أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - البناء الدرامي بملحمة جلجامش - الجزء الأول -1-















المزيد.....

البناء الدرامي بملحمة جلجامش - الجزء الأول -1-


رياض محمد رياض

الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 04:09
المحور: الادب والفن
    


• المقاطع الواردة من الملحمة ترجمة د. عبدالغفار مكاوي عن الألمانية.
• الجزء الأول -1- البداية

الملاحم و الأساطير هي مثال جيد لمحاولة الإنسان التعرف على بيئته لفهم من أين جاء و إلى أين يسير ، إنها روايات العصور الغابرة ، كيف استطاع بنو اسرائيل التغلغل في قلب الفكر العالمي ، إنها الحكاية إنه التدوين إنها القوة الكامنة بالقصة التي تداعب لاوعي القراء لاوعي الجمهور التي تخاطب كوامن النفس الانسانية المخاوف و الآمال الرجفات و الخفقات بسمات النصر و خيبات الهزيمة هذه هي الأسطورة هذه هي الرواية هذه هي النفس الإنسانية .
ملحمة جلجامش من أروع الملاحم الإنسانية و أكثرها تماسا مع آمال الإنسان و مخاوفه خوفه من الفناء من الموت من اندثار اسمه من أن تفضي حياته إلى هباء منثور، سعيه الدؤب الى الخلود آماله في أن يظل دوما شيئا مذكورا .
سنستعرض في ملحمة جلجامش ليس عمرها التاريخي و لا بعدها الديني و لا روعتها البلاغية بل ما يهمنا فيها هي حبكتها الدرامية رحلة البطل كيف تؤسر الأحداث السامع و كيف تمت حياكة القصة فهلا نفضنا الغبار عن ألواحها و فككنا رموزها المسمارية بمساعدة مرشدينا د. عبد الغفار مكاوي و د. عوني عبد الرؤف و مع البداية ...
تبدأ الأسطورة بقولها " هو الذي رأى كل شيء في تخوم البلاد ، عرف البحار و أحاط علما بكل شيء ،كما نفذ ببصره إلى أشد الأسرار غموضا ، امتلك الحكمة و المعرفة بجميع الأشياء، اطلع على المكنون و كشف الأمور الخافية ،جلب معه أخبار العهود السابقة على الطوفان و قطع طريقا بعيدا حتى أصابه التعب و نال منه الإرهاق، نقش على نصب حجري كل ما عاناه. أمر ببناء سور أوروك العظيم حول معبد إيانا المقدس .. انظر الى سوره الذي تتألق أفاريزه كأنما صنعت من نحاس، تأمل قاعدته فليس لها في أعمال البشر شبيه ،و تلمس العتبة الحجرية الموجودة في مكانها من أقدم الأزمان ،اقترب من إيانا مقام عشتار الذي لايماثله عمل ملك لاحق و لا يدانيه عمل إنسان ،اعتل سور أوروك، تمش عليه اختبر أسسه تفحص لبناته ..."
هنا مدون الأسطورة يمهد لحكايته بسرد إنجازات البطل قبل أن يتحدث عن كيفية إنجازها و ذلك ليأسر السامع و يثيره شغفه و تساءله، وهذا أسلوب من أساليب التشويق، الطُعم الذي يشد القاريء والسامع والمشاهد لمتابعة القصة أو الحكاية أو الفيلم .
ينتقل السارد من وصف انجازات البطل إلى الحديث عن البطل يصفه جسمانيا و معنويا حيث يقول " لما خُلق جلجامش أكمل بطل الآلهة هيئته، اشترك الآلهة في صنع صورته، فأضفى عليه الجمال شمش السماوي، وحباه أدد البطولة، على أروع صورة خلق الآلهة العظام جلجامش، بلغ طول قامته أحد عشر ذراعا، وعرض صدره تسعة أشبار، ثلثاه إلهي والثلث الباقي بشري، هيئة جسمه شامخة، كالثور الوحشي مهيبة خطاه، وبأس سلاحه ليس له نظير..." عند هذه الجملة ينتهي التمهيد لتبدأ قصتنا و تبدأ القصة بمشكلة وهذا مايسمى بالخطاف حين تكتب قصتك عليك أن تبدأها بمأزق لتورط القاريء و المشاهد و السامع معك ليبحث بوجدانه و كيانه عن حل للأزمة التي وجد نفسه فيها، المشكلة التي عرضها مدون الملحمة أفرد لها مشهدا غاية في الجمال حيث أتباع و جنود و رجال جلجامش حامي حمى أوروك - مدينة جلجامش التي تدور فيها أحداث القصة - وفتوتها و في نفس الوقت بلطجيها الوحيد و ينطبق عليه المثل حاميها حراميها هو كفتوات حواري القاهرة في أعمال نجيب محفوظ، نشر رجاله في طول المدينة وعرضها ليوقظ شعبه على دقات الطبول وينيمهم على صليل الأسلحة، يبدأ المشهد بأهل المدينة الصعاليك و المشايخ، الأرامل و الحوامل، الكبار و الصغار يثورون ضد جلجامش و رجاله يسيرون في شوارع المدينه يهتفون باطل، أعمال جلجامش في حق مدينته باطل، و يبتهلون للآلهة يرفعون شكواهم بينما عصي و أسلحة رجال جلجامش تلاحقهم في الطرقات.
يتذمرون و يشتكون من أفعال جلجامش التي أوجزوها على ضخامتها في الآتي، يستقبل جلجامش أبناء الشعب الفتيين ليضمهم إلى رجاله فلاينعم الآباء بأبناءهم كنظام تجنيد إجباري، يوقع مظالمه ويفرض إتاواته على الشعب ليلا ونهارا، يفض بكارة كل عذراء قبل أن يدخل عليها حبيبها، لايترك ابنة البطل إلا و تصبح من ملكات يمينه، يرسل المحاربين للقتال ويستفرد بزوجاتهم.. هذه الطامات أوردتها الملحمة في كلمات موجزة مقتضبة حيث قالت " جلجامش لايترك الابن لأبيه، يقهر الشعب بالليل وفي وضح النهار، جلجامش راعي حمى أوروك الفائق القوة والجمال والخبير والحكيم لايترك العذراء لحبيبها ولا ابنة البطل ولا زوجة المحارب. " و لايخفى على القاريء التمجيد العرضي لجلجامش حتى في خضم سرد مساوئه وهذا يبين نفسية المقهور، تنقل آلهة السماء شكوى شعب أوروك إلى "آنو" عظيم الآلهة وتعيد عليه شكوى الشعب بنفس الكلمات فيستجيب لشكواهم و ينادي "آرورو" متخصصة الخلق فيأمرها بخلق ند قوي خصم شجاع يضارع جلجامش في قوته ليتصارعا ويظلا في صراع فينشغل جلجامش بصراعه مع هذا الخصم ويترك الشعب ليستريح قليلا، ويوضح هذا الحل لكل بطش جبار بشعبه حيث الحل ند قوي ينشغل به ويترك الشعب وحاله.
تقول الأسطورة على لسان آنو عظيم الآلهة مخاطبا آرورو"أخلقي الآن ما آمر به وليكن لجلجامش ندا يضارعه في جموح الفؤاد، ليتنافسا في الصراع فتستريح أوروك، ما إن سمعت آرورو هذا النداء حتى سوت في قلبها ما أمر به آنو، غسلت آرورو يديها، أخذت قبضة من الطين ورمتها في البرية وخلقت انكيدو الجبار." ثم تبدأ الملحمة في وصف انكيدو الصنديد المعد ليكون خصما للبطل فتقول "خلقت أنكيدو الجبار بطلا وربيب سكون الليل، حباه القوة نينورتا-إله الحرب والصيد- ،بشعر كثيف يكسو جسده كله وشعر رأسه كشعر امرأة، جدائل شعر رأسه نامية كجدائل شعر نصابا-إلهةالحبوب والغلال جدائل شعرها كسنابل القمح الذهبية- ويلبس من الثياب مثلما يلبس سموقان-إله الرعي والماشية يرتدي جلود الحيوانات البرية- ،يرعى الكلأ مع الغزلان ويتدافع إلى موارد الماء مع الحيوان ويفرح قلبه بتزاحم القطعان على الماء."
تصف هنا الأسطورة خصم البطل "أنكيدو" الذي سيكون أحد طرفي الصراع، صنعت مبررا لوجوده منحته من القوة و الحيل ما يضع البطل في ورطة تجعلنا لا نستطيع التنبأ القاطع بمصير الصراع تجعلنا نتسائل من سينتصر وكيف؟! ثم ماذا؟ ثم تأتي الخطوة المنتظرة خطوة لم الشمل وضع النار بجوار البنزين التقاء طرفي الصراع لتبدأ الأحداث في الاشتعال، كيف تم ذلك؟ تم عن طريق صياد قناص يصنع الشراك في الغابة لصيد الحيوانات يفاجأ ذات يوم بهذا المخلوق يقطع شباكه ويردم حفره ويفترس طرائده، يصيب الصياد الهلع حين يقابله وجها لوجه ويشل لسانه من هول مايرى فيهرع مبتعدا يشكو لأبيه الذي يشير عليه أن يستعين بحامي حمى أوروك جلجامش. تقول الأسطورة واصفة هذه الأحداث "تصادف أن رآه عند موارد الماء صياد قناص...لما رآه الصياد تجمد وجهه من الخوف...أصابه الهلع، ثم سكنت حركته وشل لسانه، اضطرب قلبه، واكتأب محياه ونفذ الغم إلى أعماقه حتى صار وجهه أشبه بوجه مسافر جاب الدروب البعيدة. فتح الصياد فمه لأبيه وقال يا أبت، هبط رجل من الجبال هو أقوى من رأيت بأسه شديد تشبه قوته الجبارة قبضة آنو وهو لاينفك يجوب الجبال والتلال ويلتهم العشب مع الحيوان وتتوقف قدماه عند موارد الماء، منعني الخوف فلم أقو على الاقتراب منه، ردم الحفر التي حفرت وقطع شباكي التي نصبت، جعل الوحش وحيوان البرية تفلت من يدي وصيد البرية حرمه علي. فتح الأب فمه وقال للصياد، اعلم يابني أن أوروك يعيش فيها جلجامش، ما من أحد فاقه في قوته، قوته الجبارة تشبه قبضة آنو، يمم وجهك شطر هذا الملك، أنبئه بنبأ الرجل القوي الجبار."
و يمتثل الصياد لنصح أبيه و يتجه إلى أوروك ليشكو بليته إلى جلجامش الذي يبدأ في صراعه ضد أنكيدو لكن قبل أن ندع الأسطورة تحكي لنا كيف تمت إدارة الصراع علينا ان نوجز بعض النقاط الهامة التي قام بها السارد في تشكيل قصته و بناء ملحمته حيث 1. استعرض في البداية إنجازات بطل ملحمته. 2.وصف البطل وصفا جسمانيا ومعنويا. 3.صنع الخطاف بأن استعرض مشكلة أغرق فيها القاريء حتى يبحث معه عن حل. 4.هذه المشكلة تصف حياة البطل وشعبه وعالمه الذي يحياه قبل أن تجرفه الأحداث. 5.صنع مبررا لوجود الخصم. 6.أضفى عليه من القوة مايجعله ندا كفؤا للبطل ليتزن الصراع الذي يعد له. 7.وصف الخصم جسديا ومعنويا،حياته وعالمه الذي يحيا به. 8.صنع رابطا ليلتقي طرفي الصراع لينتزع كلا من عالمه و يشركهما في قصته من خلال صراع أعده بإتقان.
نكتفي بهذا القدر ونكمل في المقالة القادمة لنرى كيف سارت الامور وكيف تصرف جلجامش وكيف أدار مؤلف الأسطورة الصراع بينهما.



#رياض_محمد_رياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة إرث قديم ج 01
- القرد ج 05
- القرد ج 04
- يا من أفقدتيني طهارتي وقداستي
- • الصورة تهمس 01
- لقد كفرت بالنعيم و ما من عاقل به كفر
- و مالت أعناقكم الى الأمام كما النعام
- البدايات 02 - علم 01 - ستيفن هوكنج
- البدايات 01 - انثربولوجي 01 - دين الانسان 01
- القرد 04
- حكاية نهد 02 الأخيرة
- ملمع أحذية
- هذه من تكون ..؟!
- • حيثُ الظلام و لا أحد في بيتِ الأحبةْ
- يوتوبيا دوستوفيسكي 01
- كان اسمها مروة و ذات مساء قالت أتحبني كما أحبك
- حماقاتي دليلُ حبك
- ليلة أخرى
- حكاية نهد 01
- هنا أجلس في المحراب أصلي


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - البناء الدرامي بملحمة جلجامش - الجزء الأول -1-