أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس حداد - الاصنام ليس لها اجنحة !!














المزيد.....

الاصنام ليس لها اجنحة !!


فراس حداد

الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 01:29
المحور: الادب والفن
    



كنا نعرفها تلك العجوز نحن وأهلنا انها تسكن محلتنا منذ زمن طويل قبل ان نولد بل ربما قبل ان يولد أبي , كانت طيبة جدا تحنوا على الجميع تزور كل البيوت في زقاقنا وحتى الازقة الاخرى المجاورة , كانت تسأل عن الكبار والصغار واذا كان لديها ما يزيد عن الحاجة تمنحه بلا منة للجيران , هكذا كانت , حتى قتل ابنها الاصغر في مجزرة كربلاء , رأيناها بدأت تذبل مثل شجرة كبيرة تيبست أغصانها , بدأت تسير مقوسة الظهر , تأثرت كثيرا على ابنها , وتغير حالها , كانت تحبه بشغف انه ابنها الاصغر الذي تزوج حديثا قبل ان يقتلوه , فيما بدأت الناس تغير نظرتها اليها لم يعودوا يسألون عنها , ولا يحفلون بها , كنا نراها أنا وأصدقائي تسير في شارعنا ببطء شديد , اظن ان قدماها لم تعد تحملانها كما كانت , تسير هونا وتتوقف تنظر في وجوه الناس العابرين , ثم تمشي كأنما تسألهم عن شيء ما , ولكنها كانت تعرف انه لا جواب لديهم , سؤالها بلا كلمات , نظرات ونظرات فقط , عباءتها كانت نظيفة دوما وعلى كبر سنها , كانت تعتني بمظهرها , كانت دائما تتوقف امام صورة الصنم قرب مسجد المحلة , فتنظر اليها , تدقق النظر, وقبل ان تحث السير تبصق عليه بقوة , كان الناس يرونها فيشتمونها لكنها لا تحفل بهم , الناس تركوها , الا نحن الاصدقاء الثلاثة كنا نسير خلفها في بعض الاحيان دون ان تشعر بنا كنا في البداية نضحك عليها نقلدها في مشيتها نتعثر خلفها نضحك كثيرا ولكننا في الآونة الاخيرة كففنا عن ذلك , اشفقنا عليها , كنت اتعجب لماذا كانت تبصق على صورة الصنم التي كان الناس يركعون لها ويقدسونها ويقدمون له النذور والاضاحي , ربما لا تصدقون لقد قدموا له الاضاحي , نعم ليست الاضاحي التي نعرفها ! انها الاضاحي البشرية , كثيرة هي الاضاحي البشرية التي تسقط يوميا في الميادين , وجدار مسجد محلتنا اِمتلأ بصور الاضاحي , تذهب صور وتأتي اخرى , ولكن صورة الصنم تتجدد , حتى كأن الشمس الحارقة لا تؤثر فها , واخيرا سألت ابي عنها , عن عجوز محلتنا , قال دعها وشأنها ولا تسأل عنها , لكنني لم اتركها كنت اراقبها , احيانا كانت تتحدث مع نفسها ورأيت الدموع تنهمر من عينيها التي غارت في محجريهما , تعب السنين وثقل والهموم ومقتل ولدها العزيز , لم نعد نراها الا قليلا لم نعد نراها تمرق في الشارع لتذهب الى صديقتها القديمة فقط صديقتها القديمة كانت ترعاها وتحبها والناس تركوها فقد كانوا يطلقون عليها ( الصرخية ) جاءت ( الصرخية ) وذهبت ( الصرخية ) كان الناس تنتفخ اوداجهم ويزبدون حقدا ويمتعضون قهرا عندما كانت تمر على صورة الصنم وتبصق عليه , يسبونها ويلعنونها , بدت اخيرا انها كبرت كثيرا وكانت تتعثر في مشيها وتقف دقائق لتستريح قبل ان تعاود مشيها نحو صديقتها القديمة وعباءتها لم تعد كما كانت , صارت متسخة و لم تعد تعتني بنفسها , حدثت ابي عنها قال لي اتركها لقد اصبحت لها أجنحة , بدأت تنموا لها اجنحة كالعصافير والفراشات , في يوم رآنا احد الكهنة من الذين يضعون على رؤوسهم العمائم وقال هاكم هذه كومة الحجارة اذا رأيتموها اِرجموها ,..
قلت له نحن لا نرمي العصافير بالحجارة ,
اخيرا , ماتت الحاجة العجوز .. في بيت صديقتها القديمة , شرعت اجنحتها وطارت محلقة نحو السماء ..






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوثيقة .....
- الطبيب والمليشياوي ..
- بابل والكهنة ونبوءات واشياء اخرى ..
- الخراساني والطريق الى مكة والمدينة عبر العراق ..


المزيد.....




- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس حداد - الاصنام ليس لها اجنحة !!