أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - حُرّاس لغتنا الجميلة، وقاتِلوها














المزيد.....

حُرّاس لغتنا الجميلة، وقاتِلوها


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5316 - 2016 / 10 / 17 - 23:50
المحور: بوابة التمدن
    


================

نصلٌ جديدٌ في قلب، تكسّرت فيه النصالُ على النصال. فما عاد القلبُ يحتمل. ورقةٌ ثقيلة من أوراق شجرة الشعر العربيّ الراسخة، سقطت عند فجر الأمس، وتركت وراءها غُصنًا حزينًا نازفًا كان طالما يزهو أمام أقرانه الأغصان بأنه يحمل تلك الورقة إلى جانب ما يحمل من ثريّ الأوراق الخضراء الفتيّة في واحة الشعر والآداب. ما أطول هذا العام الصعب! كان عامًا جنائزيًّا فقدنا فيه قاماتٍ شاهقات في دنيا الفكر والعلوم والآداب والفنون. هذا "فاروق شوشة" يتركنا ويطير إلى عالم المُثُل والفضيلة والنقاء المطلق، حيث لا كذب ولا ضغينة ولا انتهازية ولا انتهاك حقوق.
طار عصفورُ الشعر الشجيّ، الذي كبرنا على نغم صوته وعذوبة شدوه بأبيات القصيد العربي في "لُغتُنا الجميلة". طار طائرُ الليل الذي كنتُ أتعجّلُ من أجله، عندما يأتي المساء، عقاربَ الساعة الكسول، حتى تتسارع وتقف على العاشرة مساء بالضبط، فأهرع إلى الراديو، الذي كانت أمي العصيّة لا تسمح به إلا في أوقات محددة وبرامج محددة لابد أن تكون ذات طابع علمي تثقيفي وإلا عدّتها إضاعة وقت مرفوضة. فإذا ما جاء صوتُه يُرنّمُ: “أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ/ فهل ساءلوا الغوّاصَ عن صدفاتي"، جلسنا صامتين نغترفُ من حلاوة لغتنا الثرية وفرادة قصائد أسلافنا العظام كلماتٍ وأقاويلَ وشدوًا رائقًا حتى نُشيّدَ بعزف صوته ذائقتَنا الموسيقية والشعرية والروحية، يومًا بعد يوم، طوبةً فوق طوبة حتى يكتمل بنيانُنا اللغوي قويًّا صلبًا كالجبل الأصمّ، ورهيفًا رخْصًا كصفحة ماء جدول ميّاس مثل خصور الغيد الحِسان.
 طار العصفورُ المغرّد إلى حيث تطير العصافيرُ عن سمائنا القاسية، نحو سماوات أكثر رحمة وحبًّا ورحابةً وتحضّرًا. 

ولأن: "ضِدّانِ لما اسـتُجْمِعا حَسُنا/ والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْــنَهُ الضِّدُّ.” كما قال دوقلة المنبجي، فحين نتذكّر سلاسة وسلامة وصحّة اللغة العربية التي كانت تنساب رقراقة من صوت فاروق شوشة، لابد، قسرًا، أن نتذكّر قتلة اللغة العربية الذين يذبحونها بسكين بارد كل نهار، ثم يدّعون أنهم كتّابٌ وشعراءُ وصحفيون، وإعلاميون!
أحزنُ حين أرى بعين سمعي مذيعين مصريين يخلطون بين اللام الشمسية واللام القمرية دون أن يرجف لهم جفنٌ. وأحزنُ حين أرى كتّابًا يخلطون بين همزات الوصل وهمزات القطع، كأن الهمزة حِليةٌ توضع كيفما اتُفِق وفق الهوى. ولن أتكلم عن النحو والصرف لأن لهما شجونًا وأحزانًا ينوء عنها مقالي هنا.
رحيل فاروق شوشة، يُذكّرنا بأسى أن صفحة ثرية من تاريخ مصر الإعلامي أوشكت على الطيّ لتفتح الباب واسعًا لصفحات ركيكة مزرية. زمانُنا الجميلُ الفائت، حين كانت مصرُ دُرّةَ الشرق بحق، شهد نماذجَ أقلّ ما توصف به أنها فاتنةٌ. وهل ننسى اللسانَ العربيَّ السليم الذي لم يلْحنْ ولم يلتوِ لكلٍّ من الفاتنتيْن: سلوى حجازي، رغم ثقافتها الفرنسية، وليلى رستم، رغم أنها خريجة الجامعة الأمريكية؟ وحتى من الجيل الأحدث شهدنا رموزًا رفيعةً راقية جمعتْ بين سعة الثقافة وفصاحة اللسان. رموزٌ تربينا على سماعها فاستقامتْ أُذنُنا، وانتظمَ لسانُنا العربيّ مثل: محمود سلطان، وزينب سويدان، وزينب الحكيم، وهمّت مصطفى، وأحمد سمير، وسواهم من أيقوناتنا الجميلة التي لا تُنسى. أين نحن من هؤلاء؟! هل يعودُ ذلك الزمانُ العصيّ؟!
أستاذي الجميل، فاروق شوشة، مدينةٌ أنا لك بالكثير، فمتى أوفّي إليك دَيني؟!
أنعيكَ بكل كلمة من قصائدي منذ تفتّحت عيناي على عالم الشعر، وبكل جملة صاغها قلمي، منذ وعيتُ عالم الكتابة. 
نم ملء جفونك عن شواردها، فقد أنجبتَ شعراء يملأون أركان مملكة الشعر شدوًا وغناء.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا ماعت: اخلعي حذاءك في المطار
- صاحبة السعادة تهدينا مذاقاتِ طفولتنا
- سبعُ قبّعات فوق رأسك
- مشروع قومي: ضدّ الطائفية
- حرية التعبير يا حمادااااا
- اخرج م الطابور يا خروف!
- يا ريتها كانت بركت وفطّست العجينة
- ولاد الناس …. وولاد اللامؤاخده
- حموكشة الربعاوي
- على مقام الهُزام
- من ثنيّات الوداع
- الجمال المستحيل
- العلاقمة... قرية مصرية جميلة
- القديسةٌ أم الأمُّ؟
- رسائل محمد بك وفاطمة هانم
- ((قصيدة ((ليلى))
- على طريقة تشارلي تشابلن
- هي العصافير متوحّشة؟
- -تحوت- …. ربُّ القلم والنيروز
- حوار مع أبي: وألحقني بالصالحين


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - حُرّاس لغتنا الجميلة، وقاتِلوها