أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - قصة إرث قديم ج 01















المزيد.....

قصة إرث قديم ج 01


رياض محمد رياض

الحوار المتمدن-العدد: 5031 - 2016 / 1 / 1 - 17:28
المحور: الادب والفن
    


أن يقول عنك د. نصر عثمان رئيس قسم التاريخ أنك فتى موهوب ، إذن فلا جدال في هذا فأنت من وقتها فتى موهوب ، وأن يكون وقت قولها أثناء مناقشة رسالة الدكتوراة خاصتك فهي وسام خاص يوضع على صدرك ومكسب جديد بالإضافة إلى الدكتوراة.
كان عماد سلطان باحث جاد قادم من فرشوط إلى القاهرة ليصبح طالبا مجتهدا في قسم التاريخ ثم معيدا طموحا ثم ها هو ينصب دكتورا . بالفعل هو فتى موهوب مازال في الثلاثينات من عمره أو هو فتى محظوظ ، كانت القاعة خالية إلا من بعض الأساتذة الأفاضل ، لا أقارب لا أحباب كل من يعرفهم في هذه القاعة د. إحسان حمدي المشرف على رسالته و د.نصر أشهر من نار على علم ، أستاذ تاريخ يخشاه التاريخ نفسه ، هذا العجوز أبيض اللحية أشيب الشعر وقور الهيئة يجلس وسط لفيف من الأساتذة فقط ليناقشوا رسالة دكتوراة عماد سلطان .
كان عم فوزي العامل الودود طيب القلب يدور يوزع صناديق الحلوى و زجاجات المياه الغازية أمام الأساتذة وعماد على المنصة يتكلم عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها عبد الحميد الثاني الخليفة العثماني في نهاية حكمه ، كان يتكلم عن أسباب تفكك الخلافة و كيف كان يمكن تفاديها ، يتكلم عن جهود عبد الحميد لتجميع الناس حوله ، يتكلم عن الجامعة الاسلامية و صداها في نفوس الناس ، يتكلم عن فلسطين وعن الوكالة اليهودية و أساليب جمع الشتات ، يتكلم عن الدولة الحاجزة و حائط الصد الممزق .
في نهاية الحفل وبعد أن أُعلن قبول رسالته ونجاحه الساحق الماحق ، مال د. إحسان على كتف عماد و أسر اليه :
د. نصر مسرور منك ، ويريدك أن تذهب إلى مكتبه في الواحدة .

في الواحدة تماما كان عماد يطرق باب المكتب ، أذِن له د. نصر بالدخول ، دلف إلى الحجرة فهاله كم الكتب و المجلدات التي تصطف خلف المكتب ، نهض أستاذه الوقور وقال :
اجلس يا عماد ..
خرج من خلف المكتب و أخذ يسير بتثاقل ، كانت هناك بعض الأوراق المتناثرة على المكتب و التي كان يدون فيها د. نصر شيئا ما ، لابد أنها جزء من مخطوطة كتابه الجديد ، ولا شك أن نصف هذه المجلدات المصفوفة حوله من تأليفه ، هكذا اعتقد عماد .
سار حتى وصل طرف المكتب ثم مد يده و أخذ مجلدا عملاقا و عاد ليجلس إلى المكتب ، عوينات القراءة مستقرة على أنفه و عيناه تبرق من خلف الزجاج و أحيانا تهرب منه لتظهر من أعلى ، السلسلة الفضية تتدلى على رقبته المجعدة ، والقلم الفضي أسود الحبر في يده لا يكف عن الكتابة حتى أثناء الكلام ، أخذ يكلمه عن المجهود الرائع و البحث المجتهد والأسلوب العلمي الرصين في تحري الحقيقة ، أخذ يكلمه عن صفات باحث التاريخ و شخصيته وما يجب أن يكون عليه.
باحث التاريخ الحق هو من لا يكل عن البحث و الاجتهاد في البحث حتى يصل إلى الحقيقة الغائبة ، أراك تلاحظني هل كففت يوما عن البحث و التأليف ؟ قلمك عقلك أفعال الآخرين الذين صنعوا التاريخ لا بد أن تسير حياتك مرتبطة بهذا الثلاثي ، و أنا أعلم أنك لن تكف عن البحث لهذا اخترتك. إن د. إحسان داهية حقيقية و أراك تعلمت منه الكثير ، لكنه لا يصلح للمهمة التي اخترتك لها ، إنني أراهن على حماس الشباب و صدقه ونقاءه ، لا أريد أشخاصا تنافقني ، هناك بعض الأوراق التي أريد أن أطلعك عليها .
كان عماد مبتسما حين دخل إلى الحجرة وظل هكذا حتى انتهى اللقاء ، لم تزول الإبتسامة البلهاء عن وجهه ولم ينبس بكلمة مذ جلس ، ولم يعلم أن اللقاء انتهى إلا حين نهض د. نصر وطوى الأوراق وحملها تحت إبطه ووضع القلم في جيب سترته وأزال العوينات من على أنفه لتتعلق بسلسلتها في رقبته ،ثم أمسك بعصاه التي يتوكز عليها فتعطيه هيبة جديدة بجوار هيبته الأصلية،هذا الرجل حصل علي هيبة العلم، والسن والمال والمنزلة الاجتماعية والوظيفة ، ماذا تبقى ؟!!
حاول عماد أن يمسك بالأوراق بدلا من أستاذه لكنه رفض، في الخارج عرض د. نصر على عماد أن يوصله بسيارته لكنه شكره وهو يطوي الورقة التي بها عنوان منزل أستاذ التاريخ ويضعها في جيبه كانت آخر كلمات د.نصر : " لا تنسى الموعد " .
ذهب عماد و أخبر د. إحسان بما حدث :
- لقد أعطاني العنوان و حدد لي موعدا اليوم ، علي أن أذهب إلى بيته .
- هذا شرف كبير ياعماد يبدو أنك ستكون نجم القسم المتوج .

في السابعة مساء كان عماد أمام المرآة يحكم رباط عنقه ، حمل علبة الجاتوه ونزل يبحث عن تاكسي ، لم يستطع منع نفسه من التفكير فيما عساها تكون هذه الأوراق التي أراد د. نصر أن يطلعه عليها ..
لم يخبر د. إحسان بهذا الشأن ، لقد أصبح يحمل درجة الدكتوراة وعليه أن يكون حريصا في كل شيء د. إحسان داهية كما قال الأستاذ نصر وعليه أن يأخذ حذره من ناحيته .
السيارة تتوقف عند العنوان يقرض السائق أجرته و يهبط من السيارة ، يقف يصلح كسرة السروال الرئيسية ويمسح الحذاء بمنديل ورقي ثم يقف معتدلا يتنفس بعمق ويتقدم للأمام . فيلا تبدو شاسعة المساحة وفي هذه المنطقة الراقية لابد أن دخل د. نصر عظيم فلا أحد يمتلك هذه الفيلا ويمكن وصفه بأنه واحد من أصحاب الدخل المتوسط . بوابة الحديقة مفتوحة ولا يوجد بواب ولا حارس و لا حتى جرو صغير ، و لا توجد أجراس من أي نوع ، قدر أن عليه أن يعبر هذه الحديقة الصغيرة حتى يصل إلى الباب الداخلي بالتأكيد سيكون هناك جرس ، دلف إلى الداخل ، النباتات ميتة في أحواضها مما يدل على أنه ليس هناك بواب أو بستاني ، الأشجار الضخمة العالية تبدو حين الغروب كجنود حراسة من كوكب آخر أو كغيلان ضخمة تحرس الطريق إلى الكنز .
الأوراق الجافة تتحطم تحت أقدامه ، يعتلي درجات السلم الثلاث ويقف أمام الباب ، الباب موارب ، يطرقه مرة و الثانية ثم يبدأ في رن الجرس ، رنين حاد متواصل ثم صمت ، رنين جديد أكثر إرتفاعا هكذا خيل له ثم صمت آخر ، كان يقف زهوا فخورا ، وهذا من حقه لا أحد يحصل على ماحصل عليه، وهو الآن يبدو في الطريق إلى الحصول على شيء آخر سيصبح كاتم أسرار رئيس القسم ، لابد أن د. إحسان شعر بهذا و توقعه لا بد أن نظراته ستكون حاقدة حين يعلم أن د.نصر فضل هذا الشاب الصعيدي عليه .
الرنين يتوالى ولا أحد يجيب ، ينظر إلى ساعته فيجدها الثامنة وعشر دقائق ، لقد حان الموعد منذ عشر دقائق ، هل نسى؟ بالنظر إلى سنه ممكن الزهايمر ليس بعيدا عنه ، لكن لماذا ترك الباب مفتوحا ؟ لو أعطاه رقم الهاتف لهاتفه قبل أن يأتي ، يضغط زر الجرس للمرة الأخيرة كما وعد نفسه ، وكآخر محاولة انتظار يبدأ العد حتى مائة ، واحد .. اثنين.. ثلاثة .......مائة ، إنتهى من العد نظر إلى الساعة فوجدها الثامنة و الربع ، يبدو أنه تعجل في العد ، إنه التوتر ، ينظر إلى صندوق الحلوى في يده ثم ينظر إلى الخلف باتجاه الحديقة ، الشمس تغرب والظلام سيحل ، هل يدخل سريعا ليرى ماهنالك أم يعود من حيث أتى مضحيا بفرصة لقاء عظيم من عظماء التاريخ و الحصول على أوراق هامة لم يئتمن أحد عليها إلا هو.. ؟!



#رياض_محمد_رياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرد ج 05
- القرد ج 04
- يا من أفقدتيني طهارتي وقداستي
- • الصورة تهمس 01
- لقد كفرت بالنعيم و ما من عاقل به كفر
- و مالت أعناقكم الى الأمام كما النعام
- البدايات 02 - علم 01 - ستيفن هوكنج
- البدايات 01 - انثربولوجي 01 - دين الانسان 01
- القرد 04
- حكاية نهد 02 الأخيرة
- ملمع أحذية
- هذه من تكون ..؟!
- • حيثُ الظلام و لا أحد في بيتِ الأحبةْ
- يوتوبيا دوستوفيسكي 01
- كان اسمها مروة و ذات مساء قالت أتحبني كما أحبك
- حماقاتي دليلُ حبك
- ليلة أخرى
- حكاية نهد 01
- هنا أجلس في المحراب أصلي
- • حين يأتي المساء و في فصلِ الشتاء


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض محمد رياض - قصة إرث قديم ج 01