رياض محمد رياض
الحوار المتمدن-العدد: 5026 - 2015 / 12 / 27 - 13:22
المحور:
الادب والفن
بدأت الأحداث المزعجة حين أتت الساعة العاشرة مساء ، نائم فاغر الفاه و يغط مستمتعا بنومه. زوجته تهزه بعنف و تدعوه لأن ينهض و يرى ما الذي يدفع الخراف في الحظيرة إلى الهياج . يرد عليها بمرفقه الغليظ الخشن الذي يستقر بين شفتيها و يأمرها بأن تخمد و إلا طالت ليلتها و ساءت . تدير رأسها و تسوي الوسادة و تستشعر ألم شفتيها و انتفاخ مكان الضربة بأطراف أناملها و تلعنه في سرها ، مذاق الدم الذي يسيل من بين أسنانها الأمامية المسماة بالقواطع يشعرها بالحسرة والندم و الغيظ و الحنق و هي عدة مشاعر لا أسوأ منها .
في الصباح لم يكن هناك خراف في الحظيرة ليس لأنها سرقت وإنما لأن أحشائها لم تكن في مكانها الصحيح . دخل حامد الحظيرة بينما ضوء النهار ينضج ببطء فوجد عشرات الكيلوات من الأمعاء مبعثرة على أرضية الحظيرة ، وجد القش الملوث بالدماء و التبن المغموس في الدماء و الفرو والأصواف الممزقة ، لم يجد خراف حية و الأدهى أنها لم تفقد مقدار قضمة من لحمها فقط ممزقة ومبعثرة في أرجاء المكان و هذا ما أثار حنقه أكثر " أي ذئب مسعور فعل هذا".
كان يوما صعبا قضاه في التنظيف و التنظيف و التنظيف هو لم يفعل شيئا سوى التنظيف لكن زوجته فعلت الكثير ، الكثير من لطم الخدود و الكثير من سبه و وصفه بأحقر النعوت
" ماذا لو استيقظت بالأمس و استطلعت ما يحدث ! آلاف من الحنيهات فُقدت بسبب جبنك ، إهمالك ، لكنه ليس مالك .. أنا المخطئة حين رضيت و سلمتك مال ميراثي ، كنت تركتك تعمل بالأجرة لدى الناس .. صنعت منك رجل و صاحب ملك .. لكن جزائي تضربني في فمي بمرفقك وتقول لي : اخمدي " .
هكذا قضى يومه حامد في سماع مالم يود سماعه إطلاقا ، لكنه لم يلفظ بكلمة فلا وجه له ليتكلم مرة أخرى ، ماذا سيقول ؟ اخمدي ! بالطبع صمت ، صمت و إن كان الغيظ يجعله يغلي من الداخل ، يجعله يفكر في أشياء شريرة ، نعم القتل ، فكر في قتل زوجته وظل طوال عمله يفكر كيف يقتلها بدون ترك أثر للدلالة على أنه الفاعل ، و هذا كان أمرا جيدا لإشغاله عن مشاق العمل .
حين انتهى مع الغروب دخل بيته للإستحمام ثم تركه و رحل للجلوس إلى المقهى وهذا أفضل من الجلوس بالبيت ومطالعة وجه زوجته الناقم . كان الحديث في المقهى عن و حش يجوب المنطقة يقتل الناس .
" إنه وحش عملاق قتل حوالي أربعة أو خمسة أفراد "
قال محسن صبي القهوة هذا في تلذذ ليفتح باب الحديث و بالتالي السهرة وبالتالي الطلبات .
" لا .. لا .. لاتحصي رجل البريد من بينهم فهو قد مات من الخوف لم يقتله الوحش . " رد معلم المقهى .
" ومن أدراكم أنه وحش وحيد ربما عدة وحوش . "
قالها رجل له صوت خشن لايدري أحد من هو ، لا يترك النارجلية من يده . ثم صار الحوار بين الجلوس ولم يستطع أحد إيقافه و كان حامد يربط أمر الوحش أو الوحوش بما حدث في حظيرته ، بالفعل تمزيق عشرين خروفا ليس فعل ذئب مسعور و لا مجموعة ذئاب ، إنه أمر خليق بوحش عملاق أو عدة وحوش .
لكنه لم يشارك في الحوار نهض وعاد إلى البيت بينما القمر في السماء يسير خلفه خطوة خطوة و لم يغفل حامد عن النظر خلفه كل لحظة طوال مسيره ، إنها وحوش لا تبقي ولا تذر .
في البيت اطمئن أن البندقية صالحة للإستعمال ثم فضل النوم على الأريكة في الصالة ، لا لن ينام جوار زوجته اليوم ، لابد أن تهدأ ثم يفاتحها في موضوع " مالي و إرثي " ليس كلما يحدث شيئ ما تصر على معايرته بمالها ، لابد من وضع حد للخوض في هذا الكلام .
فجأة وجدها تهزه في كتفه ، كان ينام على الأريكة متحفزا لذا استعاد وعيه و نهض مسرعا ، التقط البندقية من على الطاولة و تبعها حتى النافذة ، كانت تقف بشالها الأبيض الطويل أمام ضوء القمر و تشير إلى الحظيرة و تقول
" انظر .. نفس الخيال الأسود الذي رأيته أمس يقفز بين الخراف .. إنه هناك ، أرجوك افعل شيئا. "
فتح الباب وخرج غير متأكد أن البندقية العتيقة هذه ستصنع شيئا لكن ليس هناك حل أفضل ، لوكنت مكانه ماذا سيكون ردك ؟ لا دعينا نبلغ الشرطة ! إنه رجل و هذه بندقية و تلك حظيرة و هناك شيء ما ينتظره بداخلها و عليه أن يتخذ فعلا ما ، لذا تقدم ، رغم خوفه تقدم ، رغم أصوات رواد المقهى التي تدور في رأسه تقدم .. إنه وحش عملاق قتل حوالي أربعة أو خمسة أفراد .. أقدامه تهتز و ضياء القمر يرمي أمامه بظله ، إن كان وحشا عملاقا فظلي أيضا عملاقا ، يفتح باب الحظيرة ، مرأى الحظيرة في الصباح لا يُنسى ، الدماء ، الأمعاء ، الصوف ، الأعضاء الممزقة في كل مكان ، أما الآن فضياء القمر يغمر أرضية الحظيرة ، صهيل الجواد في المربط يدل على استيقاظ أحد ما هنا . زوجته قادمة من خلفه تحمل معها كشافا قوي الضوء ، لكنه يريد إنهاء كل هذا ، يغلق باب الحظيرة و يستدير ليمنعها من مواصلة التقدم .
" لا شيء هنا ، هيا لنعود ."
" هل بحثت جيدا ؟ لقد أحضرت لك هذا الكشاف كي ... قاطعها سريعا :
" لا شيء قلت لك هيا لنعود أم سنظل هنا طوال الليل واقفين في العراء ."
" ماذا بك ، هل رأيت شيئا ما لا تريدني أن أراه ، ماذا هناك هذه المرة ؟ مزقت الذئاب المواشي! إنك رجل لا يعتمد عليه ، لست برجل أصلا . دعني أمر و أرى أنا ماذا هناك مادمت بكل هذا الجبن ."
كانت ثائرة فلم يستطع منعها ، فتحت باب الحظيرة وخطت نحو الداخل ، التبن مبعثر ، بالات القش مقلوبة ومطروحة في كل مكان .
" ماذا هناك يا حامد ، ألم ترَ كل هذا ؟ "
" غدا يا رئيفة في وضح النهار سنعتني بكل هذا ، أما الآن فهذا المكان ليس آمن ."
كان يجذبها من يدها ويحاول الخروج بها لكنها تملصت منه وصاحت في وجهه :
" أتخاف من لص أو ذئب و معك بندقية ؟ أين ذهبت رجولتك ؟ ! " هنا أصبح ثائرا أكثر منها
" من قال لك أنه ذئب أو لص ؟ إنه وحش بل وحوش عملاقة تجوب المنطقة لقد كانوا يتحدثون في المقهى و قالوا أنها قتلت سبعة رجال و أفنت الكثير من الحظائر ، علينا أن نحمد ربنا و نعود لنحتمي بالبيت وغدا سنزيد من السياج حول الحظيرة و المتاريس خلف الأبواب ، هيا إنه شيء شرير أرجوك ."
أصابها الرعب حين حدثها زوجها عن شيء ما تجهله بالفعل ليس هناك ذئب يمزق كل هذه الخراف وحده ، وليس من مصلحة لص فعل هذا ، لم يدعها تفكر كثيرا
" ألا ترين هياج الماشية و الأحصنة إنها تصهل لأن شيئا شريرا قادم ."
و ارتبكت المرأة حين سمعت خوارا مفزعا قادما من باطن كومة التبن في الركن المظلم من الحظيرة ، شيء ما قبض على صدرها ، ليس هذا خوارا يشبه خوار الماشية ولا أي شيء آخر تعرفه ، إنه خوار قادم من أعماق الجحيم و لا عهد لها به . نظرت إلى زوجها و تراجعت مسرعة تقف خلفه ، لقد كانت شجاعة عندما تعلق الأمر بذئب أو لص ، أما الآن والخطر غير معروف فظل زوج ولا ظل كشاف أو حتى بندقية .
صوب حامد بندقيته باتجاه كومة التبن و تراجع بظهره إلى الباب و الزوجة تسبقه ليخرجا ، خرجا ، البندقية مصوبة باتجاه الباب و هما يتراجعان بظهريهما ، ماذا سيحدث لو أدار وجهيهما وبدآ في الركض ؟! لكنهما لم يقدرا على فعل هذا ، شيء ما بداخل الحظيرة يثير الضجيج ، شيء ما يعلن عن رغبته في شيء ما مفزع ، و فجأة يقفز هذا الشيء خارجا من باب الحظيرة ، أسود ضخم يقفز في الهواء ، طلقتا رصاص تنطلقان لا إراديا من فوهة البندقية و تحلقان في الفضاء لا تصيبان شيئا ، وصراخ المرأة يعلو على صدى صوت الطلقات التي يرسلها زوجها بلا هدف بينما الكائن الشبيه بغوريلا متوسطة الحجم كان هناك ، جاثم على صدر حامد ، كان وجهه يشبه وجه الغوريلا وأنيابه تشبه أنياب الخنزير البري و عيناه كعيني الشيطان و كان يتلذذ بتمزيق الزوج ، بينما الزوجة تهرع صارخة في اتجاه الحقول ، تجري ، تفر ، تركض ، هائمة تبحث عن نجدة .
حين خرجت إلى الطريق العام وجدت سيارة قادمة باتجاهها ، وقفت أمامها تلوح بذراعيها مذعورة ، اقتربت السيارة وهبط منها رجل يود المساعدة ، كان وائل ، كانت السيارة تنبعث منها الموسيقى ، تخفض صافي صوت الموسيقى وتتابع المحادثة في الخارج ، المرأة يبدو عليها الذعر ، يبدو وكأنها فقدت شيء هام و فقدته بطريقة شنيعة ، كأنها فقدت زوجها تحت أنياب و حش غريب ، هذه أشياء لا يمكن أن تفوت على حاسة صافي الأنثوية .
كان شريف في المقعد الخلفي بدأ يعبث بأجفانه النوم ، ولم يكن هناك شيء قادر على إثارة انتباهه أكثر من أن تجلس امرأة غريبة بجواره تبكي وتتحدث عن وحش بأنياب خنزير و وجه غوريلا و عيني شيطان يأكل في زوجها و تطلب من أبيه أن يتوجه إلى مخفر الشرطة . كان من الممكن أن يبلغ وائل المرأة المستنجدة وجهتها ثم يعود بزوجته و ابنه إلى البيت ليشاهدوا التلفاز ويتناولوا المكسرات و يقضوا الليلة في مرح . لكن عندما و جدوا مأمور القسم مهتما جدا بما تقوله المرأة ومأخوذا به على عكس ما توقعوا ؛ دفعهم الفضول لأن يستمروا . أكد مأمور القسم :
" إن هناك بلاغين يشبهان هذا البلاغ ، الأول من مراهق مذعور على جسده آثار سياط يتحدث عن وحش يمزق وجه
أبيه و الآخر من فتاة جاءت بصحبة أقاربها تتحدث عن وحش هشم رأس خطيبها وقتل أمها .. إن هذه البلدة قد زارها كابوس "
نظر المأمور إلى عيني وائل و أردف بينما المرأة المذعورة تولول
" الليلة سأتمكن من أسر هذا الكائن حتى و لو كان الشيطان نفسه ."
#رياض_محمد_رياض (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟