أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - المثقف الداندي














المزيد.....

المثقف الداندي


وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 11 - 13:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



ظهر مفهوم المثقف الداندي في كتابات محمود احمد السيد في بداية القرن العشرين , ويصفه بالشاب الذي يهوى ارتداء الملابس الحديثة ويضع ربطة عنق تشبه الفراشة . وكما تقول الباحثة فاطمة المحسن في كتابها (تمثلات الحداثة في ثافة العراق ):

(ويغرم بالبدلات الغريبة والاحذية الايطالية , ويتصرف ويمشي مثل الجنتلمان الانكليزي , ويرفض مطالعة الادب الوطني ولا يقرا سوى الروايات والقصص باللغات الاجنبية ).
هذا النمط من المثقفين يشير الى تاثير الثقافة الغربية في العراق . تقول فاطمة المحسن ان هذه الظاهرة توضحت في الثلاثينات من القرن العشرين , لكن جذورها تمتد الى ظهور ( الافندية )في بغداد في نهاية السيطرة العثمانية .والافندية هم المتعلمون الذين احتلوا وظائف حكومية وعرف بعضهم لغات اجنبية وبدا قسم منهم يميز نفسه عن الاخرين بطريقة معيشته وملابسه عن طريق لبس البدلات الغربية والطربوش التركي .

وكانوا يشعرون بالتعالي عن الاخرين . انتقد رائد علم الاجتماع في العراق الدكتور علي الوردي طبقة الافندية في مؤلفاته لكونهم يحملون نظرة غير واقعية عن الحياة في العراق .
تصف الباحثة فاطمة المحسن صفات الداندي بالقول :
( تكاد تقترب سمات المثقف الذي يصفه السيد – تقصد محمود احمد السيد – دون ان يجد تسمية مناسبة , في مايسميه بودلير (الداندي ) (The Dandy )والترجمة العربية لاتفي بكلمة واحدة كي يستكمل المعنى .فالداندي ليس المتانق او المتشاوف والمترفع فقط , فهو نتاج الحداثة في الحياة والسلوك , فالوعي بالحداثة كحالة معاشة تفرض احساسا بالتفوق والانفصال عن الاخرين وتمييز النفس بمظهر يلفت الانظار ويشيع بين الناس قدرا من الدهشة والعجب ).

الداندية ظاهرة موجودة في كل مراحل التاريخ . تكتب فاطمة المحسن في نهاية بحثها عن الداندية بالقول :
(يختفي المثقف الداندي في فترات الاحتدام السياسي ,الحروب والانقلابات وهيمنة العنف ,فوجوده دائما يؤشر الى حياة ثقافية مستقرة, او على وشك الاستقرار,ولعل موت حسين مردان وهجر الفنانين العراقيين لممارسات الحياة المترفة والمفرطة في تانقها وطقوسها الجميلة كانت ايذانا بتراجع العراق تدريجيا نحو حالة الانكفاءالثقافي ) .

يمثل الشاعر العراقي حسين مردان نموذجا متميزا للمثقف الداندي المحلي في العراق والذي قام بدور الصعلوك والمتشرد في عالم الثقافة .كان حسين مردان يطلق على نفسه تسمية بودلير العراق . ومثلما دفع بودلير ثمن مجونه وحوكم على لغته , احيل بودلير العراق الى المحاكمة اثر نشره ديوانا اباحيا .ورغم ان التهمة لم تصاحبها عقوبة جدية, الا انها اعطت للديوان شهرة تفوق قيمة قصائده .

يقول الشاعر حسين مردان عن نفسه في تردده على منطقة الميدان حيث بائعات الجسد :
(وكانت طريقتي في معاشرة بنات الليل لاتتعدى التعارف الجسدي ولمرة واحدة فقط .. ولقد التقيت بعدد هائل منهن !!مائة..خمسمائة .. الفا!اظن ان الرقم الحقيقي يتجاوز ذلك . ومنذ ذلك اليوم اصبت بذلك الداء الوبيل .. داء الملل والهرب من اي جسم جميل اقوم بخدشه ) .

يخترع حسن مردان مكان خارج انظمة الضبط الاجتماعي . فهو (فارس ليل )يحيط به المثقفون وبنات الهوى , ويمارس عليهن وعليهم سطوته . ورغم كل شيء كان الملل يجعله قادرا على انتاج المعنى الجديد والمعنى الثقافي الذي يتشكل في وعيه كشاعر رومانسي , وهذه احدى سمات الثقافة.

كان حسين مردان يلقى الاعجاب في اوساط المثقفين وانتخب في اول لجنة لاتحاد الادباء عام 1959. يحكي قصة انتسابه الى اليسار حيث شارك في تظاهرة في بداية الاربعينات واعتقل بعدها قبل ان يرحل من ديالى الى بغداد :
(كان معظم اهالي مدينتي يعتقدون بانني نصف مخبول .فقد كان شعري الطويل الذي يشبه شعور الهيبيين اليوم محل نقمة وسخرية من قبل الكبار والصغارعلى السواء .ولست ادري ما الذي جعل بعضهم يطلب الي ان القي كلمة في المتظاهرين . ربما لانه لم يكن بين الجموع من يوحي منظره بقدرته على القاءخطاب مناسب.ولكن خيل الي في تلك اللحظات المنعشة بالنسبة لاعصابي الباردة , انهم يريدون تجربة هذا المجنون الذي يدعي العبقرية .وقد برهنت على جنوني فعلا , فمضيت ازرع الفضاء بجمل نارية لاينطق بها الا من كان يحلم بشرف التفاف الحبل حول عنقه ).

كان حسين مردان يملك كاريزما نادرة تركت تاثيرها على الكثير من اصدقائه حتى بعد وفاته بسنوات . فبقي بلند الحيدري ورشدي العامل وفوزي كريم يكتبون ويرددون في مجالسهم حكايات حسين مردان , وهي حكايات الثقافة العراقية بتفصيلاتها اليومية .
استطاع حسين مردان ان يحظى بالتكريم خلال عهد البعث الثاني عن طريق تعيينه بوظائف مرموقة في الاذاعة والتلفزيون .وقد زاد عدد المعجبين بكتاباته من خلال عموده الصحفي الاسبوعي .

حسين مردان يمثل الداندي العراقي المحلي , حيث يكون بمقدوره تقليد شخصية الفتوة في الحارة البغدادية والمتعالي على ذلك المكان , حيث تتجاوز احلامه حدود العراق .

خاتمة المقال :

في زمن العراق الردي اختفت ظاهرةالداندي العراقي حيث كل الناس يعيشون حياتهم بالبحث عن لقمة الخبز والبحث عن عمل ودفع ايجار المسكن وايجار مولدة الكهرباء والخوف من التفجيرات والمفخخات . من جراء عصر العولمة انتقل المثقف من الكتابة الورقية الى الكتابةالالكترونية والبحث عن هوية جديدة .

مقالات ذات صلة:

مقالتنا (ظاهرة حسون الامريكي والميني جوب واغتراب والمنشورة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530828



#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة حسون الامريكي والميني جوب واغتراب المثقف
- عراق نوري السعيد - ج 8 والاخير
- عراق نوري السعيد - ج 7
- عراق نوري السعيد - ج 6
- عراق نوري السعيد - ج 5
- عراق نوري السعيد - ج 4
- عراق نوري السعيد - ج 3
- عراق نوري السعيد - ج 2
- عراق نوري السعيد - ج 1
- شيزوفرينيا المثقفين
- المثقف بين عصرين
- الله للمسلمين فقط
- شكر وتقدير الى ادارة الحوار المتمدن
- ملاحظات حول سلسلة مقالاتي عن 14 تموز 1958
- تهميش المسيحيين في العالم الاسلامي
- مالاتعرفونه عن اسرار 14 تموز 1958 - ج4 والاخير
- شروط صيرورة الامة
- ( مالاتعرفونه عن اسرار 14 تموز 1958 - ج3 ).
- اضطهاد المتنصرين في الدول الاسلامية
- مالاتعرفونه عن اسرار 14 تموز 1958 - ج 2


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - المثقف الداندي