أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الباتع - ومشى حذاء العمر














المزيد.....

ومشى حذاء العمر


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 5252 - 2016 / 8 / 12 - 17:38
المحور: الادب والفن
    


أتم يوم الثالث عشر من آب، عامي السادس والخمسين من مشواري المرسوم سلفاً دون أن أدري إلى أي مدى سيطول. نعم .. ستة وخمسون، مجرد رقم أصم قد لا يوحي بشيء لأحد، بينما في هذه اللحظة يعني كل شيء لي. رقم يحملني إلى أجواء أينشتاين ونسبيته اللعينة، حيث يذكرني بنسبية مقاس حذائي المكافئ لثلاثة وأربعين حبة شعير، ضخم في حساب البعض، ومعقول عند آخرين، في حين أنه موغل في الضآلة في عيون غيرهم ..!
أرأيتم كيف وقعت في حبائل مفارقة من السخف النسبي واءمت بين عمري وحذائي، أوقظتني على حين غرة على حقيقة شوهاء شدتني بقسوة من شيبتي صارخة في أذني المعطوبة بأن العمر مجرد حذاء.
نعم هو كذلك، ولا شيء في هذا في الواقع ..
فنحن ننتعل أعمارنا بحسب قدراتنا ومقاديرنا وكذلك مرامينا ونوازعنا التي تحكم مشاويرنا. أوليست هناك أعمار خفيفة نظيفة لا يكاد صاحبها يشعر بوطأتها، في الوقت الذي توجد فيه بساطير تنوء بثقلها الأيام والليالي. أليست هناك أعمار نفيسة باهظة القيمة يخشى عليها صاحبها ذرة الغبار في مقابل أعمار أخرى بخسة لا يكاد يلتفت إلى تلفها أو فقدها أصحابها أو غيرهم؟
ألا توجد أعمار رسمية أنيقة رصينة لامعة ومنشاة، وأعمار أخرى كاجْوال وسبور لأغراض العبور السريع على صراط الزمن؟
أدعوكم يا سادتي إلى التفكر مليّاً في ذلك قبل الإقرار بأن تلك هي الحياة.
"الشباب شباب القلب .."
كم هي دميمة ومملة وبالية هذه العبارة على الرغم صحتها، فصحة الشيء ليست دائماً دليلاً على جماله.
السر في دمامة تلك الجملة هو أنها تلقى بنمطية فجة واجترار مقيت لا ينم إلا عن غباء وجمود قائلها ممن توسم في نفسه الصبا ورشاقة الروح والإهاب، يقذف بها على سبيل المواساة وجبر خواطر في وجه من تم فرزه وأرشفته باعتباره مجرد طيف لذكرى فقدت صلاحيتها الحياتية، مهما كان لمقدراته من رأي في ذلك. والأشد سماجة من ذلك تلك الجملة التقريرية يراد من اجترارها إفحامك بالضربة القاضية معتبراً بأنك (الخير والبركة).
في الواقع أن الشعور الدفين بالضآلة والدونية مفهوم تماماً عند معظم الأفراد في المجتمعات الشرقية، كنتيجة منطقية لمسلسل الخيبات المتراكمة وسلاسل الهزائم والإهانات التاريخية المتلاحقة التي تعرضت إليها هذه المجتمعات، وهو ما تفصح عنه بجلاء مظاهر العجرفة والاستعلاء والنفخة الزائفة والعدائية المفرطة تجاه الغير ، وقد أضحى ذلك سمة من سمات المجتمع. يتساوى ذلك مع الغلو الفاضح في استعراض الدماثة وانتحال الأدب الجم وتمثل كل ما يوحي بالبراءة والاستقامة والخلق القويم، استجداءً لشيء من التقدير والإطراء من الغير، على سبيل التعويض عن الإحساس المرضي المزمن بالصغر الشديد لدى الفرد، ما يجعله دائم الالتصاق بطفولته المندثرة وصباه الزائل، حتى يبقى في نظر نفسه ذلك اليافع الحدث المستديم، فيصبح بذلك سائر الشباب وصغار السن من في محيطه أقراناً له ويصبح ذويهم بالضرورة أعماماً وخالات للمذكور، يتصرف في حضورهم مثل ما يتصرف تلميذ الإعدادية النجيب في حضرة مدرس التاريخ، دون أن يعي الكوميديا السوداء للمشهد الذي يستلقي فيه شيب ذوائبه مقهقهاً على بلاهة تفكيره وسلوكه.
نعم أيها السيدات والسادة، أطفئ اليوم ستاً وخمسين شمعة كاملة، أعترف للأمانة بأني لم أوقد واحدة منها مثلما أجهل تماماً ولا تشغلني معرفة كم تبقى لي في الجعبة من شموع ..
أطفؤها دون أدنى التفاتة مني إلى الوراء، فلا وقت عندي للندم على شيء لن يعود، فما بين يدي اليوم يكفيني لكي أنام ملء جفوني عن شواردها،
أطفؤها وفي جيبي حفنة من سكاكر ملونة أمنحها للأطفال من حولي علّي أرى على وجوههم الغضة ابتسامة كانت قد أفلتت مني في الزحام،
أطفؤها وأنا أبتسم إشفاقاً وحزناً على ذلك الخمسيني الذي يصر على مناداتي "عمي أبو فلان .." سائلاً إياي الرضا عليه والدعاء له في صلواتي،
أطفؤها وأنا أبٌ لشابين رائعين وجد لحفيد هو أجمل ما كان في حياتي متمنياً لأيامه ما له من جمال خلقته وكل أملي أن يكون متبوعاً بآخرين على مثاله ..
أطفؤها غير آبه بتلف أو باهتراء حذائي .. فلا بد للمشوار أن يكتمل إلى أن ينتهي يوماً حتى ولو اضطررتُ إلى إكماله حافياً ..



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتكار الاجتماعي للعقيدة
- -مردخاي- واعظاً
- قضية من لا قضية له
- مطلوب شهادات وفاة
- بين القلق والخجل .. ثمة مكان للفرح !
- زمن الحارة .. هل كان حقاً جميلاً ؟
- جذور الحرية في المجتمع المدني
- ثمار الحرية في المجتمع العربي
- وماذا بعد فقدان الذاكرة؟
- سقوط زيتونة !
- هل كان يجب أن تموت بدور؟
- الإنسان والغريزة والأخلاق
- نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف
- أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟
- عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
- نحن وعصر المابعديات
- رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الباتع - ومشى حذاء العمر