أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الباتع - رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا















المزيد.....

رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 1935 - 2007 / 6 / 3 - 04:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"كل ما تطمح إليه إدارتنا هو أن ترى هناك حكومة سيدة حرة مستقلة تدافع عن استقلالها ضد المد المعادي لها، ولهذا فلن ننسحب قبل أن تقوم تلك الحكومة لأن أي انسحاب سيفتح الباب واسعاً أمام الأعداء " .

لا تعود هذه الكلمات النارية إلى الرئيس الأميركي جورج بوش ولا إلى وزير دفاعه الغير مأسوف عليه رامسفيلد ولا حتى إلى حسناء الدبلوماسية الأميركية كوندايزا رايس ولا إلى أي من أنصاف الموهوبين من سياسيي الإدارة الأميركية الراهنة وإنما قالها جون كينيدي الرئيس الأميركي الراحل صاحب الحلم الشهير والذي قضى نحبه اغتيالاً في ظرف لم يكشف النقاب عن غموضه حتى الآن في إحدى خطاباته التي كان يتحدث فيها عن الاحتلال الأميركي لفيتنام في الوقت الذي كانت فيه قواته تكابد الأمرين على أيدي الفلاحين الفيناميين الفقراء تماماً كما تتلقى صفعات مشابهة من مقاومي العراق في هذه الأيام. وقد ظلت لغة الخطاب هذه هي السمة الغالبة لأحاديث السياسة الأميركية حتى ارتأى الرئيس ريتشارد نيكسون التنصل من إخفاقات أسلافه والفرار من ذلك المستنقع حفاظاً على ما تبقى من ماء الوجه الأميركي على افتراض أن لدى الدولة الأميركية منذ نشأتها شيئاً من ذلك الماء!

كان الرئيس ابراهام لنكولن هو أول رؤساء الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية الأميركية كما كان على مايبدو آخر الرؤساء الأخلاقيين للولايات المتحدة إذ بعد أن قامت الحرب بين ولايات الشمال وولايات الجنوب على موضوع إلغاء الرق وتحرير العبيد والتي انتهت بانتصار فريق لنكولن فيها لصالح إلغاء العبودية، كان لنكولن يقول " أنا أؤمن بقوة الشعب الذي يمنحنا الحصانة في وجه أعتى الأزمات الوطنية والقومية طالما وضعنا بين يديه الحقيقة كاملة وكما هي بدون نقصان أو تزييف" وما لبث الرجل أن قضى بعد ذلك اغتيالاً هو الآخر على يد أحد المتعصبين آخذاً معهُ تلك الأخلاقيات إلى مثواه ومثواها الأخير، ولم يتوقف الرؤساء الأميركيين من بعده عن الكذب على شعبهم وتزييف الحقائق في وجهه ولم يتوقفوا كذلك عن شفط ما في جيب هذا الشعب من أموال في سبيل تمويل سياساتهم اللاأخلاقية حول العالم بذرائع ومسميات براقة جذابة تسر السامعين.

أربعة أعوامٍ عجاف مرت على التواجد الأميركي المسلح في العراق حتى الآن وأكثر منها في أفغانستان والذرائع المستخدمة لا زالت هي نفسها التي سبق استخدامها وتسويقها إبان الاحتلال الأميركي لفيتنام والمرارة التي تجرعوها من الكأس الفيتنامي هي ذاتها التي يتجرعونها حالياً من الجرة العراقية والكذب هو نفس الكذب ومثله المماطلة والمكابرة والغطرسة والفشل وليس أقل من ذلك من القتل والتدمير والنهب والتجويع وهي الأمور نفسها التي سبق وأن كابدوها واقترفوها في الماضي الذي لم يصبح بعيداً بعد في أمر يثير تساؤلات عن مقدار ما مايتمتع به هؤلاء من قدرة على التعلم من الأخطاء واستخلاص العبر من التجارب الفاشلة. لقد تكبدت الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن في حربها العبثية المفتعلة على العراق ما يقارب الخمسمائة مليار دولار أميركي وما يربو على ثلاثة آلاف من أرواح أبنائها وذلك بحسب أرقامها الرسمية والتي ليست فوق مستوى الشبهات، وذلك في سبيل إثبات أكذوبة لم تستطع أن تثبت للعالم سوى خيبتها وبهتانها وكذلك في سبيل وعدٍ موهوم
بالديمقراطية والحرية لم يجلبوا لنا معه سوى الخراب والدمار والموت المجاني.

كان مارتن لوثر كينج آخر الثوار الأميركيين ضد العنصرية يعيب على حكومته قيامها بإرسال الشباب من الأميركيين السود والبيض ليدمروا القرى الفيتنامية ويحرقوا أكواخ وحقول الفلاحين سوية ويغتصبون الفيتناميات ثم يجلسون سوية ليسكروا ويدخنوا الماريجوانا احتفالاً بانتصاراتهم المزعومة على الضعفاء من أصحاب تلك البلاد ثم تمتزج دماءهم بترابها عندما يقتلون على أيدي المقاومين من أبنائها في مفارقة مثيرة للاشمئزاز حيث كان لايزال محظوراً عليهم في عقر ديارهم وفي حضن وطنهم الذي يموتون باسمه وفي سبيله أن يجلسوا معاً ولو كان ذلك في حافلة عامة لنقل الركاب، ثم نراهم يأتون إلينا ليعطونا مواعظ ومحاضرات مدبجة عن الأخلاق والديمقراطية وحقوق الإنسان.

لقد كان محقاً الفيلسوف الأيرلندي أوسكار وايلد عندما وصف المجتمع الأميركي بأنه الظاهرة الاجتماعية الوحيدة في التاريخ التي انتقلت من طورالهمجية إلى طور الإنحلال بدون أن تمر ولو مروراً سريعاً بطور الحضارة، كان هذا هو رأبه دون أن يتيح له أجله الذي وافاه في العام 1900 أن يرى ما فعله اليانكي بعد ذلك في كل من هيروشيما وناجازاكي وفيتنام وأفغانستان والعراق وما فعله وكلاؤه المعتمدون في إسرائيل بفلسطين ولبنان في هذا الزمن الذي يجهدون في التحول من رعاة للبقر إلى رعاة للبشر بكل غطرسة الجاهلين واندفاع الحمقى. لقد كشف احتلال الأميركي للعراق تلك العورة البشعة لهذه الدولة التي تتصرف بمنطق المافيا فهذه المدنية الكبرى لا تزال ترزح في أغلالها القديمة ولم تتقدم خطوة واحدة للانعتاق منها فقد نمت وانتعشت عبودية البشر واستفحلت لتشمل بعد السود استعباد كل من السود والبيض والصفر والحمر وكل الأعراق البشرية التي تستوطن تلك البلاد وتجعل منهم جميعاً عبيداً لسطوة الرأسمالية الأميركية التي لا تقيم وزناً لقيمة أو أخلاق، إلا لقيمة المال ولأخلاقيات المصلحة المادية البحتة وما الإنسان في عرفها إلا ترس حقير في خدمة آلتها الربحية الجبارة والجائرة بشكل غير مسبوق، وها هي تمد ذراعها المفتول لتدير مقدرات العالم بنفس تلك العقلية دون أن تجد لها لوثر كنج آخر يعيدها إلى صوابها الطائش أصلاً، وكما كان آباء المارينز الحاليين يرون انتصارهم في ارتفاع العلم الأميركي فوق جماجم الفيتناميين نجدهم يتمثلون النصر في مجرد الإطاحة بتمثال أصم بواسطة دبابة أو حتى تغطية وجه ذلك التمثال بعلمهم ولا يهم بعد ذلك كم من البشر قد راح ضحية لهذا المشهد المسرحي وكم من الأخلاقيات قد أهدر في سبيله، فالقوم لا يقيمون وزنا لأرواح البشر ولا يعرفون من الأساس ما الذي تعنيه الأخلاقيات.

لم يقتصر مارتن لوثر كينج (والذي اغتيل هو الآخر) على مطالبة حكومته بالتخلي عن ممارسة التمييز العنصري بين المواطنين وإنما كان وفي الوقتِ نفسه ينادي ليس فقط بانسحابها من فيتنام، بل وتعويض كل مواطن فيتنامي عما لحق به من خسائر وأضرار كما دأب على دعوتها كذلك إلى تعهد جميع الدول الفقيرة آنذاك في كل من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بالرعاية القتصادية ودعم برامج التنمية في تلك البلدان بغرض التخفيف من الإحساس بالظلم الواقع على أهل تلك البلاد جراء الفقر والجهل والمرض الذي كان يعتريها والذي سيقود حتماً (والرأي لايزال لكينج) إلى تعاظم النقمة الخارجية على السياسة الأميركية ومنها على الدولة والمجتمع الأميركي بأكمله كما سيؤدي ذلك الاستفحال المادي إلى أن تصبح أميركا جثة محترقة أخلاقياً على حد وصفه، وهذا بالضبط هو ما حدث فقد استمرت الإدارات المتعاقبة على الحكم في نهب خيرات الشعوب ودعم وإسناد العدوان وتغليب المصلحة النفعية على الاعتبارات القيمية والأخلاقية ونصرة الباطل على الحق حتى حدث ما حدث من لفظ الكيان الأخلاقي الأميركي لأنفاسه الأخيرة.

لا يعفينا نحن العرب هذا السقوط الأميركي في العراق من المسؤولية التي تجثم على صدورنا، ولا يعطينا ذلك صك براءة من الإخفاق والفشل، الفشل أولاً في حماية العراق من الوقوع تحت الاحتلال والفشل ثانياً في حمايته من التمزيق والتشظية والفشل ثالثا في تحصين أنفسنا من الوقوع في فخ الكراهية العنصرية والطائفية التي لا أراها إلا سائرة بنا جميعاً إلى نفس المصير لا قدر الله فبعد أن كنا نظن أن فلسطين هي آخر الاحتلالات في التاريخ وأن الشعوب العربية قد عرفت طريقها إلى الحرية وامتلكت مصيرها بأيديها بعد أن أمسكت بزمام أمرها وبعد أن أقنعنا أنفسنا بأن نكسة حزيران 1967 هي مجرد حالة أنفلونزا شديدة ولكنها عابرة ها نحن نضبط عراة أمام عدسات التاريخ وها هو العراق يختطف من بين أيدينا ويجري نهشه وتمزيقه بدمٍ بارد وبدون أن يرف لنا مجرد جفن والأنكى من ذلك أننا فقدنا فضيلة الخجل من عرينا الفاضح وصارت تطالعنا يومياً أخبار الموت والترويع والاغتصاب وانتهاك المحرمات وتدنيس المقدسات ونقابلها بنفس الفتور الذي نقابل فيه إعلانات الصابون، والأدهى والأمر من هذا كله أننا أصبحنا ننفعل ونتحمس لصالح طرف دون طرف وننحاو لطرف بعينه دون الطرف المقابل في ثمرة متجسدة لسياسة "فرق تسد" الاستعمارية الأزلية، وعلى الرغم من ذلك لن يصح في النهاية إلا الصحيح ولا بد أن يأتي يوم نأمل أن يكون قريباً ويرحل الاحتلال عن أرض العراق كما سيرحل عن كل أرض عربية أخرى ولن تفلح شريعة فرق تسد في أن تجد لنفسها مستقراً في بلادنا وهام يبذلون الجهد الجهيد في سبيل أن يفرقونا إلا أنهم في الختام لم ولن يسودوا.. وتقبلوا مودتـي !



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس
- قراءة في إعلامنا الأصفر
- عيدٌ للحب .. ما المانع ؟
- قلبي للبيع
- فلسطين .. بين الموت والحياة
- إعدام صدام .. إحياء ميت
- تهويمة العيد والعام الجديد
- المرأة المفترية .. والرجل المفترى عليه
- ربوني .. وبعرف أهلي
- الرجل متوحش ولكن .. لماذا تتوحش المرأة ؟
- شرَّعتُ قلبي
- الجزيرة .. من الكافيار إلى الخبز
- فضيلة العجرمة
- أنا إسرائيلي مسالم
- مي زيادة بدون جبران
- فضوها سيرة
- على بلاطة
- لا أريد


المزيد.....




- إيلون ماسك ونجيب ساويرس يُعلقان على حديث وزير خارجية الإمارا ...
- قرقاش يمتدح -رؤية السعودية 2030- ويوجه -تحية للمملكة قيادة و ...
- السعودية.. انحراف طائرة عن مسارها أثناء الهبوط في الرياض وال ...
- 200 مليون مسلم في الهند، -أقلية غير مرئية- في عهد بهاراتيا ج ...
- شاهد: طقوس أحد الشعانين للروم الأرثودكس في القدس
- الحرب على غزة| قصف إسرائيلي مستمر وبلينكن يصل السعودية ضمن ج ...
- باكستان.. مسلحون يختطفون قاضيا بارزا ومسؤول أمني يكشف التفاص ...
- كلاب المستوطنين تهاجم جنودا إسرائيليين في الخليل
- بلينكن يصل إلى السعودية للاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس ال ...
- ما علاقة الحطام الغارق قبالة سواحل الأردن بالطائرة الماليزية ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الباتع - رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا