أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود الباتع - نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف















المزيد.....

نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 1963 - 2007 / 7 / 1 - 05:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ أن هجر الإنسان الأول كهفه البائس إلى الغابة الأشد بؤساً وانخرط في مجاهل الطبيعة بكل قسوتها وجبروتها في سبيل تأمين الرزق والبحث عن أسباب الحياة التي كتبت عليه خطاها، لم يتوقف البشر عن استنباط وابتكار الأفكار والمبادئ التي اعتقدوا ان من شأنها تنظيم وإدارة الشؤون المعيشية للقطعان البشرية التي كرمها الله على سائر القطعان الأخرى بما أفاء عليها من ملكة التفكير والعقل الذي مكنها بدوره حتى اليوم على الأقل من أن تسود هذه الأرض وما عليها.

شاءت الإرادة الربانية لحكمة يعرفها من يعرف ويجهلها من يجهل ان يتفاوت أفراد البشر في أرزاقهم، وكذلك في عقولهم وفي الوقت الذي لم يرض أي من بني الإنسان برزقه المقدر عليه وأمضى عمره ساعياً وراء إثرائه وإنمائه، فإن كل فرد منهم لم يكن ليعجبه من بين العقول إلا عقله الذي أخذه وطار به فرحاً واختيالاً، ولا يخفى على اللبيب ان اختلاف العقول والأرزاق طالما قاد البشر إلى اختلاف المناظير والمفاهيم وطرق التفكير التي انبثقت عن تلك الفروقات الفردية بين الناس إلى المزيد من التباينات والتمايزات الثقافية والاجتماعية بين التجمعات والكتل الإنسانية، ومع تشابك المصالح وتداخلها كان لابد للمفاهيم والمعتقدات المختلفة ان يحتك كل منها بالآخر ليكتسب بعضها من بعض شيئا من السمات واللوازم التي سرعان ما تذوب في جملته الثقافية لتصبح إحدى مكوناتها الأساسية.

من الطبيعي الاختلاف، فإذا كانت القضية واحدة وكانت العقول تتوزع بالتساوي بين البشر فإن ما يختلف بينها هو طريقة تناول كل منها لتلك القضية، ولربما كان هذا حكمة من الله الذي لو أراد لجعلنا أمة واحدة، ولكنه شاء أن يجعل من بني آدم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ولكن هؤلاء أبوا إلا أن يتعاركوا في أقدم وأكبر وأخطر ظاهرة عصيان بشري على وجه الأرض أصبحت الآن، وفي ظل تغعول التقنيات الحربية وما أفاءته العولمة من انكماش للمسافات بين الحضارات من أشد ما يهدد الوجود البشري برمته. نعم فإن التعارك والاقتتال بين الشعوب والأمم هو معصية لله كما نفهم من سياق التنزيل الإلهي.

بالعودة إلى المفهوم القرآني لتعارف الأمم في ما بينها فإن ما يدعو إليه من حين لآخر عقلاء الإنسانية من فضيلة التسامح وقيمة الحوار إن كان بين الأديان أو بين الثقافات أو حتى بين الممارسات السياسية إنما هو عودة إلى الأصولية الإنسانية التي وجد فيها المتطرفون من مختلف التيارات الفكرية والثقافية والدينية عدواً طبيعياً لها لأن من شأنها ان تسحب منهم امتيازاتهم الثقافية التي حصلوا عليها باسم المحافظة والتعصب لبعض القيم التي يقدمون أنفسهم كأنهم دون غيرهم وكلاء حصريون عنها وأوصياء لا منازع لهم عليها، يتساوون جميعاً في قيمة التعصب سواء كان دينياً أو دنيوياً أو غيره، الأمر الذي يوجد التباساً في الوعي الإنساني حول علاقة كل فرد أو مجتمع بالآخر الثقافي أو الاجتماعي أو الديني تتلاقى مع سوء الفهم المتبادل الذي سيقود حتما إلى سوء الظن وما يتبعه من توجس وسوء نية متبادلين سيصلان بنا في نهاية المطاف إلى مرحلة الصدام الحتمي لا محالة.

من هنا كان لابد من ايجاد منظومة فلسفية أخلاقية تعنى بفكر الاختلاف الذي يجسد ثقافة تطرح ذاتها من خلال العلاقة المتبادلة بين الأنا والآخر الأمر الذي يقتضي بالضرورة تحديد ماهية هذا الأنا أولاً وتحديد هويته قبل أن يعمد هذا الأنا إلى سبر أغوار الآخر والبدء في إقامة حوار معه، وليس من بديل في سبيل ذلك عن منهج توسيع قاعدة التلاقي بين أفراد وفئات المجتمع بمختلف مشاربهم وعقائدهم وتياراتهم التي لابد ان يجمع بينها الحد للأدنى من القيم الاجتماعية المجردة القائمة على أسس العقد الاجتماعي لكل مجتمع على حدة، والوقوف على قاعدة متماسكة من المشاركة والانتماء الوطني المشترك الذي لن يعدم الناس بتوجس وحذر بعد تحديد ملامح هذا الآخر ومقدار واتجاه المسافة التي تفصلنا عنه وليس ذلك إلا في سبيل استقرار وسلام وازدهار العنصر البشري الذي وفي ظني المتواضع لم تأت له الحروب والصدامات إلا بالمآسي والنكبات والكثير من الأحزان التي لم يكن مجيؤه إلى هذه الدنيا من أجلها ولا من أجل الشقاء الذي جلبته إليه.

الحق أن مسألة تحديد الأنا أصبحت قضية كبرى في كثير من البلدان العربية فبعد ان درجنا في الماضي على الاكتفاء بوصف «عربي» أو «مسلم» لتحديد هوية شخص أو مجموعة ما أصبح هذا الوصف بمثابة أحجية يلزم حلها الكثير من الملحقات التفسيرية، فصفة العربي تقتضي تحديد من أي بلد أو دولة هو، وتحديد البلد يقود إلى ضرورة تحديد المدينة التي تحدد له قوميته أو دينه، ومعرفة الدين تقود إلى معرفة الطائفة أو المذهب، وهكذا لتصبح الهوية الفردية تحتاج في شرحها إلى مذكرة، أما إذا أنعم الله عليه بالانتماء إلى بلد يضمحل فيه التعدد العرقي والمذهبي والطائفي فإن التعدد الثقافي الاجتماعي شبح مسبق الصنع يطل برأسه من بطاقة الهوية فهو بحسب المنطقة أو الحرفة التي يمتهنها أو العائلة التي ينحدر منها، وهكذا تمضي بنا الأمور إلى مزيد من التقزيم للذات من حيث نريد ان نضخمها والخاسر بل المفلس الأكبر في هذه الحالة هو هويتنا التي سنضطر لاحقاً إلى أن نبحث عنها من جديد.

إن محاولات الفئات المختلفة في البلاد العربية سحب هويتها وثقافتها التي تتوهم أنها الوجه الأصيل لذلك البلد على الفئات المغايرة أدت كما رأينا إلى كل هذه النزاعات الدامية سواء كان الأمر متعلقاً بالعراق أو بلبنان أو بفلسطين فجميعها تعاني من المرض ذاته وان اختلفت الأعراض عن بعضها قليلاً، لكنها تتفق على بؤس الحال ومرارة النزف المتوقع لها طول البقاء طالما تملك ضيق الأفق وقصر النظر وعدم إقامة مفهوم مشترك للمواطنة والانتماء الوطني لدى جميع الأطراف التي نراها تتغنى مع كل إشراقة بالوحدة الوطنية بينما ممارساتها وأخلاقياتها العملية تدل على نفسها بدون دليل حيث لا رائحة فيها لا للوحدة ولا الوطنية.

من المؤسف والمعيب ان مرض الاختزالية والتقوقع على الذات قد استحوذ على ثقافتنا الاجتماعية التي أصبحت من التخلف بحيث صار الواحد منا يختزل الوطن في ذاته وأصبح كل من يختلف مع شخصه الكريم عدواً يستهدف ويهدد هذا الوطن وانتقى كل معنى للمواطنة خارج حدود الحي أو القرية أو الحزب أو حتى العائلة، فانتقى بالتالي الآخر الداخلي الذي من المفترض ان نقيم معه الشراكة المنشودة بهدف إقامة الوطن المتشرك، فكيف بالآخر الخارجي الذي ندعوه لإقامة حوار معنا في الوقت الذي يصيبنا الصداع لمجرد سماع صدى أصواتنا يأتي من آخرنا القابع في داخلنا. مأزق اجتماعي وثقافي من شأنه أن يؤدي بالشخصية الاعتبارية والهوية الوطنية والثقافية لبلادنا ولمجتمعاتنا بكافة اختلافاتها وتنوعها.

مع افتراض حسن النوايا لدى الجميع «وهو أمر موضع شك» فإن أحادية النظرة تؤدي إلى رؤية الأشياء بلون واحد يزدان بالصفاء والنقاء كما انها ترى الذات في أحسن تقويم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتؤدي بصاحبها إلى أحادية الفهم وأحادية التأويل وبالتالي الرفض المطلق لكل ما يغاير هذه الرؤية التي يعمل أصحابها على فرضها قسراً على الآخرين ولو كان ذلك بالقوة وإلا فالإقصاء والنفي والتهميش بالمرصاد.

إن من شأن قيام المنظومة الأخلاقية لثقافة الاختلاف التي نطمح إليها أن ترسي وترسخ منطق التعددية التي نحلم بها كما من شأنها ان تلغي كثيراً من الثقوب السوداء التي احتلت صدارة في مشهدنا الاجتماعي وان تجعل من الاختلاف حقاً مصدراً للإثراء كما يقولون لنا في الإعلام لا مصدراً للتمزق كما نراه واقعاً، وحتى ذلك الحين، تقبلوا مودتي.



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟
- عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
- نحن وعصر المابعديات
- رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس
- قراءة في إعلامنا الأصفر
- عيدٌ للحب .. ما المانع ؟
- قلبي للبيع
- فلسطين .. بين الموت والحياة
- إعدام صدام .. إحياء ميت
- تهويمة العيد والعام الجديد
- المرأة المفترية .. والرجل المفترى عليه
- ربوني .. وبعرف أهلي
- الرجل متوحش ولكن .. لماذا تتوحش المرأة ؟
- شرَّعتُ قلبي
- الجزيرة .. من الكافيار إلى الخبز
- فضيلة العجرمة
- أنا إسرائيلي مسالم


المزيد.....




- الجيش الباكستاني يجري تجربة صاروخية ناجحة وسط تفاقم التوترات ...
- مصر تبلغ الولايات المتحدة رفضها التدخلات الإسرائيلية في سوري ...
- من هم أبرز الصحفيين الذين قُتلوا في حرب غزة؟
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد قواته لحماية الدروز في سوريا، ...
- فرنسا ـ محاولة سرقة ساعة فاخرة بقيمة 600 ألف يورو من أمير قط ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن -انتشاره بجنوب سوريا- وبيدرسون يدين ال ...
- البرلمان العربي يندد بانتهاكات إسرائيل
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لغاراته العنيفة الأخيرة على مواق ...
- مراسل RT: الطائرات الأمريكية تشن 6 غارات على مديرية مدغل في ...
- -القسام- تنشر فيديو لأسير إسرائيلي نجا من القصف على غزة يوجه ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود الباتع - نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف