أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبدالعال - بحر الظُلمات: إيلان كردي مرة أخرى















المزيد.....

بحر الظُلمات: إيلان كردي مرة أخرى


سامي عبدالعال

الحوار المتمدن-العدد: 5229 - 2016 / 7 / 20 - 07:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو أنَّ "بحر الظلمات" ليس فقط مصطلحاً لألف ليلة وليلةٍ مُعبرّاً عن أهوالٍ تُنذر بهلاك الإنسان وبكون الناجي منها قد نجا بأعجوبةٍ كالسندباد. لكنه يصف أيضاً حال اللاجئين فراراً من قتل متعدد الأنياب(داعش، النصرة، الجيش النظامي، التحالف الدولي) إلى ظلام مُحقَقٍ بين الشرق والغرب. فهل نحن العرب نشْعُر؟ هل هذه الأكوام البشرية، هذا الهواش، يعبأ بحياة الآخرين، بأية حياة لأبنائه؟ أطفالنا، نساؤنا، مجتمعاتنا ممزقةٌ في باحة العالم الراهن دون أملٍ عادلٍ.
كان إيلان كردي قد حَوَّل مياة المتوسط إلى ذاكرة من الندم. إلى عرّقٍ من الخجل. إذ يغطي تاريخنا السياسي المليء بالقسوة. لماذا لم ندْرك فيه مصيراً مأساوياً نحن أصحابه؟ أم سيحتاج الخجل إلى كائن حساس اسمه الإنسان؟ فعلاً تابع العالمُ. ولم نتابع رغم عيونناً المفتوحة، صور إيلان في بحر العار العربي لا بحر الروم كما سُمِّي قديماً. أُريق ماء حياته على رمال الخلافة العثمانية. فطفولة سورياً كولاية عثمانية لفظها البحر جثة طافيةً. لقد التصق الطفل وجهاً بالأرض بينما ظهره كالشفق يعكس مصيراً قانياً بعمق القتل. أيَّةُ جريمةٍ ضد الإنسانية تستوعب هذا الحال؟!
صورة إيلان كردي حملت مرارة المآسي الإنسانية. كان يتجنب نظراتنا بالموت نائماً فأيقظ داخلنا آلاماً لن تنتهي. هذا يلخص كلَّ تاريخ العرب الحديث. تاريخ الغرق السياسي والاجتماعي نتيجة القهر والاستبداد والضياع. لو صار أن نتذكر سيكون الألم لحمنا الأول. وسيمثل العشاء الأخير لمسيحٍ لا يملك خلاصنا ولا الاعتراف بنا. الألم لا ينام وإلاَّ لتلاشى موضوعُه وبات طافياً بلا داعٍ. لقد غرق الطفلُ في عجزنا المؤلم من الأناضول إلى أقاصي أفريقيا ومن الخليج إلى المحيط. تحول كيانُ العرب إلى غرفة غاصة بالصمت الخانق. وامست هويتُنا صخرة مبللةً بالدموع. لا تتزحزح ولا تسمع. ونحن مُصرَّون على ضرب رؤوسنا بكتلتها الصماء.
ليس اللاجئين ذوي مكانة وثيرة في قاموسنا السياسي. لا العربي ولا الإسلامي ولا القومي ولا القاري حتى. إنهم مطرودون من رحمة العرب. فكان حتما أنْ تصعد أرواحُهم إلى الخالق. إن مسلسلنا الدرامي الذي لا ينتهي هو صعود الأرواح الشاكية إلى السماء. وإذا أرخنا لمنطقتنا الجغرافية فإنها أزمنة اللجوء من الطغيان والمجاعات والحروب. هي حفريات الغريب الضال والتهجير غير الأدمي.
اللجوء في أبجدياتنا ليس إنسانياً بالمرة. لكنه مطاردةٌ ليليةٌ هروباً من الموت بفعل الصراع والغزو والدمار السياسي. هذا القاموس ينقل معاني الغنائم والسبي والعبيد والذل فحسب. أما اللجوء بمظلة من حقوق الإنسان فتلك هوة ابتلعت من يترك دياره باحثاً عن المأوى. المظلة الإنسانية صناعةٌ أوروبيةٌ صرف. جاءت من عصر التنوير وصولاً إلى منظمات رعاية المهاجرين وحقوق الأقليات وعدم التمييز ضد الأجانب. إنَّها الممارسة النقيضة لثقافتنا في التعامل مع الغير. إذا استعملنا عبارات النحو، فإن اللاجئ في مجتمعاتنا العربية لا محل له من الإعراب والسكن والأمان. فقط ليس له في ذمتنا إلاّ أضعف الإيمان!!
هل كان لا بد أن يحتضن الموتُ إيلاناً حتى نراه؟! ظلام الواقع العربي كان مرشوقاً في قلب الثورات الربيعية. حقاً للعابرين أنْ يسمونَّها ثورات أنتجت ظلاماً. ويمكنهم اطلاق الخيال لينضم الظلام المعاصر إلى ظلام العصور الغابرة. الحديث النبوي كما قيل " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" يبرز ألية الدماغ العربي المتأرجحة تحت مذابح داعش. بل تحت مذابح كل من هبّ ودبّ. دماغ تقول: هل من قصاب لاهوتي يتقدّم المشاهد؟ بالطبع أمامه رقاب بعدد حبات الرمال. هذا حال العرب كم راقبوا الموت أمام الشاشات ففقدوا مفارقتَّه اليومية. صدمته المتجددة. كلُّ شعبٍ لا يعي مصيره سيكون نهايته بمقصلة الإرهاب(ظلام الداخل) أو غرقاً تعلقاً بالآخر.
كان إيلانُ يحاول عبور الظلام نحو ضفاف أوروبا. ليس ثمة شيءٌ يتطلع إلى النور مثل الطفولة. إنها بهجة الحياة. المصادفة أنَّ صور ايلان بجوار اخيه كانت لقطات باسمة، وحين تلتهمه المياه فإنما تلتهم ابتسامتنا العابرة عبور الضوء. وعندما ينكفئ على وجهه فإنما يغيب المستقبل. ضياع الطفولة معناه قتل الزمن القادم. تدمير حياتنا المتجددة بين جحافل الكتائب والجماعات المتطرفة. العجيب أنَّ هذا يحدث يومياً دونما انتباه إلاَّ من الموت فقط.
والظلام يلاحق الأطفال لأنَّهم وحدهم القادرون على دحره رغم ضعفهم. مازال داعش يخاف أطفالنا فيدسهم بين جنوده. يدربهم على حمل السلاح والقتل وسفك الدماء. فكلُّ ظلام دامس يتجنب بصيصَ أيِّ أمل طفولي. إنَّ ابتسامة طفل لقادرة على خلق الأشياء من جديد، على محو الخراب، على تلوين الحقائق ولو بحجم العالم الأشد قسوة من أهوال البحر. إنَّ الجماعات المتطرفة تختار أسوأ الأقدار بأكفان الطفولة. بالأمس القريب ألبس الإخوان أطفال المدارس أكفاناً في مواجهة خصومهم!! لم تكن الأكفان سوى لون أبيض لفكر أسود دموي. كيف يبيضون قماشاً بينما يقتلون إنسانية بريئة؟!
لم تغب صُور إيلان، بل كل طفل أصبح إيلاناً في منازلنا وحدائقنا الباكية. وفي غرف صغارنا الخاوية من الابتسامة. إذا كان إيلانُ قد مات فلأنَّه حي. فعلاً لم ينل منه المصير إلى الآن. فنحن لا نلتفت إلى الموت إلاَّ لكونه مس جوهرنا في كيان ليس لنا. تحديداً مسَ عجزنا عن انقاذ ذواتنا منه. وليس لذواتنا ملجأ إلاَّ طفولة صرعى على شواطئ المجهول. ومع هذا ليس لذواتنا علاجٌ لأننا شاركنا في الجريمة. أغرقنا إيلاناً بنظرات دامعة لا أكثر. وإلاَّ ماذا فعلنا له ولغيره في العراق وليبيا وسوريا واليمن؟!
الغرق صناعة لمجتمعاتنا الداعشية التي أفرزت الظلام. وما زال الخطر المحدق يهدد أطفالنا ويضعهم على شأفة الهاوية تربيةً وتعليماً ورعايةً. لم تكن داعش وغيرها ظلاماً طارئاً إنما هناك دول عربية مؤسسة علية. تقتات منه وتصدره إلى من يريد. إنَّ ألف ليلة وليلة لهي ألف محاولة ومحاولة لتجنب الغرق كغرق إيلان. إنَّها تاريخ المتعة في شكل حكاية سردية لمراوغة الموت. كانت الأخيلة لا تقل إغواء عن صور إيلان التي مثلث رصيدا ًللظلام الذي نعانيه. فتركنا محتوى القصص وتمسكنا بالإمتاع الليلي، بإيقاع الهروب من السيف أو إدمان إراقة الدماء.
الموت البريء هو عنوان إيلان في عمق البحر. لقد أحرجت طفولُته الموت بقدر ما أظهرت مأساته. كان إيلان ساكناً مستسلماً للقدرِ الذي دفعناه إليه. فأيُّ قدرٍ قاتل يريد استسلاماً مدفوع الدموع والأحزان على شيء سنفقده إلى الأبد؟ كان حظُ إيلان العاثر أنَّه البريد الافتراضي لوجوده ولاستمرار ذاكرتنا تجاهه. فكم إيلاناً ابتلعه القتل ولم يره أحدٌ منذ الصراعات التي اشعلت المجتمعات العربية؟ وكم طفولةً لفظتها الأنظمة السياسية جثة في بحر الحياة دون أيِّ لجوءٍ؟!!



#سامي_عبدالعال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خيال العنف: المسلمون في أوروبا الكافرة!!


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبدالعال - بحر الظُلمات: إيلان كردي مرة أخرى