أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبد الكريم العامري - سطور من الذات العراقية















المزيد.....

سطور من الذات العراقية


عبد الكريم العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:16
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ها نحن نقف أمام انفسنا للحظات، نتفرس فيها، ونخوض في يمها الهادر، ربما نعرف بعض مكنوناتها من رغبات ونوازع وأحاسيس وآلام واتراح، وربما سنجد ضالتنا بعد صراع طويل مع قسوة الحياة وحلاوتها، نبدأ مع خيوطها الأولى لنبحر عبر صراطها المتعب المتعرّج المزدحم بالنكبات والإخفاقات والنجاحات!! متضادات كثيرة تحملها هذا النفس البشرية، اياً كانت وأينما، قويها وضعيفها، مترفها وبائسها،غنيها وفقيرها.. هذه المتضادات، والمتناقضات ايضاً تشكّل هرم النفس التي الهمها الله فجورها وتقواها.. ولعمري لم أجد ما يصوّرها لنا أكثر من مجتمعنا العراقي العجيب الغريب المليء بكل هذا وذاك.. الأسود والبيض معاً، وحسب قول العراقيين: الزين والشين!
فرصة نأخذك معنا –عزيزي القارئ- لنحيي أولئك الذين لم تستطع غرائبية ادغار الن بو، ولا سحرية غابريل غارسيا ماركيز ولا واقعية نجيب محفوظ أن تنقلهم الى قارئٍ نهم..
لن نطرق باباً لهم، فهم مكشوفون بلا أبواب ولا شبابيك، ولن نتحدث معهم فلا لغة تستطيع ان تفهم ما يقولون.. ولن نجلس معهم فهم يحلّقون في ذاكرة الخيّرين والطيبين من أبناء الأرض.
عراقيون، جذورهم تمتد الى أعماق التاريخ، ومن أصلابهم تفرع الخير، نعرفهم ويعرفوننا، هم بقايا زمن البياض، لم يلوّثهم عصر الحواسم ولم تغيّرهم أيام الفرهود.. توّاقون للكلمة الطيبة في وقتٍ صارت فيه هذه الكلمة عاراً وضعفاً.. وصار الحديث للرصاص والفصل العشائري والقبلية الحزبية!!
قبل الحديث عنهم لا بد من الحديث عن زمننا العجيب الذي حرّمنا من الضحك كما تفعل أقوام الأرض، فالعراقي في طبيعته إن ضحك قال: (ضحك خير) وإن عطس تشائم، وان اعترضه كلب رد على عقبيه.. ولا أجد شعباً يتمنى الرجوع الى خمسينيات القرن الماضي مثلما يرغب فيه العراقيون ذاك لأنهم لم يروا في العقود الثلاثة التي مضت ما يجعلهم ينظرون الى الجزء المملوء من القدح مثلما يقول المثل.. ولهذا فان ما يفضلونه من غناء هو ما يحزن النفس فالأبوذية شاهدة على عصر الآلام المخيف!! صحيح ان الحنين الى الماضي هو نزعة لدى كل فرد على وجه البسيطة لكن الأمر عندنا وصل الى حد تمنينا فيه أن يعود الأمس ويبقى كما هو.. ولهذا بعد التغيير مباشرة فكر بعضنا بنظام سياسي ملكي وآخرون بذات النظام الجمهوري لثورة 1958.. أما كان من الأجدر ان نفكر بحياة جديدة خاصة وقد تخلصنا من أدران ماضٍ قميء غيّر فيه الصداميّون كل أسس الحياة العراقية الجميلة؟
إذن، نحن هنا لنقول لأولئك الجديرين بالتقدير والتحدي، تستحقون ان ننحني لمواقفكم التي عبرتم بنا من خلالها حيث شاطئ الأمان، وجعلتم من البيت العراقي جبلاً شامخاً رغم عواصف النظام المتجبّر والنظام الدولي القاسي على هذا البلد الطيب بأبنائه، وسنبدأ بكم واحداً واحداً دون ان ننسى أحداً.
• المرأة العراقية:
أبدأ بك، أيتها الأم والأخت والزوجة، والجارة التي لم تغفُ دون ان ترى ماذا أكل أبناء جارتها.. حنونة كنت وما زلت، رغم عاديات الزمان، كانت الحروب تدور براسك الذي اشتعل شيباً خوفاً على الأزواج والأبناء والأحبة.. عرفناك جيداً فما مرّت نسوة الأرض في عصرنا الحديث بما مررت به أنت، كان الزمان قاسياً وصعباً لكنك جعلت أيامنا – قدر إمكانياتك- بيضاء مثل قلبك الحنون، كنت الأم والأب في وقتٍ أكلت الحروب ألآباء، وغيّب أزلام النظام المقبور الأحبة، هكذا كنت وما زلت ولا أراك الا هكذا ورغم ان تحيتنا هذه قد جاءت متأخرة فذاك لأنك ما زلت تعومين بأثقال الدنيا وهموم البيت..
ماذا يقول أولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً، ويقتلون ألأبناء، ويفخخون السيارات، ويفجّرون الأسواق، أمام صبرك وتحديك، ما رجوت شيئاً ولا رغبت في أيّ شيء غير خير البناء والبلاد.. هم يحرقون قلبك بإرهابهم وأنت تمنحين الحياة دفقاً وزهواً، وشتان ما بين هذا وذاك.
لك حكايات مع تنور الخبز، وعلاقة (الغموس)، وصفيحة النفط، وقنينة الغاز، لكِ حكايات مع نقل الأولاد الى المدارس، وشراء الكتب والأقلام والدفاتر.. وحكايات مع (البسطيات) الصغيرة في الأسواق الشعبية، تجلسين في حر النهار وبرده، تبيعين لتحصلي على قوت لعيالك بعدما غادر الأب الى جبهات الموت.. في المدينة والقرية، موظفة وعاملة وربة بيت، كنت تسطرين أيامك في تاريخ هذا البلد القتيل وتحرقين زهرة شبابك على مصاطب انتظار الأحبة المعفرين بغبار السواتر الأمامية بينما الأخريات في مدن الأرض يتمتعن بإنوثتهن وشبابهن وحياتهن وآخر ما أنتجته المصانع العالمية من ملابس فاخرة وأدوات ماكياج.. لله درك أيتها الأم العراقية.
• الأب العراقي:
تحية لك، أيها الطيب، ركيزة البيت وخيمته، مرّت عليك أيام قصمت ظهرك في شرّها وخديعتها، اقتادوك مكبلاً بالحديد الى غرفٍ باردة، وحفرٍ لا ترد بريئاً، لم تكفر بوطنك فما زال التراب يملأ فمك وأنت تردد أهزوجة البلد المصاب بالبلاء.. وما بين التشرد والحروب والسجون والعوز والفاقة والفقر تبني حياة لأولادك، أجيال الزمن القادم المجهول.. ما عرفت في أيِّ أرض تموت لكنك كنت متأكداً أن ميتتك قادمة.. فقد جرّبت الهروب حيث المنافي البعيدة الباردة، وجرّبت الوقوف في وجه الطاغوت، وجربت الموت أمام فوهات البنادق.. قتلوك غدراً ونفوك.. أيها الشامخ مثل جبل حمرين وماوت.. للآن أتذكر صورة الأب الذي احتمى به أولاده الصغار، في زقاق من مدينة حلبجة الشهيدة.. كان الموت يحاصرهم من كل اتجاه فلاذوا بك لكنك لم تكن قوياً الى حد رد الموت عنهم، فقطف الموت أرواحهم.. نحن نتحدث عن ذلك الذي رآهم يموتون أمام عينيه فرداً فرداً.. ونتحدث عن ذلك الذي جاء بهديةٍ لصغاره في إجازته الشهرية ليجد بيته وقد انقض على الصغار.. نتحدث عن هؤلاء جميعاً، الآباء الصابرين، آباء الأمس ولا نستثني منهم آباء اليوم الذين احتفظوا بذلك القلب الطيب.. ترى أما زال هناك من يحمل أخاه على سبعين محملاً أم تراه قد أخذته الدنيا وحاجاتها فنسى الأخ والأهل والصديق؟.
إليك أيها الأب العراقي الطيب أرفع قبعة الإعجاب وأحييك وليتني استطعت أن أذكر أسماءكم فرداً فرداً ولكن اعرف أنكم تعرفون ان حديثي هذا معكم انتم وليس مع أحد سواكم.
• البلد الطيب:
طيب مثل أبنائك، أيها البلد الطيب، أراك حرجاً، ساخطاً من زمنك المنسل من بين يديك.. تتبرأ من أولئك العابثين بأمن أبنائك، الجاعلين حياتهم جحيماً، وساعاتهم موتاً زؤاماً.. لم تكن الا طيباً يا عراق! فما جرى لا يمت لك ولا لأبنائك بأية صلة.. فكم من غريب عاش بين ظهرانيك، وكم من متشرد لجأ إليك ، فكيف بأبنائك الذين شربوا ماءك، واستنشقوا هواءك، وأكلوا من ثمراتك؟ نعرف انك تنظر إليهم بعين أبٍ انتظر لحظة خلاص للعودة حيث العش الآمن!
أحييك يا وطن النهرين الخالدين؛ دجلة والفرات، أحييك بمدنك وقراك وقصباتك، بشوارعك وأزقتك وساحاتك، بتواريخك المظلمة والمشرقة، بساستك الطيبين وأستثني منهم القتلة والمتجبرين وأبرأ النفس منهم الى يوم الدين!.. أحييك في زمنٍ القول الصعب، فالكلمة الطيبة غدت مثل سمٍّ زعاف..
ما جرى جرى، وعلينا بالآتي.. نحن الذين قضينا أعمارنا نحلم بغدٍ جديد.
• وماذا بعد:
أتراني نسيت أحداً لم أحييه كما يجب؟
لم انسَ أحداً، ولن أنسى ما حييت، فأولئك الناس يحملون مشكاتهم معهم في كل زمان ومكان، هم الآباء والأخوة والأحبة، وهن الأمهات الغاليات، الباقيات والراحلات، وعلينا، أن ننحني لهم محبة وإنصافاً لا ان نتركهم يعانون في أرصفة العوز بانتظار الراتب التقاعدي، أو صدقة لوجه الله، بينما ننعم نحن بكراسٍ متحركة وأجهزة تكييف أميركية الصنع والضمير! ونفكر مع أنفسنا بتسجيل هذه المؤسسة بأسمائنا حصراً في دائرة الطابو ونقرأ الفاتحة على كل ديكتاتوريات العالم، ولكي نبني مجتمعنا المدني علينا ان نبنيه كما بنى آباؤنا حياتهم تلك لا أن ننظم مثنى ورباعاً في منظمات لا همّ لها الا منحة البريطانيين (المساكين) الذين جاءوا الى بلادنا من أجل عيون بنت الملوّح واعتزازاً بابن شداد العبسي!! فأولئك يغدقون عليكم بالأموال (وهي بالأصل أموالكم) ويجعلونها سبباً لفرقتكم لكي يسودوا بعدما تتزمّلوا!
تحية لكِ ولكًَ وللعراق، ولا أحد سواكم.



#عبد_الكريم_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإدارة في العراق .. نزاهتها وفسادها
- العراق الجديد.. صور ما قبل الأنتخابات
- صحافة البصرة.. عصر ما بعد الديكتاتورية
- مطابع البصرة ما بين شانكرلآل والريزوغراف
- حقوق الإنسان في العراق هل تحتاج الى وزارة؟
- الطفل العراقي ميمون المالكي ما زال مفقوداً
- الدستور العراقي والمال العام


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبد الكريم العامري - سطور من الذات العراقية