أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ماعزة من موسكو إلي كييف














المزيد.....

ماعزة من موسكو إلي كييف


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5286 - 2016 / 9 / 15 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


بمناسبة عيد الأضحى والأضاحي تذكرت قصة ماعزة نحيفة ركبت قطارا من موسكو إلي كييف عاصمة أكرانيا وقضت هناك عدة أيام ورجعت. حدث ذلك في سبتمبر عام 1988 وكان الاتحاد السوفيتي مازال قائما على سن ورمح. في ذلك الوقت كان التلفزيون الروسي يعرض مسلسلا إسبانيا بعنوان"اسمي ماريا" لاقى رواجا بفضل جمال بطلته ونظرة عينيها الواسعتين الساهمة الآسرة بحزن رقيق. وكنا على مشارف عيد الأضحى حين اتصل بي صديقي ناجي صلاح قائلا:"أحمد.. مش عاوز معزة؟".دهشت من العرض غير المألوف وتلجلجت أستوثق مما يقوله: "معزة؟!". قال:" أيوه لعيد الأضحى". قلت:" لكن ذبح معزة في موسكو مشكلة! لسنا في كفر عنتر بالمنوفية!"، ثم سألته لأتبين دافعه لإهدائي هذه الهدية الغريبة: "لكن لماذا تعرضها علي ولديك بيت ريفي خارج موسكو يمكنك فيه القيام بأي شيء؟". أجابني بتنهد حزين: " لاأستطيع الاقتراب منها أو لمسها بالأذى. اشتريتها من شهرين، ثم بدأ عرض مسلسل"ماريا"، وسيطر على جمال عيني بطلته، وذات صباح تقاطعت نظرتي مع عيني المعزة فاكتشفت مذهولا أن لها نفس عيني ماريا الواسعتين! ونظرتها الرقيقة الحزينة ذاتها فلم أعد قادرا على لمسها! صدقني إنها ماريا.. ماريا الخالق الناطق! الفارق الوحيد أن هذه تمأميء بالإٌسبانية وماريا تنطقها"! تذكرت وهو يحدثني أن والد زوجتي الروسية يعيش في أكرانيا ولديه هناك بيت ريفي وسيكون سعيدا إذا أرسلت الماعزة إليه. قلت له:" ماشي. لكن ماذا سأطعمها؟". قال: " لاشيء فقط انزل بها إلي الحديقة المواجهة للعمارة وسرحها في العشب". بعد ساعتين أصبحت الماعزة داخل الشقة عندي. مأمأت وهي تستكشف الصالة وتتشمم المقاعد ثم رقدت سارحة في ذكرياتها الماعزية. بعد وقت ربطتها بحبل وهبطت بها في المصعد إلي الشارع لأطعمها، وما إن خرجت من باب العمارة حتى التف حولي كل أطفال الحي مذهولين فرحين يتواثبون ويصفقون بسعادة صائحين:"ماعزة! الله! ماعزة من مصر"! كانوا يعلمون أنني أجنبي من مصر، فخمنوا مادمت أنا مصريا أن الماعزة أيضا مصرية! ولم ينفض الأولاد من حول الماعزة ، ذلك أن ظهور حيوان كهذا في موسكو يشبه تجوال فيل في باب الشعرية. طوق الأطفال الماعزة يربتون عليها ويتحسسونها ويسألونني عن اسمها وأصلها وفصلها. وصار كل من راح وجاء يتوقف مبتسما سائلا إياي بود: " ماعزة؟!". فأقول : " نعم". وأتساءل في نفسي: " أو ليس ذلك واضحا؟". الأيام الثلاثة اللاحقة أخذ الأولاد يطرقون باب شقتي عصر كل يوم يسألون بأدب ولطف: :"عمي متى تنزل اليوم مع الماعزة ؟ ". في اليوم الرابع اصطحبت ابنتي هانيا والماعزة إلي محطة القطار ووقفنا على رصيف قطار موسكو – كييف. غمزت العامل المرافق للركاب رشوة ليقبل بسفر الماعزة غير القانوني، وطبعا من دون تذكرة. تأمل الماعزة وسألني بحذر: لكن ألا تحدث ضوضاء في الليل؟". قلت بوجه الملائكة الأبرار: " يا إلهي ! أية ضوضاء؟.. هذه ماريا الرقيقة الحزينة.. أي ضوضاء؟"! في الصباح كلمتني ابنتي من كييف وقالت إن الماعزة لم تدع لأحد من الركاب دقيقة هدوء واحدة ينام فيها، وأنها ظلت تمأميء بقوة ثور هائج طول الليل، أما عامل القطار فظل يلعن الساعة التي التقي فيها بشخصي. قلت لها : " المهم أنكم وصلتم وبخير"، ثم تناول والد زوجتي السماعة وكلمني، فبادرته بحماسة مصطنعة وفرح زائف:" عزيزي الكسندر بافلوفيتش .. هذه ماعزة جميلة يمكنها أن تحيا عندك في بيتك الريفي وتكون مصدر لبن طازج كل صباح وخيرات أخرى كثيرة". وإدعيت التواضع قائلا: " مجرد هدية بسيطة أرجو أن تقبلها". لكن صوته جاءني حزينا يقول: "عزيزي أحمد هذه ليست ماعز .. إنه جدي"! أذهلتني المفاجأة وأحسست أن قوة مجهولة غدرت بي. قلت مدهوشا: " ماريا طلعت جدي؟"!. قال بضجر: " أي ماريا هذه؟. عموما حماتك، أي زوجتي تصر على أنه لا مكان لهذا الجدي عندنا، وسنعيده إليك مع هانيا". بعد يومين كنت أقف ثانية في محطة القطارات أنتظر ابنتي والجدي الذي تنكر في هيئة أنثى وأنا أتخيل الأطفال يزفونني من جديد ذهابا وإيابا في الشارع " الله! معزة!"، ثم يطرقون باب شقتي ليسألونني عن مواعيد الحفلات التي سأقدمها مع " ماريا" في الهواء الطلق! اصطحبت ابنتي والماعزة وركبنا السيارة وأنا أبحث بعيني في الطريق عن أقرب قسم شرطة روسية. وقالت ابنتي تلومني: " معقول يابابا .. أسافر من بلد لبلد بماعزة وتطلع جدي؟". لم أجد ما أقوله لها فقلت: " أنا سلمتك ماعزة، وأنت عدت بها في هذه الحال. ألم تكن ماعزة ؟". نظرت لي باستغراب وقالت : " يعني أنا عملت لها عملية جراحية؟ هو جدي من الأول، بس عمي ناجي رومانسي شوية"! أخيرا وقع بصري على قسم شرطة فأطلقت الجدي بالقرب منه ولذت بالفرار بأقصى سرعة. سألتني ابنتي ونحن عائدين: " لكن لماذا قرب قسم شرطة؟"! قلت لها وأنا أندفع بالسيارة مسرعا : " لأنه مزور لئيم، خدع عمك ناجي، وخدعني، جدي ويدعي أنه ماريا"! فيما بعد حكيت لأخي حسام حبشي هذه القصة فقال لي: "طالما أن ناجي ابتلاك بهذا الجدي فعليك بابتلائه بالكلب الأسود". وكان لدينا في الشقة كلب ضخم مجنون يدور طول اليوم ويلف حول ذيله ليعقره .. لكن هذه قصة أخرى، قد أحكيها فيما بعد، لأنها تتضمن كل عناصر التشويق من انتقام إلي دهاء مرورا بالحنكة والتآمر.
***
د. أحمد الخميسي . قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى ميلاد العبقري ليف تولستوى
- الختان .. انتهاك كرامة البشر
- رياض أفندي والخواجة - بيلا - .. الصورة الأكبر !
- عزيزي جلال الرومي .. كلمني على الماسنجر !
- فرحة صغيرة
- ناجي العلي .. انتظار الوطن
- البحث عن بلادنا
- اسطنبول والموت حسب الأصول !
- الكتابة إلي المستقبل
- الإعلان الأساسي .. يا للي عطشان وناسي !
- لن أكتب هذا المقال !
- جو كوكس .. اقتلاع الزهرة
- كله جايز .. في ثقافة الجوايز !
- عن العلم والأدب مجددا
- جراحة - قصة قصيرة
- رحلة للحكومة للتعرف إلي الشعب
- لغة الجرائد
- تفاصيل الموت والحياة
- - اتصال - قصة قصيرة
- تيران وصنافير .. وحرية التعبير


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ماعزة من موسكو إلي كييف