أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - العقل العربي وحصار الدين والحاكم العربي















المزيد.....

العقل العربي وحصار الدين والحاكم العربي


عبدالعزيز عبدالله القناعي

الحوار المتمدن-العدد: 5205 - 2016 / 6 / 26 - 11:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يعيش الإنسان العربي اليوم او غالبيتهم ضمن مرجعية واحدة تشكل مجمل ثقافتهم وسلوكهم وأفكارهم دون المقدرة الاجتماعية او السياسية للخروج عن هذه المنظومة او نقدها وإصلاحها حتى تتواكب مع معطيات الواقع الراهن، فمن يحاصر الشعوب العربية اليوم ليس العلم ولا الفلسفة ولا مبادئ حقوق الانسان والقانون المدني، بل ما يحاصرهم هو النص الديني وفتاوى رجال الدين والحاكم العربي.
فالشعوب العربية، تاريخيا وسياسيا واجتماعيا، هي شعوب تم تدجينها وقولبتها فقهيا على الطاعة والخضوع والاستسلام حتى أصبحت سهلة الانقياد لمن يمثل الدين ويدعو الي تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة حتى لو تعارضت هذه الدعوة مع مواثيق حقوق الانسان وشروط الدولة الحديثة بما تمثله من ديمقراطية وعدالة اجتماعية ومساواة كاملة بين الرجال والنساء، ولعل ما نتعايش معه من ثورات وصراعات مذهبية سياسية في منطقتنا العربية ما هو الا مؤشر على المواجهة الحتمية بين معسكر الدين ومعسكر الحضارة الانسانية. فرفض غالبية الشعوب العربية لمسار الثورات العربية، بعد تأييدهم المطلق لها، انطلق من الخوف من التشدد الديني والإسلام السياسي بعد تجارب سابقة في إيران والسعودية وطالبان والقاعدة وداعش وحزب الله، وثورات مازالت مستمرة في سوريا ومصر وليبيا، بالإضافة الي تحولات العراق واليمن. إذن هناك اشكالية وخلل قد لازم استكمال تطلعات الشعوب العربية نحو الحريات والديمقراطية والكرامة الانسانية. فهل يمكن ان تكون الشعوب العربية غير ناضجة سياسيا واجتماعيا لحمل شعلة التغيير؟..أم أن اشكال وأنماط الدول العربية غير قادرة على التجاوب مع التطور الحضاري والتحول الديمقراطي؟..
لا يمكننا الإجابة بسهولة على هذه الأسئلة والإخفاقات المصيرية دون أن ندرك بنية العقل العربي ومسار التاريخ الإسلامي في تشكيل هويتنا الفكرية والثقافية والدينية. يقول الجابري في كتابه بنية العقل العربي: "العقل العربي" جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية الإسلامية للمنتمين إليها كأساسٍ لاكتساب المعرفة، وتفرضها عليهم كـ “نظام معرفي"، أي كجملة من المفاهيم والإجراءات التي تعطي للمعرفة في فترةٍ تاريخيةٍ ما بنيتها اللاشعورية. وهذا يعني – برأيه – المطابقة بين بنية العقل العربي والثقافة العربية الإسلامية، بنيتها اللاشعورية، خلال فترة تاريخية معيّنة. وهو ما يحيلنا الي استنتاج ان النهضة لا يمكن انجازها دون استخدام العقل السليم العقلاني في رؤيته للواقع والمستقبل، والقطع مع الزمن الماضي بما يحمله من ثوابت ويقينيات مقدسة.
فالتاريخ الإسلامي وتدويناته المختلفة، في بداياته ومآلاته واستمراره، عاش ضمن رؤية ذات زمن واحد، زمن راكد، يعيشه الإنسان العربي اليوم مثل ما عاشه أجداده في الماضي الديني ولم يشعر الانسان العربي بأي اغتراب او دهشة أو حتى تساؤل لماذا يعيش هكذا او لماذا مازال الدين يشكل الثقل الأكبر رغم تجارب عقلانية عاشها اجداده في العصر العباسي وزمن ابن رشد وفلاسفة بيت الحكمة وعصر الترجمة او تجارب الثورة الفرنسية وعصر الأنوار ودخول الحداثة والتنوير الي الوطن العربي.
من هذا المنطلق وضمن فضاء الجمود والخوف والاستبداد بات العقل العربي ضائعا بين الذات والآخر، بين الأصالة والتقليد، وصار تائها في أزماته، والسؤال الذي طرحه ويطرحه الكثيرون، هل هناك أزمة دين، أم أزمة في الإبداع والحرية والتفكير؟.
الحقيقة أن الدين وأتباعه لم يتقدموا ليتحملوا مسؤولياتهم، ولم يأخذوا على عاتقهم مهمة تطوير الإبداع والفكر، بل ظلوا يختبئون وراء السماء، ووراء المعجزات، ووراء الرموز المقدسة، مما ساهم في تعميق التراجع الحضاري وانحطاط الأخلاق والقيم الانسانية. كما أن غياب التفلسف وجدل الفكر وفتح باب السؤال، وتحريم الابداع والتعايش والتعددية، وانتشار ثقافة القطيع المؤمن، وانتهاك كرامة الإنسان العربي، وتخلف العرب عن العلم والصناعة والانتاج والتعليم العلماني، واكتفاءهم بدور المستهلك والرعية ، ساهم أيضا في جمود النقد الفكري وتوقف المثقفين عن مواجهة ثوابت الدين، فتعمقت الأزمة، وتراجع العلم والفلسفة، امام تقدم التشدد والأصولية وتطبيقات الإسلام المنتشرة على طول وعرض الوطن العربي. ولم يغب عن هذا المشهد التعيس دور الأنظمة العربية في صناعة ثقافة هزيلة تؤيد وتعضد الجهل والرثاثة وتعمق البعد الانساني عن حضارة اليوم ومبادئها الكونية. فالحاكم العربي في النهاية هو جزء من بنية عقلية عربية، ولم يكونوا جزيرة معزولة، أو نبتا شيطانيا، لكنهم يتحملون المسؤولية، كونهم الجزء المسؤول عن حماية شكل الدولة وآلياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المسؤولة عن التطور.
لقد ساهمت مفاهيم جديدة في تأطير العقل العربي بمقدسات جديدة أصبح نقدها او تفكيكها ضربا من المستحيل ويواجه من يحاكمها شتى صنوف الإيذاء النفسي والجسدي، ومن هذه المفاهيم حرمة النقد الديني بوجه عام وتجاه نقد المسلمات الدينية بوجه خاص، بل أحياناً يتم النظر إلى النقد بصفته عملاً تخريبياً وهداماً، وضيق الصدر بالنقد حينما يجتمع مع تقلص التعايش والتعددية، واتسام التفكير بالشخصانية مع النظرة الضيقة للآخرين بصفتهم معنا أو ضدنا مما يضع مستقبلنا في خطر داهم بالتأكيد. كما اصبحت ظاهرة قبول الآخرين المختلفين معنا في الدين والعرق والعادات والمقدسات والتقاليد ظاهرة تخالف أصل الدين وسيرة السلف الصالح، انطلاقا من مبدأ الولاء والبراء، بينما تعد نفس هذه الظاهرة ظاهرة ثقافية عقلانية تنتشر في المجتمعات المتقدمة التي تشبعت بالتعليم العلماني الجيد والثقافة الملائمة للعصر الحديث، أما المناخ الثقافي لدينا فهو مشحون بالعديد من القيم التي تقسم الناس إلى “نحن” و “هم”، وفي نفس الوقت تجعل “نحن” في طريق الصواب أي الجنة دائماً و “هم” في طريق الخطأ دائماً أي في النار.
ان التحول الكامل الي المدنية بما تمثله من تواجد العلمانية والديمقراطية بأشكالهما الكاملة، لا يمكن ان يكون عبر التجزئة السياسية او الاجتماعية، فالصراع او تواجد الدين بشكل فاعل، يمنع هذا التحول بل يحارب اي تمظهر حداثي ينال من منظومة الدين والفقه، مما ينقلنا بالتالي الي ضرورة تغيير الشعارات الحالية من المناداة بالحرية والكرامة والديمقراطية الي رفع شعارات العلمانية وإعادة الدين الي المعبد بشكل عاجل له الأولوية القصوى في الانتقال الي المجتمعات الحديثة، وهذه الدعوة، ليست للانقلاب على الهوية الدينية بقدر ماهي حصر الدين في اطاره الصحيح وخلق مسار حداثي يعتمد منهج التنوير والفلسفة كإطار فكري تعليمي في المجتمعات العربية، ولن يكون هذا الأمر بعيدا عن مواجهة الأنظمة وكهنة الدين بما يحملونه من تعاليم استبدادية، فالحرية كما يقال لا تأتي بلا ثمن.
اننا بحاجة اليوم الي استنهاض المثقفين والطبقة الوسطي من المجتمعات العربية لتطوير ادوات المعرفة في الثقافة العربية، وتحطيم انماط النقل والتقليد والعنعنة، واستبدالها، عبر تفعيل مؤسسات المجتمع المدني وتقوية التيارات العلمانية الوطنية، بأدوات التفكير والنقد والسؤال. فإزاء ازمة الدين وجمود التفكير والابداع وهيمنة الحكام العرب، لا مناص من القطيعة مع التراث الاسلامي، واعتناق مفهوم العقل الحديث، باعتباره عقل الفعل والرأي والانتاج، الذي نحتاجه كي نصبح شعوبا تتعايش مع الآخر المختلف، وشعوبا ترى الحاضر بعيون واقعية وترنو الي المستقبل باستشراف علمي. وحتى نتدارك التأخر التاريخي الذي نعانيه اليوم، علينا استدعاء العقلانية النقدية، كشرط لإطلاق دينامية إبستيمولوجية وثقافية، منتجة للحداثة في المجالات المختلفة، وأي سعي للتحديث خارج هذه القاعدة او استحضار مقولات الإصلاح والتجديد الديني هو ضرب من ضروب العبث، ومضيعة للوقت والجهد وتآكل لجهود التنوير.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]
كاتب صحفي



#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخ رشيد وإخفاق الإسلام والمسلمين
- دونالد ترامب والكراهية الإسلامية
- احداث باريس وشهية المسلمين
- العلمانية مصدر الحياة
- الخوف من نقد المقدسات الدينية
- المواطن الكويتي والإرهاب الإسلامي
- أزمة لا يمثلون الإسلام بالعقل العربي
- دعوة الي التنوير
- بناء الإنسان العربي الحر
- العلمانية .. دليل الثورات العربية التي لم تكتمل
- معلمة كافرة وسيد يغتصب الأطفال
- التعليم المختطف من الدين والقبلية
- الإسلام لن يكون الحل أبدا
- اسلام البحيري والأزهر وأكذوبة الإصلاح الديني
- العلمانية والدين الاسلامي
- اليمن ومأزق التاريخ والدين
- ربع الشريعة وأصدقاء إعدام المسيىء للرموز الدينية
- التيار المدني العلماني الديمقراطي في الكويت
- الجاهلية الإسلامية
- الجبان والعميل والمندس في الكويت


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - العقل العربي وحصار الدين والحاكم العربي