|
عبد الواحد لؤلؤة ...
سعيد عدنان
كاتب
(Saeed Adnan)
الحوار المتمدن-العدد: 5235 - 2016 / 7 / 26 - 02:47
المحور:
الادب والفن
وقع لي اسم عبد الواحد لؤلؤة ، أوّل ما وقع ، في سنة 1973 ، في مقالة منشورة في مجلّة ( ألف باء ) ؛ تتحدّث عن كتابه : ( البحث عن معنى ) ؛ إذ كان قد صدر في تلك السنة عن وزارة الإعلام 0 ومع أنّ كاتب المقالة بدا ، وهو يبسط حديثه ، غير راضٍ عن الكتاب وصاحبه ؛ وكأنّه يراه ممّا لا يندرج في ما يريد من أدب ونقد ؛ حتّى أزجى لومه إلى الوزارة التي نشرته ؛ فقد أغراني أن أقرأ الكتاب ، وأن أزداد معرفة بصاحبه 0 كان ( البحث عن معنى ) جديداً ، يوم صدر ، يفارق ما كان سائداً ؛ فقد كُتب بلغة واضحة مبينة ، غيرِ مواربة ، بعيداً عن خيمة النقد العقائدي ، قريباً من تجربة صاحبه ، وذوقه ، ورؤيته 0 كان لؤلؤة ، يومئذٍ ، أستاذ الأدب الإنكليزي بكليّة الآداب ؛ وكان ، من قبلُ ، قد زوّد نفسه بمعرفة رصينة بالأدب والنقد ؛ تلقّاها على أصولها ، ولم يقتصر بها على ما اختصّ به من الأدب الإنكليزي ، بل ضمّ إليها الأدب العربيّ على نحو من حسن الاستيعاب والتذوّق ؛ فقد كان حريصاً على أن تمتدّ جذوره في أدب أمّته 0 درّس الشعر الإنكليزي سنواتٍ في كليّة الآداب ، فكان يضفي على الدرس حيوية تخرج به ، أحياناً ، من إطاره القديم ، وبيئته البعيدة ؛ لتجعله يلامس نبض طلبته في ما يرون ، ويسمعون ، ويقع عليهم 0 وإذا كان غيره من أساتذة الأدب الإنكليزي قد قصروا همّهم على تخصصهم ، ووفّروا جهدهم على قاعة درسهم ؛ فإنّه كان من قاعة الدرس ينظر إلى ساحة الأدب العربيّ 0لقد كان يريد ، منذ أن بدأ ، أن يجمع شرف الأدبين ، وأن ينظر في الأدب العربيّ بمنظار مصقول بأشعّة من الأدب الغربيّ 0 كان الأدب الإنكليزي ، بأعصره كلّها ، قد تغلغل فيه ؛ فكراً وفناً ؛ فأفضى به نحو قدر رحيب من الحريّة في الكلام ، وفي الكتابة ، وفي مزاولة تبيان ما يراه من العيوب ، والنقائص 0ولعلّه مضى مع حريّته في الكلام ، ولعلّه لم يحترس ؛ فاضطرب الحبل ، واختلّ ، وانقطع ، وخرج من الجامعة في سنة 1977 ، وبقي ، بعدها ، قليلاً في البلد ، ثمّ غادر ليستأنف شوطاً آخر من رحلته 0 كان قد أصدر " النفخ في الرماد " من بعد " البحث عن معنى " ؛ وكأنّ الذي بدأ يبحث عن معنى ، عاد ينفخ في الرماد ! أيكون عنوان الكتاب الثاني جواباً على عنوان الكتاب الأوّل ؟! إنّ شيئاً من السَخَرالمشوب بالأسى لا يفارق صوته وهو يتحدث ، ولا يبتعد عن كلماته وهو يكتب ! غير أنّه ، مع ذلك كلّه ، صاحب عمل ، وصاحب جدّ ؛ يرى غايته واضحة ، ويسعى نحوها ؛ لا يستنفده ميدان ، بل هو في التأليف مثلما هو في الترجمة ؛ فقد شرع في ترجمة " موسوعة المصطلح النقدي " منذ أواخر السبعينيّات ، وفي عزمه أن يُتمّها بكلّ ما صدر منها في الإنكليزيّة ، وترجم قصيدة إيليوت " الأرض اليباب " ، ويسّر طريقها إلى القارئ العربيّ بالشرح والإيضاح 0 إنّ التأليف والترجمة ليسيران معاً عنده ؛ يوآزر أحدهما الآخر 0 وهو ، على علمه بالنقد الأدبي الغربيّ وبمناهجه ، وبما يستجدّ فيه ؛ لم يقع أسير حبائله ، ولم يقبل منه كلّ ما يأتي به ؛ إنّما يقف منه ، في كلّ الأحوال ، وقفة الناقد الذي يعرف ما يأخذ وما يدع . ومطلبه الذي لا يُخلي يده منه ؛ الوضوح ، واستبانة الدلالة ، واستقامة الرؤية ؛ حتّى يستقيم الفهم ؛ يقول : ( فأنت تقرأ أفلاطون في الجمهوريّة ، أو في المحاورات ، وتفهم ما تقرأ فيلذّ لك . ثمّ تبدأ تساورك الشكوك ؛ هل أنت حقّاً تفهم ما تقرأ ، وتجد متعة فيه ؟ ثمّ تبدأ تسائل نفسك ؛ لماذا قالوا لك إنّ الفلسفة صعبة الفهم تستغلق على القارئ ؟ ثمّ تقرأ كتاباً لأحد الفلاسفة المعاصرين ؛ فلا تفهم ما تقرأ . وتعجب أن يكون فيلسوف معاصر أصعب على الفهم من أفلاطون نفسه . وأحسب أنّ الفرق بين الاثنين يقع في باب الفرق في وضوح الرؤية . فذلك يعي ما يقول ، ويقوله بكلّ تواضع ، وهذا " دماغه ملخبطة .. سمك لبن ، تمر هندي " .) وقد كان حريصاً على شرط الوضوح في ما كتب ، وفي ما ترجم ؛ شأنه في ذلك شأن ذوي الثقافة الإنكليزية ؛ إذ يجمعهم ، في أغلبهم ، وضوح الرؤية ، وسلامة البيان عنها ؛ كمثل جبرا إبراهيم جبرا ، وعبد العزيز حمودة ، ومحمد عناني ، ومحمّد عصفور ، وآخرين . وقد صار الوضوح مزيّة يُقدّم الكاتب بها ؛ حين فشا اختلال الرؤية ، واضطراب الكلم ؛ على أنّ الوضوح شرط قائم ، لا تصحّ الكتابة من دونه ! ومزيّة أخرى تتّصل بالوضوح ؛ بل إنّها ثمرة من ثمراته ؛ تلك أنّ طائفة من مذاهب النقد الأدبيّ واتّجاهاته ؛ قد اقتحمت الأدب العربيّ ؛ كالشكلانيّة ، والبنيويّة ، والتفكيكيّة ، وما يتّصل بها ويتفرّع عليها ؛ فأقبل عليها كثير من النقّاد ، وأخذ كلٌّ بطرف منها ؛ حتّى صار النقد عندهم إمّا أن يكون على منحى من هذه المذاهب ، أو لا يكون ؛ عدا فئة قليلة من النقّاد والدارسين اعتصمت بما لها من فكر وذوق ، ورأت أنّ هذه المذاهب كغيرها ممّا سبقها ؛ ينفع العلم بها من دون غلوّ ، وأنّ طريق الحقيقة الأدبيّة غير مقصور عليها ؛ وقد كان عبد الواحد لؤلؤة من هذة الفئة القليلة التي درست مذاهب الأدب والنقد لدى الغربيين ، وأحسنت استيعابها ؛ ولكن من دون أن تقسر الأدب العربيّ عليها قسرا. لقد كان له من الذوق المهذّب ما يسدّد معرفته ؛ إذ هما أمران ، الذوق والمعرفة ، لا يستقيم أمر أحدهما من دون صاحبه . ومن صنيع الذوق الممازج للمعرفة ؛ أن جعل يتخيّر لكتبه عنوانات جامعة ذات دلالة ؛ فقد بدأ بـ " البحث عن معنى " ثمّ " النفخ في الرماد " حتّى لكأنّ في العنوان الثاني إجابة عن العنوان الأوّل ! ثمّ يجيء " منازل القمر " إذ يبدأ القمر هلالاً ، ثم بدراً مكتمل الضياء ، ثمّ يأخذ بالنقصان حتّى يرجع في المحاق ؛ وكأنّه يرى للشعر منازل تشبه منازل القمر .ثمّ يأتي " شواطئ الضياع " ليدل على النقيضين معا ً ؛ فإذا كان في الشواطئ أمن وسلام وهدوء ؛ فإنّ الضياع يمحو ذلك كلّه . وتفضي شواطئ الضياع عنده إلى " مدائن الوهم " ، ثمّ " أوراق الخريف " التي لا تكون إلّا صفراء منزوعة الحياة . ولا يخفى ما في هذه العنوانات من عروق اليأس ؛ لكنّه مع يأسه ، والرماد الذي بين يديه ؛ لا يني يعمل ؛ يكتب ، ويترجم ، ويؤلّف ، لكي يستقيم له معنى ما فتئ يبحث عنه ! ومكانته ، من بعد ، في النقد الادبي لا تشبه غيرها ، في وقفاته عند الآثار الأدبيّة ، وفي معالجته لها ؛ ذلك أنّه ، مع سعة معرفته ، يجعل من الأثر الأدبي تجربة أدبيّة له ، ويحسن الموازنة بين الذوق والمعرفة ...
#سعيد_عدنان (هاشتاغ)
Saeed_Adnan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمين نخلة في أمر عجب ...
-
علي عباس علوان في ذكراه
-
زكي نجيب محمود في أفق الترجمة
-
الشعر الجديد
-
الكرد في شعر الجواهري
-
عدنان العوادي
-
حياة شرارة
-
لويس عوض .. أيضا
-
علي جواد الطاهر
-
إبراهيم الوائلي
-
الجرجاني .. الشاعر أو ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
-
لويس عوض الناقد
-
أحمد أمين
-
محمد حسين الأعرجي
-
عبد العزيز المقالح
-
عبد الرزاق محيي الدين
-
زكي نجيب محمود... الناقد
-
في معنى ألأسطورة
-
التقاليد الجامعية
-
الشيخ محمود محمد شاكر واللغة الانكليزية
المزيد.....
-
المخرجة والكاتبة دوروثي مريم كيلو تروي رحلة بحثها عن جذورها
...
-
أولاد رزق 3 وعصابة الماكس.. شوف أقوى أفلام عيد الأضحى 2024 خ
...
-
الرِحلَةُ الأخيرَة - الشاعر محسن مراد الحسناوي
-
كتب الشاعر العراق الكبير - محسن مراد : الرِحلَةُ الأخيرَة
-
6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
-
فنانة مصرية مشهورة تؤدي مناسك الحج على كرسي متحرك
-
قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج
-
أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحال
...
-
بسام كوسا يبوح لـRT بما يحزنه في سوريا اليوم ويرد على من خون
...
-
السعودية تعلن ترجمة خطبة عرفة لـ20 لغة عالمية والوصول لـ621
...
المزيد.....
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
المزيد.....
|