أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - رسائل إلى السيد كمال الحيدري [4] الدابة والمسيح الدجال















المزيد.....


رسائل إلى السيد كمال الحيدري [4] الدابة والمسيح الدجال


محمد عبد المنعم عرفة

الحوار المتمدن-العدد: 5198 - 2016 / 6 / 19 - 20:24
المحور: الادب والفن
    


حقيقة الدابة التي تظهر في آخر الزمان (*)
أشار القرآن إلى أمور عديدة من المتشابه، ولكنا نفسرها تفسيراً خاطئاً بسبب بعدنا عن الإمام الوارث، فالعقل لا مدخل له في فهم "عالم الأمر" (1) لا يدرك أموراً كالرجعة، والروح، والفرق بينها وبين النفس، وأين موضع هذه وموضع تلك.. الخ ما هنالك. وإلا فلو تماشينا مع هذا المنطق للزم منه تكذيب أمور وردت في القرآن يفهم الناس منها أموراً تنافي العقل لأنهم يحملون اللفظ على الظاهر، مثل "يأجوج ومأجوج" ومسخ اليهود إلى "قردة وخنازير" (2) و"دابة الأرض" التي تظهر في آخر الزمان وتتكلم مع الناس (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ).

وأقوال المفسرين حول تلك الدابة، كأقوالهم في نظائرها وأشباهها من المتشابه، كلها تثير الدهشة وأحياناً تثير الضحك! لأن مثل هذه الرموز حين يتكلم فيها علماء الظاهر يأتون بالعجائب، ولذلك يجد الملحدون نقاط ضعف (في فهم القرآن) ومنافذ اختراق يحتجون عليهم بها، فيقولون: هل هذا تغفيل أو ضحك على الذقون؟ دابة تتكلم ؟! هذا من خرافات القرون الأولى الخ ما هنالك.. إذن ما الصواب ؟ الصواب أن نفهم التصور الصحيح لهذه التنبؤات النبوية التي هي رحمة من الله بنا في الحقيقة..

وقد يعتقد الناس أن الدابة حيوان يتكلم، وهذا ليس بحقيقي، والحقيقي أن الله تعالي يقول (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة النور:45 فمنهم من يمشي علي بطنه : مثل التماسيح والسلاحف والثعابين وغيرها، ومنهم من يمشي علي رجلين : مثل الإنسان، ومنهم من يمشي علي أربع: مثل الحيوانات، ويقول الحق سبحانه وتعالي في الدابة التي تأتي حجة علي الناس في آخر الزمان (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (سورة النمل: 82 ) فالدابة تتكلم.. ولا يتكلم في أنواع الدواب الثلاثة إلا الإنسان.

وفي أي علم تتكلم ؟ تتكلم في علوم اليقين، والذي يتكلم في علوم اليقين إما نبي وإما ولي وإما وارث نبي وإما تابع لنبي أو تابع لولي، قال الله تعالي (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (سورة الأنعام :75) ليقيم الحجة علي الناس أجمعين، وهو المسمى بصحابي مصر.

وصحابي مصر له أشياء كثيرة سيفعلها.. من هذه الأشياء أنه دابة آخر الزمان التي تقيم الحجة علي الناس، وأيضا هو دابة الله التي سوف تقتل الشيطان في آخر الزمان، لأن الشيطان (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (سورة ص : 79) لأنه لا يريد أن يموت ولا يذوق الموت أبداً، فرد عليه الله وقال (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) ويوم الوقت المعلوم هو يوم أن تأخذ الدابة أو صحابي مصر الأمر من مولاها وهو الإمام المهدي ويعطيها مدداً وقوة أن تقتل الشيطان، والشيطان سيظل مده طويلة وهو ساجد علي الأرض يبكي لأنه يعلم أن نهايته قد اقتربت.. فتأتيه هذه الدابة وتضرب عنقه لتفصل رأسه عن جسده، وعندما يموت الشيطان ستموت جميع الشياطين الموجودة في نفوس المسلمين والمؤمنين.

كيف هذا؟ لأن الشيطان رمز لجميع القرناء الموجودين في الهياكل البشرية، وأصل الشيطان أنه يسيطر علي الحس المادي في الجسم ويسيطر علي الوهم والخيال كشئ معنوي ليشوش علي القلب وعلي العقل، والشيطان هو الذي يفعل الفتن بين المسلمين بعضهم البعض، فعندما يموت الشيطان سينورهم نور الإسلام جميعا، لأن المسلم فيه نور من نور رب العالمين، قال تعالي (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَام (سورة الأنعام: 125) (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (سورة الزمر :22) فنور الإسلام هو نور من رب العالمين. وإذا كان المسلم عنده نور من نور رب العالمين : ينطلق هذا النور ليمَكّنه من عمل المعجزات، فالمؤمن أكثر من المسلم نوراً، والمحسن أكثر من المؤمن نوراً، وأهل اليقين أكثر من المحسنين نوراً، فكل علي قدره يقوم بعمل المعجزات والكرامات في هذا الزمن الذي تقدمت فيه التكنولوجيا، مما يجعل الغرب يُعْجَبُ بالمسلمين، ويدخل في الإسلام بسهولة ويسر، لأنه يريد أن يتقدم وأن يفعل المعجزات التي يفعلها المسلمون.

فالوهم والخيال سينمحي بقتل الشيطان، والحس لن يعد للشيطان عليه سلطان، فسوف يصبح حس المسلم من عالم الملكوت ممدود من الرحمن، والعقل والخيال سيصبحون ممدودان من الحق لا يوجد فيهم أوهام وخيالات شيطانية، وبقتل الشيطان يتحرر العقل والوهم والخيال والحس من قيود الشيطان المادية والمعنوية، فينطلق المؤمنون كل علي حسب درجته الايمانية، فالمسلم غير المؤمن، المؤمن نوره أشد واقوي، والمحسن أقوي من المؤمن، والموقن في علم اليقين أقوي من المحسن، والذي في عين اليقين أقوي من الذي في علم اليقين، والذي في حق اليقين اقوي من الذي في عين اليقين، كلٌ سيبقي نوره علي حسب بدايتهم، وكلهم سيفعلون كرامات ومعجزات، لأن هذه المسالة سوف تُسَهّل علي الغرب العقلاني أن يحب الإسلام ويدخل في الإسلام، لأن الغرب ما زال أكثر من مائتي وخمسين 250 سنة وأكثر لديه تكنولوجيا ويعمل - بالعلوم العقلية الظاهرة - أشياء معجزة ومبهرة.

فيأتي الإنسان المسلم العادي أو المؤمن أو المحسن أو الموقن يفعل معجزات بدون أجهزة بيده لأنه سيقول لها "كن" فتكون، فيقولون : كيف وصل لهذه التكنولوجيا الراقية هذه ؟ وسيرد عليهم بأنه وصل لها بالإسلام والأيمان، وتَرَقّيتُ إلى أن وصلتُ إلي هذه الدرجة، فسيحبون الإسلام والإيمان ويبدأون يدخلون في دين الله أفواجا والله أعلم) اهـ


الدجال
مسألة الدجال ليست من العقائد لعدم تعلقها بأهل البيت و"عودة الأنبياء والرسل في مقام الولاية" فليست كمسألة عودة المسيح فضلاً عن الإمام المهدي صلوات الله وسلامه الأتمان الأكملان عليه.
وأما حقيقة الدجال فقد كتب السيد محمد علاء الدين أبو العزائم في مجلة "الإسلام وطن" مقالاً بديعاً، ٍوكتب كذلك الشيخ أبو الحسن الندوي، بينا كيف أن أن فكرة المسيح الدجال لم تتجسد في شخص فرد، وإنما في زخرف الحضارة المادية الحديثة المتمردة على الدين والموازية له، والمبنية على الإلحاد، والظلم والبغي لا سيما الكيان الغاشم المنسلخ عن الأخلاق، الذي تزعمته بريطانيا العظمى سابقاً وأمريكا من بعدها، بمختلف أصعدته ومجالاته، وزخرف أيدولوجياته الفكرية وفلسفاته القائمة على الإلحاد، منذ انسلاخه عن الدين في القرون الوسطى، حتى بُني العلم الحديث إلى أن نشأة الكون وغائية الحياة وكينونة الإنسان كلها تقوم على الإلحاد واللادينية والإنكار التام لوجود الله تبارك وتعالى والغيبيات جملة واحدة، حتى (الروح) التي تمثل النفخة العلوية في الإنسان التي بها شرفه وبها يتكلم ويعقل ويبدع الفلسفات ويبني الحضارات ويرتقي في معارج التأله والتصوف، والتي بدونها يستوي مع الحيوانات في أسفل سافلين.
هذه الفتنة الرهيبة غير المسبوقة في تاريخ البشرية ألا تستحق أن يحذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وأن يتنبأ بها ويبين لنا كيفية الخلاص منها ؟! وقد تنبأ بأشياء أقل خطراً بكثير! (3)

وهناك أحاديث فيها إشارة إلى أن الدجال شخصية معنوية اعتبارية ورد ذكرها ضمن أمور معنوية خالصة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) رواه الترمذي وقال: حديث حسن
وقال رسول الله ص: (إذا تَشَهَّدَ أحدُكم فَلْيَتَعَوَّذْ من أربعٍ من عذابِ جهنمَ وعذابِ القبرِ وفتنةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ومن شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثم يدعو لنفسه بما بَدَا له) اهـ أخرجه النسائى
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندى من المسيح الدجال الشرك الخفى أن يقوم الرجل فيصلى فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل
أخرجه ابن ماجه (رقم 4204) . قال البوصيرى : هذا إسناد حسن.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم أعوذ بك من قلب لا يخشع وعلم لا ينفع ودعاء لا يستجاب ونفس لا تشبع ومن الجوع فبئس الضجيع ومن أن أرد إلى أرذل العمر ومن فتنة الدجال وعذاب القبر. رواه أبو يعلى
ففي هذه الأحاديث ورد ذكر الدجال في سياق معنوي خالص

وهنا مسألة مهمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين نصح لأمته في تحذيرها من هذه الفتنة الكبرى غير المسبوقة، كان من الطبيعي أن يسوق البيان النبوي هذا الخبر على أنه شخص واحد يقوم بهذه الأعمال، ولم يكن بد من هذا حينئذ، لكي يفهم الصحابة عنه صلى الله عليه وآله ويستوعبوا المعنى، لأن هذا الكيان المادي الدجال ليس شيئاً محدداً بعينه ولا حتى دولة أو امبراطورية، ولكنه رؤية مادية شيطانية للحياة تتعارض بل تضاد الوحي ومجموعة فلسفات وعلوم بحتة وعلماء وفلاسفة ويهود أثرياء وصحافة وإعلام وسينما الخ، اتحدوا على قلب (كيان) واحد له مقاصد بالغة الخطورة تخدع الناس وتلبس الحق بالباطل، ولذلك كان أنسب لفظ يناسب هذا الكيان هو لفظ (الدجال). والدجّال: الكذّاب، من الدَجَل والتغطية، يقال دَجَلْت السيفَ مَوَّهته وطَلَيته بماء الذهب، وسُمّي الكذاب دجّالاً لأنّه يغطي الحقَّ بالباطل، أو هو المُموِّه، فالدجّال يُلبس على الناس ويموّه الحقائق عليهم.

فقوله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف الدجال: (أعور العين اليمنى) أي يرى الحياة بمنظور مادي ولا يعترف بالغيب، والعلم مجرد عن الإيمان.
(وإنَّ من فتنته أنَّ معه جنَّةً وناراً، فناره جَنَّةٌ، وجنَّتُهُ نار) هذا لا يحتاج إلى بيان، حيث أن جنته الغرق في الشهوات والملذات على حساب الروح، وناره هي الزهد فيها وفطم النفس عن التعلق بها.
(مكتوب بين عينيه كافر يقرؤها كل كاتب وغير كاتب) أي أن طغيانه وبغيه وإلحاده ظاهر للناس يعلمه كل أحد كاتباً كان أو أمياً.
(قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال: كالغيث استدبرته الريح) إشارة إلى وسائل النقل الحديثة التي استغنى الناس بها عن الدواب.
(فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت) إشارة إلى المطر الصناعي ووسائل الزراعة المتطورة (ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيدهم شيء من أموالهم) إشارة إلى سياسة التجويع والحصار الإقتصادي الذي يفرضه على الدول المعارضة (ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) إشارة إلى استخراج البترول والذهب والمعادن وكنوز الأرض، وشاحنات النفط (ثم يدعو رجلاً شاباً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك) هذه إما أنها إشارة إما إلى العمليات الجراحية المتطورة، أو إلى السحرة والحواة الذين ييأتون بفتاة في صندوق على المسرح ثم ينشرونها بالمنشار نصفين ثم يعيدونها كما كانت مرة أخرى كإيحاء بأنهم يحيون الموتى بدون إذن الله.
(يَخرجُ في نَقصٍ من الناس وخِفَّةٍ من الدّين، وسوءِ ذات بَيْن) إشارة إلى تخلف المسلمين وخصوماتهم (فَيَردُ كلَّ منهل) إشارة إلى سيطرته على وسائل التربية والتعليم (وتطوى له الأرض طيَّ فَرْوَة الكَبْش) إشارة إلى سيطرته على وسائل الإعلام فيغزو كل بيت.
(تحت الدجّال حمار أقْمر طولُ كلِّ أذن من أُذنيه ثلاثون ذراعاً يتناول السَّحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغربها) إشارة إلى الطائرة، أقمر أي فضي، وأذناه هما جناحا الطائرة.
(يخوض البحرَ لا يبلغ حقويه وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيبلغ قعره فيخرج الحيتان ما يريد) إشارة إلى البواخر العملاقة المُخَصَّصة لصيد الحيتان أي الأسماك.
(يأكل الحجارة، ويسبقه جبل من دخان، ويركب الناس في جوفه وليس على ظهره) هذه إشارة إلى قطار الفحم الحجري في القرن التاسع عشر.. يأكل الحجارة: أي الفحم الحجري، ويسبقه جبل من دخان: أي يخرج دُخانه الكثيف من مقدمته، ويركب الناس في جوفه: أي بداخله.. وهذا تأويل قوله تعالى في سورة التكوير: (وإذا العِشارُ عُطِّلَت) أي في آخر الزمن يستغني الناس عن ركوب الإبل بسبب اختراع وسائل نقل أقوى وأسرع.
(يأتي بسبعين ألف من اليهود يحملون أسلحتهم وسيوفهم) إشارة إلى مساعدته لليهود في العودة إلى فلسطين وطنهم المزعوم، والسبعون ألفاً رقم في لغة العرب لبيان الكثرة.

________________________________________
(*) https://www.youtube.com/watch?v=RryWAoS4hCg دكتور أحمد بحيري.
(1) يقول الإمام أبو العزائم: (كما أن لله الخلق إظهاراً للماديات، فله الأمر إيجاداً للمعنويات).
(2) المسخ هنا أخبر الإمام أبو العزائم أنه يعني مسخ بواطنهم حتى تصير حقائقهم حقائق خنزيرية، يتصفون بصفات القردة والخنازير.
(3) يقول العلامة الندوي رحمه الله: مِنَ السُّوَر التي نشأتُ على قراءتها منذ عَقَلْتُ وميَّزت: سورة الكهف، أتلوها يوم الجمعة تعبداً وثواباً كعامة الناس، وفي دراستي للحديث النبوي الشريف رأيت حَثَّاً على قراءة سورة الكهف وحفظها، وأنَّ ذلك يعصم من الدجَّال.
وتساءلت: هل في هذه السورة من المعاني والحقائق والتنبيهات والزواجر، ما يعصم من هذه الفتنة التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، وحثَّ أمَّته على الاستعاذة منها حثاً شديداً، والتي هي الفتنة الكبرى الأخيرة التي قال عنها: «ما بين خَلْق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجَّال»، ولماذا خصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو أعرف خلق الله بكتاب الله وأسراره وعلومه- هذه السورة الكريمة من بين سور القرآن؟ صلة سورة الكهف بفتن العهد الأخير: ورأيت نفسي تتوق إلى معرفة سرِّ هذا التخصيص، والصِّلة المعنوية بينها وبين هذه العصمة، التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي القرآن سور من القصار المفصَّل، وسور من الطِّوال، عدل عنها النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه السورة، وخصَّها بهذه الخاصة العظيمة!! واقتنعت إجمالاً بأنَّ هذه السورة، هي السورة القرآنية الفريدة، التي تحتوي على أكبر مادة وأغزرها فيما يتصل بفتن العهد الأخير التي يتزعَّمها الدجَّال، ويتولى كِبْرها، ويحمل رايتها وتحتوي على أكبر مقدار من التِّرْياق الذي يدفع سُموم الدجَّال ويبرئ منها، وأنَّ من يتشرَّب معاني هذه السورة ويمتلئ بها- وهو نتيجة الحفظ والإكثار من القراءة في عامة الأحوال- يعتصم من هذه الفتنة المقيمة المُقْعِدة للعالم، ويَفلَت من الوقوع في شباكها، وإنَّ في هذه السورة الكريمة من التوجيهات والإرشادات، والمثال والحكايات ما يبيِّن الدجَّال ويشخِّصه في كل زمان ومكان، وما يوضِّح الأساس الذي تقوم عليه فتنته ودعوته، وتهيئ والعقول والنفوس لمحاربة هذه الفتنة ومقاومتها، والتمرُّد عليها، وإنَّ فيها روحاً تعارض التدجيل وزعماءه، ومنهج تفكيرهم، وخطَّة حياتهم في وضوح وقوَّة.
السورة الخاضعة لموضوع واحد:
اقتنعت بهذه الفكرة إجمالاَ، وأقبلت إلى دراسة هذه السورة الكريمة، كأنَّها سورة جديدة عليَّ، ودخلت في معانيها ومضامينها، وأنا أحمل هذا المصباح- الفكرة التي اقتنعت بها- فوجدتني في عالم من المعاني والحقائق لا عهدَ لي به من قَبْل، ووجدت السورة كلَّها خاضعة لموضوع واحد، أستطيع أن أسمِّيه «بين الإيمان والمادية» أو «بين القوة المصرِّفة لهذا الكون (هو الله) وبين الطبيعة أو الأسباب»، ووجدت جميع الإشارات أو الحكايات، أو المواعظ والأمثال دائرة حول هذا المعنى، تشير إليه من طريق جَلِيٍّ، أو تنظر إليه من طرف خفيّ.
واغتبطت بهذا الفتح، وانكشف لي جانب جديد من إعجاز القرآن، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فما كنت أعرف أنَّ هذا الكتاب الذي نزل في القرن السادس المسيحي- يعني قبل ثلاثة عشر قرناً وزيادة- يحمل صورة صادقة ناطقة بهذه المدنية الداجلة التي تولَّدت في القرن السابع عشر المسيحي، واختمرت في القرن العشرين، ويصوِّر نهايتها وأوجها، وزعيمها الأعظم الذي يسميِّه لسان النبوة في إعجاز وإيجاز «بالدجَّال».
مفتاح شخصية الدجَّال:
مفتاح شخصية الدجَّال الذي تُفْتح به أغلاقها، وتُعرف به أعماقها، وتتميَّز به عن سائر دعاة الشر والإفساد، والفكر والإلحاد، هو لقب «الدجَّال» الذي غَلَب عليه، فهو شِعاره الذي يُعرف به والدَّجل والتدجيل، هو القطب الذي تدور حوله شخصيَّته، ودَعَواته، وأعماله، وتصرُّفاته.
وقد اتَّسمت الحضارة الماديَّة في العهد الأخير بالتدجيل في كلِّ شيء، والتلبيس على الناس، وتسمية الأشياء بغير أسمائها، وتمويه الحقائق، وإطلاق الأسماء البرَّاقة الخلَّابة للعقول على غير مسمَّياتها، وبكثرة الاختلاف بين الظاهر والباطن، والأول والآخر، والنظريات العلمية، والتجارب العملية، وهذا شأن الشعارات والفلسفات، التي حلَّت محلَّ الأديان، وسحرت النفوس والعقول؛ والكلمات التي أحاطت بها هالات التقديس والتمجيد، وحلَّ حبها واحترامها في قرارة النفوس، وحبَّات القلوب؛ وأصبح الشكُّ في قُدْسها، أو النقاش في كرامتها، ومكانتها علامة للرجعية، وإنكاراً للبداهة، والمشهود المحسوس.
وقد التبس الأمر بذلك على كبار الأذكياء، ونوابغ العلماء، فأصبحوا يتغنَّنون بهذه الشعارات والفلسفات، ويدعون إليها في إيمان وحماس من غير تمحيص لنيَّة أصحابها وإخلاصها، أو شجاعة في تحديد نجاحها وإخفاقها، في مجال العمل والتطبيق، والمقارنة الصحيحة المحايدة، بين ما كسبته الإنسانية والأمم الضعيفة، وبين ما خسرته من سلطان هذه الشعارات وتحت رايتها، من السعادة الحقيقية، والحقوق الفِطْرية.
وهذا كلُّه من قوة التدجيل وسحره، الذي يفوق فيه «الدجَّال الأكبر» على جميع الدجَّالين والمدلِّسين، والمموِّهين، الذين عرفهم التاريخ البشري.
وقد سرت هذه الروح «الدجليَّة المدلّسة» في هذه الحضارة، لسيرها على خط معارض لخط النبوَّة: الإيمان بالآخرة، والإيمان بالغيب، والإيمان بفاطر الكون، وقدرته المطلقة، واحترام شريعته وتعاليمه، للاعتماد الزائد على الحواس الظاهرة، والشغف الزائد بما يعود على الإنسان باللذة البدنية والمنفعة العاجلة، والغلبة الظاهرة، وهي النقطة التي تدور حولها سورة الكهف، وما جاء فيها من قصص وعِبَر.
دور المسيحية واليهودية في توجيه المدنية ومصير الإنسانية:
وقد كان مع الأسف للمسيحية المحرَّقة- وهي التي قادت الحضارة في أوربا بعد القرون الوسطى في العالم المتمدّن- ولليهودية الثائرة الموتورة دور متشابه- رغم الخلاف الجذري في العقيدة- في توجيه المدنية إلى المادية الرعناء، المجرَّدة من الروح وتعليم الأنبياء، والتأثير في مصير الإنسانية على حدٍّ سواء، فقد بدأت الشعوب المسيحية التي تحرَّرت من رقِّ الكنيسة والبابوات على التوحيد الخالص، فاتّجهت اتّجاهاً ماديّاً عنيفاً أصبح يهدِّد العالم ومصير الإنسانية بالاكتشافات العلمية الحديثة، والمخترعات المدمِّرة المبيدة، وفقد التوازن بين العلم والعاطفة والعقل والضمير، والصناعة والأخلاق. اهـ
"دراسات قرآنية" و"تأملات في سورة الكهف" الشيخ أبو الحسن الندوي، وكان الشيخ رحمه الله من الصوفية الزهاد ومن رجال الطريقة النقشبندية.. وكان في بداية أمره ينكر التوسل بأهل القبور ولكن الله هدى قلبه في مصر عند زيارته للإمام السيد أحمد ماضي أبو العزائم، (لقد وفد أبو الحسن الندوى كبير علماء الهند لزيارة مصر .. والتعرف على قادة الفكر فيها وذلك فى عام 1951م .. وأخذ أبو الحسن الندوى يطوف على الهيئات الدينية فى مصر للتعرف على أفكارها .. وقد ذكر ص 20 من كتابه المذكور أنه ذهب لزيارة جماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة .. واستمع إلى درس لمؤسس أنصار السنة الشيخ محمد حامد الفقى .. فوجده يسب فى أهل المذاهب، ويصفهم بأنهم عمى وصم وبكم فى الدنيا والآخرة .. وعلق الشيخ أبو الحسن الندوى على ذلك بقوله : وهذا كلام لا يليق بمصلح مخلص، وهو كلام منفر لا يخدم مصلحة من مصالح الدين!!
كما ذكر الشيخ أبو الحسن الندوى فى كتابه ص 133 134 أنه زار الإمام السيد أحمد ماضى أبا العزائم وذلك يوم الأربعاء 14/3/1951م فقال : [ الأربعاء 14/3/1951م جاءنا الشيخ عبد المنعم النمر ليرافقنا إلى منزل الشيخ أحمد ماضى أبى العزائم، وأهدى إلينا الشيخ أبو العزائم مجموعة من مؤلفات والده ومنظوماته وزرنا قبر والده السيد محمد ماضى أبو العزائم، ورأينا لوحة على قبره مكتوبا عليها : (يا أبا العزائم مددك) فأنكرنا ذلك، ولم أر من السيد تلك الخشونة والإنكار الذى تعودناه من مشايخ (بريلى وبديوان بالهند) فى مثل هذا الموقف ] هذا هو ما ذكره الشيخ الندوى .
ولكن الموضوع له بقية رواها الشيخ عبد المنعم النمر وزير الأوقاف الأسبق رحمة الله ذلك أن الشيخ الندوى لما قال عبارته الآنفه للإمام السيد أحمد ماضى أبى العزائم وقابله السيد أحمد بهذا اللين والصمت .. عند ذلك تكلم الشيخ عبد المنعم النمر وقال لأبى الحسن الندوى : لا تنس أن على الغريب أن يكون أديبا !!
وعقب الفراغ من المآدبة التى أقامها الإمام السيد أحمد ماضى أبو العزائم لضيوفه، تحدث سماحته معلقا على ما كان من قول أبى الحسن الندوى الذى سبق ذكره، والذى علق به على عبارة (يا أبا العزائم مددك) فقال سماحته :
(إن روحانيات الأولياء متصلة بأجسامهم فى قبورهم، فكيف نستبعد الاستمداد من الأموات الذين هم أفضل من هؤلاء الأحياء الغافلين عن معرفة رب العالمين ؟!)
ثم أفاض سيدى أحمد ماضى أبو العزائم فى شرح الحقيقة لأبى الحسن الندوى قائلا :
(يا شيخ أبا الحسن .. إذا عرضت لك حاجة إلى ظالم أو كافر، وطلبت منه قضاء حاجتك .. لديها تقول : فلان قضى حاجتى ونفعنى، بل إذا جعت تقول : أستمد الشبع من المأكل، وإذا عطشت فشربت تقول : هذا الماء أروانى .. مع علمك أن الطعام والماء كانا سببا فى الشبع والرى .. فهذه المعانى مجازية .. والممد الحقيقى هو الله تعالى .
ولو سألتك يا شيخ أبا الحسن عن بعض الأدوية وخصائصها لقلت لى : إن الدواء الفلانى مسهل، والدواء الفلانى قابض، ولا تبالى من قولك هذا، ولا يظهر منك الانتقاد إلا فى حق نسبة التأثر والاستمداد إلى أولياء الله تعالى الذين هم عند الله أفضل من كل دواء !!). "صدّيق الدعوة العزمية ص 49 وهو عبارة عن ترجمة السيد محمد علاء أبو العزائم لوالده السيد أحمد ماضي.



#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [3] ذو القرنين
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [2] استفت قلبك
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [30]
- الإمام أبو العزائم ونظرية داروين
- سيكولوجية المشركين ودجل الوهابيين
- رسائل إلى السيد كمال الحيدري [1] الإمامة وصلتها بتجلي الأسما ...
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [29]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [28]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [10] متى سيغلق باب التوبة
- روح الإسلام وخلاصة الدين [3] الحرب العالمية الثالثة
- روح الإسلام وخلاصة الدين [2]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [27]
- روح الإسلام وخلاصة الدين [1]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [9] الوسيلة
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [26]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [8] ويزكيهم
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [7] ذو القرنين
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [25]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [24]
- رسائل إلى الدكتور عدنان إبراهيم [6] المسيح الدجال


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - رسائل إلى السيد كمال الحيدري [4] الدابة والمسيح الدجال