أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبدالعال - المثقف – البصْقّة: هل نتحسس أخذيتنا؟!















المزيد.....

المثقف – البصْقّة: هل نتحسس أخذيتنا؟!


سامي عبدالعال

الحوار المتمدن-العدد: 5256 - 2016 / 8 / 16 - 00:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي" عبارة واضحة الخطورة لبول جوزيف جوبلز Paul Joseph Goebbels وزير دعاية هتلر. وبخاصة أنه شخص انشغل بصناعة الأكاذيب وتضخيم السلطة. فلماذا لا نأخذ كلامه على محمل الجد؟!
على الأقل أشارت العبارة بالمقلوب إلى دور المثقف ضد الوضع السائد. وقدرته على فقأ الأوهام وابطال مفعول الاشاعات الرائجة. وأنْ يقابَل عمله بالقتل بواسطة المسدس كمجاز لنهاية مأساوية فهذا أمر دراماتيكي دائماً. لكن بامتياز جعلنا المثقف الراهن كلما سمعنا كلمته أن نتحسس شيئاً آخر تحت الأقدام!! فلا يفوتنا أنّ جوبلز هو الآخر كان مثقفاً. أي صاحب كار ترويجي(صنعة ثقافية). وليس أقدر على انتهاك الممارسة الإنسانية أكثر من أصحابها المتلاعبين بالعقول.
جاء المثقف العربي البصقة كياناً رخواً. إنه اللطخة الوقحة لمجتمعات فقدت وزنها التاريخي. لا قوام له إلاَّ مع تسلقه لأكتاف الآخرين الأكثر سطوة وثراءً. سواء أكان انتفاعاً أم خدعاً أم تزلفاً. هو بهذا يلتزم بأنماط التلون والتقلب لا المواقف الواضحة، ولا حتى ابتكار الرؤى. فالكيانات الرخوة تحتاج إلى شيء تستند إليه. ولهذا كان بلاط الحكام والرؤساء العرب مدججاً بالمثقفين المتلونين صباحاً ومساءًا. إنه حرباء راهنة تتشكل تبعاً للوسط الذي توجد فيه. وإذا كان هناك ما يميزه فهو كالزئبق يراوغ ويناور خدمة لأسياده.
أقرب الأمثلة أثناء الربيع العربي كنا نسمع المثقف ونقرأ له فلا نتحسس مسدساً. لأنَّ كلامه فارغ من أي مضمون خطير. لعله منفصل عن الواقع رغم انغراس أقدامه في الأوحال. كذلك كان تحليله مملاً ورتيباً ضمن سياسات الاحتواء والتواطؤ. وبالتأكيد لم يكن ليرقَ إلى سبر أغوار الاحداث. لقد بتنا نتحسس أحذيتنا كي تلاحق رأسَّه أينما ذهب. لأنَّ كلامه جاء صنفاً من الهُراء النادر إلى حد الازدراء. كأنه يعرض نفسه لمن يشتري بأعلى الأثمان.
كان هذا اسقاطاً لمجمل نماذج المثقفين أصحاب المهام العظمى في حياة البشر. لأن المثقف بوصفه سلعة وضع قدراته في يد الانتهازيين. وإذا لم يضم في روحه جذرية التمرد على الأوضاع القائمة والمحتملة لن يقف حراً في توجهاته. وكما كان النبي - في عرف العرب- أمةً، بمعنى الرسالة والقوة الشعبية في آن واحد، فالمثقف الآمل في الوظيفة نفسها قد خرق الأمة والشعب معاً. فالأمة – الدولة كانت أسبق في آفاقه من أية ثنائية سياسية غيرها. وفي النهاية هو أصبح بحيله شيخ الانتهازيين. ولهذا ما أنْ يتصور رسوخ مكانته حتى يهتبل الفرصة لتسيُّد المشهد والاطاحة بمنافسيه.
والحقية أن الأمة - الدولة بالنسبة للمثقف العربي أخر حلقة في سلسلة طويلة موروثة. كانت القبيلة - الغنيمة أولها، ثم القبيلة- الدولة. مروراً بالدولة - الخلافة كالدولتين العباسية والأموية، فالدولة العثمانية وليس وقوفاً لدى الدولة القومية في العصر الحديث بعد جلاء الاستعمار العسكري عن مجتمعات الشرق. وفي كل ذلك كان المثقفون يلعبون دور كلاب الحراسة التي تملأ الآذان نباحاً وعويلاً.
والمثقف – البصقة ليس مثقفاً عضوياً على طريقة انطونيو جرامشي. إنَّه لا ينغمس في هموم واقعه ولا طبقته مقاوماً قوى الهيمنة والرجعية. ذلك لكونه قد باع جميع القضايا الأساسية منذ البداية. إنه نتاج عولمي سطحي صرف. والعولمة لا تعترف بالماهية ولا بالأسس لكنها تشكل الأسطح الخادعة. في هذا كم خضع المثقف لعميات تعويم مستمرة، تعويم القيم، تعويم المواقف، تعويم التراثات، تعويم الهويات...انتهاء بتعويم العملات النقدية. هل المثقف استثناء من كل ذلك التداعي؟! هل بإمكانه اختراق القيود التي يقبلها راضياً مشاركاً فيها؟
فعلاً احترف المثقف العربي بيع الكلام هنا وهناك. واللغة حال خروجها من رأس أهوج حتما ستتلاعب بها الريح في أي اتجاه. فجميع التوقعات التي أبداها المثقفون في تحولات الربيع العربي كانت مضللة. وأنكشف وضعهم عن "أصولية ثقافية" عنيفة تشبه الأصولية الدينية. بل كثيراً ما تماهت معها وعملت على منوالها تماماً. ولهذا عصب المثقفون أعينهم بأفكار مسبقة انحازت إلى تخفيف وقع التطورات نحو المستقبل. فعلوا هذا لصالح الوهابية والاخوانية.
للأسف تم ذلك كله بمسميات الليبرالية كما حدث مع مثقفي قناتي العربية والجزيرة. هؤلاء المبصوقون من أسيادهم تحت كاميرات مبهرة، وفوق منصات اعلامية قشيبة. كانوا يتحذلقون بعبارات زلقة مخاطية. وقد نقلوا الاستوديو من مجرد فضاء تعبيري إلى ساحة احتراب أهلي. وساهموا في رسم الخطط للمحاربين الاسلاميين الأصوليين. وليس هذا فحسب بل صنعوا لهم الفرص والأفكار والخطط العسكرية أيضاً. ثم بعد انتهاء المعارك الميدانية لم يتورعوا عن تبرير الدماء التي كانت تسيل يومياً.
والإنسان كقيمة إنْ غاب عن المشهد ظل المحللون يتخبطون في حمأة الصراعات الصغيرة. وهؤلاء الأدعياء يحملون على الشاشة أسماء مدراء مراكز البحوث. ولا يفوت القنوات وضع لفظ المفكر أمام اسمائهم كنوع من الأهمية المستعارة. أيُّ فكر إذا كان هذا المفكر قد حول التحليل السياسي إلى غرفة عمليات حربية؟ كيف يحمل لفظاً كونياً وهو يتعثر في فهم الواقع ولا يجد مناصاً من مناصرة التيار الإرهابي لكفيله الخليجي؟!
في تاريخ العرب الراهن تلتصق الثقافة برأسمال سياسي قذر. يحتكر قوى التغيير الثوري. ويحاول الهيمنة على المودات mods والاتجاهات الجديدة. ذلك عن طريق تسليع القيم والأخيلة والتصورات. وبالتالي جعل المثقفين مرهونين بدوراته وصفقاته الرغبوية. لقد اتخم المثقفون بالمؤامرات وحياكة الفتن والكلام الفارغ من المعنىmeaningless . لئن كان هناك تطبيق لرأي الوضعية المنطقية في الخطاب الفكري المزيف لكان هو خطاب المثقفين. يقول أشياء ليس لها علاقة بالحقائق إن وجدت. وليس مرتبطاً بإمكانية التغيرات للمزيد من التداعي الطلق للاختلاف والتنوع.
بشكل بارز مع أفول امبراطوريات الفكر أخذ المثقف الأسطوري في الزوال غير مأسوف عليه. أقصد هذا المثقف الذي يسير بأنفاس قومية أو تراثية أو سلفية أو قبلية أو نبوية أو أيديولوجية...إلى آخر هذه الأساطير. فالواقع الفاجع- عالمياً وعربياً- لفظَّه على قارعة العبث. وقد تشقلب المثقف بكل الأحبال الممكنة. فتمخط ممتداً فيما وراء الأوهام وفيما بعد الأحلام. لقد ادعي كثيراً أنه سيأتي بخوارق العادات. وما هو إلاَّ مبصوق- رغم خدماته لها- من جميع الأنظمة السياسية. وفي أحسن الأحوال كان عنواناً لزمن مكتوب عليه: غير صالح للاستعمال الآدمي. فالثقافة دون سواها حينما تنتكس في شخص المثقفين تقع الكارثة بمقدار التراث والحاضر المستقبل. فأي مجتمع يحتاج عيوناً إضافية ليرى من خلالها وجوده ومصيره. وكيف يعي تحولاته. وعندما تغيب تلك المهام زيفاً فإن الاستفهام سيطال الجميع!!
كيف ذلك طالما يخضع المثقف لرأسمال السلطة المسيطرة؟ إنه وكما يذهب إدوارد سعيد ما لم يتحرر المثقف أولا من مركزية تلك السلطة جاعلاً بينه وبينها مسافة نقدية لن يكون جديراً بهذا الاسم. سيكون اسمه على غير مسمي كحال الفقاقيع الهوائية الخادعة. وكيف ينتقد أفكاراً وبطنه ممتلئ بمواردها وبأي معنى سيكشف مناطق العطب وهو أحد أركانها؟!!
هكذا ظهر المثقف عارياً كالهر تحت المطر. ولم يرجع إلى أي تاريخ مقبول لدى مجتمع الأذكياء. طالما أنه يستغبي المتلقين هروباً من مهمته الناقدة على الأصالة. وطالما لا يصنع المثقف من أفكاره آفاقاً حرة لرؤى متنوعة سيظل ظاهرة ثانوية. سيدور مع هكذا أحداث وسياسية واجتماعية. وهو البديل المعاصر لنفير القبيلة. ومارس مهنته بروح السمسار الألمعي لا المبدع للأفكار. وفي هذا خلقت معه أزماته حتى الاختناق اليومي. لكونه لا يقوى على حياة التمرد بقدر ما يحتاج إلى عائل اقتصادي.
ومن هنا ايضاً كان سبب رضي المثقف العربي بالاحتماء بأقفاص الحكام العرب. ليظل يروض حواسه وعقله للالتصاق بأنوفهم وسراويلهم. لقد دجن قواه وطاقاته من أجل حفنات الدولار. وفي مجتمع بلغ العفن سطحه وقيمه العليا كان على المثقف أن يكشف الكوارث ويتنبأ بالمصير. لكنه ظل زراً بقمصان هؤلاء الأمراء والملوك. لقد أصبح ظاهرة تليفزيونية لا تذهب بعيداً. واشعل خرائط الأيديولوجيات والتلاعب بالوعي الزائف. فبات ضيفاً دائماً على موائد مشايخ الخليج ومنصات الدجل الديني والسياسي.



#سامي_عبدالعال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدارة الرَّعَاع
- الرَّعَاعُ: الجَسدُ الثقافيُّ العاري
- ظاهرة الأسئلة الزائفة
- اللغة والفكر: تحطيم الأنماط السائدة.
- قُرون الفَحْل
- بحر الظُلمات: إيلان كردي مرة أخرى
- خيال العنف: المسلمون في أوروبا الكافرة!!


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبدالعال - المثقف – البصْقّة: هل نتحسس أخذيتنا؟!