أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ماجد الشمري - الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!./النص الكامل للمقال















المزيد.....



الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!./النص الكامل للمقال


ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 5316 - 2016 / 10 / 17 - 18:55
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


اقتصر المؤرخون الغربيون في معالجتهم وتناولهم لتاريخ الحرب الاهلية الاسبانية على الجوانب التقنية والعسكرية واللوجستية:نوعية الاسلحة وكمياتها:طائرات ودبابات ومدفعية ورشاشات،الخ.والدعم الكثيف والمتواصل لجيش فرانكو الجرار،ورفده برجال محترفون وخبراء في الحرب والقتال.
ولكن هذا وحده ليس كافيا لتفسير انتصار الفاشية والثورة المضادة(المحقق)على الجمهورية الاسبانية الفتية والقضاء عليها.صحيح وثابت ان الناحية العسكرية والحربية والفنية هامة جدا وذات تأثير كبير وفعال في تاريخ الثورات،ولكنه غير حاسم ونهائي في الثورات الاجتماعية والانتفاضات والحروب الاهلية،دون التحشيد والتعبئة والعمل الجماهيري العام والواسع والمتغلغل في عمق الطبقات الكادحة:من عمال وفلاحين فقراء وبرجوازية صغيرة وغيرها من الفئات المحرومة والمستغلة.وايضا دون توحد اليسار في جبهة عريضة ضد العدو الطبقي الاساسي، وتغليب التناقض الرئيسي في ادارة الصراعات،وهيمنة غالبية الشغيلة سياسيا واجتماعيا على السلطة والنفوذ الطبقي،واستمرار الزخم الثوري والوعي والحس الطبقي،وتوفر قيادات تاريخية كفوءة ومتمرسة وثورية مبدعة في نشاطها العملي والفكري وتحقيق الانتصار على الفاشية.وهذا لم يحدث!بل جرى العكس تماما مع الاسف..
لم تكن الحرب الاهلية الاسبانية،ومصير الجمهورية المأسوي حدثا عابرا في تاريخ الثورات والهبات الجماهيرية وحروبها الاهلية.بل كانت لحظة باهرة،وانعطافة نوعية تاريخية وعالمية فريدة.استقطبت وجمعت حولها ذلك الزخم الهائل والتأييد والاسناد والمشاركة الشعبية الواسعة(60الف متطوع من 50 دولة)من قبل كل احرار وديمقراطيو وثوار العالم من شتى الشرائح والطبقات الاجتماعيةوالمستويات الفكرية والسياسية:عمال ،فلاحون،مثقفون،اكاديميون،الخ.فتجربة الثورة الاسبانية افرزت موقعان او خندقان،مع الثورة،وضدها،انصار الشعوب المضطهدة،وحقوق الانسان،والحريات،والشرعية البرلمانية،والديمقراطية والعدالة الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية،انتصار للانسان العامل المستغل والمستعبد والمحروم .والخندق الاخر ضم كل:اعداء الشعوب الظلاميين،واعداء كل القيم الانسانية والثورية النبيلة،من:ملاك الارض الكبار مصاصي دماء الفلاحين الفقراء،والبرجوازية الصناعية الجشعة والمتخمة بعرق وبؤس العمال،والكنيسة الكاثوليكية عدو قيم المسيح والفقراء الاسبان،وملكيين متعفنين،وجنرالات فاشست معادون لكل ماهو انساني وجميل وعادل.
ولكن المشهد العالمي المنحاز،والظروف المحلية القاصرة والمتذبذبة كانت تشير ومنذ البدء لتراجع وانكفاء قوى الثورة والجمهورية،ومآلها الكالح والحزين المقبل،والنهاية الكارثية التي بلغتها كانت متوقعة وشبه حتمية لمن قرأ الاحداث والوقائع التي كانت تتفاعل وتتداعى.فقد وقفت من الجمهورية الاسبانية،موقف اللامبالاة(الحياد)والبرود والنذالة والنفاق والخسة!ليست الامبرياليات(الديمقراطية)و(الحريات)بل-وهنا الطامة الكبرى!-حتى دولة (العمال)!التي بدلا من ان تسعى وتعمل من اجل انقاذ الجمهورية من السقوط،ساهمت بالعكس في ذبحها وهزيمتها!.فكانت الجمهورية الاسبانية مغدورة كحال الثورات التي انطفأت وحيدة دون ناصر،وكحال ثورة اكتوبر المجيدة التي غدرت وتخلت عن اهدافها بعد موت لينين!..كانت القضية الاسبانية ورقة للمساومة والانتفاع والبيع والشراءبين المفترسين الكبار!.
ثلة قليلة من المؤرخين هي من رسمت صورة بانورامية كاملة وغنية بالتفاصيل والوقائع والسرد التحليلي الموضوعي المنصف والنزيه لصعود وافول الجمهورية الاسبانية الذبيحة،وتناولتها تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا في مايتعلق بالحرب الاهلية.ومن هذا النفر كان المؤرخ الانكليزي واستاذ التاريخ المعاصر في جامعة ريدنج:هيو توماس.ففي عرضه التاريخي للحرب الاهلية الاسبانية بكتابه الضخم"الحرب الاهلية الاسبانية"اعتمد هيو توماس على"جمع ودراسة كل الحقائق المتوفرة عن اكثر قصص هذا القرن بطولة ومدعاة للرثاء".وقدم تحليلا موضوعيا شاملا للعوامل والاسباب التي قادت لاول صدام عالمي بين الديمقراطيات والفاشية.
فتوماس يستهل كتابه التاريخي بعرض تفصيلي واحاطة بالاوضاع التي سادت اسبانيا عام1936،ومن ثم قدم لمحة عن تاريخ اسبانيا،والقوى الطبقية المتصارعة من اجل الاستحواذ والسيطرة السياسية..
فقد كانت"الجبهة الشعبية"المؤلفة من:ليبراليي الطبقة المتوسطة،والحزبين:الاشتراكي والشيوعي،قد فازت في انتخابات شباط البرلمانية عام1936 على "الجبهة الوطنية"المكونة من:الحزب الكاثوليكي،والحزب الملكي-التحالف الممثل لاسبانيا القديمة-وكبار الملاك والجيش والكنيسة والبرجوازية الكبيرة.
.فلم تكن الازمة التي واجهت اسبانيا في حزيران من عام1936 والتي تميزت بالحدة واعمال العنف والاحتراب،واجواء من التربص والمواجهة والعداء والتوتر والتناحر من اليمين واليسار على السواء،بالازمة الطارئة المستجدة،بل كانت لها جذورها وخلفياتها المحتقنة،والتي تعود الى مطلع القرن التاسع عشر.حين بدأ الصراع حول طبيعة ومضمون وطريقة واسلوب حكم البلاد والنظام السياسي الذي يسود،ومن هي الفئة او المجموعة الاحق والاجدر بالقيادة السياسية لاسبانيا..
فالملكية المطلقة في اسبانيا كانت قد زالت على يد نابليون،ولكن الانكليز بقيادة "ولنغتون"اعادوا اسرة"البوربون"الى حكم اسبانيا من جديد،ولفترة طويلة.تركز الجدل السياسي بعد ذلك حول مسألة الدستور الليبرالي بين الجيش والكنيسة:القوتان الرئيسيتان اللتان استمرتا فاعلتين بعد حرب الاستقلال..ففي عام1820 فرض الجيش دستورا جديدا على الملك.الامر الذي استدعى من الاخير القيام بطلب النجدة من القوات الفرنسية عام1823 للتخلص منه.تطور الصراع عام1834 ليؤدي الى حرب"الكاوليست"الاولى والتي انتهت بأنتصار الليبراليين.اعقبتها سلسلة من الانقلابات العسكرية،والتي كان يتزعمها الجنرالات لتغيير الحكومات!.وانتهت هذه المرحلة الشاذة والغريبة بقيام الجنرال"بريم"يطرد الملكة"ايزابيلا".وتنازل"اماديو"خليفتها عن العرش عام1873نتيجة للضغوط السياسية والاضطرابات والحراك الجماهيري لتنتهي تلك الحقبة بأعلان الجمهورية الاسبانية الاولى عام1873،لتعود الملكية وآل بوربون للحكم بعد عام في1874.ونتيجة لفشل الجنرالات في السيطرة على الاوضاع!.
في عام1879صدر دستور ليبرالي جديد،وكان دستورا اسميا خاويا تجاوزه جميع الاطراف!.كما صدر تشريع صوري عام1890 يمنح الحرية لجميع الذكور بالانتخاب والترشيح.الا ان هذا التشريع ظل بلا معنى وعقيما،مع التزييف والتزوير المنهجي والمستمر لمهزلة الانتخابات.الامر الذي حدا بالجماهير والشغيلة الاسبانية للعزوف عن المشاركة فيها لانها ادركت بعمق ان النظام البرلماني هو كوميديا سياسية وتهريج،وهو وسيلة مثلى لابعادها وعزلها عن ممارسة اي دور او نشاط سياسي يقرر مصيرها.وهنا اضطرت الطبقة العاملة للجوء الى سلاحها التقليدي،الا وهو التنظيم النقابي،متراسها الاخير في الدفاع عن نفسها،وكبديل نضالي لغيابها عن الكورتس(البرلمان).(سيطرت على الطبقة العاملة الاسبانية تعاليم باكونين الفوضوية،وبرز اتحادان قويان للعمال:كونفدرالية العمال الفوضويين،وكونفدرالية العمال الاشتراكيين،فلم يشكل الفوضويين الاسبان حزبا او تنظيما سياسيا،وكان نشاطهم سنديكاليا اقتصر على التنظيمات العمالية النقابية).
وبحلول عام1923 وكنتيجة للفشل في معالجة المشاكل الناجمة عن مطالبة مقاطعة"كاتالونيا"بالحكم الذاتي،وايضا نتيجة لفشل الجيش في انهاء حرب الريف المراكشية،بات النظام البرلماني مهشما بالغ الضعف والتفسخ.لذا ايد الملك الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال"ميكيل بريمو ديريفيرا"والذي حكم اسبانيا حكما عسكريا ديكتاتوريا خنق الانفاس وسحق كل معارضة طيلة ست سنوات.ولكن لضعف قاعدته السياسية،وغياب الدعم له اقدم على تقديم استقالته.وعند سقوط "ديريفيرا"عام1930كانت القوى السياسية الرئيسية في البلاد قد تحولت عن تأييد ودعم الملكية.فقد كان الجيش متذمرا وناقما،والكنيسة منحازة لتعزيز النظام البرلماني،وايضا لم يكن العمال والفلاحون او الطبقة الوسطى وبقية الشرائح الدنيا يأملون خيرا او جدوى من استمرار النظام الملكي.
وأثر الحركة الانقلابية الفاشلة عام1931والتي قام بها ضباط جمهوريون اعدموا بعد ذلك،تقرر بعدها اجراء انتخابات عامة دعا اليها الملك مضطرا لاراغبا وتحت تأثير ضغوط شعبية.مني بها انصار الملكية بهزيمة كاملة في كل المدن الاسبانية،ولكنهم ونتيجة لتلاعبهم بنتائج الانتخابات حصلوا على الاغلبية المطلقة في المقاطعات الريفية!.فانتشرت بسبب ذلك الاضطرابات العنبفة والدموية،فأجبر الملك لمغادرة البلاد قسرا،واعلان الجمهورية الاسبانية الثانية في شباط عام1931..
في نهاية شباط1931وبرئاسة"زامورا"تشكلت الوزارة الاولى من:الراديكاليين،والليبراليين،والجمهوريين،والاشتراكيين.ولكن الجمهورية الفتية لم تنعم بالاستقرار لفترة طويلة،وقبل ان تنهي الجمهورية الوليدة شهرها الاول حتى بدأت الصدامات الدامية بين انصار الملكية وانصار الجمهورية.فاعلنت حكومة زامورا عن اجراء انتخابات في حزيران1931 وحصلت الاحزاب المؤيدة للحكومة الجمهورية على اعلى الاصوات.فكل الاحزاب اليمينية لم تحصل كلها الا على60مقعدا.في حين حصل الحزب الاشتراكي على116مقعدا،و60مقعدا للاشتراكيين الراديكاليين،و30مقعدا لحزب العمل الجمهوري الذي يقوده"آزانا"،و90مقعدا لراديكالي "لاروكس"،و43للاسكويرا الكاتالونية،و22 للحزب التقدمي بزعامة"زامورا"رئيس الحكومة،و16للقوميين الغاليين بزعامة"كيروغا".وسرعان ما تحرك اليمين،فقد وجه الكاردينال المعادي للجمهورية"سيفورا"طلقته الاولى لبدء الحرب الاهلية،من خلال ندائه ودعوته للتمرد ومقاومة:"اولئك الذين يسعون للقضاء على الدين"!.وتجمع اعداء الجمهورية اليمينيين من كل حدب وصوب ليقرروا تأسيس حزب ملكي شرعي جديد،واصدار صحيفة تدعو جهارا للثورة على الجمهورية،وتكوين تنظيم سري داخل الجيش للاعداد للثورة المضادة والقضاء على الجمهورية.استقال"زامورا"لعدم تمكنه من انهاء الاضطرابات ليتسلم"آزانا"رئاسة الحكومة بدلا منه.
قام الاتحاد النقابي الفوضويctn(الاتحاد القومي للعمل)بسلسلة من الاضرابات،تم اخمادها وبأمر من"آزانا"للجيش بقصف الاحياء العمالية بالمدفعية!..
ويشير المؤلف هيو توماس الى ان موجة العنف اظهرت ان التهديد الموجه للحكومة كان من اليمين واليسار على السواء!.
وان لم يكن الوزراء على علم او اطلاع بنوايا ومخططات الملكيين،وايضا غير مقدريين لقوة ونفوذ الفوضويين(كان تعداد الفوضويين بزيد على المليونين في تلك الفترة)..
اصدرت الحكومة الجمهورية وبرلمانها دستورا جديداعام1931ذلك الدستور الذي اثار سخط وغضب الاوساط اليمينية الرجعية والمحافظة.ومن مواده:تحديد سلطة الكنيسة،والغاء التعليم الديني،والسماح بالطلاق،والزواج المدني،ووضع قانون للاصلاح الزراعي،وادخال بعض الاصلاحات والتغييرات الاجتماعية،وتنظيم الاجور،ومنع استغلال العمال،ومنح المرأة حقوقها،واصدار تشريع ملزم بمنح مقاطعة كاتالونيا الحكم الذاتي،وغيرها من تشريعات.
كان "مانويل آزانا"(كيرنسكي اسبانيا كما وصفه تروتسكي)زعيم الحزب الجمهوري اليساري ضد تسلم رئاسة الحكومة،وكانت الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة حافزا قويا لاعداء الجمهورية بالتجمع.مادفع بالجنرال"سنفورو"لتزعم انقلاب فاشل عام1932 عطلت على اثره صحف اليمين،وواجهت الحكومة حركة عصيان من جانب الفوضويين في اقليم كاتالونيا عام1933،وقد سحقت الحكومة تلك الحركة بقسوة وعنف دموي واعدامات!.
تقرر بعدها اجراء انتخابات فرعية في المقاطعات والاقاليم التي اقترعت لصالح الملكية عام1931.ونتيجة لللانعطاف نحو اليمين بعد سنتين من حكم الجمهورية،ونتيجة لتحالف اليمين والوسط،مع بقاء اليسار مشتتا ومتناحرا.تعرض"آزانا"لهزيمة ساحقة،وبرز الوسط بقيادة"ليروكس"وحزب الكاثوليك بزعامة"غيل رويلز"الذي كان قد قابل هتلر واجرى معه مباحثات!.
وذلك لان الحزب الاشتراكي بزعامة"لارغو كاباليرو" وفي محاولة منه لكسب الطبقة العاملة،وعدم افساح المجال للفوضويين بقيادة العمال.انعزل الحزب عن احزاب الطبقة الوسطى،ولم يعد يرى ادنى جدوى من التحالف مع"آزانا"والبرجوازية.
وطوال عامين ونصف العام بعد انتخابات1933 تميز تاريخ اسبانيا السياسي تلك الفترة بانحراف حاد ومتنامي نحو الفوضى والعنف والصراع الدامي والاغتيالات،ومن ثم مضى حثيثا نحو هاوية الحرب الاهلية في نهاية المطاف.
تشكلت الحكومة الجديدة برئاسة"ليروكس"من الوسط والراديكاليين،وبأسناد من حزب الكاثوليك!.عمدت تلك الحكومة ومنذ البدء لتعطيل والغاء كل انجازات وقوانين الحكومة السابقة،وعملت على اصدار عفو عام شمل قادة الانقلاب اليميني الفاشل عام1932.ولكن تردد رئيس الجمهورية في التصديق على العفو العام دفع ب"ليروكس"لتقديم استقالته والتنحي عن رئاسة الوزراء.في هذا الوقت نشأت ازمة دستورية بين الحكومة المركزية وحكومة كاتالونيا،وبرزت ميول انفصالية في اقليم "الباسك".وازاء تهديد"غيل رويلز"بسحب تأييده للحكومة،تعاون الاشتراكيون والفوضويون لاول مرة في دعوتهم لاضراب عام،ومطالبة"غيل رويلز"بأعلان تأييده للحكومة والنظام الجمهوري.اذ من دون ذلك فاسبانيا ستكون ماضية نحو الفاشية لامحالة.الا ان"رويلز"لم يكن مستعدا لذلك فسقطت الحكومة ليعود"ليروكس"لتشكيل وزارة ضمت ثلاثة اعضاء من الحزب الكاثوليكي.جاءت ردود الفعل سريعة وعنيفة على ذلك،فقد اعلن الاشتراكيون اضرابا عاما في مدريد قمعته الحكومة بعنف واعتقلت جميع قادته.وفي كاتالونيا تشجع رئيس جمهورية كاتالونيا"كومبيني"وبادر للاعلان عن انشاء دولة كاتالونيا الحرة كجزء من الجمهورية الاسبانية الفدرالية.ولكن الحكومة واجهت ذلك الاعلان بعنف ايضا،وتمكنت من اخماد وسحق الثورة الكاتالونية.كما حدثت اضطرابات واضرابات في مدن اخرى من البلاد وخاصة في"استورياس"حيث اعلن عمال المناجم اضرابا شاملا ردا على وصول الفاشست الى السلطة في مدريد.
بعد سحق الاضراب العمالي العام في مدريد،وثورة عمال المناجم الشاملة في استورياس،واخماد ثورة كاتالونيا التحررية.كانت الحكومة الجمهورية تواجه وتتوقع شبح الحرب الاهلية المحتملة والقادمة بالفعل.لذا قامت بأتخاذ اجراءات مشددة وقاسية:فأستدعت (الجزارين)الجنرالين الاكثر وحشية وعنف-فرانكو،وغودد-اللذان سيذبحا الثورة الاسبانية لاحقا !.واخذت باقتراحهما المتطرف:لارسال الفرقة الاجنبية لسحق وتدمير ثورة العمال في استورياس،حيث انجز الامر بنجاح،ولكن بنهر من الدم وعلى اشلاء الضحيا من العمال:500قتلى،و30الف معتقل خضعوا لظروف سجنية رهيبة من قسوة وترهيب وتعذيب!.في مدريد اعتبر فرانكو وغودد"منقذين للامة"!.ولكن تداعيات الثورة واسلوب قمعها كانت نتيجته مأسوية فلم يعد بالامكان مع هذا الدم المراق تجنب الحرب الاهلية كحل وحيد ومسلح للازمة الاسبانية الشائكة والعصية على الحلول السياسية الباردة.فقد كان كل قادة الاشتراكيين والفوضويين في السجون والمعتقلات،وكذلك"آزانا"و"كومبيني".حاول"ليروكس"اتباع سياسة وموقف معتدل ومهادن دون جدوى.لذا تقرر حل البرامان،واجراء انتخابات جديدة ومبكرة،لعلها تساهم بأبعاد شبح الحرب الاهلية الكريه الذي كان يخيم على اسبانيا البائسة!..
جرت انتخابات عام 1936البرلمانية ، وكانت اساساً بين تحالف اليمين بكل اطيافه، وبين تحالف اليسار و كل تنظيماته و احزابه . و في الوقت نفسه كان قد طرأ تحول مفاجئ في سياسة الكومنترن و نهجه من النقيض الى النقيض ! من اقصى اليسار الى اقصى اليمين !. والكومنترن بعد لينين و تروتسكي كان اداة طيعة و ذليلة بيد ستالين و بيروقراطيته و بالتالي كان الحزب الشيوعي الاسباني ايضا اداة تابعة و خانعة و منصاعة لسياسة الكومنترن دون ان تأخذ بالحسبان ظروف اسبانيا و التعقيد السياسي و الطبقي السائد !. فلم يدعم الحزب الشيوعي الاسباني حكومة الجمهورية الاولى لان الكومنترن في تلك الفترة كان ضد اي تعاون خارج دائرة الاحزاب الشيوعية!، و في مرحلته اليسارية الستالينية المتطرفة !( تلك المرحلة التي امتدت من عام 1928 الى عام 1934 و كانت سببا رئيسيا في صعود الفاشية الالمانية فقد حرم على الشيوعيين الالمان التحالف أو ادنى درجات التعاون مع الاشتراكيين الديمقراطيين الالمان) ! فقد كان الخط السياسي الستاليني يعتبر الاشتراكيين الديمقراطيين اكثر فاشية من الفاشية نفسها ! و بالتالي كان ضد التنسيق مع الحكومات البرجوازية و الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية أو مشاركتهم الحكم. فقد رفضوا العمل باي شكل من اشكال العمل مع الاحزاب العمالية غير الشيوعية! . لكن الجوق الستاليني البيروقراطي داخل الكومنترن بعد انعطافتهم بعكس الاتجاه السابق لم يعودوا الى التكتيك اللينيني الصائب و المتمثل بالجبهة الموحدة للطبقة العاملة بكل توجهاتها السياسية و النقابية ، بل مضوا بعيدا الى اقصى اليمين الانتهازي ، و دعوا الى دعم الحكومات الرأسمالية الامبريالية (الديمقراطية) تحت شعار " الجبهة الشعبية المضادة للفاشية" !. فقد دعا الكومنترن و تحت هيمنة ستالين ، و بهدف كسب بريطانيا و فرنسا الى جانب الاتحاد السوفييتي في مواجهة هتلر الى اقامة الجبهات والتحالف مع احزاب وحكومات البرجوازية ! . لذا اقدم الحزب الشيوعي الاسباني على التعاون مع بارونات البرجوازية الصناعية و الطبقة المتوسطة و فعلا خضع الحزب الشيوعي الاسباني لهذه السياسة و هذا التوجه المضاد لتياسره السابق!... ومع ظهور نتائج الانتخابات تحرك فرنكو و حث رئيس الوزراء على اعلان حالة الطوارئ و فرض الاحكام العرفية لمنع الجبهة الشعبية من الوصول للسلطة !. و قد رد فرنكو عندما قيل له : ان ذلك سيؤدي الى ثورة؟ قائلا :" نعم لكن بمساعدة الحكومة ستكون هناك قوة للقضاء عليها"! . و رغم ذلك فقد تسلم الحكم من جديد " ازانا " الجمهوري ، و عمت تظاهرات الترحيب و التأييد بذلك حيث اطلق سراح السجناء السياسيين ، و تم طرد فرنكو و غودد من منصبيهما في وزارة الدفاع ، و اعيد العمل بقانون الاصلاح الزراعي المجمد ، و عاد "كومبيني" الى الحكم في كاتالونيا .. كان اليسار العمالي و الاشتراكي مازال مشتتاً و متنافساً حتى تلك اللحظة ، و ان كان يعتقد ، بل هو واثق بأن المستقبل له!. فالفوضويين الاوسع و الاقوى و الاصلب كفاحيا و نقابيا في اوساط العمال ظلوا منعزلين عن تحالف الجبهة الشعبية ، و نتيجة لتيارهم الجارف و الرافض لكل اشكال السلطة ، والدولة ( منذ وصول اتباع باكونين في الاممية الاولى و رابطة الشغيلة العالمية الى اسبانيا عام ١٨٦٨ وجدت الفوضوية تربة خصبة لها في اسبانيا فبنت قواعدها و مدت جذورها في تربة العمال الزراعيين الذين لا ارض لهم ، و بين العمال الذين يؤيدون الانفصال القومي ، و المضادين لكل سلطة في مصانع برشلونة والباسك فقد كانوا ضد كل عمل سياسي و تنظيمي للعمال ، و يعتبرونه اجراءا برجوازياً مرفوضاً ، و يشجعون على القيام بأعمال ارهابية ضد ممثلي السلطة الحاكمة ، وكانت تنظيماتهم نقابية سنديكالية و ليست سياسية حزبية ، وكان سقوط الجمهورية يسعدهم بلا شك كما يسعد الفاشست )! .. و في المقابل كان اليمين الفاشي قد شرع و منذ ربيع 1936 بتوحيد صفوفه و جهده للتعاون مع القوى البرجوازية . و في الوقت نفسه كانت مخططات الجنرالات الفاشست قيد الرسم و الاعداد فهم كانوا مدركين جيدا أن الكلمة الفصل لحكم اسبانيا ستتم لا من خلال الخطب و الترهات البرلمانية العقيمة ، بل من خلال فوهات البنادق و الحسم المسلح ! . هذا ما قرره اليمين الفاشي المتحد و سعى من اجل تحقيقه . و كان وضعه أفضل بكثير من التيار اليساري و صراعاته من اجل الحظوة الجماهيرية. فقد كان اليسار و بلا استثناء ممزقاً و مغلباً للتناقضات الثانوية على الهدف الرئيسي و هو الثورة و تحقيق الانتصار . كان اليمين الفاشي قد قرر القيام بحركة عسكرية مضادة في حالة تسلم "لارغو كاباليرو" زعيم الحزب الاشتراكي الحكم ، أو في حالة حدوث الفوضى و ضعف النظام !. و بالفعل قام فرنكو بتحذير " ازانا " من اخطار الشيوعية الملحدة!. و كان الجنرال " مولا" هو العقل المدبر للمؤامرة الهادفة لتحقيق ماسمي بالنظام و العدالة و السلام " للجميع باستثناء اولئك الذين يتلقون الوحي من الخارج من : اشتراكيين ، و ماسونيين ، و فوضويين ، و شيوعيين . تتابعت الاحداث صوب الكارثة و نهاية الجمهورية ، فقد اغلق مركز " الفالانج" الكتائب في مدريد و اعتقل زعيمهم " خوزيه انطونيو" ، و قام الفلاحون المعدمون بالاستيلاء على الاراضي في مناطق متعددة من البلاد . وسادت اسبانيا موجة عالية من العنف و الغليان و الاضطرابات بحيث بات من العسير استمرار الحياة العادية وسط ذلك الذعر و الصراعات الدموية تلك . فأقصي رئيس الجمهورية خشية ان يستغل مركزه للقيام بمساعدة اي انقلاب يميني على السلطة . أنتخب " ازانا" في العاشر من ايار عام 1936 ليحل محله كرئيس للجمهورية. أثار المؤرخ هيو توماس سؤالا مقتضبا عن دور الاوضاع الاقتصادية في سقوط الجمهورية فذكر :" أن الحكومات المتعاقبة لم تفعل مايكفي من اجراءات في سبيل تطور الاقتصاد الاسباني ، لاسيما و ان العالم كان يجتاز الازمة الاقتصادية الكبرى. . فقد هبط الانتاج الى حدوده الدنيا في صناعات المناجم المتعددة ، و جرى ذلك دون ان يبدو على المسؤولين مايشير الى ادراكهم الحجم و طبيعة الازمة الاقتصادية التي كانت تواجههم هذا بالاضافة الى ان الطبقة الوسطى كانت تعزو أنخفاض قيمة الاسهم الى حكم " ازانا" و الوضع السياسي الخطير في كافة انحاء البلاد . و في الوقت ذاته ساهم انخفاض مستوى المعيشة في المدينة و الريف لمستوى الفقر المدقع بدفع العمال و الفلاحين للوقوف ضد حكومة الجمهورية و القاء تبعة اوضاعهم البائسة عليها. لقد سقطت الجمهورية الثانية لانها و منذ البداية لم تلق قبولا من القوى السياسية الفعالة لا من اليمين ولا من اليسار على حد سواء . فاليبراليين فشلوا بعد عام 1931 في خلق الديمقراطية القوية و الحقيقية و التي ترضي طموح العمال و الفلاحين و لا الشرائح الطبقية الفقيرة ، و لا الطبقات الحاكمة القديمة و الكنيسة . و من هنا كان اليمين الفاشي المتطرف يلجأ للانقلابات العسكرية لتغطية هزيمته في الانتخابات البرلمانية الشرعية ، و لجوء جزء من اليسار الفوضوي ايضا في عام 1934 الى الثورة للتغلب على هزيمته في الانتخابات ، و لمواجهة اخطار الفاشية . و هكذا بات التوجس و الخوف المتبادل لدى الفريقان من اقدام احدهما على توجيه الضربة الاولى الاستباقية و الحاسمة . فأسياد القوة الاقتصادية يقودهم الجيش و تسندهم الكنيسة رمز المجد الغابر لاسبانيا الماضي الكاثوليكي . و في المقابل كان هناك الطبقة العاملة التي خضعت و لاجيال عديدة من البؤس و الاستغلال و مهانة العيش . لذا لم يعد ممكنا تجنب الصدام و حتمية حلول كارثة الاحتراب الاهلي . ففي مطلع تموز اصبحت الاغتيالات السياسية طقسا يوميا و ممارسة عادية !. فقد قتل "كالفوسوتيللو" زعيم المعارضة البرلمانية و قائد الملكيين ، ردا على اغتيال احد زعماء الجمهوريين. كما اغلقت الحكومة مراكز احزاب الملكيين و الكارليست و الفوضويين في العاصمة مدريد. و اعلن الاشتراكيون و الشيوعيون تأيدهم للحكومة ، و طالبوها بتوزيع الاسلحة على الاتحادات النقابية العمالية ، في حين اعرب زعماء اليمين المتطرف عن يأسهم من النظام البرلماني . و غدا واضحا للحكومة الجمهورية ان اليمين هو العدو الاول و لكن دون ان تعتبر اليسار حليفا لها ، ان لم يكن عدواً ثانياً متخفيا !. كان الاعداد للانقلاب العسكري قد تم بالاتفاق بين العسكر مع الفالانج و الكارلسيت ، الذين اصروا على قيامه تحت العلم الملكي ، والدعوة لألغاء جميع الاحزاب بعد النصر !. و حدد"مولا" يوم السابع والعشرين من تموز موعدا لبدء الحركة من مراكش حيث يطير فرنكو الى هناك لتسلم قيادة جيش افريقيا و لأن المتأمرون كانوا يدركون صعوبة السيطرة على مدريد في تلك المرحلة . و كانت " سيفيك" و ليست " برشلونة" هي الهدف الاول على الارض الاسبانية فالخطة كانت تقضي بتحرك " مولا" من الشمال و " غودد" من الشمال الشرقي و " فرنكو" من الجنوب ، و جنرالات الحاميات الاخرى بأتجاه العاصمة ، على ان يطير " سينفورو" من البرتغال الى المكان المناسب لتمركزه. و تجمعت السحب السوداء لتنذر بالحرب الاهلية الوشيكة في افق اسبانيا المدلهم!..
في 18 تموز 1936 أذاع فرانكو من راديو مراكش بيانا اشار فيه الى العلاقة التي تربط الجيش بالمدينة بصرف النظر عن طبيعة و نوع الحكم . و هاجم التدخل الاجنبي ، و وعد بأقامة نظام جديد بعد النصر على الجمهورية . الا انه لم يتطرق لمهاجمة الكنيسة من قبل الجمهورية ، و سبب ذلك هو ان التمرد الفاشي لم يتحول بعد الى حرب صليبية !. كانت حكومة الجمهورية غارقة في اعتقادها ، بأن التمرد سيقتصر فقط على مراكش . في حين ان قادة الاحزاب اليسارية كانوا يتوقعون حقاً بانه سيشمل حتما كل اسبانيا . و في كل لحظة ، و يرون ضرورة توزيع السلاح فوراً على الجماهير و دون تردد. و وفق خطة حركة التمرد ، انتقل الجنرال الفاشي " كويبو" في 18 تموز الى الاندلس ، و كان هذا الجنرال قد اشتهر بتهديده المستمر و وعيده ب: قتل و أسر عوائل. الجمهوريين و ابادتهم جميعاً! ، من خلال تصريحاته اليومية المذاعة. هنا يبدي المؤرخ هيو توماس رأيا له فيقول : لو أن الحركة قامت في 18 تموز في جميع انحاء البلاد في أن واحد لتمكن الانقلابيون من النجاح في ٢٢ منه كما كانوا يتوقعون !. و من جهة أخرى : لو كانت الحكومة الليبرالية برئاسة " كاسارز " قد وزعت السلاح على الجماهير ( أعلن كاسارز : أن كل من يعطي السلاح للعمال سيعدم !. و هذا ماحقق الانتصارات المتوالية للفاشيين ، و أدى لموت عشرات الالاف من العمال) و أتاحت للعمال الفرصة للدفاع عن الجمهورية بوقت مبكر ،و لكان من المحتمل جدا القضاء على التمرد و هو في مهده!. و لكن شيئا من ذلك لم يحدث . ( من الضروري الاشارة الى ان موقف حكومة الجمهورية من مستعمراتها ، فمراكش التي كانت القاعدة الرئيسية لجيش فرانكو كان من الممكن اعلان استقلالها من قبل الجمهورية - على الاقل حتى بالمعايير الديمقراطية البرجوازية - لكسب الشعب المغربي كحليف مضمون ضد الفاشية ، لكن حكومة الجمهورية ظلت متمسكة بحكم المغرب ، و تشبثت بأطماعها الامبريالية القديمة)!. و قد ناشد الزعيم الفلاحي و العسكري الكبير" عبد الكريم الخطابي" " لارغو كاباليرو" أن يسمح له بالعودة من منفاه الى المغرب ، و تعهد له بالقيام بأنتفاضة مسلحة ضد فرانكو هناك ، و لكن " كاباليرو" - الذي كان يلقبه الستالينيين " لينين اسبانيا " رفض ذلك !!. جرت الامور بتلقائية ، فقد اخذت كل مدينة و قرية تتصرف ذاتيا: تتمرد الحامية و يسندها على الفور الفالانج و الحرس الوطني الفاشي في اغلب الحالات ( و في حالة عدم وجود حاميات كان الفالانج و الحرس الوطني و اليمينيون يبسطون سيطرتهم ، و لا يواجهون اي مقاومة) ! فيعلن القائد العسكري حالة الطوارئ و الاحكام العرفية . وقد يلاقي اغتصاب السلطة هذا و احيانا بعض المقاومة من ميليشيا الاشتراكيين و الفوضوين و الشيوعيين ، و التي لم تكن في حال تواجدها قادرة على ان توازن قوة الجيش المدرب و المسلح بكفاءة و اقتدار و من اجراءات المقاومة : اعلان الاضراب ، و حفر الخنادق في الشوارع ، و اقامة المتاريس ، ثم يتبع ذلك قتال دموي عنيف و لم تكن الخسائر في الارواح من كلا الجانبين تعني شيئاًلطرفي النزاع!. و حيث ينتصر الانقلابيين ، كانت تعلن الاحكام العرفية و الحكم العسكري الصارم . في حين تعلن الثورة اليسارية في الاماكن التي تسحق فيها التمرد اليميني . أمام تدهور الاوضاع من سيء الى اسوأ ، اوكل " ازانا " بالحكم لوزارة معتدلة لامتصاص الفوضى ، و كمحاولة فاشلة للتسوية و التهدئة و الانقاذ الأمر الذي اثار سخط اليسار ، و قابله بالرفض ايضاً الجنرال الفاشي " مولا" و الذي خاطب " ازانا" قائلاً : ليس باستطاعة الجبهة الشعبية أن تحافظ على النظام ، لديك اتباعك و لدي اتباعي ، و اذا كنا سنوقع على صفقة ، فمعنى ذلك اننا نخون مثلنا و رجالنا و يستحق كلانا الاعدام دون محاكمة". بعد ذلك تشكلت حكومة " غيرال" لتواجه : " اعلان الفاشية الحرب على الشعب الاسباني " . لتقوم تلك الحكومة ، بتوزيع السلاح على جماهير العمال يوم 19 تموز ، و لكن بعد فوات الاوان! . فالعديد من المناطق سقطت و أصبحت تحت رحمة الفاشية !. تمكن الفوضوين في برشلونة من التغلب على المتمردين الذين كانوا بقيادة الجنرال الفاشي " غودد" ( في كاتالونيا و الباسك كان الفلاحون يشكلون 70%من السكان و 3/4 منهم كانوا معدمين لا ارض لهم ، أي اشباه البروليتاريا ، و كانت اعمالهم موسمية ، و اجورهم لا تسد الرمق ، و من هنا كانت قوة و بأس الفوضويين في برشلونة) . و أنقلب الموقف لصالح الجمهورية في " استورياس" و سقطت مقاطعتان في الباسك بيد المتمردين ، في حين تم سحقهم و التغلب عليهم في " سان سباستيان" . ولم يحدث تمرد في " بيلباو" . و كانت ابرز انتصارات الفاشيين المتمردين في 19 تموز هي في " بورغوس " و " ساراغوسا " و " بامبلونا " و " فلاو وليد" . في مدريد واجه الفاشست بقيادة الجنرال " فنجول" الفشل . لاسيما و أن الاحزاب اليسارية و نقابات العمال كانت مستعدة لمواجهتهم ، حيث كانوا يشكلون كتلة ثورية صلبة و بالغة القوة . و كان فشل التمرد في مدريد بمثابة اعلان بدء الحرب الثورية الشاملة ، اي الحرب الاهلية في كل انحاء اسبانيا . كان يوم 20 تموز هو يوم النصر بالنسبة لعمال مدريد في حين كان فرنكو قد سيطر كلياً على الوضع في مراكش . و استمر الجنرال " مولا" في مقاومة الثورة في شمال اسبانيا . و بعد مصرع " سنفورو" في حادث طائرة ، و بعد اعتقال " خوزيه انطونيو" الفاشي و " غودد" و " كالفو سوتيللو" لم يبق في قدرة الحركة الفاشية المتمردة الا التعويل على الجنرال فرنكو المنتصر في مراكش . و هكذا انقسمت اسبانيا الى جبهتين : في المعسكر الفاشي و اليمينيين كانت السلطة كلها للعسكر : احتقار المدنيين و قوانين الطوارئ، و تحريم الاحزاب التي ساندت الجبهة الشعبية ، و عمليات التصفية الجسدية لكل يساري ومهما كان انتماءه !. و كان شعار " مولا" في 19 تموز :" ضرورة نشر الرعب و علينا خلق انطباع بالسيطرة ، فينبغي اعدام كل شخص يؤيد الجبهة الشعبية سراً او علانية !. و كانت اوامر فرنكو المشددة : بأن لاتصله طلبات العفو عن المعتقلين و الاسرى الا بعد تنفيذ احكام الاعدام ! و القتل بالجملة ( الابادة الجماعية ) حيث بلغ عدد الضحايا في تقديرات مايقارب المليون حتى عام1938 بمن فيهم اعضاء البرلمان من الاشتراكيين و أعظم شعراء اسبانيا " غارسيا لوركا" الذي قتل بأيدي الفاشست القذرة و بدم بارد !، مع بروز "الفالانج " الحزب الاكثر فاشية كقطب سياسي جاذب للطبقة المتوسطة. أما على الجانب الجمهوري من الجبهة ، اعلنت الثورة لتغيير وجه المجتمع الاسباني ، و شغلت المصانع و ادارتها ، و ادخلت فرق الميليشيا ، و انتشرت التعاونيات الزراعية ، و كانت السلطة الفعلية في مدريد تعاني من شحة المواد الغذائية و الدوائية . وكان هذا الهدف الذي يسعى لتحقيقه ( الوطنيين) اليمينيين و نجحوا في ذلك الا و هو : أخضاع الجمهورية و تركيعها عن طريق الجوع و الحاجة!. و لم يمض وقت طويل حتى تبين ان اسبانيا تشهد حربا حقيقية ضروس و شرسة، و ليس مجرد تمرد ومقاومة للتمرد . و بات كل فرد يعتبر نفسه جنديا و رجل ميليشيا ثوري ضد قوات اليمين الفاشي . فالقوات المسلحة ( الجيش ) كانت كلها الى جانب اليمينيين : جيش افريقيا و الفرقة الاجنبية ، والحرس الوطني ( تمرد معظم بحارة قطع الاسطول ضد ضباطهم المواليين للوطنيين ، و عدم فعالية القوات الجوية) . و من هنا كان تفكير كلا الجانبين متجها صوب طلب العون من الخارج : ففرنكو كان يحتاج للطائرات و البحرية لنقل جنوده من مراكش الى داخل اسبانيا ، و حكومة الجمهورية كانت تدرك جيدا بأن الطيران هو المفتاح و السبيل الامثل للانتصار على الفاشية. و فعلا حصل فرنكو على الدعم و المساعدة فتدفق عليه السلاح و الرجال و الطائرات من المانيا و ايطاليا دون انقطاع و بلا حدود ، و لامتلاكه و تحت امرته جيش مدرب محترف و مسلح جيدا . فقد كانت كفة النزال تميل و ترجح كفة فرنكو في ميزان القوى الاستراتيجية و الصراع الاهلي . فالدفاع الوحيد الذي كان ممكنا امام الوحدة المتراصة للفاشيين هو التعبئة الجماهيرية الشاملة للعمال و الفلاحين ، و بقية الفئات اليسارية الجمهورية . و هذا مع الاسف لم يحدث ، و مارفضه الحزب الشيوعي الاسباني الرسمي و الخاضع لتعليمات ستالين و الكومنترن!. و أصراره العلني في الحفاظ على علاقات الملكية البرجوازية ، وعلى بنية الجيش النظامي و بقايا مستعمراته في المغرب !. فما كان يطمح اليه ستالين هو: تأمين تحالف عسكري مع الامبرياليات " الديمقراطية " ضد المانيا النازية ، و كان يظهر لحلفائه المحتملين وارضاء لهم بأنه لا يشجع على انتشار الثورة و انتصارها في اسبانيا !. و كان ايضا يستخدم نفوذه لاحتواء و تحجيم الحركة العمالية الثورية الاسبانية باطار الديمقراطية البرجوازية المتعفنة!. و كان هذا خطا منحرفا و خاطئا طبعا لمنهج و مبادئ الماركسية الثورية، أن لم يكن مقصوداً!. فبرغم ان ستالين تصرف كجلاد للثورة الاسبانية ، الا أن ذلك لم يؤثر او يغير في موقف الامبرياليين ( الديمقراطيين) في شيء ، فقد رفضوا التعاون المنشود معه ، فاستدار حينذاك لحليفه المستقبلي ، و مد ستالين يده مصافحا هتلر و عقد تحالفه معه لاحقا !. و من هنا كانت تكتيكات الكرملين و الكومنترن و من اجل التوطيد و الابقاء على تحالف ستالين - هتلر قد لعبت دورا غادراً في التخلي النهائي لموسكو عن الجمهورية الاسبانية و تركها وحيدة لمصيرها الفاجع و المظلم !. و هكذا كانت المواقف المتخاذلة و الانتهازية لستالين و الحزب الشيوعي الاسباني عاملا غير مباشر في دعم الثورة المضادة ، و المساهمة بهزيمة و سقوط الثورة الاسبانية المغدورة !. ألم تُخذل الثورة الالمانية ، وتم التخلي عن الثورة العمالية الصينية؟! فهل ستكون اسبانيا الثورة استثناء من ذلك؟!..
يرى المؤرخ"هيو توماس"في كتابه الكبير(الحرب الاهلية الاسبانية):ان الاسبان انفسهم هم من كانوا السبب في تدخل دول وجهات اوربية اخرى في الحرب الاهلية التي دارت رحاها بين الجمهورية وقواها من اليسار العمالي الاسباني،وبين اعدائهما من اليمين الفاشي والعسكر والكنيسة وبقية الطبقات المحافظة.
ويتوقف"توماس"طويلا عند مسألة التدخل الاجنبي في حيثيات وملابسات وتجاذبات الحرب وتسعير اوارها.ويعيد الى الاذهان،فكرة:ان اسبانيا نفسها،لم يكن يخشاها احد كعدو،وايضا لم تكن مقدرة كصديق او حليف له مكانته وتأثيره.فمعظم الاحزاب السياسية كانت لها ارتباطات واواصر وعلاقات بالخارج!. كان الماسونيون يرون بأولئك المرتبطين بكنيسة روما:قاعدة للتأمر والتنسيق.اما الكاثوليك فكانوا ينظرون الى الماسونية:ك"مؤامرة دولية"كذلك!.
والامر على نفس الشاكلة قي مايخص الاحزاب الاشتراكية والشيوعيين والفوضويين الذين كانوا يتبادلون التهم ويتراشقون بوصم العمالة احدهما للاخر!.
هذا بالاضافة الى العلاقات الاقتصادية والمالية التي كانت تربط مصالح الرأسمالية الاسبانية والطبقة الوسطى مع البلدان الاخرى.ومايذكره المؤرخ"توماس" في سرده عن التدخل الاجنبي في الحرب الاهلية الاسبانية،هو:ان التوقيت،وليس كمية الاسلحة ونوعيتها،كان هو المحدد الاهم في سيرورة المعارك وتطور الاحداث والمصائر بين المتحاربين.
ويورد"توماس"خمسة مناسبات كان وصول الاسلحة فيها في الزمان والمكان المناسبين،كدليل على الدور الحاسم والمقرر لمصير الجمهورية والثورة المضادة الا وهو:عامل التوقيت الفعال في حينه.وهذه المناسبات الخمس هي:
1-استلام فرنكو لطائرات النقل الالمانية والايطالية في تموز(يوليو)عام1936 لنقل الجيش الافريقي من مراكش الى داخل الاراضي الاسبانية-مع انه لايمكن القول:ان عدم وصول الطائرات كان سيؤدي الى فشل"الوطنيين"اليمينيين.ولكن منحى وظروف الحرب كان سيختلف حتما.فدور هذه الشحنة من الطائرات كان اكبر تأثيرا بما لايقاس من دور الطائرات الفرنسية التي حصلت عليها حكومة الجمهورية عن طريق المكسيك..
2-في تشرين الاول(اكتوبر)عام1936 عندما ادت المساعدات السوفيتية،ووصول المتطوعين من"الكتائب العالمية"والمعونة المنظمة من جانب الشيوعية الدولية الى انقاذ مدريد من السقوط.
3-شحنات الاسلحة الوفيرة التي اغدقها:هنلر-موسوليني بسخاء على فرنكو اوائل عام1937والتي لولاها لكان محتملا جدا انعيار"الوطنيين"الفاشست وهزيمتهم بعد فشلهم في الاستيلاء على العاصمة مدريد.
4-المساعدات الفرنسية وفتح الحدود بين فرنسا واسبانيا امام المساعدات الروسية.وذلك ادى لتجنب هزيمة الجمهورية ربيع1938بعد ان احرز"الوطنيين"انتصاراتهم الكبيرة في"الاراغون".
5-المناسبة الاخيرة،والاكثر حسما في تقرير مصير الحرب الاهلية،بين انتصار الجمهورية،او هزيمتها على يد الفاشيين،كان في خريف عام1938اذلو لم يكن فرنكو قد تلقى الاسلحة الالمانية الغزيرة مقابل منح المانيا النازية حق استغلال المناجم في اسبانيا!.لما استطاع فرنكو ان يشن هجومه الكاسح والواسع النطاق على"كاتالونيا"نهاية العام المذكور.وذلك لان جيشه كان بعد معركة"الابرو"بمثل وضع الجيش الجمهوري ان لم يكن اسوء من حيث الافتقار للاسلحة والعتاد.وبدون ذلك المدد،كان من الممكن والمحتمل ان يتم التوصل لتسوية سلمية تنهي الحرب وتعزز من ثبات وقوة الجمهورية واليسار العمالي.رغم عناد وتصميم فرنكو على الاطاحة بالجمهورية والقضاء التام عليها وتصفيتها نهائيا!.
ولكن تبقى العوامل العديدة التي ذكرها واوردها"توماس قاصرة وغير كافية لتفسير رجحان كفة التوازن وميلها بين الجمهورية والفاشية،ولاتحيط بشمولية القضية الاسبانية بكل دقائقها وتفاصيلها المتشابكة!فالعوامل الاقتصادية لاتقل اهمية عن الاسباب الحربية واللوجستية والسياسية والاجتماعية،وبقية ما ادرجه المؤرخ الكبير.ومن تلك العوامل:طمع هتلر بمناجم الحديد الاسباني التي كانت تحتاجها مصانعه الحربية.وكذلك موقع اسبانيا الاستراتيجي واهميته بالنسبة لهتلر في حالة نشوب الحرب.
في19تموز تقدمت حكومة الجمهورية الاسبانية بطلب الاسلحة من فرنسا،وفي الوقت نفسه توجهت بعثتان من قبل"الوطنيين"الفاشست الى المانيا وايطاليا لنفس الغرض-وهو شراء الاسلحة-(وكانت قد تمت اتصالات مبدئية سرية بين بعض الجنرالات الفاشيين المتآمرين،وبين هتلر وموسوليني قبل تنفيذ موامرة التمرد وبدء الثورة المضادة).
كان الحكم في فرنسا عام1936 بيد الجبهة الشعبية.وكان "بلوم"رئيس الوزراء الفرنسي راغبا بتقديم الدعم لحكومة الجمهورية الاسبانية،ولكن موقف بريطانيا المغاير كان معارضا وبشدة لمد يد العون للجمهوريين الاسبان!.وهذا ما دفع ب"بلوم" للعدول عن مساعدة اسبانيا الجمهورية!.وبالرغم من وصول هتلر وموسوليني الى الحكم باستيلاهم على السلطة كحزبان وحيدان في المانيا وايطاليا-النازي والفاشي على التوالي،وما اتسم به حكمهما من ديكتاتورية خانقة وقمع فاشي للشيوعيين والديمقراطيين والحركة العمالية واليسار عموما بكلا البلدين.
الا ان البلدان:فرنسا وبريطانيا لم تدركا -بالاحرى غضتا الطرف عن ذلك!-الخطر الفاشي المتفاقم والقادم نحوهما بعد!.وايضا لم تكونا راغبتين بأثارة واستفزاز الديكتاتورين:هتلر-موسوليني بعمل يسهم بتأجيج ذلك التوترمثل:مساعدة الجمهورية الاسبانية،ويقود لاشعال حرب شاملة تعم كل اوربا-مع ان الحرب كانت في طور الاعداد سواء قاموا بمساعدة الاسبان او لم يفعلوا فهي قادمة لامحالة!-.وكان لهذا الموقف الخاطيء والسلبي آثارا بعيدة وكارثية لمآل ومصير الجمهورية الاسبانية،وقادت لهزيمتها المرة والدامية!.وكان لهذه اللامبالاة والموقف الجبان والمهادن تبعات ونتائج مدمرة على بقية اوربا وليس اسبانيا وحدها فحسب!.فلو ان بريطانيا وفرنسا اظهرتا قليلا من الحزم والقوة،وساندتا الجمهورية والقضية الاسبانية لكان بالامكان ردع الديكتاتورين بسهولة،والقضاء على خطرهما المتنامي وهو في بدايته قبل ان بشتد ساعديهما ويحرقا العالم بحرب قاسية ومريرة.
ويقدما على تنفيذ مشروعهما الكارثي ومغامرتهما الرعناء المقبلة باجتياح اوربا وخوض الحرب المهولة لاحقا والذي كان بالامكان تجنبها او تغيير مسارها ونتائجها.وبدلا من فعل الصواب السياسي وما يصب في مصلحتهما ايضا،مالتا -الامبرياليتان -الفرنسية والبريطانية-للجهد الدبلوماسي العقيم والتافه بأنشاء"لجنة عدم التدخل"سيئة الصيت!.لجنة الجبناء والاوغاد.في الوقت الذي لم تتقيد بذلك الهراء لاالمانيا النازية ولا ايطاليا الفاشية!.واقتصر الالتزام بعدم التدخل على بريطانيا وفرنسا(الارنبان الدبلوماسيان)فقط!!
وبذريعة الحياد المنافق اقنعت بريطانيا(الديمقراطية)فرنسا(الاشتراكية)الممثلة برئيس وزراءها"ليون بلوم"و"الجبهة الشعبية"والتي وصلت الى السلطة بأصوات الحزب الشيوعي الفرنسي،ومباركة ستالين!.فامتنع الطرفان عن تقديم ان دعم او اسناد للجمهورية الاسبانية التي كانت تقاتل وحيدة وظهرها الى الجدار،وهم ينظرون ببلادة وتثائب لتدفق الاسلحة والطائرات لدعم التمرد الفاشي ونصرة الثورة المضادة وسحق الثورة الاسبانية!!..
اما فيما يتعلق بسياسة ستالين ومواقفه من الصراع الدائر في اسبانيا بين الجمهوريين والفاشيين فتلك قصة اخرى زادت الطين بله في وحل الحرب الاهلية!.فقد خضعت تلك السياسة لعوامل واهداف وتجاذبات عديدة ومتباينة في تناقضها حيال الاحداث.ولكنها قطعا لم تكن سياسة شيوعية اممية او عمالية ثورية في دوافعها ومنطلقاتها ان لم تكن ضد تطلعات وامال الطبقة العاملة والفلاحين الاسبان.ولم تخرج تلك السياسة عن سياق المهادنة والمماطلة والتسويف وقدر كبير من الانتهازية،ومغازلة الامبرياليين،ومن ثم هتلر!.فالنظرية الستالينية كانت ترى في فرنكو ممثلا للاقطاع الاسباني!.وتدعو لتحالف العمال والجماهير الكادحة مع البرجوازية الاسبانية الاكثر يمينية ومحافظة بين البرجوازيات الغربية(فقد كانت تميل سياسيا نحو الفاشية،وقد لجأت البرجوازية الصناعية الى المناطق التي كانت تحت سيطرة الفاشست)!.

وكان ستالين يخشى النازية الالمانية،ومايتركه انتصار"الوطنيين"اليمينيين في اسبانيا من تأثير على فرنسا(الجبهة الشعبية)والفرصة التي توفرها الحرب الاهلية للحزب الشيوعي الاسباني-الستاليني لاقامة الدولة الشيوعية الثانية في العالم!.
واثر ذلك سلبيا على بريطانيا وفرنسا اللتان كانتا تخشيان انتصار العمال الجمهوريين واليساريين في فناءهما الخلفي،واللتان كان ستالين يتودد لهما علانية ويسعى للتقرب منهما ويدعو للتحالف معهما لمواجهة هتلر!.هذا بالاضافة الى تكاليف الحرب الباهضة من رجال وسلاح وعتاد.وايضا الاحتمالات الاخرى بتحول الحرب الاهلية الى حرب اوربية شاملة نتيجة التداخل وتقاطع المصالح بين القوى المتنافسة.ومن ناحية ثالثة كان ستالين يحضر في ذلك الوقت لحملته التطهيرية الواسعة داخل الاتحاد السوفيتي وداخل الحزب من محاكمات واعدامات وتصفيات وتنكيل ونفي لليسار العمالي المعارض وقادة البلاشفة الكبار من الحرس القديم !.فقد كان ذلك ضروريا جدا لتثبيت زعامته المتفردة و الوحيدة وخطه السياسي البيروقراطي الذي فرضه بالاكراه والقمع!.
لذلك اصغى زعماء الكومنترن المعينون من ستالين والموالين له،والذين كانوا يجدون في الاحداث الجارية على المسرح الاسباني فرصتهم التي لاتعوض للاستحواذ والهيمنة على الثورة الاسبانية والامساك بلجامها وتجييرها لصالحهم وصالح ولي نعمتهم.وكان القرار الذي توصل اليه ستالين هو:عدم السماح بهزيمة الجمهورية،ولكن في نفس الوقت الحيلولة دون مساعدتها لحد الانتصار على الفاشية وان تكسب الحرب الاهلية!.كان قرار ستالين بأمساك العصا من الوسط هو الذي اعتقد بأنه سيخدم اهدافه ومصالحه وسياسته حول المسألة الاسبانية وعلاقاته الخارجية ومايدور داخل معتقله السوفيتي!.ومن اجل الحفاظ على معاهدته مع هتلر تخلى ستالين لاحقا عن الجمهورية الاسبانية وتركها لمصيرها المحتوم ببرود ولامبالاة،ولتذهب الاممية البروليتارية الى الجحيم!!.
اما عن موقف هتلر من القضية الاسبانية فقد كان قريبا،ان لم يكن مشابها لموقف ستالين من ذلك.فكلاهما كانا يعتقدان بان الحرب الاهلية الاسبانية ستكون موضع استنزاف وتوريط وعرقلة وارهاق لكل الاطراف.وهكذا كان المشهد الدولي ومواقف القوى الخارجية تجاه اسبانيا المنكوبة يتحكم بتوازن القوى وتشابك المصالح وسير الاحداث في خدمة الاستراتيجيات المختلفة لجميع الدول الاوربية الامبريالية بالذات وبلا استثناء من ديمقراطيين واشتراكيين!.

اما على الصعيد المحلي والداخلي في اسبانيا.فقد كان الوضع مزريا وبائسا ويبعث على الرثاء بالنسبة لليسار الاسباني العمالي والجمهوريين.ففي الوقت الذي كانت فيه جبهة اليمين الفاشي من :(ملكيين وكنيسة وجنرالات وحتى البارونات الصناعية وبرجوازية وملاك اراضي،والتي كان خوفها من الجماهير اشد من عدائها للفاشيين)تشكل كتلة متماسكة ومتراصة وموحدة وبلا خلافات،ومجتمعة على غاية واحدة وهدف منشود الا وهو :تقويض الجمهورية واعلان الحكم الديكتاتوري،فمصيرها بالذات كان على المحك وتعي ذلك جيدا.كانت جبهة اليسار على العكس من ذلك:متذرية،مفككة،منقسمة،متعادية،وتعاني من الصراعات والتناحر والتنافس على النفوذ،والاستفزازات ،وحتى التصفيات الجسدية المتبادلة!.
فبالنسبة للفوضويين السنديكاليين-فهم لم يشكلوا تنظيما سياسيا.م.ا-كانوا منقسمين الى:cnt(الاتحاد القومي للعمل)وهو التنظيم النقابي الفوضوي الرئيسي،والذي كان يهيمن عليه المركز الفوضوي المحظور.وfat(الاتحاد الفوضوي الايبيري)اضافة الى الانقسامات المركبة الى التجنح :جناح يساري وآخر يميني.وكان لهذا التمزق الدور الكبير في تحطيم الفوضوية الاسبانية،وهي القطاع العمالي الاوسع والاكثر كفاحية وبسالة وثورية في صفوف الطبقة العاملة الاسبانية.
اما الحزب الاشتراكي الاسباني فلم يكن وضعه اكثر اختلافا،فقد كان ايضا منقسما الى يمين ويسار!.وكان مسيطرا علىugt(الاتحاد العام للعمال)ويشمل البروليتاريا الصناعية في مدريد وبيلباو،وعمال المناجم في استورياس،-توحدت شبيبته مع شبيبة الحزب الشيوعي-.
اما حزب ال"بوم"poom(حزب العمال للتوحيد الماركسي)فقد عانى من الحظر والملاحقة والاعتقالات والتصفيات!.وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي الاسباني،وكان اصغر الاحزاب العمالية،ولكنه نمى واتسع اثناء الحرب الاهلية،وفرض سيطرته وخطه على الحكومة الجمهورية.وقد قدر عدد اعضاءه ب800عضو.في حين قدره"توماس"ب10000عضو!-وهو تقدير مبالغ فيه!-فلم يكن للحزب الشيوعي الاسباني قاعدة عمالية داخل الطبقة العاملة،ولم تكن قياداته تمتلك الكفاءه والاستقلالية،لانه كان اداة بيد الكومنترن وستالين.بل وحتى تطبيق قرارات وتعليمات الكومنترن للحزب لم يتركها ستالين لتابعيه في الحزب الشيوعي الاسباني كتنفيذ،بل قام بأرسال مختصين و(خبراء)للاشراف على التوجيه وتحقيق خطه السياسي والعسكري في الشأن الاسباني!.ومن ضمن ذلك:كان الحزب الشيوعي الاسباني يهاجم ميليشيات الفوضويين وحزب ال"بوم"!.وقد استخدم الاسلحة التي كانت تصل اليه من الاتحاد السوفيتي والتي احتكرها! ضد الاحزاب والنقابات المنافسة له في الهيمنة على العمال!.وفي نفس الوقت كان يحجبها عن الاحزاب التي لاتتفق معه سياسيا وايديولوجيا!.فقاد ذلك الموقف التصفوي المتفرد والقامع لبقية التيارات السياسية المشاركة في الحرب ضد الفاشية من قبل الحزب الشيوعي الاسباني،الى سهولة استيلاء الفاشست على مزيدا من الاراضي والمدن والمواقع المهمة.فالحزب الشيوعي الاسباني كان يؤمن ان كسب الحرب لن يكون انتصارا لكل قوى اليسار العمالي الثوري،بل هو نصره هو الاوحد والخالص!..وتطرف الحزب في عدائيته فقدم لحكومة الجمهورية مشروع قانون بحظر حزب العمال للتوحيد الماركسي(البوم)وتمت المصادقة عليه وجرى تنفيذه!!.فبدأت حملات المطاردة والقمع لاعضاء وقادة حزب"البوم"والفوضويين واعدام كل عضو مرتبط بتلك التنظيمات،ووصلت الى حد الافتراء الحاقد والظالم واتهامهم:بانهم عملاء لفرنكو!!!.-ليس الامر غريبا او جديد فرفيقهم في الكرملين كان يفبرك المحاكمات ويصب الاكاذيب والتشويه السياسي بحق رفاق لينين !-.
حتى ان"لارغو كاباليرو"الاشتراكي الاسباني اعترض بحدة على موقف الحزب الشيوعي الاسباني اللاديمقراطي والتصفوي والعصبوي المستبد والمخرب لوحدة العمال.وقد نشرت صحيفة مؤيديه مقالا جاء فيه:"اذا كانت حكومة كاباليرو ستطبق اجراءات القمع التي كان يحث عليها الفرع الاسباني من الكومنترن فأنها ستدمر وحدة الطبقة العاملة،وتعرضها لخسارة الحرب وتحطيم الثورة".وفي برشلونة وبناء على اوامر الجنرال والقنصل الروسي العام"انطونوف اوفسينكو"اغلق مقر حزب العمال للتوحيد الماركسي وحول الى معتقل!.-انطونوف هذا البلشفي الكبير واحد ابطال انتفاضة اكتوبر انتهى -ومن المؤسف -الى جلاد للعمال!!!-.اعتبر الحزب المذكور حزبا محظورا واعتقل40عضوا من لجنته المركزية وبضمنهم"اندريه نن"الشيوعي الماركسي الكبير!.
واقتيدوا الى احد معتقلات مدريد،وقد خضع"نن"لتعذيب وحشي على يد عملاء الغيبيو الستاليني!.ثم تمت تصفيته لاحقا بعد ان اقتنع المحققون السوفييت بانهم لن يستطيعوا النيل من"نن"واجباره على تشويه صورة حزبه في محاكم استعراضية مصنوعة على غرار محاكمات موسكو!.لذا قرروا التخلص منه!.ويصف المؤرخ"توماس"الاستغلال المخجل للالوية الاممية في تنفيذ الجريمة-قتل نن-فيقول:"واخيرا اقترح فيتوريو فيدالي-انه واحدا من(خبراء) ستالين في التصفيات،ومخطط الهجوم المسلح على منزل تروتسكي في المكسيك ايار عام 1940 وهي المحاولة الاولى الفاشلة لقتل تروتسكي!!.م.ا-الى ضرورة تمثيل هجوم نازي لتحرير نن،وهكذا جاء10اعضاء من اللواء الاممي في احدى الليالي المظلمة وهاجموا المنزل الذي كان نن معتقلا فيه"الكالا"واقتادوا نن في عربة مغلقة وقتلوه"!-طريقة قتل كافكوية كما في نهاية رواية المحاكمة!!.م.ا-.
هنا في هذه المرحلة لاحت نذر هزيمة و نهاية الجمهورية الاسبانية الوشيكة .فالغبي وحده من يتوقع انتصارا للثورة وصورتها بهذا القبح والمفارقة والمأساوية!!!!.
يخصص المؤرخ" توماس" جزءا كبيراً من كتابه ( الحرب الاهلية الاسبانية ) لوصف مفصل للمعارك الحربية و التقدم و التراجع و أحتلال و تبادل المواقع بين الاطراف المتحاربة . و يلاحظ انه ، و منذ البداية و طوال شهر أب حتى مطلع ايلول عام 1936 كانت الهزائم تتوالى و تحيق بالقوات الجمهورية في جميع الجبهات : كان" ياغو" في " تالاميرا" و " بيورلفوي" في " أرين" والتهديد الفعلي لسان سباستيان، وفشل حملة " ياغورا" و استمرار " سراغوسا" و " هيوسكا" و " أدفيرو" و " الكازار" في " توليدو" تحت سيطرة المتمردين الفاشيست، و سقوط معظم الاندلس ، وكذلك " استرمادورا" . و كان العامل الرئيسي لذلك المد وقضم المدن المتفوق لليمين هو : كفاءة و خبرة و احترافية جيش افريقيا الذي كان يقاتل رجال الميليشيا المهيئون لحرب الشوارع لا مجابهة جيش نظامي و مدجج بأسلحة ثقيلة ، حيث كانوا يفتقرون للتجربة و المراس بحرب بهذا الاتساع و الشمول . و قد ادت تلك الهزائم المريرة و المتلاحقة ، و فشل " غيرال" في الحصول على السلاح من فرنسا و بريطانيا الى
المطالبة بتغيير القيادتين العسكرية ، و السياسية فشكل " كاباليرو" وزارته الجديدة بأشراك الشيوعيين في الحكومة- حكومة النصر!- في الرابع من ايلول 1936 . في هذا الاثناء اصبح هدف و شعار الوطنيين - مصطلح الوطنيين المستخدم ، هو يعني : اليمين القومي الفاشي بالضبط !- هو : التحرير و ليس مجرد المحافظة على الامن فقط -اي تحرير اسبانيا من الحكم الجمهوري!. فرُفع العلم الملكي في الخامس عشر من أب ، و في اول تشرين الاول اصبح فرنكو رئيساً للدولة المقبلة ، والتي كانت في طور المخاض والتشكل. مع بدء التحضير للهجوم على العاصمة كانت السفن السوفيتية تقلع من اوروبا حاملة الاسلحة للجمهورية ، و في هذه المرحلة بدأ تدفق المتطوعيين من مختلف انحاء الجمهورية للقتال الى جانب الجمهوريين - هذا الموقف الاممي الشامل للتطوع في القتال الفعلي الى جانب الجمهورية لم يتكرر لاسابقا ولا لاحقاً مرة أخرى ، فكان فريداً و مبهراً !- حشد الوطنيين الفاشيست اكثر من 20 الف جندي يدعمهم الالمان و الطليان ، في هجومهم الكبير على العاصمة. أبدت مدريد مقاومة باسلة و بطولية لم يشترك فيها الرجال فحسب ، بل شملت النساء والاطفال أيضاً!. و كانت بسالة و أقدام الميليشيا الثورية ، و ليس السلاح وحده هو الذي حال بالاساس دون التخلي عن شبر واحد من العاصمة !. ( كانت الاسلحة السوفيتية قد وصلت و كذلك الطلائع الاولى الاممية) . و بالرغم من القصف الجوي الوحشي للطيران الالماني و الايطالي، و الذي لم يسبق أن تعرضت له مدينة من قبل ! بقيت الجماهير صامدة و متمسكة بشعار الثورة : " لن يمروا" . يلاحظ المؤلف " توماس " : أن قصف مدريد بقنابل الطائرات المدمرة كان بمثابة اختبار و تجربة على الطبيعة لسلاح الجو الالماني ، و تمرين لمدى مايحدثه من اضرار و تدمير ! و ما تسبب به من ذعر و هلع و مأسي بين المدنيين و الاطفال و النساء !. و الواقع أن أمتحان كفاءة و فعالية أسلحة الجو الالمانية الحديثة ، كان احد الاسباب التي دفعت بألمانيا للتدخل و المشاركة في الحرب !، و حسبما جاء على لسان " غورنغ" في ما بعد!. ذلك الدمار والخراب الذي الحقوه بكل جزء و مكان في اسبانيا ، لاسيما في " غورنيكا" تلك المدينة الأمنة التي قام الطيران الحربي الالماني النازي بالاغارة عليها و تدميرها تدميراً كاملاً و أبادة سكانها كلياً بالقنابل والرشاشات عمداً، و ببربرية لامثيل لها - تلك المأساة المروعة التي الهمت بيكاسو ، فخلدها في اروع لوحاته!. نتيجة لفشل الفاشيين الوطنيين في اخضاع و أقتحام مدريد ، أقتنع الجنرالات اليمينيين بأن المعركة ستأخذ مدى زمني طويل و شاق ، لذلك كان الاتجاه اللاحق هو. صوب " الباسك " في الشمال للاستيلاء على خام الحديد و الصناعات التعدينية الاخرى في " بيلباو" . بدأ الهجوم الفاشي في 31 اذار 1937 بأشتراك خمسين الف جندي و مائة و عشرون طائرة ، و اربعون مدفع ، و كالعادة مهد الوطنيون " اليمينيون" لهجومهم بالقصف العشوائي من الطائرات و المدفعية على المدنيين و المنازل . في هذا الوقت كانت الجمهورية تواجه ازمة سياسية ، و هي مطالبة الشيوعيين بأقصاء " كاباليرو" و أشتباكهم المسلح ضد الفوضويين في برشلونة شهر أيار. و جاء " نيغرم" الى رئاسة الوزارة ، و لتعذر تقديم الغوث و المساعدات الجوية ، كانت جبهة " الباسك " تتداعى أمام هجمات الفاشيين ، لاسيما وأن المساعدات و الدعم اللوجستي غزيراً و مستمراً في التدفق على فرنكو وجنرالاته- الفوندر ليجن بقيادة الجنرال سبيرل - و الطيران ادى ذلك الى سقوط " بيلباو" في 18 حزيران1937 ليقضي المحتلون على تطلعات الباسكيين للانفصال و الاستقلال نهائياً . و على هامش معركة " بيلباو" في 18 حزيران لقي الجنرال " مولا" مصرعه في حادث طائرة حامت حوله الشبهات!. شنت القوات الجمهورية هجومين فاشلين في " الهوسكا" و " الاراغون" لتخفيف الضغط و محاولة لدحر الفاشيين كما شنت هجوما ثالثا على " برونيت" حيث منيت بخسائر جسيمة- خمسة و عشرون الف قتيل ، و مائة طائرة - في حين كانت خسائر الفاشيون عشرة الالف و 23 طائرة . في أب 1937شن الفاشيون هجوماً ناجحاً على " سانتاندر" و ذلك بمساعدة الايطاليين و الطائرات الالمانية الحربية. في نهاية عام 1937 كان تعداد الجيش حوالي نصف مليون جندي لدى كلا الطرفين - الجمهوريون و الفاشيون- كانت قوات اليمينين تسيطر على ثلثي البلاد ، و كان فرنكو يخطط للقيام بهجوم على " غوادالاجار" و من ثم على مدريد ( لم يكن يفكر بمهاجمة كتالونيا ) لاعتقاده بأنها مركز الثقل في المقاومة الجمهورية و لاسيما بعد انتقال طاقم الحكومة اليها . و لكن نتيجة لتسريب الانباء عن الهجوم المرتقب للجمهوريين سارع الاخيرون بالهجوم في 15 كانون الاول على " توريل" التي وقع عليها الاختيار نتيجة للاعتقاد بأن دفاعاتها ضعيفة ، و من الممكن السيطرة عليها ، و لكونها تؤمن طريقا سالكاً و قصيراً بين " ريوكاسل" و " الاراغون" و أيضاً لأنها تهدد الطريق الموصل الى " ساراغوسا" و لأسباب سياسية تقرر بأن يكون الهجوم مقتصرا على الاسبان وحدهم، فزُجَ بمئة الف مقاتل الى المعركة . نجح الهجوم في بدايته، و رغم اختراق المدينة و السيطرة عليها ، لكن جاء الهجوم المضاد في 29 كانون الاول ليصبح الجمهوريون تحت الحصار و من جميع الجهات في الثامن من كانون الثاني 1938 . و ماعزز أنتصار الفاشيست هو المساعدات الغزيرة و المتدفقة من الالمان و الايطاليين ، لتسقط المدينة أخيراً مع عشرات الالاف من الضحايا و بعد قتال شرس أستمر لشهرين !. في 9 أذار1938 بدأ الفاشيست هجومهم على "الاراغون" و كالعادة جرى التمهيد لذلك الهجوم بالقصف الوحشي الكثيف و المدمر من المدفعية و الطائرات ، و بسبب الارهاق و قلة الغذاء و نفاد الاعتدة ، بعد " توريل " تم اختراق الجبهة منذ اليوم الأول للهجوم ، و سقطت المدينة في الثالث عشر من أذار . ادت الهزائم المتتالية الى انتشار روح الاحباط و الانهزامية في صفوف الجمهوريين . بعد ان اصبحت" برشلونة " تحت رحمة الطيران الايطالي و الذي كان يتلقى أوامره من موسوليني مباشرة!. و منذ 16 أذار و حتى 18 منه تعرضت المدينة ل 17 غارة و تسببت بمقتل 1300 مدني و جرح 2000 و غدا كل شيء يشير لقرب سقوط الجمهورية. و لكن و على أثر وصول الاسلحة عبر الحدود الفرنسية في 17 أذار و تنظيم الجيش ، و تلاحم القوى أزاء الخطر الداهم و تمكن الجمهوريونمن استعادة معنوياتهم ، و بالرغم من الهجوم الكاسح الذي شنه الفاشيست على جبهة " فالنسيا " في الخامس من تموز ، تمكنوا من حشد مايقارب المئة الف مقاتل على جبهة " الابرو" و حققوا نصراً أوليا و هاماً جدد الامل بالنصر و أنعش المعنويات بتغير سير الاحداث !..ولكنكان الاوان قد فات!.ولم تعد اي مواجهة عسكرية بقادرة على دحر الفاشية المدعومة بالكامل من الغولين النازي والفاشي.وبالرغم ان ان حرب الاستنزاف دامت اكثر من20شهرا ولكن الثورة الاسبانية كانت تقاتل وظهرها الى الجدار ولن يمضي وقت طويل حتى يجهز عليها زحف فرنكو الاكثر توحشا ودموية!.
في كتابه"الحرب الاهلية الاسبانية"يذكر"هيو توماس"معقبا على وقائع معركة ال"ابرو"الفاصلة،قائلا:"ان الامر كان ينطوي على التسرع من جانب حكومة الجمهورية،لاسيما وان قواتها كانت تشكو من نقص المعدات والاسلحة والذخائر،لذلك وكما حدث في"تورديل"،نجاح مبدئي للهجوم تبعه حصار من جانب النجدات الوطنية من الجهات الاخرى،ومن ثم الهجوم المضاد.ولكن هذه المرة كانت النتائج قاتلة".
ففي الثلاثين من تشرين الاول(اكتوبر)عام1938 بدأ الهجوم المضاد للفاشيين،وطوال ثلاث ساعات تعرضت المواقع الجمهورية لنيران175مدفعا ومئة طائرة.الامر الذي ادى لتراجع قوات الجمهوريين بعد ان خلفوا خسائر فادحة:70الف جندي بين قتيل وجريح واسير!.
وبعد خسارتهم الكارثية لجيشهم في الجنوب بالكامل.
بعد سقوط ال"ابرو" اخذ فرنكو يهيء نفسه ويستعد للمعركة الحاسمة وقطف ثمار النصر.فحشد جيشا كبيرا بتعداد300الف جندي،يقابلهم220الف جندي جمهوري في كاتالونيا.اكتسح النافاريون والايطاليون الجبهة بسرعة مذهلة،بحيث سقطت"برشلونة"في24كانون الثاني(يناير)عام1939 وبدأ تدفق سيل من آلاف النازحين والهاربين الى فرنسا.
تعدادالجيش الجمهوري المهزوم مايقارب ال(250الف جندي)!اضافة الى عشرة الاف جريح و170الف طفل وامرأة و160الف من المدنيين!.تلك الكارثة الفادحة التي اعتقد العالم بعدها ان الحرب الاهلية الاسبانية قد انتهت بسقوط كاتالونيا.وهذا صحيح،فلم يعد بالامكان واقعيا توفير اي مقاومة جادة وفعالة تغير ميزان القوى لصالح الجمهوريين.فأخذ قادة الجمهورية وحكومتها بمغادرة اسبانيا الى المنفى الطويل!.ولكن في4آذار(مارس)1939 قام الكولونيل"كاسادو"بأنقلابه ضد حكومة"نغريم"الجمهورية والشيوعيين،وحاول التوصل الى تسوية سلمية مع فرنكو!.ولكن شروط الاخير ظلت قاسية ومهينة وثابتة:"الاستسلام دون قيد او شرط"و"الثقة بعدالة ووطنية الجنراليزيو"!!.
الامر الذي ادى الى فشل المفاوضات بينهما.تماما كما كانت نتيجة محاولة"نغريم"في26آذار(مارس).شرع(الوطنييون)القاشست بهجومهم،واستولوا في اليوم الاول على2000كم2.وبدأ فرار الجنود من صفوف الجيش الجمهوري،دون اي محاولة من الضباط لمنعهم من ذلك!.
وظهر الطابور الخامس في العاصمة مدريد ليدير شؤون المدينة!.
وبحلول31آذار(مارس)عام1939 كان كل شيء قد انتهى.فقد تلاشت كل مقاومة،ووصلت الحرب لنهايتها،ليعقبها:حملات المطاردة والقنص والتصفية للجمهوريين وكل اليسار العمالي من احزاب ونقابات،وعلى نطاق واسع شمل كل البلاد.
يقدم"توماس" في كتابه احصائيات وارقاما بالخسائر والتدمير وضحايا الحرب الاهلية.وبالرغم من صعوبة التيقن من دقة وموثوقية تلك الارقام،خاصة وان كل فريق يورد ارقاما مختلفة ومتضاربة .ولكن مع ذلك تبقى تلك الارقام هي الاقرب الاقرب للحقيقة والاحتمال.
وقد قدر عدد الضحايا على اقل تقدير،وحسب"توماس":اكثر من نصف مليون نسمة:مات منهم100ألف في عمليات التصفية الجسدية والاعدامات،و100ألف نتيجة الامراض وسوء التغذية،والبقية ماتوا في ميدان المعارك.وتقدر تكاليف الحرب (بعملةعام1938)بما يوازي3مليارات جنيه استرليني!.
منها:تدمير150كنيسة،واصابة4850 كنيسة اخرى بأضرار،وتدمير173مدينة وحوالي25ألف منزل،في حين تضرر مايقارب250ألف منزل اخر.لم تتعرض المصانع والمناجم في برشلونة وبيلباو للتدمير،وخسارة ثلث الثروة الحيوانية في كل البلاد،والكثير من المعدات والالات الزراعية،و60%من عربات سكك الحديد دمرت بالكامل.مع بقاء الطرق بحالة جيدة مع ندرة الشاحنات وعربات النقل،ونقص وشحة في المؤن والمواد الغذائية.
وكان اندلاع الحرب العالمية الثانية،والتي منعت تعويض الخسائر من الخارج،وكذلك موسم الجفاف الذي حاق باسبانيا،هما السببان اللذان فاقما وزادا الاوضاع سوءا وتدهورا.بحيث حملت السنوات اللاحقة البؤس والجوع والحرمان لغالبية الشعب الاسباني
ومع نهاية الحرب الاهلية اختفت مؤسسات واحزاب وشخصيا ت من على مسرح الحياة السياسية والاجتماعية الاسبانية:فالليبراليون والساسة الكاثوليك عزلوا وجرى تهميشهم قبل بدء الحرب.وفر زعماء كاتالونيا والباسك.وانحسرت بل تلاشت احزاب الطبقة العاملة وتنظيماتها النقابية والاجتماعية،فقد ماتت كل الاحلام والتطلعات بغد لن يأتي ابدا!.وفوق جثث الشهداء والضحايا الذين قتلوا ، وعلى رقاب الشعب الاسباني الجريح،تربع الديكتاتور فرنكو ليحتفل بنصره كحاكم وحيد،ويحيا كمستبد طاغية بالحديد والدم!.وبدون نظرية سياسية او فلسفة او نظام حكم معروف سوى الفاشية الشاملة.ولم يكن له مثيل في فاشيته البشعة سوى نظام هتلر وموسوليني!.وبأستثناء التسوية التي عمل بها خلال الحرب بين الفالانج والكنيسة والملكيين،واجبر الجميع على السير وفق اهواءه ومشيئته!.
يصف"توماس"فرنكو بالرجل الحذر والصبور،وان دوره طوال الحرب كاستراتيجي وسياسي،وليس فني.بمعنى:انه لم يكن يقود العمليات في ميدان القتال الفعلي،وانماكان يقرر مكان الهجوم،ويتأكد من التجهيز والاستعداد لكل شيء قبل المباشرة بأعطاء الاوامر بالهجوم،ثم يأمر بوقفه في اللحظة التي يقرر بأنها قدحققت هدفه بالكامل.فهو لم يكن مهتما بأن يكون عسكريا صرفا تحدده التقنيات الحربية.لذلك كانت اعظم انتصاراته العسكرية هي عبارة عن نجاحات سياسية بأمتياز.فقد نجح سياسيا لكونه اعتبر السياسة جزء من العلم العسكري ومكمله له-لاالعكس كما يجب!-.وكان العامل الاول لكل انتصاراته يكمن في الوحدة السياسية التي استطاع صنعها وتحقيقها بين انصاره وحلفائه.
وبأندلاع الحرب العالمية الثانية،كان واضحا ان المانيا النازية لاتستطيع ولن تستطيع ان تقدم لاسبانيا فرنكو الكثير تجاريا او ماليا.فأستدار فرنكو نحو بريطانيا(كما تنبأ حزب المحافظين)طالبا قرظا للاعمار!.ونتيجة للفقر والضعف،ولاسباب سياسية ايضا،لم تدخل اسبانيا الفاشية الحرب الى جانب حليفها النازي هتلر ومحوره !.
وغرقت اسبانيا بليل حالك طويل لعقود من الجوع والقمع وانعدام الحريات ولم يكن هناك اي نشاط سياسي مسموح به لاي حزب كان بأستثاء حزب الفالانج(الكتائب)وحده!.
"لن يمروا"الشعار الحماسي الثوري الذي رفعته"لاباسيوناريا"دولوريس ايباروري الشيوعية الاسبانية اثناء حمى المد اليساري،انقلب الى ضده!.فقد"مروا"فاشيو اسبانيا،كما مر من قبل الكومينتانغ الصيني والنازي الالماني والفاشي الايطالي وغيرهم من قوى الثورة المضادة.
مر الفاشست وسحقوا الثورة واستقروا،وقلبوا مصير اسبانيا من الثورة العمالية الى الديكتاتورية المقيتة.
في النهاية لم تكن الثورة الاسبانية-حالها حال الثورات السابقة واللاحقة-سوى ثورة مهدورة ومغدورة تم التضحية بها على مذبح:المصالح والاطماع والمساومات والمواقف الانتهازية لفاشيات وامبرياليات واممية مزعومة!.ومشت على درب الآلام من دم ودموع ومنفى!!!.
..................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...



#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(8-الاخير)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(7)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(6)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(5)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(4)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(3)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(2)
- الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(1)
- ترنيمة الكركدن السعيد!
- الواقع السريالي لسلطة الامعات والملالي!.
- لينين-روزا لوكسمبورغ..واختلافهما حول موضوعة-حق تقرير المصير- ...
- خصوم ثورة تموز/والنواح على فردوس الملكية المفقود!
- متحف الاقوام البائدة!.
- ارادة الموت..تأملات فلسفية في العدمية!.
- تطور وانحطاط الفكر/سارتر-جارودي
- (البروليتاريا)الرثة..البعد الاجتماعي والسياسي للمفهوم.
- رامبو/المرآة المهشمة وانشطار الذات!.
- (اللينينية)..وصانع الدوغما!.
- ارنست بلوخ/النص الكامل للمقال.
- ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المست ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ماجد الشمري - الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!./النص الكامل للمقال