قصة انشتاين و النسبية

صباح ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 5296 - 2016 / 9 / 26 - 16:44
المحور: الطب , والعلوم
    

درس العالم الفيزيائي البرت انشتاين فيزياء نيوتن عن الحركة و الجاذبية ، وتعمق في افكار العالم الكيميائي مايكل فرداي عن الكهربائية و المغناطيسية و كيف انهما وجهان لصورة واحدة و يمكن توليد احدهما من الاخر، واستعان بالمعادلات الرياضية التي ابتكرها جيمس كلارك ماكسويل عن الكهرباء و علاقتها الوثيقة بالمغناطيسية و كيفية حسابها . ساعد كل ذلك انشتاين في ابتكار نظريته الجديدة النسبية .
وجد مايكل فرداي ان السلك النحاسي الذي يسري فيه تيار كهربائي ، يولد مجالا مغناطيسيا حوله ، و تمكن من اكتشاف ذلك بحركة مؤشر البوصلة القريبة من السلك .
كما اثبت بالتجربة ان السلك النحاسي الذي يتحرك ضمن مجال مغناطيسي ، يتولد فيه تيار كهربائي بالحث المغناطيسي فيهيج الشحنات الكهربائية السالبة الموجودة في ذرات معدن النحاس فتسري في السلك على شكل تيار كهربائي .
ايد جيمس ماكسويل ما اكتشفه فرداي بواسطة المعادلات الرياضية ، وحسب سرعة الموجات الكهرومغناطيسية فوجدها بالرياضايات انها تساوي 670 مليون ميل/ ساعة اي 300 مليون متر / ثانية .
واتبت ماكسويل ما اكتشفه فرداي ان الكهرباء و المغناطيسية ظاهرتان طبيعيتان متمازجتان و مظهران لقوة اعمق تولد احداهما الاخرى ، و تدعى اليوم بالقوة الكهرومغناطيسية .
كما اثبت رياضيا ان سرعة هذه الموجات الكهرومغناطيسية مساوية لسرعة الضوء تماما. وبذلك اثبت ان الضوء هو صورة للموجات الكهرومغناطيسية ينتقل بسرعة ثابتة .
معادلات ماكسويل الرياضية كانت تحمل نبوءة مذهلة ، حيث قال انه لا يمكن اللحاق بشعاع الضوء حتى لو كانت سرعة الانطلاق تعادل 670 مليون ميل / ساعة .
اذا كان المرء يتحرك بسرعة الضوء فأنه سيكون ساكنا بالنسبة لسرعة الضوء ، لأنهما يسيران بسرعة واحدة ، تماما كالمسافر في مركب مع تيار ماء نهر يجري بنفس سرعة المركب . سيبدو ساكنا بالنسبة لحركة تيار الماء لأنهما يتحركان بسرعة واحدة .
كان انشتاين في شبابه يدرك ان الضوء لا يشبه اي نوع من انواع الموجات . وكان منشغلا في التداخل بين الكتلة و الطاقة و سرعة الضوء ، بطريقة لم تخطر على بال احد . وكان بحاجة الى الرياضيات المتقدمة لأثبات نظريته ، فقد كان فيزيائيا و لم يكن متبحرا بعلوم الرياضيات المتقدمة.
طلب المساعدة من صديقه كروسمان البارع في الهندسة و استاذ الرياضيات المتقدمة في معهد التقنيات السويسري .
درس انشتاين جاذبية نيوتن و قوانين الحركة ، و الاجسام الساقطة حسب نظرية غاليلو التي تقول ان الاجسام الساقطة لابد ان تسقط بوقت واحد بغض النظر عن وزنها و حجمها لأنها خاضعة كلها لتاثير متساو للجاذبية الارضية ،
فيما يخص الجاذبية في الفضاء الكوني ، اوجد انشتاين تفسيرا جديدا ، وهو ان الاجسام في الكون تعمل على تشويه الفضاء المحيط بها و تجعله ينحني تحت تاثير وزنها وكتلتها . و شبّه الفضاء الكوني بقطعة قماش او مطاط مشدود من اطرافه ، و الفضاء الخالي من الاجسام يكون مسطحا افقيا ، و عند وجود كتلة من كوكب في مكان ما فإنه يعمل على انحناء الفضاء تماما مثل وضع كرة حديد ثقيلة وسط قطعة قماش مشدودة الاطراف فتهبط القطعة الى اسفل و تشوه التسطيح الافقي ، و اذا وضعنا كرة زجاجة صغيرة في احد اطراف قطعة القماش او المطاط المنحني فان الكرة الزجاجية ستتدحرج نحو كتلة الحديد في وسط القماش ليس بقوة جذب كرة الحديد لها بل بسبب انحناء قطعة القماش التي تمثل (الكون) نحو مركز الكتلة الكبيرة .
كون انشتاين احدب الشكل او منحني السطح بسبب تاثير الكتل الكبيرة فيه .
وقد اثبتت التجربة العملية صحة نظرية انشتاين حيث تم رصد شعاع من الضوء المار بقرب الشمس اثناء الكسوف ، فظهر انه يسير بخط منحني و ليس مستقيما بسبب الانحناء الكوني قرب الشمس ، وبما ان الضوء اسرع شئ في الوجود ، فأنه بهذا اثبت ان الخط المنحني للضوء في الفضاء هو اقصر مسافة بين نقطتين و ليس الخط المستقيم بسبب انحناء الكون الفراغي وطبعا هذا لا ينطبق على طبية هندسة اقليدس على الارض .
في موضوع الجاذبية و التسارع ، اثبت انشتاين ان الجاذبية والتسارع متشابهتان من حيث تاثيرهما على الاجسام . فقد تخيل انشتاين رجلا واقفا في صندوق كبير مغلق من غير نوافذ ، ويسقط حرا في الفضاء الكوني ، فانه سيكون طافيا في وسط فضاء الصندوق لانه غير خاضع لجاذبية معينة .
ان وجد الرجل في الصندوق فجاءة ان قدميه تلامس ارضية قاعدة الصندوق ، فهناك احتمالان ، اما يكون الصندوق المتحرك اقترب من سطح الارض و خضع لجاذبيتها فسحبته الى الاسفل نحو مركز الارض ، او ان الصندوق قد تم سحبه بقوة ما الى الاعلى بسرعة فهبط هو الى الاسفل نحو قاعدة الصندوق تحت تاثير التسارع و ليس تحت تأثير الجاذبية .
توصل انشتاين من هذه الفكرة الى ما يلي :
بما ان النتيجة اصبحت واحدة في كلا الحالتين اي تلامس قدمي الرجل ارضية الصندوق و اتجاهه الى الاسفل ، اذن الجاذبية و التسارع هما صورتان لحالة واحدة لأنهما اعطيا نتيجة واحدة، اي ان قوة الجاذبية تساوي قوة التسارع رياضيا ايضا.
بعد ان اصبح انشتاين استاذا في المعهد الفيدرالي السويسري للتقنيات ، بدا يعمل بجد على صياغة نظريته النسبية ، وكان يريد ان يصف كيف تتحرك الاجسام في الفضاء ، فتوصل الى ان الابعاد الثلاثة الطول و العرض و الارتفاع لاتفي بالحاجة لتحديد مكان جسم ما في الفضاء الكوني ، لأنه مرتبط بالزمان ايضا ، فكل جسم في الفضاء يتحرك ، ولا يوجد في الكون جسم ثابت مطلقا ، فكل جسم يتحرك بحركة نسبية قياسا لجسم آخر. و كل جسم لابد ان يحدد مكانه وزمانه حتى يحدد موقعه في زمن ما . و لهذا ادخل في قياسات المكان عامل الزمن ايضا ، فاصبح المكان و الزمان مترابطان بشكل وثيق جدا ، و لايمكن فصلهما عن بعض . فأطلق عليه او الزمكان Space + time تعبير
واصبح الزمان هو البعد الرابع بعد الطول والعرض و الارتفاع .
استنتج انتشاين في دراساته ان نيوتن كان على خطأ في تقديره ان الضوء يمكن ان يكون له سُرع مختلفة ، فقد اثبت هو و ماكسويل ان سرعة الضوء ثابتة و لاتتغير مهما كانت سرعة مصدر الضوء .
واعتبر ان الحركة و الفراغ مرنان بالاعتماد على كيفية الحركة وسرعتها ، وقد اسمى انشتاين نظريته النسبية الخاصة . وقادته هذه الافكار الى نتائج باهرة في اكتشاف و صياغة معادلة الطاقة و علاقتها بالكتلة و سرعة الضوء .
E=MC²
وكانت المعادلة المعجزة التي فجرت القنبلة الذرية . وتأكدت نظرية انشتاين ان كتلة اي مادة وخاصة المشعة تحوي مخزون طاقة هائلة يمكن اطلاقها واستخدامها في السلم و الحرب اذ ما تم تفكيك انوية ذراتها بقصفها بالنيترونات . وهذه الطاقة تكمن في قوة تماسك ذرات المادة . وقد تم اثبات صحة معادلة انشتاين بعد نجاح اطلاق القنابل الذرية الحرارية و تحقق تطبيق النظرية النسبية لأنشتاين عمليا في تحويل الكتلة الى طاقة ..
واوضح مثال لتحول كتلة المادة الى طاقة هي الاشعاعات الطبيعية التي تطلقها انوية العناصر المشعة كاليورانيوم و البلوتونيوم و تحولها الى طاقة مشعة . وكذلك تحول كتلة و مادة الشمس الى طاقة حرارية و ضوئية و اشعاعات ساهمت في ايجاد الحياة و استمرارها ، ففي كل ثانية تتحول اربعة ملايين طن من كتلة الشمس الى طاقة حرارية و ضوئية واشعاعية ، وكذلك يحدث هذا في النجوم الى ان تنضب كتلتها و تفقد طاقتها و تتحول الى ثقب اسود .
و مادة الفحم (الكربون) تتحول بالاحتراق الى طاقة حرارية تستخدم للتسخين كوقود.
اما تحول الطاقة الى مادة ، فهذا ما حدث في الانفجار العظيم الذي حول كميات هائلة من طاقة الانفجار الى ذرات النجوم و شموس و غازات و غبار و كواكب صخرية . حتى نحن البشر نتاج معادلة انشتاين في تحول الطاقة الى مادة و معادن كونت اجسام بشرية من ذرات غبار النجوم وعناصرها الكيميائية.
كان عالم الفيزياء العظيم البرت انشتاين يبحث فيزيائيا في الضوء و نواة الذرة والالكترون والبروتون حتى انتقل بافكاره من الذرة الى المجرة في الكون بنظريته النسبية .
واصبح انشتاين اشهر عبقري بين فيزيائيي القرن العشرين وسيبقى منارا منيرا و خالدا في عالم الفيزياء النظرية

#صباح_ابراهيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات