أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - الخوف من نقد المقدسات الدينية















المزيد.....

الخوف من نقد المقدسات الدينية


عبدالعزيز عبدالله القناعي

الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 30 - 10:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اوشاج
الخوف من نقد المقدسات الدينية

في محراب الكلمة والمعرفة والفلسفة والعلم، تكون التاريخ الانساني ليحمل الحضارات والفكر والمعرفة الي البشرية جمعاء دون تفرقة أو تمييز في الدين والجنس والعرق. فمنذ آلاف السنين خلقت الأديان وتكونت المشاريع النهضوية للشعوب والدول، منها ما نجح في التقدم، ومنها ما فشل واندثر، وبعضها مازال يصارع لتكوين هوية ومشروع حضاري ينطلق بها الي المستقبل.
لقد انشغل المؤرخون الأوروبيون في القرن التاسع عشر الذي يعتبر قرن التاريخ على إعادة كتابة تاريخ أوروبا وفلسفته من منظور تاريخاني ينطلق من أن الحقيقة ليست معطى جاهزا متعاليا، بل معطى تاريخي متغير، بمعني أنه يتطور مع التاريخ ومع الانسان ومدى توسع مدارك علمه وثقافته ومعرفته، ومعنى هذا أن الحقيقة في كل عصر هي أقرب الي الكمال منها من العصر الماضي، وأن الآتي أقرب الي الحقيقة من الراهن. ونتج عن ذلك أنه لما كانت أوروبا وحضارتها هي الحاضر، أي أنها العصر الحديث أو الأزمنة الحديثة وتعيش الحداثة والتنوير، فإن جميع العصور السابقة في تاريخ الانسانية هي عبارة عن مراحل قطعها التطور في مسيرة حضارية بلغت أوجها في أوروبا الحداثة، وهكذا يكون التاريخ قد أختار أوروبا لتكون قمة مساره وأوج تطوره الآن، وقائدة هذا المسار غدا.
وفي خضم التطور الحاصل في أوروبا والعالم المتقدم، نتساءل نحن العرب والمسلمين عن الدور التاريخي والحضاري الذي نريد تحقيقه أو الذي خسرناه. سنلاحظ أن القضايا الأساسية التي شكلت قوام فكر النهضة العربية في القرن الماضي ما زالت حية قائمة كمطالب وطموحات مع بداية القرن الحالي، فالوحدة العربية، والجامعة الاسلامية، والوقوف في وجه التدخل الاوروبي والأمريكي، وتحرير المرأة، ونشر التعليم، والأخذ بأكبر نصيب في الصناعة والتكنولوجيا، ومحاربة مظاهر التخلف في الفكر والسلوك، والوقوف في وجه الظلم والاستبداد، والمطالبة بالشورى أو الديمقراطية وغيرها من مطالبات النهضة.. هذه القضايا التي كانت تشكل في القرن الماضي قوام فكر النهضة وعنوان اليقظة للعرب والمسلمين، ما زالت مطروحة الي اليوم، وما زالت أهدافا ومطالب تنتظر التحقيق.
لكن السؤال المصيري ضمن التحولات التاريخية في العالم الغربي وضمن تعسر مشروع النهضة العربية والاسلامية، لم ينطلق من الأسباب الحقيقية للإخفاقات، بل اتخذ دوائر مغلقة من التفكير والاتهامات والابتعاد عن المسكوت عنه واللامفكر فيه في ثالوث التحريم العربي، وهو الدين والجنس والسياسة .. فقد انشغلت الشعوب العربية وغالبية النخب المثقفة بسؤال التجديد والإصلاح اكثر من انشغالها بالدين الاسلامي والأنظمة العربية ونظام المشيخة والقبيلة. لقد غاب سؤال كيف ننطلق من جديد، وحل مكان هذا السؤال تعديل وتجميل القبيح في تراثنا وانظمتنا وثقافتنا الدينية والاجتماعية.
إن التحولات التي نعيشها في العلم والمعرفة والفلسفة لا ينبغي لنا أن نرى فيها نهاية التاريخ الإسلامي، ولا أن نجعل منها مقبرة الأمل في التجديد والقفز على تخلف بنيتنا الدينية والسياسية .. فإن المراجعة النقدية ضرورة ملحة لاستعادة الأمل واستئناف المسيرة مع التاريخ الإنساني للمشاركة في صنعه والتأثير في مجراه .. فكلما تحركنا في اتجاهات متعددة ومختلفة في سبر أغوار الأزمات المتلاحقة، كلما نصنع مخاضات للعقل ورؤية ساطعة لمشاكلنا الداخلية، ننقلها الي الحاضر، والي أجيال متعطشة لمعرفة لماذا تخلف العرب والمسلمون وتقدم غيرهم. لقد آن الأوان ان نستعرض بصورة نقدية وأكثر شفافية وصراحة، الإجابة على أسئلة ليس متفق عليها في بعض الأحيان، وخاضعة في أحيان أخر لبنية العقل العربي والاسلامي المتوالد من التاريخ العربي وتاريخ الدين الإسلامي.
إن الشعور بفقدان الحرية، الأمل، السعادة، العدالة والمساواة، المستقبل ... عوامل نفسية أثرت على السلوك والتفكير العربي، وهي ما نعيشها في مجتمعاتنا رغم مساحة التنفيس البسيطة. ورغم تعدد الأسباب، إلا أن السمة الغالبة المنتجة لهذه الأنماط من التفكير هو سيطرة منظومة العادات والتقاليد والدين في حياة المواطن وعجزه عن الانطلاق خارج مدارك الثوابت الدينية. وليس اصدق من هذا الكلام الا ما قاله عالم الاجتماع العراقي علي الوردي "لو خير العرب بين دولتين دينية وعلمانية من سيختارون؟ لكانوا اختاروا الدولة الدينية وعاشوا في الدولة العلمانية"..هذه الإشكالية والأزمة المصيرية هي لب الصراع الفكري والسياسي، وهي التاريخ الذي كتب علينا بأن لا نتجاوزه أو نحدث نقلة نوعية في تفكيرنا تنقلنا الي العصر الحديث.
في الواقع، لقد استطاعت التيارات الإسلامية، بشقيها السني والشيعي، أن تملأ فراغات الجهل والخوف وفقدان الأمل بالدين والخصوصية وتعزيز الهوية الدينية، واستطاعت عبر تلبية الرغبات العاطفية للشعوب أن تقدم الشعارات والأوهام والمعجزات كسبيل أوحد لإنقاذ المجتمعات من الضلال والفشل. ولكن الشعوب لم تتساءل، ولم تخضع هذه التيارات الإسلامية للمساءلة والنقد، على اعتبار انها تمثل الله في الأرض، وأن الأوامر الإلهية لا يجب الاعتراض عليها، وأن شيوخ الدين لا يخطئون أو لا ينافقون أو لا ينصبون.. هذه الصورة المقدسة لرجل الدين أو الفقيه، تم تكرارها واستنساخها عبر عصور الإسلام منذ بداياته، ومنذ أن تم ادخال الدين بالسياسة، فاتخذ رجل الدين تلك القدسية وذلك التبجيل الخالي من النقد والشك بمنطلقاته ودوافعه، فبالأخير كل انسان يخضع لتغيير الأهواء ولضعف النفس البشرية أمام مغريات الحياة ولذة السلطة والمال والنساء..هذا العجز أو هذا الخوف من المحاسبة والتقويم، هو النقطة الأولي التي لم تمارسها الشعوب العربية كما مارستها الشعوب الأوروبية قبل قيام نهضتهم العلمية، وبالتالي تم القفز على التجديد الفكري والديني والسياسي في مجتمعاتنا، الي محاسبة الخطاب الناتج عن الدين وليس الدين نفسه او الكهنوت الإسلامي الذي يحمله ويستفيد منه.
وأمام هذا الخطأ الأول، قبعت الشعوب في دوامات التاريخ الإسلامي، وصراعات الفقهاء ورجال الدين من مختلف المذاهب والفرق الإسلامية، عاجزين عن مساءلتهم او الاقتراب من سلطتهم السياسية، وهذه السلطة السياسية بدورها كبرت وتوسعت وتوحشت، فهي في النهاية اصبحت تحمل طموحات وتوسعات وغايات كبرى، سهل مهمتها أن الشعوب مخدرة دينيا، وأن دمج الدين بالسياسة والدولة أثمر عن عجز فكري وكسل ثقافي وسكون علمي، وهو تماما ما ترغب به أي سلطة تستحوذ على الثروات والفضاء العام للمجتمع. وكنتيجة لفقدان أطر نظامية مجتمعية تفصل بين الدين والدولة، وبالتالي تمنع تداعيات استغلال الدين والطائفة في الحسابات الشخصية، ظللنا الي اليوم نجتر المآسي والحروب. وحتى نكون أكثر إنصافا لواقعنا، نجد أن مشاريع الحداثة والتنوير في الوطن العربي غائبة منذ زمن محمد علي باشا، وما تجارب التحديث والعلمنة الصورية اليوم إلا تغطية مادية يقابلها تبعية دينية وطغيان القبلية والطائفية والمكبوت الديني في المؤسسات الحكومية وديمقراطية بعض الدول، وهو ما يفقدنا كشعوب شروط التغيير الذاتية وهي الغائبة فعلا وواقعا عن منظومة العقل العربي. لقد كان لغياب التواصل الكوني مع الحضارة الإنسانية دورا بارزا في إبقاء منظومات التخلف والتبعية في الشرق الأوسط، وإن كانت بعض الدول الشرقية قد استطاعت بناء حضارتها وتقدمها وهي في محيط الجغرافيا الشرقية، كاليابان والصين نموذجا، إلا أن الدول العربية لم تصل الي الوعي التاريخي بضرورة الانتقال الي الحداثة وصنع تاريخها ونموذجها المتفرد، وهذا الانتقال، الفكري والصناعي، هو ما نقصد فيه غياب الشروط الذاتية العربية للتحول، بسبب عدم رغبة الشعوب بإحداث مثل هذا التغيير، إما خوفا من أنظمة استبدادية، أو للتمسك بالعادات والتقاليد والدين، وهي المنظومات الأشد منعا لإحداث التغيير في الوعي وبالتالي التماهي مع السيرورة التاريخية للشعوب والمجتمعات كما حدث مع اليابان والصين حينما اعتمدتا الطابع الشرقي ولكن مع التواصل الكوني الحضاري.
إن النخب العربية المثقفة تعاني من ضمور فلسفي في اللاوعي التاريخي، مما يجعلها، أي تلك النخب، تعيد الحفاظ على الوعي القائم، أو محاولة ايجاد الوسطية، وفق مفاهيم تبسط أزمات العقل العربي وإخفاقات التنمية، دون قدرتهم على نقد الآليات الدينية والسياسية التي تشرعن وتبقي على التخلف العربي والفشل والعجز في الانتقال الي عصر الحداثة وعلمنة الدول والمجتمعات العربية. فلا يمكن الحديث، بعد اشتداد الأزمات الطائفية وعجز الثورات العربية من إحداث التغيير المطلوب في الدول العربية، عن مشروع الحداثة والتنوير والعلمانية، إلا داخل الدين الاسلامي والعادات والتقاليد، فالمسألة في جوهرها هي الوعي بالزمان المتغير والرغبة في تملكه على أسس علمية عقلانية تقطع مع الماضي لتؤسس حضارة كونية تتماهي مع الإنسانية العالمية، وتبتعد عن أزمة تداخل الأزمنة كما يعيشها العرب حيث أصبحت الأصولية الدينية هي التقدم والماضي الديني هو التحضر والتراث الديني هو السلوك الانساني اليومي، مع إضافة بعض الرتوش والإصلاحات الشكلية للكذب على الوعي العربي، وخلق صورة، ما هي في الواقع إلا صورة تحمل تشوهات عقلية وانحطاط فكرى وتراجع أخلاقي.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]



#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطن الكويتي والإرهاب الإسلامي
- أزمة لا يمثلون الإسلام بالعقل العربي
- دعوة الي التنوير
- بناء الإنسان العربي الحر
- العلمانية .. دليل الثورات العربية التي لم تكتمل
- معلمة كافرة وسيد يغتصب الأطفال
- التعليم المختطف من الدين والقبلية
- الإسلام لن يكون الحل أبدا
- اسلام البحيري والأزهر وأكذوبة الإصلاح الديني
- العلمانية والدين الاسلامي
- اليمن ومأزق التاريخ والدين
- ربع الشريعة وأصدقاء إعدام المسيىء للرموز الدينية
- التيار المدني العلماني الديمقراطي في الكويت
- الجاهلية الإسلامية
- الجبان والعميل والمندس في الكويت
- صناعة الوعي العلماني قبل إسقاط الأنظمة العربية
- 100 ألف نفر
- الأيديولوجية الاسلامية وصناعة الإرهاب
- الأمن والجنسية الكويتية وحقوق المثليين
- الهوية الوطنية في العيد الوطني


المزيد.....




- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- المتطرف -بن غفير- يعد خطة لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - الخوف من نقد المقدسات الدينية