي كنت افعل معه نفس الفعل : ( أعز الولد ، ولد الولد ) ، وتهت في ربوع الله والخلق ، ثم عدت أستمتع بحديث أخي السيد ناصر اليعقوبي وهو يروي لي قصة تلك المراة العظيمة التي ألهمتني عظمة الله في خلقة الأحياء من بشر وشجر وحجر ، أثّث لنا الدنيا بأطيب الأشياء على أحسن ما يكون ، وأطلقنا فيها لنعمل ، وأول فعل استهللنا به حياتنا تلك ، هوعصيانه ، فنحن البشر أقرب مخلوقات الله الأخرى للشيطان ، إننا نلتقي معه بعصيان الله ، فهو عصى الله بعدم السجود لآدم ونحن عصينا الله بأفعالنا المشينة التي تغضبه.....
إمرأة بسيطة ، من الأهوار ، لا تقرأ ولا تكتب ، لا تعرف قواعد الحضارة ، والرقي المزيف كما نعرف نحن ، لا تحسن البهرجة والتشدق في الكلام ، حصتها من الحياة أن تجيد المثل العليا بحرفنة وتمكّن ، فهي تحسن الحرية وتمارسها بعناية وأناقة ، وكأن الحرية ثوب جميل تلبسه لتتباهى به بين النساء ، هي تعرف حقوق الله كاملة وحقوق الوطن والناس ، فهي لا تحسن الكتابة بالحروف بل تحسن النقش بالخلق والمثل العليا في قلوب وعقول من يعرفها ، امراة بطول شبعاد وبقامة عشتار ، عيناها تبرقان كعيني سميراميس ، يعزف منجلها في أبدان القصب والبردي ، كعزف قيثار شبعاد ، آيات الوقار هالة لا تفارق جسدها الملوف بعباءة الليل ، فتبدو كقطعة من ليل دامس ، يشع وجهها قمراً في سمائه الصافية المرصعة بالنجوم ، ترتدي صهوتها ، زورقاً صغيراً كفارس من فرسان سومر، وهي تمسك( المردي) سيفاً قاطعاً يقصم ظهر الماء ، من سيوف الشيباني ، ينساب زورقها بخفة ووقار فهو محترم بين البردي والقصب ، الكل يحترمه وينفرج مبتعداً عنه ليفتح له الطريق باحترام وهيبة، وكأنها ملكة من ملوك سومر تمر بموكبها في (گواهين) الهور......
هي تدرك حقوق الوطن وتجيد التغنج بالتضحية والإيثار ، وحب الوطن والناس دون أن تشوّه أيديولوجيتها العفوية ، بمشوهات الزمن المنهار، ومصطلحاته المصبوغة بالكذب والنفاق والشر والدم ، تعرف أن الإنسان حرٌ ،لا يسجد إلا لله ، سلعتها بسيطة فهي تقطع المسافات لتجمع القصب( والبردي ) من الهور، تبيعه بالسوق لتسد رمقها اليومي ، وتجهد نفسها فيضاً من جهد لتدخره لمحاربة الظلم رصاصاً ، لها سطوة في السوق ، فالكل يحترمها ويحسب لها ألف حساب ، حين تدخله (تسواهن) ، يهرب الظلم وتحل الحرية والوطن شذرات تلمع في جيدها السومري ، يلتف حولها من يروم أخبار الشهداء والجهاد ، تسلم الأخبار جدولاً لجميع أهالي الفارين من الظلم والخدمة العسكرية ، والمتسترين في ظلال القصب والبردي في الأهوار .....
تشتري بفيض ما تملك من نقود لعملها اليومي المضني حاجيات ورصاص لمجاهدي الأهوار من شباب مظلوم ومن فرّ من جيش الظلم ، وعقابه القاسي ، بقص الأذن والإعدام رمياً بالرصاص ، كجزء من واجبها الوطني والإنساني ووفائها لهؤلاء الشباب المظلومين ، كما تعتقد هي ، تعود في الصباح الباكر للأهوار لتسلم تلك الحاجيات لشباب الأهوار ، وتداوم على عملها المضني من جديد ، لتكسب رزقها كدورة الحياة ، ليل ونهار ، وفي ظروف كتلك لابد للشر من صولة ، وللخيانة من سطوة وغدر، وتترصد عيني الخيانة التي لا تخطئ خيراً ، ولا تبخس شراً قدره ، تلك الهالة الإنسانية وتلك القامة الوطنية ، وتطمس الحرية بين القصب والبردي ،عروس ليلة زفافها ، تزفها الملائكة عروس كلكامش ، الذي لا يزال يبحث عن الخلود ، ليخلد تلك القامات السومرية التي رسمت حدود سومر ، والعراق بالدم وأشكال التضحيات ، التي أذهلت كل طامع ، وقطعت رجليه من أرض الوطن ، طلقة حمقاء واحدة ، يا ويلها ، وهل تموت الحرية بطلقة حمقاء....!؟ ، مست الطلقة قلب (تسواهن) وهي تستأذنها باختراق شغاف هذا القلب الكبير ، الذي حمل العراق بين جنبيه ، أحسّت (تسواهن) بحرارة دموع الطلقة وهي تعتذر وتنتحب ، فالطلقة أشرف من مطلقها....
وصرخ البردي والقصب بأعلى صوته :
-" لقد جرح العراق ، وماتت الحرية....!؟"
تحركت (تسواهن) ورفعت رأسها المتدلي في الماء كشجرة ياس هزها الريح فانتشرعبقها في أرجاء الهور وقالت آخر كلمة أبكت الهور و القصب والبردي :
-" لا.....لا...الحرية لم تمت....!؟"
صرخ البردي والقصب مع صوت (تسواهن) وهي تشيعها الملائكة ، وتصعد بها فوق أطراف القصب والبردي :
-" لا .....لا.....لا.....الحرية لم تمت ...!؟"
وصار صوت (تسواهن) أغنية يغنيها القصب والبردي مزاميراً تعزف نشيداً يتغنى به الأطفال ، قضّ مضجع الطغاة ، ومزق دروعهم وشتتهم بين المشانق والحفر كالجرذان المذعورة ، ولدت (تسواهن) آلاف القامات السومرية التي بدأت تعزف لحن( تسواهن) ، لحن الحرية الخالد ، وترعب الطغاة وتهز كراسيهم الهشة..... ووجهت كلامي لجليسي الراوي السيد ناصر اليعقوبي :
- " أليست( تسواهن) تسواهم وتسواهن فعلا ....!؟ "
ضحك السيد ناصر لقولي معتقداً ، أني ألقيت لغزاً ، ولكنه بعد ثواني ضحك حتى انقلب على قفا ه ، أيقنت حينها أنه أدرك قصدي تماماً.....
تسواهن = اسم امرأة شعبي منتشر بين سكان الأهوار ويعني أيضاً الأفضل تسواهم = أفضل منهم البردي = نبات في الأهوار يستخدم علف للحيوانات ويصنع منه الورق المردي = عود من خشب أو خيزران يستخدم في تحريك الزوارق يدوياً الگواهين = هي مسارات مائية عميقة في الأهوار لا ينمو فيها القصب فتكون كالشوارع تمر بها الزوارق
#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحنين إلى الناصرية والوطن في شعر الشاعر العراقي الشفاف
-
lمقتل سلحفاة
-
هل الغربة وطن....؟
-
انتحار قلم
-
انكسار
-
ندم
-
امبراطورية الصفيح
-
غفوة
-
كارثة
-
ادب الحرب عند الاديب السوري الكبير عماد الشيخ حسن
-
سكن
-
قراءة نقدية لنص الاديبة السورية الدكتورة عبير خالد يحيى
-
العبور الى الضفة الاخرى
-
العيش بين شفاه امراة
-
وهل العفوية جنون؟
-
الاقتضاب والتدوير والعمق الرمزي
-
رحلة المصير
-
زهرة من عالم الغموض
-
هي فينوس ام شبعاد......؟
-
الوطن في قلب شاعرة
المزيد.....
-
أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
-
وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو
...
-
فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن
...
-
مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
-
الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى.
...
-
-ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر
...
-
-بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
-
فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
-
“مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|