أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - نهود في شارع هنانو














المزيد.....

نهود في شارع هنانو


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 5217 - 2016 / 7 / 8 - 15:13
المحور: كتابات ساخرة
    


خلال مرحلة الدراسة الإعدادية، وفي ذروة الاتّقاد العاطفي لدي جيلنا المراهق آنذاك، لم يكن ثمة إمكانية لإشباع الغريزة الجنسية المتوهّجة والتمتّع بملكوتها إلا من خلال أفلام السينما، التي كانت تحوي في مشاهدها الكثير من المقاطع الغرامية تسهم في إشباع نهمنا بخيالات الجنس اللذيذة.
وفي حالات الطفر، وما أكثرها تلك الأيام، عندما لا يتوفر لدينا المال الكافي لحضور السينما، كنا نطوف بشارع هنانو في اللاذقية وسط المدينة لتعويض ما كنا بأمسّ الحاجة إليه لإطفاء بعض ألهاب شوقنا الجارف لكل ما له علاقة بالجنس. فقد كانت بعض محلات «النوفوتيه» في ذلك الشارع تعرض في واجهاتها صوراً ثلاثية الأبعاد لفتيات تظهرن للنّاظر عاريات من خلال زاوية رؤية محددة. ربما كان الهدف من عرضها هو جذب الزبائن الجائعين إلى الجنس، جوعهم وحرمانهم إلى كل ما هو مفيد في حياتهم. ومن ثم إحراجهم للشراء عبر الإلحاح الذي يتقنه أصحاب تلك المحلات أباً عن جدّ بقصد الترويج لبضائعهم. وقد كانت تلك الصور مصمّمة بإتقان بحيث تبدو من زاوية ما بأنها تكتسي ثوباً، وما إن تميل برأسك قليلاً حتى تبرق المفاجأة السارّة وتتبدّل الصورة وينكشف الصدر عن نهدين بارزين بشبق أسطوري مدهش، دون أيّ مقدرة على تفسير ذلك التحوّل العجيب في الصورة التي اعتمد مبدعها في تشكيلها على الفن وعلى الخدعة البصرية بآنٍ معاً!
والمشكلة المحرجة التي كانت تعترضنا دائماً هي ضرورة إيجاد مبرر لتواجدنا الطويل أمام تلك المحلات وعلى مقربة من واجهاتها. فقد يباغتنا صاحب المحل بالاستفسار عمّا نريده وما الغاية من وقفتنا المريبة. وغالباً ما كان ينكشف سرّ وقوفنا لصاحب المحل الذي كان ينتبه إلينا ويراقبنا بمكر وهو يرانا غارقين بأبصارنا مأخوذين نحو تلك الصور. فيكتفي أحياناً بأن يرمقنا بابتسامة خبيثة ولكنها عذبة.. فيستحوذ علينا الحياء ونعود أدراجنا إلى أحيائنا البائسة مغالبين الرغبة المعربدة في أعماقنا. نجترّ في خلواتنا ما اكتنزته تأملاتنا من مشاهد مثيرة ساحرة ذات القدرة العجيبة على تجسيد الوهم، فتسقسق النشوة في عروقنا ولو إلى حين.
وذات مرة كنت أتلصّص وحيداً على صورة في ذلك الشارع الشهير، وبينما كنت مستغرقاً في بحر تأمّلاتي وأميّل رأسي ببطء تارةً فتظهر الصورة محتشمة، وتارةً أخرى عارية. وإذ براحتَيّ يدين تغمضان عينيَّ من الخلف. وكانت العادة أن يبقى الفاعل ثابتاً بهذه الوضعية إلى أن أحذر اسمه. حاولتُ تذكّر اسم أحد الأصدقاء المنتوفين الذي كان مدمناً على ارتياد ذلك الشارع يومياً تقريباً بسبب ضيق ذات اليد وعدم قدرته على دخول صالة السينما، لكن ذاكرتي لم تسعفني بسبب رائحة عطر طيبة أفغمت أنفي تضوّعت من الفاعل وشتّتت تركيزي. حاولتُ إسدال يديه وأنا أهتف: «عجزت.. والله عجزت!» وبصعوبة تملّصتُ منه والتفتُّ إليه لتصعقني المفاجأة! رفرفتُ عينيّ غير مصدّقٍ! يا إلهي، إنه أستاذ اللغة العربية في مدرستنا، الذي كان يحبّني كثيراً نظراً لشطارتي في تلك المادة. قال لي مازحاً بصوتٍ خافتٍ: «هاها، مسكتك.. ماذا تفعل هنا؟».
جاشت نفسي اضطراباً وارتباكاً! بماذا أجيبه؟ تظاهرتُ بالتماسك وقد اصطبغ وجهي بحمرة مفاجئة شلّتني تماماً. حاولتُ استحضار جوابٍ ينقذني مما أنا فيه فأجبت متلعثماً: «والله أستاذ كنت سأحضر فيلم سينما، لكنني تأخّرت قليلاً عن موعد عرضه فآثرت العودة إلى البيت..»
وبينما كنت أبرر له وقفتي المشبوهة تلك، كانت عيناه تنظران بشهوانية مغلّفة بالرزانة نحو الصورة التي كنت أستهدفها. وفجأةً نظر صوبي واتخذ هيئة الأستاذ الواعظ المهيب وقال: «أرِنِي عرض أكتافك، وراء درْ، هيّا إلى البيت يا بنيّ! غداً دوامك صباحاً، سلّم لي على أهلك كثيراً. نلتقي غداً إنشاء الله..»
هرعتُ مسرعاً مغادراً مسرح الجريمة بخفّة قطٍّ مذعور. وبعد اجتيازي الشارع وبلوغي الرصيف المقابل، ألقيتُ نظرة خاطفة إلى أستاذي، ألفيته متسمّراً أمام واجهة المحلّ وهو يميّل رأسه ببطءٍ شديد..



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السّماح يا «بوتشي»..!
- أطيب شاي «باله» في العالم
- قراءتي لانخفاض سعر صرف الدولار
- وكالة «عذراء»..!
- ما هي غايتهم من رفع أسعار صرف الدولار في سورية؟
- قراءة سريعة في أسباب تدهور الليرة
- حَدَثَ في سورية – قصّة حقيقية
- «دَقَّة قديمة..»
- في أسباب ضعف اليسار
- مرشّح غير شكل!
- الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!
- سْتوووبْ.. أوقِفوا التصوير!
- الشَّبح
- كيف نقضي على الإرهاب؟
- المِظَلّة
- طلب استقالة
- هل يمكن القضاء على الإرهاب بمعزل عن الحلّ السياسي؟
- حوارات نقابية
- -داعش- والحب
- ماذا حصدنا من الفيتو المزدوج؟


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - نهود في شارع هنانو