أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - طريق المقبرة قصة قصيرة:














المزيد.....

طريق المقبرة قصة قصيرة:


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 1414 - 2005 / 12 / 29 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


في طريق عودته إلى المنزل طافت أحزانه فجأة فوق سطح مشاعره المكبوتة، كان حزيناً أكثر من عين ماء جفت. إن تأثير الكحول جعله يهذي كأنه منوم مغناطيسياً، فتحررت كل دموعه دفعة واحدة لتخلصه من ارثه الثقيل وتتحول إلى نحيب لاشعوري وبصوت مسموع. أصبحت كل الأشياء المحيطة به حزينة كئيبة، فالقمر موشّح بالسواد، وأعشاب الربيع ألوانها داكنة، حتى شواهد القبور في المقبرة التي مرّ من أمامها بدت سوداء فاحمة لتتعاطف مع ذلك النشيج الهستيري.
على جانبي الطريق التي يسلكها يومياً تنتصب قبتان كبيرتان تخيمان بظليهما على مئات القبور المزروعة هناك لمئات من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ من أبناء القرية.. شباب ساقتهم سادَية الحاكم المجنون إلى ساحات الموت العبثي، عجائز انتظروا عودة أبنائهم المفقودين بلا جدوى.. فماتوا كمداً وحسرة.. نساء أرامل وأمهات ثكالى، أطفال يتامى لم يجدوا أباً يخفف عنهم وحشة وعذاب المرض وقسوة ومرارة ساعة الاحتضار.
كانت القبتان تقفان كحارسين عملاقين يملئان كل تلك الأرجاء بالرهبة والهيبة، وكان من النادر أن يمرّ إنسان من تلك الطريق بعد غروب الشمس، لكنه وبحكم تعوّده على السير ذهاباً وإيابا كل يوم ولسنين طويلة فقد ألف طريق المقبرة، وظلال القبتين وبريق زجاج صور الشباب المعلقة فوق القبور، وحتى صرير ألأبواب الصدئة للمقبرة لم يعد يثيره أو يحرك شعرة فيه...
* * *
... لقد اضطررتُ مساء ذلك اليوم أن أعود من تلك الطريق الخالية لأجلب الدواء لوالدتي المريضة، كنت أسير بحذر وخوف، وما أن وصلتُ إلى منتصف الطريق حتى طرق سمعي صوت بكاء خافت يقترب رويداً وكلما تقدمت أصبح هذا الصوت أكثر وضوحاً، لقد تجمدت قدماي ولم اعد استطيع متابعة السير. يا الهي ما هذا الصوت القادم من بين القبور اهو أنين لأرواح البائسين أم هو بكاء لشبح حزين ؟ كلما اقترب الصوت أكثر أصبح قلبي اقرب إلى الخروج من صدري، جمعت كل شجاعتي وتنحيت جانباً لتفادي مصدر الصوت أياً كان .. مرت ثواني ثقيلة قبل أن أكتشف ظلاً لرجل يترنح، ومن خلال ضوء القمر استطعت أن أمّيز هيئة (سمير) الذي ينفرد بطوله الفارع وملابسه السوداء وصلعته التي بانت واضحة تحت ضوء القمر.
(سمير الأسير) هذا هو اسم الشهرة الذي يطلقه عليه جميع أهالي القرية، حرصت أن لا يراني فقد كنت في حالة هلع شديد وكان في حالة يرثى لها.. لقد كانت صدمتي كبيرة ليس لأنني شاهدته في ذلك الوقت المتأخر، بل لطريقة بكائه الغريبة وكأنه طفل انتزعت منه لعبته الأثيرة! هل يعقل أن يكون هذا الرجل هو نفسه الذي أراه يضحك طوال النهار؟! لم اصدق بأن الرجل الذي مر أمامي باكياً بكل تلك الحرقة هو نفسه الذي شاهدته قبل ساعات وهو يمازح أصدقائه ويقهقه بصوت عال، حتى انه سخر مني ممازحاً: " أنت لا تشرب ولا تدخن ولا تضحك فقل لي بربك لماذا تعيش؟" سألت نفسي: ترى ما هي الكارثة التي ألمّت به لكي يبكي بهذه الطريقة؟ كنت اعرف إن والده مات وهو ينتظر عودته أيام حرب الخليج الأولى واعرف كذلك إن شقيقه الأصغر فُقد أثناء حرب الخليج الثانية! وان خطيبته تزوجت وهو في الأسر، لكن كل تلك المصائب مضى عليها أكثر من عشر سنوات، يا ترى ما الذي ذكّره بكل تلك المصائب في هذه الليلة بالذات؟ انتظرت إلى أن تجاوزني بمسافة، بحيث أصبح صوت بكائه يخفّ تدريجياً وكأنه صدى يذوب في اللا شئ .
أكملت طريقي وأنا مشوش التفكير لا اعرف كيف وصلت إلى بيتي.. لم استطع النوم لفرط التفكير بحالة سمير تلك الليلة.. في صباح اليوم التالي خرجت كالعادة إلى (الجايخانة) التي يجلس فيها اغلب العاطلين عن العمل من أبناء القرية، ومنهم أصدقاء سمير.
جلست بالقرب من (سالم) وهو أقرب الناس إلى سمير وسألته هامساً: ماذا دهى صديقك لقد أخافني ليلة البارحة بصوت بكائه؟ سحب نفساً عميقاً من سيكارته ونفثه في الفضاء بحسرة كأنه سمٌ يخرج من رئتيه وقال: كلكم تعتقدون انه رجل سعيد يضحك ويلهو، لكنكم لا تعرفون بأن"رقصه بينكم.. كرقص الطير المذبوح من ألألم"... إنه على هذه الحال منذ سنين.. يحمل حزنه وحده ولا يبوح به لأحد، ولا تدركون بأن "أكبر مآسي الحياة، هي أن يموت شيء داخل الإنسان وهو مازال حيا".. ليتك تكون معنا وترى سمير عندما ينهي كأسه الرابعة وكيف تتغير ملامحه وتكاد الدموع أن تطفر من عينيه.. وإذا سأله احدنا عن سبب حزنه المفاجئ، لا يجيب بأكثر من هذه الكلمات "أنا ابكي على نفسي"..!
عندها عرفت بأن حزن سمير اكبر من كل تلك الشهور والسنين التي مضت.. وجرحه أعمق من أن يلتئم!



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة رجلٌ .. ونصف جسد
- حلم وفراشات
- ثقافة العناوين..!
- قصتان قصيرتان
- الوطن المقتول
- حفلة تنكرية
- قصة قصيرة - وراء الحياد ..بقليل-
- قصص قصيرة جدا /3 ً
- قصة قصيرة - مواسم -
- الى ولدي
- 2 / قصص قصيرة جداً
- قصص قصيرة جدا
- تقييم الحوار المتمدن
- قصة قصيرة العرّاف
- صدى وسكون
- قصاصات من دفتر قديم
- الرجل الغريب


المزيد.....




- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - طريق المقبرة قصة قصيرة: