أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الإلياذة: القتال بين باريس ومينلاوس















المزيد.....

الإلياذة: القتال بين باريس ومينلاوس


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 5171 - 2016 / 5 / 23 - 15:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




جاء الطرواديون لمقابلة جيش الإغريق. جاءوا بصخبهم وضجيجهم مثل أسراب البجع الهاربة قبل حلول فصل الشتاء وتساقط الثلوج وهطول الأمطار. قابلهم جيش الإغريق بصمت وشجاعة وثبات، الساق تجاور الساق والكتف تلامس الكتف.

مثل الضباب الذي يعوق الرؤية، الزاحف من أعلى الجبل إلى الوديان، كانت تثار الأتربة تحت وقع أقدام الجنود وسنابك الخيل وهي تقترب. أخيرا، وقف الجيشان يواجهان كل منهما الآخر.

من صفوف الطرواديين، تقدم إلى الأمام الأمير باريس يختال مثل الطاووس. باريس هذا هو الذي أحب هيلين زوجة الملك مينلاوس، وأغراها بالهرب معه. يلبس باريس جلد النمر. يحمل القوس والنشاب ويتدلي من وسطه سيفه المرصع بالفضة. يمسك بيده رمحه البرونزي. وقف باريس متحديا كل رؤساء الإغريق طالبا نزالهم حتى الموت.

مثل الأسد الهصور الجائع، حينما يشاهد فريسته من الغزلان، كان سرور مينلاوس، زوج هيلين، بمشاهدة باريس، عدوه اللدود. هو نفسه، بعيناه الزرقاوين وشعره الذهبي. أمامه يطلب النزال.

أوقف مينلاوس عربته الحربية وقفذ بجسده وعتاده منها إلى الأرض. تقدم في مواجهة باريس. الذي، عندما رآه، كمن رأى فجأة ثعبانا ساما في الغابة يندفع نحوه. رجع باريس بضع خطوات إلى الخلف ليحتمي برفاقه.

هنا بادره أخوه هيكتور موبخا: "لك وجه جميل وجسد سليم، لكنني أخجل أن أكون أخاك. أرى أن هؤلاء الإغريق، طوال الشعر، يداعبوننا ويسخرون منا الآن. لأنهم يرون بين صفوفنا شابا جميل الوجه متناسق البدن، لكن تنقصه الشجاعة والإقدام. فهل أنت خائن أو جبان؟

لكنك قد جرؤت على الإبحار غربا، لتسرق أجمل إمرأة من زوجها، وتسبب لنا كل هذه المتاعب. ستجد حالا أي نوع من الرجال هذا الذي سلبته زوجته الحبيبة. ماذا يفيد وجهك الجميل، وكل الحب الذي منحتك إياه الإلهة أفروديت، عندما تتمرغ بكل جسمك في الوحل، وتسف التراب. هل كتب علينا نحن الطرواديين أن نكون جبناء. إنك تستحق أن ترجم حتى الموت بسبب جبنك هذا وبسبب ما ألحقته بنا من خزي وعار."

هنا أجابه باريس قائلا: "إنني أستحق كل كلمة لوم قلتها لي، أخي الشجاع هيكتور. لكن لا تسخر من هبة الحب التي منتحتني إياه الإلهة أفروديت. الإنسان لاحيلة له في أمره، ولا يقدر على ممارسة الحب وعشق الجمال بنفسه وبدون مساعدة أفروديت.

لكن دعني الآن أنازل مينلاوس. دع الطرواديين وجنود الإغريق يجلسون، بينما أنا أقاتل مينلاوس على هيلين. فلتكن هي جائزة المنتصر، هي وكل ما تملك. دع الكل يتقبلون النتيجة بصدر رحب، ويتلون قسم الصداقة. حتى يمكن للإغريق الرحيل والعودة إلى بلادهم، وللطرواديين الحياة في سلام."

سر هيكتور عند سماعه كلمات أخيه باريس. أمسك برمحه من منتصفه واستدار متجها إلى صفوف الطرواديين يطلب منهم السكون. لكن الإغريق قاموا بقذف الأسهم والحجارة على هيكتور.

هنا طلب أجاممنون من جيشه الانتظار، لعل هيكتور يريد أن يقول شيئا للإغريق. صمت الجيشان بينما هيكتور أخذ يردد ما قاله له أخوه باريس.

بعد ذلك، تكلم مينلاوس زوج هيلين، المكلوم في شرفه، قائلا:

"لقد عانيت الكثير يا هيكتور بسببي وبسبب ما قد اقترفه أخوك باريس في حقي. يبدو أنه قد حان الآن وقت نهاية هذه الحرب. دعنا نتقاتل فردا لفرد. حتى يبين الموت ومشيئة الأقدار أينا يموت، وأينا كتبت له الحياة.

دعنا نقدم القرابين الآن إلى زيوس العظيم، ودعنا ندعو بريام ملك طروادة إلى هنا، حتى يشاهد مصير أولاده، باريس وهيكتور. بريام رجل عجوز يحفظ العهود ويرعى المواثيق ويحترم القسم."

سر الطرواديون والإغريق بما سمعوه من هيكتور ومينلاوس. قفذوا من عرباتهم الحربية واقتربوا وألقوا بعتادهم جانبا، بينما جرت الرسل لتخبر بريام، ملك طروادة العجوز، بما يدور في ساحة القتال. ثم ذهبت لكي تحضر الكباش لنحرها قرابين للآلهة.

في نفس الوقت، أرسلت الإلة حيرا إيريس، إلهة قوس قزح ورسولة الآلهة، والتي تسافر بسرعة الريح، متخفية في صورة ابنة الملك بريام، إلى البهو الملكي حيث توجد هيلين. وجدتها جالسة بجمالها الفريد، تحرك ذراعيها البيضاوتين بجلال ودلال، وهي تنسج بأناملها الناعمة الملساء رداء قرمزيا من الصوف، عليه تصاوير وأشكال تمثل المعارك الدائرة بين الإغريق والطرواديين.

"تعالي هنا سيدتي الجميلة"، قالت إيريس. "لكي ترين شيئا رائعا". لأجلك، ستتقاتل الرجال مع بعضها البعض حتى الموت. الآن اجلسي واصمتي. لقد بدأت المعركة أو على وشك. الجنود ينتظرون، ينحنون على دروعهم، ويغرسون رؤس رماحهم بجوارهم في الرمال. لكن، لأجلك، سيتقاتل باريس حبيبك ومينلاوس زوجك، وستكونين جائزة ونصيب المنتصر الظافر."

هكذا تكلمت إيريس، فلمست كلماتها شغاف قلب هيلين، وحركت بداخلها ذكرياتها السعيدة، مما أثار حنينها إلى وطنها وزوجها مينلاوس، وإلى أبيها وأمها وابنتها هيرميون. فبدأت الدموع تنهمر من مقلتيها وتسيل على خديها. فدارت خلجاتها وأخفت وجهها بخمار شفاف. ثم أسرعت خارجة تتبعها وصيفاتها، متوجهة إلى ميدان القتال.

يقال أن لوميدون، والد الملك بريام، قد عوقب شعبه بالطاعون وسلط عليهم وحش البحار عندما رفض لوميدون تقديم القرابين إلى الإلهين، أبولو وبوسيدون، بعدما ساعداه في بناء أسوار طروادة.

لم يبق أمام الطرواديين الآن سوى التضحية بابنة لوميدون وتقديمها لقمة سائغة لوحش البحار، حتى تزول عنهم هذه اللعنة. هنا، وعد لوميدون البطل الإغريقي هرقل بإعطائه خيوله المقدسة، إذا قام بقتل الوحش وإنقاذ ابنته هيسيون. إلا أن لوميدون، كعادته، رفض الوفاء بوعده هذه المرة أيضا. حينئذ، انقلب عليه هرقل وجاء مع رجاله لكي يدمر طروادة. دفن لوميدون بالقرب من بوابة سين.

بالقرب من بوابة سين، جلس بريام وباقي المحاربون القدامى. بينما كانت هيلين تقترب بردائها الأبيض الجميل، كانت مثار إعجاب الرجال بجمالها ودلالها. وكانوا يتساءلون: "أليس غريبا أن يتقاتل الإغريق والطرواديون، ويقتل بعضهم البعض، من أجل امرأة مهما بلغ جمالها؟ أليس من الأفضل لها أن تبحر عائدة مع سفن الإغريق، بدلا من البقاء هنا لكي تجلب لنا ولأطفالنا المتاعب والدمار؟"

دعى الملك بريام هيلين قائلا: "اقتربي مني يا ابنتي العزيزة. اقتربي واجلسي إلى جواري. حتى ترين زوجك السابق وأقاربك وأصدقائك. أنا لا ألومك على كل المصايب التي حلت بنا حتى الآن. لكنني ألوم فقط الآلهة التي اختارتك لكي تكونين سبب سفك هذه الدماء الطاهرة"

ثم تساءل الملك بريام عن اسم البطل الإغريقي الذي يقف بجوار الرماح هناك، فأجابته هيلين قائلة: "مولاي الملك بريام، ليتني مت قبل أن أغادر وطني وأهلي وابنتي وزوجي، وقبل أن اتبع ابنك إلى هنا. أما هذا البطل، فاسمه أجاممنون. ملك اسبرطة وأخو زوجي السابق، أفضل من استخدم الرمح في الحرب. آه، أخجل من نفسي ومما فعلت بأهلي وأحبابي!"

تساءل بريام أيضا عن البطل أوديسيوس وعن الكثير من مقاتلي الإغريق العظام. وكانت هيلين تخبره بكل ما تعرفه عنهم، بينما كانت الدموع تنهمر مدرارا من عينيها حزنا لفراقهم وشوقا لوطنها الحبيب.

"لكنني لا أرى أمامي أخواي، كاستور مروض الأفراس، وبوليديوكيس بطل الملاكمة" تساءلت هيلين. "ربما لم يعبرا البحر ويأتيا مع الجنود" لم تكن هيلين تعلم بأن أخويها قد ماتا ودفنا في أرض وطنها الحبيب.

قدمت القرابين لكبير الآلهة زيوس، وقطع العهد بين أجاممنون، نيابة عن الإغريق، والملك بريام ممثلا للطرواديين. ثم ركب بريام عربته الحربية وغادر المكان. لم يكن يستطيع البقاء لمشاهدة ابنه الحبيب وهو يصارع مينلاوس. غادر المكان وهو يقول لنفسه: "يعلم زيوس وباقي الآلهة، أيهما سيقتل وأيهما ستكتب له الحياة".

قام هيكتور وأوديسيوس بوضع علامات على الأرض تبين موقع النزال بين الغريمين. ثم وضع هيكتور حصاتين في درع برونزي، وقام برج الدرع بشدة فسقطت حصاة باريس أولا على الأرض. لذلك، كان عليه أن يرمي رمحه البرونزي أولا.

وضع باريس على ساقيه رقائق سميكة للحماية، وثبتها بخيوط فضية. من كتفيه، كان يتدلى سيفه البرونزي المرصع بالفضة ودرعه الكبير. على رأسه، لبس خوذته التي تعلوها خصلة من شعر الخيل. وأمسك بيده رمحه القوي. هكذا كان مينلاوس أيضا يلبس ويسلح نفسه أمام باريس.

وقف باريس ومينلاوس برهة وجها لوجه، يرمق كل منهما الآخر. الرمح في يمينه والغضب والغل يملآن قلبه. ثم ألقى باريس رمحه بكل عزمه نحو مينلاوس، فأصاب درعه. لكن الدرع كان من الصلابة، لم تسمح للرمح باختراقه.

رفع مينلاوس يديه إلى السماء متضرعا إلى كبير الآلهة زيوس، صارخا متوجها بالدعاء:

"أيها العظيم زيوس، هبني من لدنك النصر. على من آذاني وخانني ومرغ شرفي في الوحل. ساعدني على الانتقام ، حتى يكون عبرة لمن يأتي من بعدي، وعظة لكل من يفكر في خيانة مضيفه، الذي رحب به من قلبه، وفتح له أبواب داره، وائتمنه على أسراره، وأطلعه على خفايا بيته"

ثم ألقى مينلاوس رمحه بكل عزمه نحو باريس. فاخترق درعه اللامع، ونفذ إلى الجانب الآخر لكي يمزق لباس باريس من ناحية الفخذ. لكن باريس تجنب الضربة ونجى من الموت بأعجوبة.

حينئذ، سحب مينلاوس سيفه المرصع بالفضة من جرابه، وجرى متوجها إلى غريمه باريس، وهوي به على خوذته. لكن السيف تكسر إلى أربع قطع وسقط مقبضه من يد مينلاوس.

"يا لك من إله عنيد يا زيوس!" صرخ مينلاوس غاضبا. "ضاعت رمية رمحي هباء، وتفتت سيفي في يدي، لكن روح الانتقام لازالت تغلي كالمرجل في عروقي. " قال هذا، ثم وثب على باريس وأمسك به من حافة خوذته. طرحه أرضا ثم سحبه ناحية صفوف الإغريق.

إلتف الحزام الجلدي المطرز أسفل خوذة باريس على رقبته فكاد أن يخنقه. هنا سارعت أفروديت بفك الحزام بدون أن يلاحظ أحد ذلك، وقبل أن يقتل باريس بطريقة مخزية.

عندما تيقن مينلاوس أنه يقبض على خوذة فارغة، وأن باريس قد هرب من قبضته، طرح الخوذة جانبا. أخذ رمحا ثانيا عازما على القضاء على غريمه هذه المرة. لكن الإلهة أفروديت، انتشلت باريس من على الأرض بسرعة. أخفته بطبقة ضباب كثيفة غطت المكان، ثم نقلته إلى بيته بعيدا عن ساحة النزال.

جن جنون مينلاوس، وأصبح كالثور الهائج، يجري هنا وهناك باحثا عن غريمه وألد أعدائه. لكن لا أحد يعرف مكان باريس. الطرواديون أنفسهم لم يكونوا يحبون باريس، بسبب ما قد سببه لهم من متاعب. من ثم، لم يكن أحدا منهم مستعدا لمساعدته على الهرب.

وقف أجاممنون يصرخ قائلا: "أجيبوني أيها الطرواديون. لقد انتصر مينلاوس على باريس كما رأيتم أمامكم. أعطونا هيلين وكل مقتنياتها، وعوضونا عما أصابنا من أضرار خلال الأيام الشريرة الماضية."

استقبل جنود الإغريق كلام قائدهم أجاممنون بالبهجة والسرور. بينما كان هيكتور، أخو باريس، وابن الملك بريام، يستعد لمغادرة المكان، جاءت مجموعة من النساء، من ناحية شجرة البلوط بجوار أبواب طروادة، تجرين نحوه. هن بنات وزوجات الجنود الطرواديين. جئن تبغين معرفة مصير ذويهن.

عندما عاد هيكتور إلى قصر والده، جاءت الملكة هيكوبا، والدته لمقابلته. أمسكت بيديه وبللتهما بدموعها وهي تقول: "هل أنهكتك الحرب يا هيكتور، فتركت ساحتها؟ دعني أقدم لك كأسا من الشراب ينعشك ويطفي ظمأك"

"لا أريد شرابا يا أمي العزيزة"، أجابها هيكتور. "حتى لا يفتر عزمي ويكل ساعدي وتهرب شجاعتي. من الأفضل أن تذهبي إلى معبد الإلهة أثينا، وأن تقدمي لها القرابين. راجية منها أن ترفق بطروادة، وترحم نساء وزوجات وأطفال الطرواديين. أما أنا، فسأبحث عن باريس"

ذهبت هيكوبا ومجموعة من أمهات محاربي طروادة إلى معبد أثينا للصلاة وتقديم القرابين. ولكن أثينا لم تلتفت إلى صلاتهن ودعائهن، أو تتقبل قرابينهن. فهي لازالت غاضبة من باريس، بسبب تفضيل أفروديت عليها وإعطائها التفاحة الذهبية بدلا منها.

بينما جرى هيكتور والرمح في يده نحو القصر لمقابلة باريس أخيه. باريس، بشعره الذهبي، كان جالسا في غرفته مع هيلين، يعالج درعه المثقوب ويفحص قوسه ونشابه.

بتهكم وصوت ملئ بالحزن والمرارة، صرخ هيكتور في أخاه باريس قائلا: "جنودنا تسقط مثل أوراق الخريف في المعركة من أجلك، وأنت جالس هنا مستكين؟ قف قبل أن يقوم أعداؤنا، الذين عادونا بسببك، بحرق مدينتنا وتدمير مبانيها ومساواتها بالأرض"

أجاب باريس أخاه قائلا: "معك كل الحق، يا هيكتور، في إدانتك لي. حتى هيلين، تحثني أن أسلك مسلك الرجال وأعود إلى المعركة. أمهلني برهة وجيزة حتى أتمكن من تجهيز عتادي وحمل سلاحي. وستجدني قد سبقتك إلى المعركة" لكن هيكتور لم يجبه بكلمة واحدة.

هنا بادرت هيلين هيكتور قائلة: "أخي هيكتور. أعلم أنني لست أهلا بأن أكون أختا لك. يا ليتني مت يوم مولدي، بدلا من أن تكتب لي الأقدار وترتضي لي الآلهة هذا المصير التعس.

استرح هنا يا أخي العزيز. فلقد قاسيت الأمرين بسببي غبائي وتهوري، أنا المخلوقة البائسة، وبسبب خطيئة أخيك باريس. إنني أعلم جيدا، أن العقاب لكلينا قادم لا محالة. عقاب سيذكر خبره على مر الأزمان. تتناقله الأجيال وتتحدث به الركبان."

"لا تطلبي مني أن أستريح، يا هيلين." أجابها هيكتور. "فلقد عقدت العزم على مساعدة الجنود الطرواديين. إنهم في أمس الحاجة لي الآن. لكن ساعدي هذا الشخص على النهوض لكي يتبعني. سأذهب لكي أودع زوجتي الحبيبة وأقبل طفلي الصغير. فلا أدري سأراهما مرة أخرى بعد ذلك أم لا."

لكن هيكتور لم يجد في بيته زوجته أندروماكا أو طفله الصغير. "أين ذهبت سيدتك؟" سأل هيكتور إحدى الخادمات. "آه يا مولاي، لقد جاءتنا الأنباء بفوز الإغريق على الطرواديين. لهذا، أسرعت مولاتي أندروماكا ومعها طفلها ، إلى أسوار المدينة لكي ترى بنفسها ما قد حدث. ستجدها هناك عند البرج تقف تبكي وتنتحب."

غادر هيكتور وسار مسرعا في نفس الطرق التي أتى منها. عندما اقترب من أبواب المدينة، هرعت زوجته أندروماكا لمقابلته والارتماء بين ذراعيه. نظر هيكتور بصمت إلى طفله الجميل، أستياناكس، الذي تحمله أمه وابتسم. اسم الطفل يعني "حامي المدينة".

قالت أندروماكا لهيكتور: "زوجي العزيز، ستتسبب شجاعتك في مقتلك. ألا تشفق على طفلك الذي سيصبح يتيما، وامرأتك التي ستترمل من بعدك؟ أليس من الأفضل أن أموت أنا فداؤك. لأن موتك سيجعلني أبكيك إلى الأبد. ليس لي أب أو أم. إخوتي السبعة قد قتلوا في الحرب. أنت أبي وأمي وكل إخوتي، يا هيكتور. وأنت أيضا زوجي الحبيب وأبو ولدي. ارحم زوجتك واعطف على طفلك وابق معهما."

"أعرف كل هذا، يا زوجتي الحبيبة" أجابها هيكتور، "لكن لن أستطيع محو العار الذي سيلازمني أبد الدهر، إن هربت كالجبان من المعركة. لقد كنت دائما المقاتل الشرس، المنتصر، فخر عائلته ووطنه. لكن، حالا سيذهب كل هذا المجد والفخار. فلدي إحساس غامض يسيطر على عقلي وقلبي، يخبرني أن طروادة ستسقط وتدمر.

مع هذا، أسفي على تدمير طروادة وموت أبي وأمي وإخوتي وأخواتي وكل الأبطال، لا يعادل أسفي عليك وأنت تقادين بين الأسيرات، مقيدة بسلاسل العبودية. أفضل أن أموت وأدفن وتعلوني الأتربة، على أن أسمع بكاءك في هذا الوضع يا أندروماكا."

قال هيكتور هذا، واقترب برأسه ومد يده ليلمس جسد طفله الصغير. لكن الطفل خاف من خصلة شعر الفرس التي تعلو خوذة والده، فأسرع بدفن وجهه في صدر أمه.

وضع هيكتور خوذته على الأرض، حمل طفله بين ذراعيه يقبله برفق ويداعبه، ثم قام بالدعاء للإله زيوس قائلا: "يا زيوس العظيم، أيتها الآلهة، امنحوا طفلي هذا الشجاعة والقوة حتى يصبح مقاتلا وملكا على طروادة. دعوا شهرته تبلغ الآفاق بأنه أشجع من والده، واجعلوه فخرا لقومه وعزاء لوالدته.

ترك هيكتور طفله بين يدي والدته، أندروماكا، التي لم تتوقف دموعها. لقد كان قلب هيكتور مليئا بالحنان والرقة والحب. داعب زوجته قائلا: "زوجتي العزيزة. لا تخافي، ولا تحزني. فلن يستطيع مخلوق قتلي قبل انقضاء أجلي. عودي إلى بيتك، وانشغلي بمغزلك ومراقبة خدمك. دعي الحرب لنا نحن الرجال، رجال طروادة"

وضع هيكتور خوذته على رأسه، وغادرت زوجته وطفلهما المكان وهي تلتفت خلفها، لتلقى بعينين اغرورقا بالدموع، نظراتها الأخيرة على زوجها الحبيب.
جاء باريس مسرعا، والابتسامةترتسم على وجهه، يتبع أخاه هيكتور. عتاده كان يسطع تحت ضوء الشمس.

"أخشى أن أكون قد تسببت في تأخيرك" قال باريس لأخيه. فأجابه هيكتور: "لم يذكر أحد شيئا عن شجاعتك. أنت الذي جلبت الخزي لنفسك بنفسك، بهروبك من المعركة. دعنا نتقدم الآن، لعل الآلهة تمكننا من أعدائنا الإغريق."

ثم ذهب هيكتور وأخيه باريس إلى المعركة لنزال الإغريق. في ذلك اليوم، سقط بأيدهما كثيرا من المحاربين الإغريق ولقوا حتفهم.

وللحديث عن رائعة هومير، الإلياذة بقية. فإلى اللقاء.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإلياذة لهوميروس 1
- القرية المصرية في الزمن الجميل
- فاطمة ناعوت وازدراء الأديان
- ما هكذا يا سيسي تورد الإبل
- هل الديمقراطية شئ ضروري؟
- تطور الأخلاق
- تطور الفكر الديني في القرن التاسع عشر
- طيور لا تبني عشوشا
- طيور تبني حضانات للبيض
- نعم مصر دولة علمانية بالفطرة يا شيخ برهامي
- هيكوبا - ليوريبيديس
- ثلاث قطع نقود - بلاوتوس
- أساطير السماء – برج الدجاجة
- أساطير السماء – برج العذراء
- أساطير السماء – برج الدلو
- أساطير السماء – برج الدلفين
- أساطير السماء – برج الحمل
- أساطير السماء – برج الأسد
- ماذا نفعل مع داعش؟
- أساطير السماء – برج السفينة


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الإلياذة: القتال بين باريس ومينلاوس