أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - أسرار الشذر الأزرق














المزيد.....

أسرار الشذر الأزرق


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 5204 - 2016 / 6 / 25 - 13:16
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أسرار الشذر الأزرق
نعيم عبد مهلهل
أغلب نهارات بيئة الأهوار تكون صافية وزرقاء ، وحتى في الليل تبدو لك الزرقة واضحة وسط عتمة الماء والقصب ، بالرغم من أن البدو وحدهم من يتحسسون الزرقة في ليل الصحراء لأن المكان يفتح اذرعه على مدى لاينتهي من الارض المكشوفة ، لكنني في الليالي التي يختفي فيها القمر وتبقى النجوم وحدها تريق خواطرها على اجفاننا مثلما تراق القهوة من دلالها ، تريكَ الزرقة بعتمة جميلة يمكنكَ فيها ان تتخيل الضوء المختبيء وراء سواد الشهي فلا تتمنى فجرا يأتي بل تريد أن تبقيَّ الليل هنا ، وعلى ضوء شمعة أو فانوس تفترش مشاعركَ على الورقة وتكتب قصيدة.
قال لي ابي يوم اريته كتاب تعيني معلما في مدرسة تقع في عمق الاهوار : ستذهب لتعِيش تحت سماء زرقتها اكبر طاردة للحسد ، فلا تصدق ما تتمناه امك أن تأخذ خاتمها ذو الشذرة الزرقاء ليقيكَ من الحسد ، فالناس هناك بسطاء ويقتنعون بما عندهم ، كنت ابيع لهم الحنطة والشعير والرز واعرف ارواحهم جيدا .
ومنذ اليوم الاول في الاهوار سكنت الزرقة المفضوحة بأدق مشاعر الحلم والغرام ، سكنت عالمي ونظرتي وتفاؤلي :اني مع تلك السماء المتوهجة مع بريق شعاع شمس نهارات المعدان أستطيع ان اطرد الحسد الذي كان يأتي من عيون معلم معنا ، كلما اعلنت أنَ احدى الصحف او المجلات الادبية نشرت لي قصة فصيرة جديدة ، وكنت اعرف ان هذا المعلم كلما ارسل خاطرة او قصيدة لاينشروها له ، وحين ينشرونها يضعونها في زواية مواهب ناشئة وشابة ، فكان يستشيط غضبا وسط ضحكات المعلمين وتندرهم.
أخذت هذا الازرق معي الى غربتي بالرغم من شحة ظهوره في نهارات اوربا التي تكون اغلبها غائمة وماطرة ، ومتى كان النهار ازرقا هنا أسحب اجفاني بهدوء واجعلها تحبو كطفل رضيع الى المكان الذي هناك ، أشد اليه خاصرة الجنين والانين وامرن نبض قلبي ليعزف مقطوعة موسيقية عنوانها ( الشذرة الزرقاء ) .
أضحك أذ يكون عليَّ فيها ان اخلط بين الحسي السمفوني العالي لبتهوفن وهو يرتقي بالموسيقى الى شجنها القدري في تفاعلات ما يشعر به الانسان هنا وسط البيئة الالمانية الساحرة ، وبين عزف يؤديه فم صياد بسيط او راع جواميس ينشده بين مقاطع مواله المجراوي او المحمداوي او الشطراوي وهو يحاول ان يفك رموز غموض زرقة الليل في منادمة القصب والسمك المختبيء في قاع الماء ، فأحصل من المزيج هذا على رغبة بالذهاب هناك لو لنهار واحد ، اشم شذرة خاتم امي ، وانحدر جنوبا الى مكان المدرسة والقرية التي تحولت الان الى خرائب لان العطش دفع اهلها ليهاجروا ، لكن السماء ظلت على حالها تمتلك الزرقة الابدية منذ اليوم الذي قرر فيه النبي نوح ع .الى الابحار الى الاقدار الجديدة في صباح ماطر لم تكن فيه سوى زرقة روحه وامنياته ان يجد البر الآمن.
أعزف من أجل الشذر .. والشذر هناك يسكن في خاتم واحد من اصابع امي المرتعشة ، فأهمس لمفاتيح الكيبورد : لندون المقطوعة اهداء لها ولخاتمها ولعينيها اللتين لاتشعر معها ببهجة الزرقة إلا عندما اطرق الباب عليها عائدا من غربتي ولثلاثة اسابيع فقط .
الشذرة التي في خاتمها الذهبي ، اشترته من المرحوم ( شاهين الصابئي ) بثلاثة دنانير في خمسينات القرن الماضي بعد ان حصلت على حصتها من ريع التمر في بستان ابيها ، وهي تتمنى ان يكون كاهنها الابدي الذي يحفظ ابنائها من ويلات الحروب التي سوف تأتي تباعا وكأن الشذرة والخاتم رسما لها بنبؤة ذاكرة الام ، إن الاولاد سيتركون مقاعد المدرسة الى التجانيد ، ومن التجانيد الى الخنادق الشقية ، ومن الخنادق الى احلامهم التي تتمنى ان لاتذبحهم الشظايا من العنق.
اتخيلها في الركن المظلم من غرفتها ، تصلي وهي في وضع الجلوس ومنحية الظهر ، وعندما تنهي صلاتها تحرك الخاتم بين اصبعها وتتحسس شذرته الزرقاء فتشعر وكأنها تدير عربة الزمن وتستحضر وجه ابنها ونار خدية المشتعلة في شهية فمها ، فأحس بمشاعرها وأنا هنا ، وعلى الجدار ارى سجودها وخشوعها واتأمل الحركة الصوفية التي تداعب بها الشذرة الزرقاء فأشعر مع استدارة الخاتم بين اصبعها أني اركض الى حقيبتي وجواز سفري فأهرع اليها وأنا اشتعل شوقا كما تشتعل ارواح الدراويش في التهليل وانتظار مودة صاحبهم في اللقيا.
وكمن ركب بساط الريح أصل اليها فتفتح الباب حتى دون ان اطرقه ، وسوية انا وهي والشذرة الزرقاء نستعيد بوح الزمن كله ، من اول قطرة حليب من ضرعها الى آخر راتب شهري من سوسيال الأعانة الأجتماعية.
وتخليدا للشذرة والخاتم التقطت له صورة فوتغرافية وجعلت الصورة غلافا لواحد من كتبي الذي عنوانه ( عراق رومي شنايدر ).
الآن والسماء البعيدة هناك ، وزرقة عيون شنايدر ، السر الخفي في زرقة الشذر في خواتم امهاتنا ، يعزف الضوء تراتيل حلم تخيل المكان هناك.
غرفة امي وصورة ابي على الجدار وفوق سريرها بعقاله ونظرته الشزرة ، ربما لان معاملة اخراج الجنسية ليتعين حارسا في دائرة البلدية اجبرته ليجلس امام الكاميرا التي لايؤمن بصورتها ، لأنه بفطرته كانيقول : أن الله يخلقنا في صورة واحدة من لحم ودم .
والآن عليَّ أن انصت الى ما يعزفه فمي ونبض قلبي ، تخليدا لعطر الشذر وضوئه ، ومتى تنتهي المقطوعة ، أشعر أن الحقيبة تناديني من فوق خزانة الملابس وهي تقول : شذرة خاتم أمكَ تنتظركَ هناك.

دوسلدورف 2016



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأهوار وناي عدنان شنان
- النزول جنوب بابل
- مديح الى حمدية صالح
- الأهوار والقنصل الكهنوتي
- فشافيش اكبادُ الجواميس
- الأهوار ( يوم في فنيسيا )
- الحُب بحروف بيل غيتس
- أور (عواء الثعالب لايُحبُ البساطيل )
- الأهوار ( المجلات وجدار الطين والحرمس )
- بان كي مون ..لمناديلا صوتٌ في الاهوار
- أهوار أنجيلا جولي
- آبي سين أنتحر ، والبابا لايعلم
- الأهوار وفيتامينات إدوارد شيفر نازده
- فتوى مزارع الخشخاش الأفغاني
- الزقورة ( أسرار الغرفة العِلْويةُ )
- المسافة بين الجبايش وأسطنبول
- أهوار ونخيل بول بريمر
- الفلوجة والرصافي الذي يكره داعش
- معدان ( صوفيا لورين )
- الكلُ يقول : الأهوار عمتي


المزيد.....




- الأردن.. جدل حول بدء تنفيذ نص قانوني يمنع حبس المَدين
- إيران تؤكد مقتل علي شدماني قائد -مقر خاتم الأنبياء- في غارات ...
- ما الذي حدث في غزة خلال 12 يوماً من المواجهة بين إيران وإسرا ...
- ألمانيا.. السوري المشتبه به بهجوم بيليفيلد عضو في -داعش-
- بزشكيان يؤيد منطقة خالية من الأسلحة النووية بما يشمل إسرائيل ...
- نيوزويك: هل كان قصف ترامب مواقع إيران النووية فكرة صائبة؟
- مقتل 17 جنديا في شمال نيجيريا إثر هجوم جديد على قواعد تابعة ...
- زيمبابوي تحطم الرقم القياسي بمبيعات التبغ لعام 2025 بأكثر من ...
- إريتريا تسعى لإلغاء ولاية المحقق الأممي لديها بعد إدانتها
- الفلاحي: المقاومة تركز على ضرب الآليات التي يصعب تعويضها خلا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - أسرار الشذر الأزرق