أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود الباتع - زمن الحارة .. هل كان حقاً جميلاً ؟















المزيد.....

زمن الحارة .. هل كان حقاً جميلاً ؟


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 2076 - 2007 / 10 / 22 - 10:54
المحور: المجتمع المدني
    


لابد لأي إبداع أو عمل فني مهما كان من أن يصاغ ضمن قالب معين يتناسب وذلك العمل من حيث إبراز جمالياته وتقديم مضمونه بشكل يضفي على العمل جمالية أخرى تضاف الى جماله الأصلي، أو تعوض أحياناً عن غياب أو نقص بعض الجماليات عن العمل الأصلي، فكثيراً ما نجد أغنية جميلة بلحنها أو بصوت من يؤديها أو بكليهما معاً في حين ان كلماتها وهي الأساس ليست على نفس القدر من الجاذبية ولا ترقى الى نفس المستوى من الجمال الذي تمتعت به الأغنية التي اضفاها عليها القالب اللحني، لتظهر على ذلك الشكل الجميل الذي ظهرت عليه، ومن غرائب الفنون ان ترى لوحة متواضعة المحتوى الجمالي يزينها اطار يفوق بكثير كل ما افتقرت إليه تلك اللوحة لتصبح متعة النظر آتية من الإطار ذاته دون ما يضمه ذلك الاطار، وهذا بالضبط هو ما حدث مع المسلسل الممتع «باب الحارة».

«باب الحارة» هو أحدث حلقة من سلسلة الأعمال السياحية التي دأبت ماكينة الدراما السورية على انتاجها من آن لآخر، وقد أطل علينا في شهر رمضان الحالي بجزئه الثاني استكمالاً للجزء الأول الذي عرض في رمضان الماضي بنفس الشخوص والبناء الدرامي الذي احتواه الجزء الأول، وقد كان من نصيبه الرواج والشعبية الطاغية بين جموع المشاهدين، ليس في سوريا وحدها ولكن في كثير من البلاد العربية، خصوصاً تلك التي لها بناء اجتماعي مشابه في بعض اوجهه للبنية الاجتماعية السورية والدمشقية تحديداً التي يقدم بها هذا العمل السوري الى مشاهديه فلم يكن غريباً ان يحرص المشاهدون العرب وبشغف كبير في كل من الأردن وفلسطين وتونس والجزائر واليمن وكافة بلاد المهجر في الشرق والغرب شديد الحرص على متابعة احداث حلقاته يوماً بيوم ودقيقة بدقيقة، حتى ان الأخبار أفادت من بعض تلك البلاد بإقفار شوارعها وأسواقها من الباعة والمرتادين على حد سواء، بل ان البعض كان يضبط موعد صلوات التراويح وعدد ركعاتها على مواعيد عرض هذا المسلسل لكي يستمتع بمشاهدة المنازل الدمشقية العتيقة بكل ما فيها من أفنية واسعة تتوسطها عادة برك المياه بنوافيرها المتلألئة بما ينبثق عنها من ماء بارد زلال تحيط بها اشجار الليمون والنارنج والورد الجوري وغصون الياسمين المدلاة على الجدران ومستحضراً ربما كل ما تبعثه تلك الأجواء من طيوب الروائح وبرودة النسائم التي لا ينقصها على الاطلاق لكي يكتمل سحر المشهد ما يحيط هذا كله من حميمية الترابط الأسري ودفء المشاعر العائلية التي تتجلى اكثر ما تتجلى عليه عند اجتماع الأسرة على موائد الغذاء والعشاء التي عادة ما تزخر بصنوف الأطعمة الشامية التي مازالت تشتهر بها مدينة دمشق كالكبة والشاكرية والصفيحة وما إليها من أطايب عرفتها البيوت الشامية كابراً عن كابر، ولاتزال تمثل سمة مهمة من سمات المائدة الدمشقية حتى اليوم، ناهيك عن اجواء الحارة العربية القديمة التي تنفرد حارات دمشق من بينها بخصائص تميزها عن غيرها، فها هو الحمام العام الذي يعرف حتى الآن في دمشق باسم «حمام السوق» والذي لايزال يشكل وجهة اساسية لزوار هذه المدينة الضاربة في القدم من أفواج السياح العرب وغير العرب، اضافة الى ما عرضه المسلسل من تشكيلة الأزياء المحلية التي كانت رائجة هناك حتى فترة قريبة من الزمن ولم تعد ترى إلا نادراً هذه الأيام، بالاضافة الى ما للهجة الشامية العتيقة بلوازمها المميزة من جاذبية وقدرة على امتاع اولئك غير الناطقين بها، اجتمع كل هذا في باب الحارة ليشكل ذلك الاطار الجذاب بجدارة والذي استطاع ان يسحب المشاهدين من اشغالهم وأعمالهم بل وحتى طقوسهم الدينية الموسمية ليرصهم صفوفا في مواجهة صندوق الدنيا العجيب ولمدة ساعة كاملة هي عمر الحلقة الواحدة من حلقاته لتسري في الجميع حالة من الخدر الممتع واللذيذ تستمر على طول الحلقة وتتجدد كل يوم مع كل عرض جديد.

لقد أدى هذا القالب الشيق دوره الترويجي السياحي بتألق شديد وانشغل الناس به أيما انشغال وخصوصا فئة الشباب من سن المراهقة وحتى الثلاثين والذين ادهشتهم شخصية القبضاي الشهم والتي جسدها العقيد ابوشهاب لتدخل على المفردات المتداولة بين المراهقين مفردة جديدة حيث صارت عبارة «أهلين عقيد» عنوانا لتبادل التحية بين كثير من المراهقين.

عند هذا الحد وتتوقف جماليات العمل وفيما عدا ذلك فليس للمسلسل أية جمالية تذكر لا في السياق ولا في المضمون، وليست هذه محاولة للنقد الفني من قبل من ليس أهلا له ولكنها مجرد قراءة تحاول تحري الجدية والانصاف من مشاهد شغف بالمسلسل كغيره وربما اكثر قليلا من الملايين التي تابعته، فقد سارت الاحداث بوتيرة نمطية على خلفية الصراع الأزلي بين الخيرالمطلق والشر المطلق وان جاء هذا الطرح سطحيا وساذجا الى حد بعيد حيث كانت المسائل اليومية العادية التي تحدث في كل البيوت تشكل نهاية العالم لدى شخصيات العمل وكانت تجري قولبتها بشكل كرتوني مضحك فكان يكفي ان تتوعد امرأة جارتها بالعمل على طلاقها من زوجها الحكيم لنجد نفس الرجل الحكيم والمشهود له برجاحة العقل يثور ويفقد صوابه ويقدم على هدم بيته الذي عمر لثلاثين عاما عند أول هفوة أو زلة لسان تأتي من زوجته التي يحبها فهو أمر ايضا يستعصي على الفهم، وقس على ذلك المسارات العاطفية التقليدية التي يمكن رؤية ملامح نهايتها من بداياتها الاولى، جاء هذا الطرح بهذا الشكل ليضفي على المسلسل طابع الحدوتة أو الحكاية التي قد تثير شيئاً من الحماس والعاطفة دون ان يكون لها من المنطقية نصيب يذكر.

ربما يظلم هذا العمل اذا ما اعتبر تدوينا ولو مبسطا وسطحيا لتلك الفترة المهمة من تاريخ تلك البلاد، والتي حيكت فيها اخطر المؤامرات على العرب جميعا ولم يكن إقحام موضوع المقاومة ضد المحتل الفرنسي ودعمه للمقاومة على أرض فلسطين إلا مرورا عابرا واسقاطا غير مبرر على الواقع الحالي لم يكن القصد من ورائه إلا اثارة العواطف الجماهيرية في اتجاه ذلك المسار، وقد نجح في ذلك الى حد بعيد وذلك انما يرجع الى طبيعة الانسان العربي العاطفية عموما فهو يعشق كل ما من شأنه اثارة العواطف ودغدغة نوستالجيا الحنين الى الماضي باعتباره زمنا جميلا على الرغم من اعتراف العمل الدراسي بسياقه، ووقائعه بأنه لم يكن جميلا على الاطلاق.

لقد كانت تلك الحقبة البائدة من تاريخ المدن العربية عنوانا لكثير من السلبيات المخجلة التي لا يجدي فيها إلباسها ذلك الثوب الرومانسي الجميل الذي لا وجود له إلا في أخيلتنا، والحقيقة ان تلك السلبيات لاتزال حية ترزق بيننا رغم تبدل شخوصها واختلاف ثيابها فها هو الرجل الذي يتفجر رجولة في بيته ووسط زوجته وابنائه بشاربيه المفتولين وحنجرته الجهورية الرنانة يتحول الى مجرد شخص عادي أو اقل عندما يسير في ازقة حارته أو يجلس على المقهى أو حتى يتعاطى مع الناس، فعلى الرغم من عاديته المفرطة تلك يأبى إلا أن يكابر امام اهل بيته من الحريم مرغما إياهم على البصم له بالعشرين بأنه «سيد الرجال» في واقع أليم يكون مقياس الرجولة مرهونا باتساع العقيرة وانتصاب الشاربين وطول اليد على الحريم، نعم لقد كانت النساء في ذلك العصر عبارة عن جواري وخادمات ليس غير فالفتاة تقوم على خدمة أبيها واخواتها الذكور إلى أن يأذن لها نصيبها بالزواج لتتحول إلى خدمة الزوج ولعق التراب عن قدميه صاغرة حامدة شاكرة، ثم لا تلبث أن تتحول بعد ذلك إلى خدمة ابنائها الذكور حيث لا تجد عزاء لها في استرداد بعض من سيادتها التي لم تتعرف اليها قط عندما تمارسها بتعسف وإذلال على زوجة ابنها وعلى بناتها اللواتي يتهيأن ليكن خادمات «مستورات» لازواجهن في المستقبل، كان هذا واقع الاسرة العربية ولايزال موجودا الى حد بعيد في كثير من البيوت وضمن كثير من اسرارها الدفينة.

لم يكن الواقع المهين أسرياً أو عائلياً وحسب ولكنه كان ولايزال سياسيا واجتماعيا على السواء، وقد نجح المسلسل في إلقاء بعض الضوء على الفساد والجهل الذي اعترى رموز السلطة السياسية التي مثلتها شخصية الانتهازي رئيس المخفر ومعاونه الذين دأبا على ابتزاز المواطنين ومص دمائهم من خلال تلفيق التهم والدعاوي عليهم وفرص الاتاوات المالية والعينية التي تثقل كاهلهم لم ينج منها شريف أو وضيع عندما يقلب رئيس المخفر موقفه من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار في مقابل قطعة من ذهب أو حفنة من المال، وقد كانت ذروة السوداوية عندما كان العساكر يفطرون في رمضان على وجبات جاءتهم على اطباق الرضوخ من بيوت الحارة على اختلاف مستوياتها.

أما الجهل فقد كان سيد الموقف بلا منازع وليس أدل عليه من شخصية "الشيخ عبد العليم" زوج الاثنتين والذي من المفترض أنه رجل "عالم" فيبدو أن الشيخ لم يسمع أن في الشرع الإسلامي اختراعاً اسمه فترة العدة للمطلقة التي يحق فيها للزوج أن يرد زوجته إلى عصمته بدون حاجة إلى شيخ أو قاض أو عقد نكاح ما شابه، فتراه يهرع إلى حل أي نزاع زوجي أوقع طلاقاً ليعقد على الزوجين اللذين لم ينفصل نكاحهما بعد لعدم انقضاء العدة، فأي جهل هذا الذي كان يعتري علماء ذلك الزمان ..؟

بقي أن النجاح الجماهيري لهذا العمل يأتي من كونه قد عكس بشكل أو بآخر بعض الوقائع السلبية التي لازالت قائمة في حياتنا وقد لبى حاجة الجمهور العربي إلى أن يعني بالسطح دون الاعماق يتعلق بالقالب دون القلب وبالقشرة دون الجوهر وبالشكل دون المضمون،
وتقبلوا مودتي!



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور الحرية في المجتمع المدني
- ثمار الحرية في المجتمع العربي
- وماذا بعد فقدان الذاكرة؟
- سقوط زيتونة !
- هل كان يجب أن تموت بدور؟
- الإنسان والغريزة والأخلاق
- نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف
- أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟
- عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
- نحن وعصر المابعديات
- رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس
- قراءة في إعلامنا الأصفر
- عيدٌ للحب .. ما المانع ؟
- قلبي للبيع
- فلسطين .. بين الموت والحياة
- إعدام صدام .. إحياء ميت
- تهويمة العيد والعام الجديد


المزيد.....




- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...
- خبراء ومحللون: فيديو الأسرى الذي بثته القسام مهم في توقيته و ...
- الداخلية السعودية تعلن تنفيذ حكم إعدام بحق مواطن وتكشف عن - ...
- خلال تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين..اعتقال مئة شخص في جامعة في بو ...
- فض اعتصام وموجة اعتقالات للطلبة المتضامنين مع غزة بالجامعات ...
- استشهاد مقاوميْن وارتفاع عدد المعتقلين في الضفة
- سفينة مساعدات إماراتية في طريقها إلى غزة بحرا لأول مرة بعد م ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود الباتع - زمن الحارة .. هل كان حقاً جميلاً ؟