أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - كيف تعلّمنا الإنكليزية؟














المزيد.....

كيف تعلّمنا الإنكليزية؟


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 5296 - 2016 / 9 / 26 - 00:14
المحور: كتابات ساخرة
    


في مرحلة الطفولة من ستّينات القرن المنصرم، كنا نسكن في حيّ الرمل المجاور لغابة الصنوبر الساحلية. نقضي جلَّ أوقاتنا فيها؛ نلهو ونلعب ونمرح ونحلم ونتسلّق أشجارها ونتفقّد أعشاشها ونصطاد العصافير بـ «النقّيفة».. ونخترع ما تيسّر لنا من ألعابٍ جديدة. فقد كانت تلك الغابة وطننا الصغير، بل بيتنا الثاني. وغالباً ما كنّا ننسى أنفسنا ونسهو عن العودة إلى بيوتنا حتى ساعة متأخرة من الليل وخاصةً في فصل الصيف، إلى أن يتم تذكيرنا من قبل ذوينا بالعودة.
ذات يوم، قدم أحد الرفقاء الصبيان مزهوّاً وبادرنا بالقول متدلّعاً: «أآآ.. إنني أتعلّم اللغة الإنكليزية، وصار بمقدوري التحدّث مع أيّ سائح قادم إلى حيّنا يا شحّاركم!» والحقيقة أن بعض السيّاح كانوا يأتون إلى الغابة أحياناً لنيل قسطٍ من الراحة والتمتّع بنسمات هوائها العليل. سألناه برجاءٍ ولهفة: «هل يمكنك تعليمنا؟» فأجاب متباهياً: « ممم، نعم، سأعلّمكم أهمّ العبارات التي يمكنكم من خلالها التحدّث مع السيّاح. خذوا مثلاً:
Hello, How are you؟
مرحبا، كيف حالك؟

i am very well thank you
جيد، شكراً لك

what is your name؟
ما اسمك؟

My name is…
اسمي...

Can you speak English؟
هل تتكلم الإنكليزية؟

Yes, I can
نعم، يمكنني

Please, give me one cigarette
من فضلك أعطني سيجارة

وبسبب شوقنا للتحدث مع الأجانب فقد حفظنا هذه العبارات عن ظهر قلب خلال لحظات. وبدأنا نجري البروفات مع بعضنا، تارةً هذا يمثّل دور السائح والأخر دور الصبي الجهبذ الذي يجيد التحدث بالإنكليزية، وتارةً العكس.
ومضت الأيام ونحن نترقّب قدوم السيّاح إلى غابتنا الصنوبرية، وكلّ يوم نكرر تلك العبارات والبروفات، وباتت تسلية جديدة إلى جانب تسلياتنا الأخرى العديدة.. إلى أن جاءت في ظهيرة أحد الأيام سيارة تجرّ خلفها «كرفانة» حطّت على طرف الغابة ونزل منها رجلان وامرأتان فَرَعَة الطول ضخام الأبدان. وسرعان ما فردوا الكراسي وطاولة ووضعوا عليها بعض المأكولات والمشروبات وبدؤوا بتناول الطعام.
كنت وأحد الرفقاء نراقب هذا الكنز الثمين كصيّادٍ أفنى يومه بالبحث عن طريدته دون جدوى وفجأةً لاحت أمامه. تطلّعنا ببعضنا وبلغة الصمت تفاهمنا وهرعنا متجهين إلى أولئك السيّاح.
لدى وصولنا سبقتُ رفيقي بعدّة خطوات لأبرز شجاعتي وكفاءتي في هذا الموقف الذي انتظرناه طويلاً. وقفتُ بالقرب منهم لألفت انتباههم. وبدأتُ أزدرد لعابي متحفّزاً لخوض تجربتي الأولى في التحدّث مع قومٍ غرباء عن عالمنا وكأنهم هبطوا من كوكبٍ آخر. للوهلة الأولى شعرت بالرهبة والحرج كطالبٍ يقدّم امتحاناته المدرسية. ولما لم يكترثوا بي، اقتربت منهم أكثر وبصوتٍ مرتعش هتفت بصوتٍ أشبه بصياح ديكٍ مراهق: Hello. How are you?
نظرت صوبي الوجوه الأربعة بعيونها الزرقاء وشعورهم الصفراء وقد ارتسمت البسمة على محيّا الجميع. أجابني أحدهم بعبارة لم أفهم منها حرفاً واحداً. فقلت له:
i am very well thank you
ردّ عليّ رجلٌ آخر بعدة كلمات غريبة وهو يضحك. وطبعاً لم أفهم منه شيئاً. فقلت له:
what is your name؟
ضحك الرجل مجدداً وأجابني. لكنني لم أستوعب الاسم! فهذه أول مرة في حياتي أسمع لغةً أجنبية من فم أجنبي بشكل حيّ ومباشر. لا سيما وأن التلفزيون لم يكن شائعاً استخدامه في تلك المرحلة. ولم نكن قد دخلنا أيّة صالة سينما في المدينة لحضور فيلم أجنبي. شعرت بالخجل والارتباك، فسكبتُ ما تبقّى في جعبتي من عبارات باللغة الإنكليزية دفعةً واحدة مجازفاً بكبريائي الطفولي وقلت له:
Can you speak English؟
Yes, I can
Please, give me one cigarette
قهقه الجميع وهم يشقلونني من فوق لتحت. وقدّمت لي إحدى المرأتين تفاحة من صحن الفواكه المتوضّع على الطاولة. شعرت بالإهانة، بالذّلّ.. أحسست بأن حنجرتي محشوّة بالشوك قلت لها بالعربية وبنبرة غاضبة: «خالتو، أنا لست شحّاذاً. أنا طلبت سيكارة فحسب.» واستدرتُ عائداً وتكاد قدماي تتعثّران ببعضهما من شدة خجلي. بينما كان رفيقي الذي اكتفى بالمراقبة يهمس ضاحكاً وقد تمسّك بمرفقي: «ولك هيا نذهب ونتسلّق الشجرة التي بنينا فيها كوخاً، الله يلعنك، لقد خجّلتنا أمام الأجانب!».



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثور العجوز
- أوّاه.. يا حماتي!
- بلسم الرّوح
- أعذب موسيقى!
- نهود في شارع هنانو
- السّماح يا «بوتشي»..!
- أطيب شاي «باله» في العالم
- قراءتي لانخفاض سعر صرف الدولار
- وكالة «عذراء»..!
- ما هي غايتهم من رفع أسعار صرف الدولار في سورية؟
- قراءة سريعة في أسباب تدهور الليرة
- حَدَثَ في سورية – قصّة حقيقية
- «دَقَّة قديمة..»
- في أسباب ضعف اليسار
- مرشّح غير شكل!
- الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!
- سْتوووبْ.. أوقِفوا التصوير!
- الشَّبح
- كيف نقضي على الإرهاب؟
- المِظَلّة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - كيف تعلّمنا الإنكليزية؟