أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبدالعال - عنف الازدراء الديني: المثقف منبوذاً















المزيد.....

عنف الازدراء الديني: المثقف منبوذاً


سامي عبدالعال

الحوار المتمدن-العدد: 5264 - 2016 / 8 / 24 - 20:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حجم الإهانة داخل الثقافة لا يتم باجترارها إنما بإفشال إمكانية نقدها وغربلة الأسس القائمة عليها. هذا هو الحاصل ضمن الثقافة العربية بامتياز تاريخي. ثمة فوبيا من انتقاد الموروثات الرائجة. لدرجة أنَّه تجري ملاحقة من يقول شيئاً مخالفاً لها. فهو - من ثم- سيكون متهماً سلفاً قبل أي شيء آخر. وعليه دفع تهمة انتهاك كيان الأمة والتسبب في ايقاع الأذى بالأولين والأخرين، بالسلف والخلف. ذلك هو العنف الرمزي الذي يترصد الكتاب والأدباء مع النتائج المادية المترتبة عليه اجتماعياً وسياسياً.
هكذا شكلت الثقافة - على اتساعها- لعنة تصيب كل من يقترب. لأنَّ قداستها غدت فخاً يدمي أقدام كل مستكشف قادم. لقد تورط المثقفون في معركة أشبه بمعارك طواحين الهواء التي لا تنتهي. فهم يحاربون ظلالَّهم الكئيبة نتيجة تداعيات الثقافة بهذا التوصيف. ثم تستدير الظلال لتحل محلهم.. فتقوم الثقافة مرة أخرى بمطاردتهم. وهكذا بلا نهاية. كيف يُحال دون هذه الظلال المشوِّهة للمثقف بكل عنفٍ؟! ما طبيعة الثقافة التي تأكل أبناءها ولماذا تنقلب إلى جحيم دنيوي؟!
إذا تصورنا القدرة خروجاً من الثقافة المتراكمة فلتكن قدرة لتطوير المهام التساؤلية والنقدية لكل مثقف مبدع إزاء مشكلات المجتمع وظواهره. وهذا سبب محاصرته داخل زجاجة مغلقة بحيث لا يقترب من التابوهات الاجتماعية. ومن ثم ينهض أتباعها دفاعاً عنها. لكون ارتباطهم بإنتاج الثقافة يؤكد وجودهم ووجودها معاً.
إنه التواطؤ بين الإسلاميين والثقافة الشائعة على نبذ المثقفين. فهناك مصالح مشتركة كانت ممتدة ومازالت. في الحقيقة كانت زواجاً بين الدين الشعبي وحالة الرعاع بميثاق سياسي غليظ. لأنَّ السياسة - في المجتمع العربي- لم تكن لتضمن الولاء إلاَّ بضمان هذين معاً. فكم خدم الإسلاميون أية سلطة سياسية استبدادية بقدر خدمات الدهماء لها. ذلك بالرغم من الصورة المنتشرة عن محاربة الارهابيين للسلطة القائمة. إنها قمة الزيف الذي انكشف بجلاء. عندما تعايش الاثنان في مصر طوال السنوات الماضية. حتى افسح مبارك لهم البرلمان. ثم وجدناهم وقد اخذوا السلطة نفسها بعد الربيع العربي في أكثر من دولة. وشكلوا الرهان الغالب في عين الغرب للملمة قطعان الثوار هوام الفوضى.
واقعياً لم تكن ثمة خصومة بينهما إلا بصدد الوسائل فقط. فالسلطة تبلغ مآربها باحتكار العنف باسم القانون والشرعية السياسية ذات الآليات الحديثة. بينما يمتلك الاسلاميون – كما يظنون- مشروعية العنف بمبررات الدين وبآليات ماضوية وبالية. الفارق أن السلطة لها الغلبة بموجب المؤسسات ومواقع الحكم في حين لا يجلس الآخرون داخل المؤسسات.
الأخطر أنَّ الصراع بينهما(السلطة- الإسلاميون) ليس لصالح الشعب إنما جرياً وراء كرسي الحكم. وكل مبررات تساق في هذا المجال لا قيمة لها إطلاقاً إذا لم نأخذ في الحسبان هذا الجانب. وذلك ما يجعل الرعاع هم وقود الصراع المشترك كذلك. ومن هنا يتناوب الإسلاميون والسلطة الحاكمة اللعبة الشهيرة بينهما: "تديين السياسية وتسييس الدين" حتى أخر رمق.
فرأينا السياسيين يلتحفون عباءة الدين بالمناسبات وغير المناسبات. ويغتنمون الفرص تباعاً لتدجين الشعوب العربية بمطارق الدين الناعمة. لكن نظراً لخشونة الإرهابيين فإنهم يعلنون نواياهم على الملأ مباشرة. وإذ ظلوا يرددون أنهم يقصدون وجه الله حتى سقط القناع – أثناء الربيع العربي- باعتبار دولهم إسلامية. وحتى عادت الخلاقة بمثابة القناع الأكبر الذي يضم كافة الوجوه. إلى درجة أن التحدي الجسيم لكل فكر عقلاني كيف يستطيع اقتلاع هذا التصور من الأدمغة.
ولذلك يخرج رحال الحكم ليعلنوا على الملأ أنهم يخشون الإرهاب تحت مظلة الدين. وبالمقابل يعلن الارهابيون أنهم يحاربون من يحارب دين الله. ويستهدف الاثنان التهام رؤوس القطاع العريض من الناس. وإذا حدث نبذ للمثقف ومطاردة له فإن الأخيرة مطاردة مزدوجة. الإسلاميون يفعلون ذلك لحماية المقدسات ثم يتضامن معهم السياسيون بالصمت المريب. والأنكى أن يفتحوا لهم المؤسسات القضائية الحداثية لإقامة دعاواهم ضد المثقفين. ويدخلها الإسلاميون بثقة منقطعة النظير. لخداع الناس أيضاً من زاوية أنهم يحترمون اجراءات القانون وأصول الدولة المدنية. بينما هم ينتظرون الفرصة الملائمة لتقويضها والانقضاض على السلطة. على الجانب الموازي يبتهج السياسيون كثيراً. لأن الاسلاميين سيخلصونهم من مصادر الازعاج(المثقفين) وبخاصة إذا لم يستطيعوا ترويضهم.
إذن هناك ازدراء صامت في صلب كل اتهام للمثقفين والأدباء بالتطاول على الله. لم يكن لتهمةٍ أن تبحث عن مجرم وهمي إلا بإيعاز من كراهية شاملة. فالمثقف الحقيقي كائن منبوذ إلى حد الرجم في المجتمعات العربية. لا محل له من الاعراب. ماذا يقدم؟ هل سنأكل من عمل يديه؟ ما أهميته هنا أو هناك؟ ألاَ يمثل خطراً سياسياً؟ فتلك الأسئلة المفترضة - كلما أدلى برأي أو طرح تحليلاً أو اخذ موقفاً- تنطلق تلقائياً من جميع الاتجاهات.
كل ازدراء للأديان يهون أمام ازدراء المجتمع للمثقفين. لقد تركهم يتسولون لدى الحكام ووضعهم خارج حساباته. ولذلك ما كان لأي إرهاب أن يتصيدهم دونما أخذ الاشارة الخضراء من المجتمع. كما أن هذا الارهابي احتل مكانته من طريق خيول الفتاوى والخطاب الديني الغوغائي وثقافة الدهماء. الإرهاب يعشعش في أحشاء اجتماعية متخلفة كانت لها الغلبة إزاء أي فكر. وحتى لو كان صاحب انجاز حقيقي فلن يجد موضع قدم مقارنةً بخطاب ديني يعد الناس بالجنان والنعيم والحور العين.
هكذا فالأسوأ أن المثقف لا يلاحقه الارهابيون والساسة فقط، بل العامة أيضاً. وبالتالي كل اتهام له يصبح ثلاثي الأبعاد: اسلام سياسي يدفعه إلى المحاكم، ليتلاعب به النظام السياسي، فيقف الناس له مهللين!! هذه المأساة جعلت التواطؤ السالف كماشة تقتل كل ابداع ثقافي. وهنا المشكلة لن تنتهي إلاَّ بنقض الثقافة ذاتها، نسف من الجذور التي تسمح بالتضامن بين المتناقضات على السطح. بحيث أن اتساع الهوة يبقي منظوراً بين هذه الأطراف لكن سرعان ما تجتمع فوق جثة المثقف.
والتهمة، ازدراء الاديان، كانت بهذا نوعاً من التنكيل العام بالمثقف. لأنَّها تهمة تبحث عنه أينما ذهب. كما أنها تركت بموجب القانون المصري عصا غليظة لانزال العقاب الجماعي. وذلك يفسر أنه كلما تثار قضايا نقد المقدسات تذهب إلى القضاء فورا بمباركة السلطة ً. وفي النهاية يزعم الإسلاميون دفاعهم عن هوية الأمة. وكأن تلك الهوية هي الصليب الذي يُعلق عليه المثقف. حتى تترك جثته في العراء لأكلي الجيف من البشر. رغم أننا تجاوزنا عصر الهويات القاتلة. وحينما يسمع الإنسان العادي بالخطورة القائمة على هويته ينطلق للدفاع عنها بأنيابه.
وبالتالي سيستحل دماء المثقف مصمماً على أخذ الثأر بنفسه. والحقيقة كما رأينا مع نجيب محفوظ فقد قام بطعنه شاب جاهل ثقافياً. لم يقرأ كلمة من كتاباته. ولم يعرف قيمته الأدبية في تاريخ الرواية. بل كانت تلك الأفكار بالنسبة إليه هلوسات لا قيمة لها.
إنَّ صياغة الازدراء بوصفه انتهاكاً للحرمات والتطاول على المقدسات يعني تطويقاً لكل محاولة تبحث عن المجهول في الاعتقادات الجمعية. و حينما تتكيف مع القوانين والدساتير فهي تهدم أسس الدولة المدنية. فليس ثمة شيء في الدولة الحديثة أسمه انتهاك المقدسات. إلاَّ إذا تم تسييس ما لا يُسيَّس كما أشرنا. والتهمة مجهلَّة " القادر" على اقامتها من جهة الحق والإمكانية والقبول. وبالتالي تصبح سلاحاً في يد كل من يريد ملاحقة المثقفين والأدباء.
لقد أمست تهمة الازدراء خارج حتى القانون. لأن وقعها الاجتماعي والديني أكبر من دلالتها قانونياً. ذلك والإسلام السياسي نحج في خلط الأوراق مسرباً قناعاته إلى الوعي العام. وربما لو دققنا النظر فليس ثمة فارق كبير بين الإرهاب وهذا الوعي الصامت. فمن أين خرج الدواعش؟ لماذا يجند الاسلاميين أتباعهم بسهولة؟ حتى كان ازدراء الأديان مرادفاً للكفر. ولهذا لا يقيم أحدٌّ أعمال الكتاب والمثقفين إنما يكفرونهم مباشرة. والتقييم الديني يغالب أيَّ تقييم فنيٍّ داخل هذا المناخ. كما أنَّ التواطؤ الثلاثي السابق(الاسلاميون- السلطة- الغوغاء) يُعلي نبرة التشفي تجاه المثقفين. حتى أنه يمكننا اعتبار تهمة الازدراء قتلاً لا إنسانياً لهم. وفوق ذلك تغذي التمادي في تناولها بكلِّ الأوصاف اللاأخلاقية.



#سامي_عبدالعال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازدراء الأديان: من يسرق الله؟!
- الممسوخون
- المثقف – البصْقّة: هل نتحسس أخذيتنا؟!
- إدارة الرَّعَاع
- الرَّعَاعُ: الجَسدُ الثقافيُّ العاري
- ظاهرة الأسئلة الزائفة
- اللغة والفكر: تحطيم الأنماط السائدة.
- قُرون الفَحْل
- بحر الظُلمات: إيلان كردي مرة أخرى
- خيال العنف: المسلمون في أوروبا الكافرة!!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبدالعال - عنف الازدراء الديني: المثقف منبوذاً