أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبد الكريم العامري - كومبارس














المزيد.....

كومبارس


عبد الكريم العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1403 - 2005 / 12 / 18 - 10:26
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


قادني القدر ذات يوم من عام 1995 الى أن أتسكّع في شوارع عمان بعدما تركت الأهل في العراق على مضض لظروف قاهرة ليست هي بأحسن حال من ظروف العراقيين الذين سبقوني الى مدن الله الواسعة . هناك ، لم يشغلني وجه المدينة النظيف قدر ما شغلتني معاملة الناس للعراقيين بجفاء غريب وقاسٍ وكأنهم في ذلك يشاطرون سلطة البطش والتنكيل مطاردة العراقيين .. قليلون – جداً – هم من وجدت فيهم طيبة القلب ورحابة الصدر ، لكنّ الآخرين فكانوا صداميين حدّ النخاع !
كانت الساحة الهاشمية التي يشرف عليها المسرح الروماني الكبير حبلى بالعراقيين وكأن العراق قد تجمّع في ذلك الوادي ، وجوهٌ حائرة ، شاردة ، تندب حظها بعدما تخلّصت ( بقدرة قادر ) من آتون وطنٍ صار فيه العيش موتاً زؤاماً ! .. ساعتها تساءلت : كيف يلفظ الوطن أبناءه ويتركهم فرائس للطامعين ؟! وعندما استعيد شريط حياتي أقتنع أنه الحل الأمثل ، كي يعطي المرء نفسه فرصة أخرى للحياة خير من أن يجدها رقماً في مقبرةٍ ضمت آخرين في بقعةٍ مهجورة من أرض الوطن .
في عمان ، يتسكّع العراقيّون ، دونَ بوصلةٍ تدلّهم على برِّ الأمان . يحملون جوازات سفرٍ سياحيّة لا تؤهلهم للحصول على أيّةِ فرصة عمل .. ومنهم من خلا جيبه من أية أوراق ثبوتيّة . وهكذا أصبح شبح الجوع يقف جنباً الى جنب الخوف من بطش مخابرات النظام في الخارج .
أيهٍ أيّها العراقي ، حتى في المنفى لا تنجو بجلدك ؟!
هناك ، في الوادي الكبير ؛ فيلادلفيا ، اتخذ العراقيّون من السماءِ غطاءً ومن إسفلت الشوارع الباردة فراشاً ، ينامون في الأرصفة والحدائق حتى قال قائلهم بلهجةٍ عراقيّةٍ خالصة واصفاً الحال : ( يا عراقي يا شريف ... ليش نايم عالرصيف ؟! ) .
في شتاء ذلك العام ؛ 1995 ، تجمّدَ خمسة عراقيين وماتوا . قضوا نحبهم بعدما امتنعت الفنادق من أن تلمّ خوفهم وتعبهم ذلك لأن جيوبهم فارغة من ( المصاري ) .
للآن أتذكّر كيف جمّعنا – نحن العراقيون – نقوداً من أجل أن نعيد جنازة عراقي الى أهله في الوطن .
للآن أتذكّر كيف امتنع المستشفى الأردني من تطبيب عراقي لعدم امتلاكه ما يسد تذكرة الدخول الى المستشفى .
وللآن أتذكّر العراقيات وهنَّ يفترشنَ الأرصفة يبيعنّ السجائر ويطاردهنّ رجال الأمانة والشرطة .
في ذلك العام الكئيب ؛ 1995 ، التقيت بأحد العراقيين وقد حُلِقَ شعر رأسه وحاجباه وشاربه ايضاً ، حتى بدا وكأنّهُ مخلوقٌ جاء من كوكبٍ آخرٍ ، بالضبط مثل تلك المخلوقات الغريبة التي نشاهدها في الأفلام الأميركيّة ! .. رأيته حزيناً ، صامتاً ، منهاراً .. ظننت في الوهلة الأولى أن الرجل قد أصيب بمرضٍ من ذاك الذي يسقط الشعر .. لكنّهُ أفصحَ عمّا في داخله وأخبرني أنّ متعهداً في التلفزيون الأردني إختاره وعدد من العراقيين للقيام بدور كومبارس لأحدى المسلسلات التلفزيونيّة التي تتناول عصر الفراعنة ! .. و ( هكذا وجدتني يا أخي أصيح بصوت مبحوح : رع ... رع ... رع !!! ) .
لم يكن العراقي في يوم ما ، وعلى مدى حقب التاريخ، غير شخصية رئيسية ، فما الذي جعلهُ مختبئاً خلف الكواليس في دورٍ ثانويٍّ..؟ أهي مصادفة أن يكون (كومبارس) في التلفزيون مثلما أرادوه أن يكون في الحياة ؟! أم هو الحنق من شخصية أثبتت جدارتها بعد إن منَّ الله عليها بوافر خيراته وعلمه ؟
يا لسخرية القدر ، أن يتسلّط على الرقاب من لا يرحم ، يذلّ أعزّتنا ، ويشتت فلولنا ، ويستأصل جذورنا ، ويقطع أوصال أرحامنا ، ويقتل صغيرنا وكبيرنا ، يشاركهُ في ذلك من لاضمير له ولا حياء ، يظنّ أن المُلكَ يدوم والظلمَ يُثبّت الأسس والأركان ، ويجعل الرعيّة مثل أغنام يجرجرها حيث المجازر وما درى أن الله قادر على كل شيء .
واليوم ، بعدما دارت على الباغي الدوائر ، هل يتّعض المطبّلون والمزمّرون للشيطان ؟
أنها وقفة مع الذات لاسترجاع ما لا يمكن إصلاحه مما فات ، وإصلاح ما يمكن إصلاحه مما يجيء !!



#عبد_الكريم_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عائلة كبيرة.. عائلة صغيرة ورجال مشرّدون
- دعوة لحماية أطفال العراق:أطفالٌ في خطر
- الباص الخشب : صورة الماضي في قناع الحاضر
- قبل يوم من الإنتخابات العراقية
- سلطة العصا وسلطة الضمير
- البيئة العراقية تستغيث
- مصائب قوم ...... فوائد
- الفاو أرض النقيضين الخصب والملح
- البصرة من جنتها إلى خرابها
- محاكمة صدام جرعة ما قبل الإنتخابات
- ضحايا حروب الأمس
- سطور من الذات العراقية
- الإدارة في العراق .. نزاهتها وفسادها
- العراق الجديد.. صور ما قبل الأنتخابات
- صحافة البصرة.. عصر ما بعد الديكتاتورية
- مطابع البصرة ما بين شانكرلآل والريزوغراف
- حقوق الإنسان في العراق هل تحتاج الى وزارة؟
- الطفل العراقي ميمون المالكي ما زال مفقوداً
- الدستور العراقي والمال العام


المزيد.....




- ترامب يعلق على إخلاء الشرطة جامعة كولومبيا من المحتجين.. وين ...
- فيديو... -كتائب القسام- تقصف تجمعات قوات إسرائيلية بالصواريخ ...
- وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان والرئيس الإماراتي ينعاه
- إحباط مخطط يستهدف -تفجير- معسكرات أمريكية في دولة خليجية
- خامنئي: تطبيع دول المنطقة مع إسرائيل لن يحلّ الأزمات الإقليم ...
- الجزيرة تحصل على صور تكشف مراقبة حزب الله مواقع ومسيّرات إسر ...
- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبد الكريم العامري - كومبارس