أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (6)















المزيد.....


لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (6)


ناصر بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 5184 - 2016 / 6 / 5 - 22:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (6)

ترجمة:
بشير ماشطة وعلي بن رجب

مراجعة وإعداد:
ناصر بن رجب


(في نهاية المقال السّابق بدأنا الحديث عن النقاط الثلاث التي تعرّض لها كريستوف لوكسنبيرغ في سياق تحليله لسورة القدر. وتطرّقنا للنّقطة الأولى التي يقترح فيها لوكسنبيرغ تقريب العبارة العربيّة "أنزل" من اللّفظ السرياني/الأرامي "نُحَّاتا").

لِنَمرَّ الآن إلى النقطة الثانية. القرآن يرفض رفضا قاطعا أن يكون يسوع هو الله أو ابن الله: يسوع هو رسول الله ("إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ" س 4: 171)؛ فهو ليس إلا مخلوقًا وعبْدًا لله ("لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ" س 4: 172). ولكن القرآن يروي هو أيضا قصة مُعجِزَة ميلاد يسوع (سورة مريم: 16ـ34؛ "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ"، المؤمنون 23: 50) ويعترف بولادته العذريّة ("وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ"، الأنبياء 21: 91). وبعبارة أخرى، فيسوع هو كَآدَم وُلِد بدون أَب ("إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، آل عمران 3: 59)، ولكن، بالرَّغم من ذلك، لا يمكن أن يُسَمَّى "ابن الله". وزيادةً على هذا، فإنّ القرآن يؤكد على أن يسوع المسيح هو "كَلِمَةُ" الله "أَلْقَاهَا" إلى مريم (النّساء 4: 71)، و"رُوحُ" الله (النّساء 4 :171) نَفَخَهُ في مريم (الأنبياء 21: 91). وكما أشار إليه الملاحظون المسيحيون الأوائل، فإنّ القرآن يُعَرِّف طبيعة يسوع المسيح بـ"كَلِمَة" الله و"رُوح" الله (1). وفي هذه الحالة، إذا كان يسوع في القرآن هو كلمةُ أو روحُ الله فإنّه بإمكاننا بسهولة أن نُدرك المقصود من الحديث على "نزوله".

كل هذا في اعتقادي يزيل الكثير من قوة النقطة الثالثة المتمثلة في غياب التوازِيات القرآنيّة. فإذا كانت شخصيّة يسوع محورية في القرآن (ومن دون شك أكثر بكثير مِمَّا هو معترَف به غالبا)، فإنّ قضيّة الميلاد لم يقع تناولها إلّا بشكل هامشي، إما بمجرّد الإيحاء (س 23: 50) أو في مجموعة من الآيات تتمحور حول شخصية مريم (س19: 16ـ34). ولذلك فإنّ عدم العثور، في آيات قرآنيّة أخرى، على صيغ مثل "أَنْزَلَ عِيسَى"، ليس له أمّية تُذْكَر.

(2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر (القَدَر)
كمثل أغلبية المترجمين سأعتبِر "أَدْرَا" فِعْلًا تامًّا خارج الزمان [الأفعال التّامة مثل كان هي عكس الأفعال الناقصة مثل أضحى]. إنّ الصيغة " وَمَا أَدْرَاكَ مَا" تظهر مرّات عديدة في القرآن (س69: 3؛ 74: 27؛ 77: 14؛ 82: 17ـ18؛ 83: 8،19؛ 86: 2؛ 90: 12؛ 97: 2؛ 101: 3؛ 104: 5). وهي تشبه في بعض الحالات القَسَم الذي يَفتتِح بعضَ السُّور، والَّذي يلعب دور "ناقوس" يَدُقُّه المُبَشِّر لجلب انتباه مُسْتَلِم الرِّسالة. والآيات التالية يمكنها عندئذ أن تُبْرِز على الأقل، إن لم نقل تُحدِّد، بعض خصوصيات مفهومٍ يُعْتَبَر، عند المُرْسِل، أساسيًّا للغاية. وباختصار، تبدو عبارة "وَمَا أَدْرَاكَ مَا" مؤشِّرا على نصٍّ ينتمي لصنف الخُطبَة الوعظيّة.

لكن السؤال الذي نطرحه على أنفسنا الآن يتمثّل في معرفة على من يعود الضمير "كَ". التقليد الإسلامي يعتبر أنّ المقصود هو مُحمَّد باعتبار أن المُتكلِّم هو الله. إذن، قد نكون بصدد "عبارة مُتعدِّدة الإرسال"، فمُحمَّد يقوم بتكرار الخطاب الذي يُرسِله له الله (طبيعة المُتكَلِّم الإلهية يُؤكِّدها ضمير الجمع "نَحْنُ" في الآية 1"إِنَّا")، غير أن مُستَلِمي الرسالة الحقيقيين (أهل مكَّة) إنّ دورهم يُصبِح هامشي ويُخْتَزَل إلى أبسط رُتبَة مشاهدين يتابعون مُخاطبة بين الله ونَبيِّهِ.

ويجدر بنا هنا ملاحظة الاختلاف الأدبي شديد الأهمّية بين القرآن والبَيْبل [الكتاب المقدّس]. فالنصوص البيْبلِيَّة تصف أعمال الله باستعمال "الضمير الغائب" حتّى ولو وقع سرد كلام الله حرفيًّا. ولكن في كل الحالات نجد أنّ هناك إطارا عاما وعددا من الصياغات (مثل "نُبُوءَة الرَّب") التي من شأنها أن تزيل الغموض عن هوية المتكلِّم.

الأشياء جِدُّ مختلفة في القرآن (2). نجد بالطبع آيات قرآنية كُتِبت باستعمال الضمير الغائب (مثل س16: 1 "أَتَى أَمْرُ اللَّهِ"؛ أو 17: 1 "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ")، وبعضها الآخر هو عبارة عن استشهاد بالكلام الإلهي (مثل س28: 30 "أَن يَا مُوسَى: «إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»"). لكن، وبشكل عام، فإنَّ غياب الإطار السردي في القرآن، بالإضافة إلى الاستعمال المُشَوَّش للضَّمائِر يجعلان غالبًا من الصعب جدًّا معرفة من هو المُتَكلِّم (الله، الرسول أو شخص آخر؟). وبالخصوص هناك عديد الآيات (مثل الآية الأولى من سورة القدر) بالإضافة إلى طبيعة نظرة التقليد الإسلامي للقرآن، كلُّ ذلك يدعونا لقراءة النّص القرآني كَنصٍّ مكتوب بصيغة ضمير المتكلِّم، إذن بمثابة نصٍّ مُؤَلِّفه هو الله ــ هذا بالرغم من أنّه في العديد من الحالات ينفي تركيب النص أو محتواه مثل هذه الفرضية. إنّ القسط الأكبر من قوة القرآن الإقناعيّة تكمن بدون أدنى شكّ في هذا الجِهاز الفريد من نوعه والذي بواسطته يطرَح خطابُ الرسول نفسَه (على كل حال خطاب كاتِب أو كتَّاب النص) على أنه خطابُ الله.

هذه الوضعية لها بالطّبع تبعات بالنسبة لتأويل العبارة "وَمَا أَدْرَاكَ مَا". فلا نجد بالفعل إلا حالتين أين يفرض علينا النص القرآني أن نعتبر "الحوار" الذي يُقدِّمه هو حوار يدور بين الله والنّبي ("وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ"، سورة البلد: 12؛ "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر"، سورة القدر: 2). في بقية المقاطع نجد أنفسنا أمام صيغة فضفاضة نوعا مّا من الواضح أنّ سياقها هو سياق خُطبَة وَعْظيّة حيث لا يكون الضمير "كَ" سوى "إنْذار" مُوجَّهٍ لكل فرد من الحاضرين.

وفيما يخص "أَنْزَلْنا" (س97: 1)، يمكننا أن نتساءل إذن (حتّى وأن ظلّ هذا مجرد فرضية) عن إمكانية وقوع عمليّة تغيير في تحرير النصوص القرآنيّة، في مرحلة مّا من مراحل تأليف القرآن، عمليّة تهدف، من خلال تعديلٍ طفيف للنّص الأصلي، إلى جَعْلَ محمّد المرجَع الوحيد المُمكِن الذي يعود عليه الضّمير "كَ" (3): ولهذا قد يجب علينا، من الممكن، أن نقرأ إذن ليس "أَنْزَلْناهُ"، " بل بالأحرى "أَنْزَلَهُ".

لنحلِّل الآن الجزء الثاني من السورة.

(3) ليلة القدْرِ خيْرٌ مِنْ أَلْفِ سَهَرْ
(4) تُنَزِّلُ المَلائكةُ ... فيها ... من كل زْمَرْ
(5) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْر

لا تثير الآيتان 3 و5 صعوبة تذكر. لكن في المقابل تظهر الأشياء أكثر تعقيدا مع الآية 4.فمن الصعب معرفة ما إذا كان من اللَّازِم ترك كلمة "أَمْر" مثلما جاءت في المخطوطات ونفسِّر حضورها لضرورة القافية، أو نُصلحها بكلمة "زْمَرْ" (وهي فرضية تخمينية أكثر ولكنها مُغرية). غير أنّ ذلك لا يغيِّر شيئا ممّا هو من المفروض، نظرا للسّياق، أنّه يُشكِّل الفكرة العامّة لـ"الأناشيد الدينيّة" أو "التسابيح" أو "الأذكار".

إنّ طول السورة الأصليّة يفترِض وجود إضافة داخل الآية نفسها. إذ يمكن أن نتصوَّر أن الصيغة النمطية "بِإِذْنِ رَبِّهِمْ" هي إقحام. تبقى حالة التعبير "وَالْرُّوحُ فِيهَا". إنّ الفرضية الأسهل تتمثّل في اعتبار "وَالرُّوحُ" شرحًا وتعليقا اقتضته الموازاة مع الآية 2 من سورة النّحل "يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ"، في حين أنّ عبارة "فِيهَا" يمكن أن تنتسب إلى النّص الأصلي، وذلك بالرغم من كونها غير ضرورية لفهم الجملة.

فيما يتعلق بكلمة "المَلائكَةُ"، ليس من المتأكد أن رسم النّص القانوني [المقدّس] يُؤَدِّي على وجهٍ صحيح النُّطق الأصلي لهذه الكلمة ــ رغم أنّ صيغة الجمع هذه تحاكي صيغة في اللُّغة الحبشيّة معروفة جيِّدًا ومؤكَّدة في مواضِعَ أخرى في اللّغة العربية. وقد اقترح لوكسنبيرغ أن نرى في هذا اللّفظ صيغة الجمع السّريانيّة الآراميّة «مَلاَيْك": وليس هذا مستحيلا (فهذا بإمكانه أن يتماشى أكثر، من وجهة نظر إيقاعية صِرْفة)، ولكنّه يبقى مع ذلك من باب التَّخْمين.

اعتراض (الدخان 44: 1ـ6)

كنت قد ذكرت آنفا أن فرضيّة لوكسنبيرغ بخصوص سورة القَدْر لم تحظ إلاّ بقدر ضئيل من الإهتمام. ويمكننا أن نخشى بالفعل أن يكون كثير من الباحثين قد انخرطوا في الاعتراض الذي أبداه بويرينغ (Bowering) عندما كتب:

"إنّ الحُجَج التي دعم بها لوكسنبيرغ فرضيَّته بخصوص حضور المسيح في القرآن هي حجج محدودة جدًّا، فهي تستند فقط إلى "ضمير" في سورة القدر. في هذه الحالة، هناك مثال قرآني موازي (الدخان 44: 3) يتعارض مباشرة مع تأويل لوكسنبيرغ الذي يستبدِل "ليلة القُدْرَة"، التي من المعروف أنّ هذه الآية تُشير إليها، بتلميح إلى الطّفل يسوع [ليلة الميلاد] كما جاء ذلك في اللّيتورجيا السّريانيّة".

أتمنَّى أنني قد برهنت على أنّ فرضيّة لوكسنبيرغ تَدعمُها عدّة عناصر تفوق مجرَّد "ضَمير" فقط. ومهما يكن من أمر، فإنّ هذا الاعتراض لا تأثير له إلاّ إذا اجتمع شرطان: أوّلاً، أن يكون مشرعًا أن نقرأ سورة القدر على ضوء الآيات 1-6 من سورة الدخان؛ ثانيًا، أن تكون هذه الآيات تتحدث حقيقة عن نزول القرآن. فإذا سقط أَحدُ هاذين الشرطين فإنّ الاعتراض يفقد وجاهته.

سأناقش هنا باقتضاب النقطة الأولى (4). دعونا نحلِّل الآيات 1-6 من سورة الدخان حسب النّسخة الرّسميّة للقرآن ودون الإشارة إلى القراءات المختلفة لها، مع الإشارة إلى الكلمات والجمل التي تشترك فيها مع آيات سورة القدر ("إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ"؛ "فِيهَا"؛ "كُلُّ"):

"حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ".

في البداية، لا يسعنا إلاّ أن نشير إلى أنّ تحرير هذا النّص جاء مُشوَّشًا نوعا مّا. ثمّ، هل هو يُبرِّر اعتراض بويرينغ؟ إنّنا نشكّ في ذلك.

فالتّوازيات بين سورة القدر وبين الآيات 1-6 من سورة الدخان ليست حاسمةً فعلا. هناك بالطبع توازيات على مستوى الجُمَل بين السورة 44: 3 (إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) والسورة 97: 1 (إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْر)، غير أنّ السورة 44 1ـ6 تتحدث عن "ليلة مباركة" [كأيّ ليلة مباركة أخرى]، وليس عن "ليلة القَدْر". يمكن بالطبع أن نعتبر ليلة القَدْر ليلة مباركة، لكن لا شيء يبرهن على أنّ الليلة المباركة التي تتحدث عنها س 44: 3 هي ليلة القَدْر: أفَلا يوجد في القرآن إلا ليلة واحدة مباركة أو تنزيل واحد في ليلة مباركة؟ مثلا، يذكر القرآن الليلة التي خرج فيها الشعب اليهودي من مصر (طه: 77 "وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي"؛ الشعراء: 52 " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي"؛ الدخان: 23 "فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا") (5). يمكن أن نعتقد أنّ الأمر يتعلَّق هنا بـ"لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ"، فالتقليد اليهودي هو كذلك يتحدّث عن هذه الليلة، ليلة إسراء موسى على أنّها ليلة مباركة. وفي آية أخرى يتحدث القرآن عن إنزالٍ: "إِنْ كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ" (الأنفال 8: 41). غير أن عبارة "يَوْمَ الْفُرْقَانِ" هي نسخٌ للتّعبير السرياني "يَوْمَا دْفُرْقَانَا" ("يوم الخلاص")، التي تُشير إلى الخروج من مصر، وهناك عدّة أسباب تدفعنا لاعتبار أن "يَوْمَ الْفُرْقَانِ" تُؤشِّر تحديدًا لا على معركة بَدْر [كما يقول المأثور الإسلامي] ولكن على حادثة الخروج هذه (6).


أمّا بخصوص التوازي بين السورة 44: 4 (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) والسورة 97: 4 فهو محدود للغاية إن لم نقل منعدم تماما. وكما ما رأينا، فإنّ قراءة س97: 4 بالاعتماد على س44: 4 يُشكِّل تعنيفا ولَيَّ ذراعٍ للنَّص، كما أنّ التفسير الحَرْفي للنّص المُستَلَم للآية 4 من سورة القدر 97، لا يُعطي نتيجة مقنعة. الحل الوحيد الذي يوفر حقيقة سُكون النَّفْس [هكذا وردت في المقال الأصلي] يبتعد كثيرا عن النص الرسمي أو على الأقل عن المفهوم التقليدي لكلمة "أَمْر": فمن وجهة نظر تَعابيريّة (phraséologie)[تركيب الجملة]، لا شيء يجمع بينها (بخلاف كلمة "كُلِّ") وبين س44: 4. ولهذا فإنّ سورة القدر 97 والآيات 1-6 من سورة الدخان 44 هي نصوص مُستقلَّة عن بعضها البعض أكثر بكثير ممّا يُعتَقَد في أكثر الأحيان. ولا يُعدُّ ذلك مُستغرَبًا خاصّة إذا ما استهوتنا فكرة اعتبار القرآن بمثابة مجموعة نصوص أو قطع متنافِرَة يمكن أن تأتي من مصادر مختلفة.
(يتبع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش

* نُشِر هذا المقال بالفرنسية تحت عنوان:
Guillaume DYE, « La nuit du Destin et la nuit de la Nativité »
ضمن كتاب:
Guillaume Dye & Fabien Nobilio, Figures bibliques en islam, Bruxelles-Fernelmont, EME, 2011

(1) كما يلاحظ ذلك يعقوب الرهاوي (633/708 م) في رسالته إلى يوحنّا العمودي: "إنّ المهجرايا [لفظ كان يُطلق في ذلك الوقت على المسلمين]، بالرّغم من أنّهم كانوا لا يعترفون بكون المسيح الحقيقي هو الله أو ابن الله الذي جاء واعترف به المسيحيّون، فإنّهم يعتقدون كُلُّهُم بدون تردُّد بأنّه [أي يسوع] هو المسيح الحقيقي الذي سيأتي والذي تنبّأ بمقدمه الأنبياء؛ وليس لهم مَعَنا في هذه المسألة أَيُّ خِلافٍ، بل لهم في ذلك خلاف مع اليهود؛ فهم يحاجُّونهم بقوّة البرهان، بالفكر وبالقول، مؤكِّدين ما قلتُه آنفا وهو ما بشَّر به الأنبياء: أنّ المسيح يكون من نسْل داوود وحتّى أنّ هذا المسيح الذي سيأتي سَيَلِد من مريم؛ وهذا الأمر يعترف به المهجرايا ويعتبرونه حقًّا ولا أحد منهم ينكر ذلك، لأنّهم يعلنون على عين الملأ وباستمرار أنّ يسوع [عيسى] بن مريم هو حقيقةً المسيح، ويُنادونه أيضا كلِمَة الله، مثلما تفعل الكتب المقدّسة، ويمضون في جهلهم مضيفين أنّه روح الله لأنّهم لا يتوصّلون إلى التمييز بين الكلمة والرّوح وذلك تماما مثل رفضهم تسميّة المسيح الله وابن الله". أنظر:
NAU F., « Lettre de Jacques d’Edesse sur la généalogie de la sainte Vierge », Revue de l’Orient chrétien n° 4, pp. 518-519 (syriaque), p. 524 (traduction française, légèrement modifiée.
نجد نفس النّقد المُوجَّه ضدّ المهجرايا [المسلمون] حول كلمة الله وروح الله عند يوحنّا الدمشقي "هرطقات" الهرطقة رقم 100، الفقرة 2.
(2) ألفريد لويس دو بريمار، في أصول القرآن. يمكن الرجوع إلى ترجمتنا الكاملة لهذا الكتاب والمنشورة في موقع الحوار المتمدن على عدّة حلقات.
(3) هذه العمليّة يمكن مقارنتها بتلك التي تمثّلت في قراءة "قُلْ!" عوضًا عن "قَالَ" (فالكلمتان لهما نفس الرّسم في أقدم المخطوطات)، أو تلك التي تمثّلت في مجرّد إضافة عبارة "قُلْ" لإعطاء الانطباع بأنّ الله يُخاطِب محمّد. برأيي، عمليّات التّدخل هذه شائعة في الآيات التي تَفتتِح السّور وهي آيات تكون على العموم حامِلة لرسالة ثيولوجيّة أو روحيّة يعتبرها كاتب النّص حاسِمة. ولهذا فإنّ تركيب هذه الآيات يكون غالبًا مرتبِكا جدًّا (مثلا هذا الارتباك نجد جليًّا للعيان في السبع آيات الأولى من سورة آل عمران، والسّت آيات الأولى من سورة الدخان). حول إضافة العبارة "قُلْ" ومشاكل التركيب المتعلقة بها، أنظر بخصوص سورة الإخلاص:
KROPP M., « Tripartite, but anti-Trinitarian formulas in the Quranic Corpus », in REYNOLDS G. S. (ed.), 2011, New Perspectives on the Qur’an. The Qur’an in Its Historical Context 2, London: Routledge, pp. 245, 248.
(4) النقطة الثانية جديرة ولا شكّ أن يُخصَّص لها مقال لوحدِها. لأنّني، فعلا، غير متأكِّد أنّ الآية 3 من سورة الدخان تتحدّث عن القرآن.
(5) من الممكن أن أُضيف الآية 1 من سورة الإسراء " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً"، فكلّ الجزء الذي يأتي بعد "لَيْلًا" هو سحب رأيي كلّه إقحام الذي من شأنه تغيير المعنى الأصلي للآية وذلك لحثِّ القارئ على يرى فيها إشارة إلى إسراء محمّد.
(6) بطبيعة الحال، "عَبْدِنَا" لا تشير إلى محمّد بل إلى موسى. والجملة "وَمَا أَنزَلْنَا" قد تكون إشارة سواء إلى "الفُرْقَان" نفسِه، أو إلى الأوامر التي استلمها موسى بخصوص الخروج من مصر: "21فَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمُ: «اسْحَبُوا وَخُذُوا لَكُمْ غَنَمًا بِحَسَبِ عَشَائِرِكُمْ وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ. 22وَخُذُوا بَاقَةَ زُوفَا وَاغْمِسُوهَا فِي الدَّمِ الَّذِي فِي الطَّسْتِ وَمُسُّوا الْعَتَبَةَ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ بِالدَّمِ الَّذِي فِي الطَّسْتِ. وَأَنْتُمْ لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ حَتَّى الصَّبَاحِ، 23فَإِنَّ الرَّبَّ يَجْتَازُ لِيَضْرِبَ الْمِصْرِيِّينَ. فَحِينَ يَرَى الدَّمَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ يَعْبُرُ الرَّبُّ عَنِ الْبَابِ وَلاَ يَدَعُ الْمُهْلِكَ يَدْخُلُ بُيُوتَكُمْ لِيَضْرِبَ. 24فَتَحْفَظُونَ هذَا الأَمْرَ فَرِيضَةً لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى الأَبَدِ. 25وَيَكُونُ حِينَ تَدْخُلُونَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكُمُ الرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ، أَنَّكُمْ تَحْفَظُونَ هذِهِ الْخِدْمَةَ. 26وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هذِهِ الْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ 27أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا». فَخَرَّ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا. 28وَمَضَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَفَعَلُوا كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ. هكَذَا فَعَلُوا". (الخروج، سفر 12: 21-28).



#ناصر_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (5)
- لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (4)
- لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (3)
- لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (2)
- لَيْلَةُ القَدْر هيَ أم ليلة الميلاد؟ (1/3)
- الخطابات الأخرويّة المضادة في القرآن وفي السنهدرين
- القرآن وكَتَبَتُه(2)
- القرآن وكَتَبَتُه(1)
- قانونيّة القرآن ... بالقرآن؟ (2) أو كيف يُقدِّس القرآن نفسه ...
- قانونيّة القرآن ... بالقرآن (1)
- من أنتم حتّى تتطاولوا على العفيف الأخضر؟
- محمّد تُرْجُمان -القِرْيانَة العربيّة- المكّيّة (2)
- محمّد تُرْجُمان -القِرْيانَة العربيّة- المكّيّة (1)
- المقاربة التاريخيّة للشّخصيّات الدّينيّة : محمّد
- نُبُوَّة وزِنَا (6) من نصّ إلى آخر
- نُبُوَّة وزِنَا (5)
- نُبُوَّة وزِنَا (4) من نصّ إلى آخر
- نُبُوَّة وزِنَا (3)
- نُبوّة وزِنَا (2)
- نُبُوَّة وزِنَا (1)


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - لَيْلَةُ القَدْر هيَ... أم ليلة الميلاد؟ (6)