أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - النابغة والجولان














المزيد.....

النابغة والجولان


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 11:28
المحور: الادب والفن
    


يحلو لأهلنا في الجولان السوريّ المحتلّ أن يردّدوا هذين البيتين من النابغة الذبياني، عند المفاخرة بموقع المنطقة الأثير في الشعر العربي القديم:
بكى حارثُ الجولان من فَقدِ ربِّهِ وحَورانُ منهُ موحشٌ متضائِلُ
فآبَ مضلّـوه بعـينٍ جليّـةٍ وغُودر بالجولان حزمٌ ونائلُ
وهم، بالطبع، على حقّ في اقتباس النابغة، وتحديداً هذه القصيدة البديعة التي ترثي أحد أمراء الغساسنة العرب، ويقول مطلعها: "دعاكَ الهوى واستجهلتكَ المنازل/ وكيف تَصابي المرء والشيب شامل"، وذلك رغم وجود العديد من الأبيات الأخرى الجميلة التي قالها في الجولان حسان بن ثابت وأبو تمام والفرزدق والراعي النميري وسواهم. هم على حقّ، بصفة خاصة، لأنّ النابغة يتحدّث عن حارث الجولان (إحدى القمم فيه)، وحوران (المنطقة الجارة)، وحزم ونائل (من قبائل العرب التي كانت تسكن الجولان)، فيمزج المكان بالزمان والتاريخ بالجغرافيا، ويشدّد تلقائياً على عروبة تلك الهضاب والبطاح والذرى.
ويندر أن تزور موقعاً جولانياً على الإنترنيت فلا يتصدّر النابغة أيّ استعراض لتاريخ الجولان، سواء بدأ العرض من التاريخ الحديث أو ارتدّ إلى العهود السحيقة، حين كانت المنطقة ميداناً تصارعت فيه قوى غازية مصرية وآشورية وفارسية وكلدانية وسلوقية ومقدونية ويونانية وسلوقية، كما يروي أيمن أبو جبل في موقع "الجولان" www.jawlan.org مثلاً. حتى الموقع الرسمي لمحافظة القنيطرة، حيث الصدر والصدارة لأقوال حافظ الأسد وبشار الأسد بالضرورة، لا يغيب عنه النابغة!
وخلال أواخر السبعينيات ومطالع الثمانينيات شاء حسن طالعي أن أجوب الجولان طولاً وعرضاً، بحكم عملي مع مراقبي الهدنة ومفتّشي فصل القوّات التابعين للأمم المتحدة،. ولست أذكر أنني تحرّشت بجولانيّ واحد ـ على سبيل الدعابة طبعاً ـ حول إمكانية تفضيل أشعار أخرى في مديح الجولان غير بيتَي النابغة الذبياني، إلا وأبى إباء شديداً صارماً ومبدئياً: النابغة أوّلاً، ثمّ ننظر في الآخرين بعده! ثمة ما يشبه العلاقة الأيقونية مع تلك الكلمات، وثمة كذلك ما ينقلب إلى تعصّب طريف لطيف يتجاوز بكثير ما يفعله سحر البيان عادة!
أحد أبناء بلدة "نبع الفوّار"، حيث يقع المعسكر الدائم للكتيبة النمساوية، قال لي على مسمع من ضابط فنلندي مستعرب: والله لو وضعوا شكسبير في يميننا، وعمر الخيّام في يسارنا، لما قبلنا بديلاً عن النابغة! في مناوشة أخرى، جرت هذه المرّة في حضن ثلوج حرمون وعلى مبعدة أمتار من مرصد جبل الشيخ الشهير، سألت جولانياً من أبناء بلدة "بقعاثا" عن قصيدة سعيد عقل "شام يا ذا السيف"، وقوله "ثلج حرمون غذانا معاً/ شامخاً كالعزّ في القبب/ وحّدَ الدنيا غداً جبلٌ/ لاعبٌ بالريح والحقب": هل ثمة أية فرصة أن ينجح عقل في إسقاط النابغة عن عرشه؟ ابتسم صاحبي، وبدا كمَن يشفق عليّ حين قال: يا شيخ! لا سعيد عقل، ولا الأخطل الصغير، ولا بدوي الجبل، ولا حتى المتنبيّ ما غيره...
وذات مرّة ثالثة حضر النابغة حيث لا ينتظره المرء في الواقع، وكان للشاعر الجاهليّ ذلك الأثر الجمعي الفائق الذي يصعب أن يتخيّله المرء في أية سياقات مماثلة. وكانت قوات الفصل، بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي، قد اعتادت تنظيم طقس اجتماعي نصف شهري فريد تسمّيه "لقاء العائلات"، في محيط "مجدل شمس" المحتلة. وهذه البلدة واقعة على كتف واحدة من الهضاب الفاتنة التي تشكّل طبوغرافية الجولان المدهشة، وبيوتها تنسدل وفق منطق بصري حرّ لا علاقة له بالمنطق الهندسي، وإن كان يأخذ من هندسة المشهد الخام قسطاً عالياً من الجمال والإدهاش. وفي اليوم الموعود كان أبناء البلدة المحتلة يحتشدون على أطرافها السفلية في الوادي، يتحاورون عبر مكبرات الصوت اليدوية مع أهلهم وأصدقائهم المحتشدين على الهضبة الثانية المواجهة في الأرض السورية. وكانت الأخبار تختلط بالحكايا والأفراح بالأتراح والآمال بالآلام، فيتحوّل المشهد إلى أداء صوتي محض ومعقد لا يستطيع فرزه والتقاط تفاصيله سوى المعنيّ بالجملة المنطوقة على الجانبين.
... ثمّ حضر النابغة! أحد الجولانيين في الجانب السوري، لأسباب لم تتضح، أو حتى دون أسباب البتة، استدعى النابغة وألقى البيت الأوّل الشهير بتنغيم حماسيّ بارع، وكانت الواقعة المذهلة غير المنتظرة: توقفت الأصوات بغتة، كلّ الأصوات، وحلّت محلّها أهزوجة واحدة مشتركة انخرطت النساء في أدائها على الطريقة الدرزية المميّزة. الضابط الأرجنتيني الذي كان يقف بجانبي أخذه المشهد الصوتي البصري على حين غرّة، فسألني ذاهلاً: ماذا جرى؟ قلت له: لقد سمعوا بيتاً من الشعر! ماذا؟ سأل من جديد وهو يحملق في وجهي: هل هو من النشيد الوطني السوري؟ قلت له: بل هو بيت من الشعر يعود إلى 13 عقداً خلت!
وقبل أيام، في 12 الجاري الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لقرار الكنيست الإسرائيلي ضمّ الجولان المحتلّ، تذكرت ذهول الضابط الأرجنتيني حين قالت الأنباء إنّ حشداً من أبناء مجدل شمس احتشدوا في ساحة سلطان الأطرش، ورفعوا الأعلام السورية، وأنشدوا "حماة الديار"، النشيد الوطني للجمهورية العربية السورية. وأعترف، وليسامحني أهلنا الجولانيون، أنّ المناسبة جعلتني أعود لى شعراء آخرين... إضافة إلى النابغة الذبياني، بالطبع!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟
- الصفيح والخيش
- سقط المتاع
- قمّة المعلوماتية: إحتكار التكنولوجيا أم اجتماع المعرفة؟
- إستشراق أسعد بيك
- خطاب الأسد: سلوك إنتحاري وذرّ للرماد في العيون
- ابتسامة التلمود
- بعد القرار 1636: النظام السوري أمام خيارات صعبة
- لويس فرقان والإسلام الأمريكي: قصة مدينتين
- دوائر ميليس
- الإخوان المسلمون و-إعلان دمشق-: الأساطير والحقائق
- نوبل آداب... كردية؟
- تغييب أو غياب غازي كنعان: مَن سيستأجر السفينة الغارقة؟
- أيّ نزار قباني يسلسلون؟
- برنارد لويس وتركيا الأوروبية: كأننا لم نحرّر فيينا من العثما ...
- مفاجآت ال 100
- استفتاء الجزائر: المصالحة الوطنية أم تبييض الجنرالات؟


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - النابغة والجولان