ما هكذا يا سيسي تورد الإبل

محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 5055 - 2016 / 1 / 25 - 09:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

قال الرئيس عبد الفتاح السيسى أنه سيقدم كل الدعم لمجلة "نور" الخاصة بالأطفال ، والتى يصدرها الأزهر الشريف. لأنها تشكل ثقافة حقيقة ، ونحتاج إلى أن نصل لـأولادنا ونكلمهم" ثم أضاف سيادته إلى ما قاله: "سوف أدعم مجلة نور ونقوم بعمل الترجمة اللازمة لها. فالأطفال يحتاجون ايضا للثقافة وليس للأكل والشراب فقط"

"نور"، بطل المجلة التي تُصدرها رابطة خريجي الأزهر، والتي يترأس مجلس إدارتها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.

تقول دكتورة نهى عباس رئيسة التحرير التنفيذي للمجلة، إن «نور» ليست مجلة دينية، بل هي مجلة فقط للطفل، و تم إصدار 3 أعداد من المجلة، وإنه تم اختيار اسم الفتى نور لأن الهدف من المجلة هو تنوير عقول الأطفال، والمجلة تقدم لأطفالنا جوهر الأديان الصحيح، والأخلاق الحميدة ، كما أنها تهتم بالجانب العلمي والتاريخي.

تؤكد دكتور نهى أن مجلة «نور» تستهدف التواصل مع الأطفال بلغة مبسطة والجمع بين عنصر الجذب للمادة العلمية؛ لتعريفهم بتاريخ بلدهم، وتعريفهم بتاريخ الأزهر الشريف ودوره في نشر الفكر الوسطي للإسلام، وتنشئتهم على القيم الإنسانية النبيلة، وتنقية عقولهم من الأفكار المتشددة، وغرس قيم الانتماء للوطن في نفوسهم، بالإضافة إلى ملء الفراغ الثقافي، وتعزيز المنهج العلمي لديهم ،وتشجيع مواهبهم وتنمية مهاراتهم.

وكان الإمام الأكبر قد أعرب عن سعادته بتدشين مجلة "نور"، مؤكدًا أن هذه المجلة ضرورة بالنسبة لأطفالنا؛ لتميزها عن مثيلاتها التي تقدم نماذج غربية لا تعبر عن هوية الطفل المصري ولا عن حضاراتنا ولا قيمنا ولا تقاليدنا، فهي ليست كالمجلات التي تحتوي على معلومات وأفكار صنعت في ثقافات مختلفة، مضيفًا أن المجلة درست احتياجات أطفالنا ولذلك جاءت معبرة عما يتلاءم ويتناغم مع واقعنا من ترسيخ قيم الوطنية والثقافة العامة والتربية الدينية.

فكرة إصدار مجلة تخاطب عقل الطفل وتعمل على تثقيفه وتربيته، شئ رائع بكل المقاييس. لكن لي بعض التساؤلات ولدي بعض الشكوك بالنسبة لهذه المجلة.

لماذا تصدر مجلة نور عن طريق مشيخة الأزهر وتحت إشرافه؟ رئيس مجلس إدارتها هو الشيخ الدكتور أحمد الطيب بنفسه. موقف الرجل من القضايا العلمية معروف. فهو متورط في عدائه لنظرية التطور بحجة أنها لا تتفق مع ما يؤمن به من معتقدات دينية.

فهل هذه هي الطريقة التي نريد أن نربي بها أولادنا؟ أي نربيهم على رفض كل شئ علمي لا يتفق ما نؤمن به ولا يتواءم مع ما وصلنا عن السلف الصالح من تفاسير وأساطير وإسرائيليات؟

لماذا لا تصدر مجلة نور عن طريق وزارة الثقافة أو هيئة مستقلة من كبار المثقفين والأدباء؟ لماذا الأزهر بالذات هو الذي يقوم بتربية أطفالنا؟ هذا يذكرني بفترة حكم الإخوان وتكالبهم مع السلفيين للسيطرة على وزارات الثقافة والإعلام والتربية والتعليم.

هل نجح الأزهر في أي موضوع منذ إنشائه يخص هذا البلد؟ هل له فائدة بالمرة، غير أنه يكمم الأفواه ويقيم محاكم التفتيش ويسلب الناس عقولها وأرواحها؟

هل ساهم الأزهر أو كان له دور ولو بسيط في الحضارة الإنسانية؟ أين كان يختبئ أثناء الاحتلال العثماني الذي حول مصر إلى خرابة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؟

أين كان عندما قامت الثورة العلمية والصناعية والإجتماعية في أوروبا؟ وهل قضية المساواة والإخاء بين البشر وإلغاء الرق ومنع السخرة والمطالبة بالحرية ومبادئ حقوق الإنسان أتت عن طريقه أم عن طريق من بالضبط؟

ما هو موقف الأزهر من الفنون، والموسيقى والألعاب الرياضية والأدب والمسرح والسينما والرقص والباليه والأوبرا؟ ما هو موقف الأزهر من العفاريت والشياطين التي تسكن في المناخير والتي تضاجع الزوجات؟

ما موقفه من الجان وأبو رجل مسلوخة والثعبان الأقرع، وابن عمه الأقرع الحابس؟ ما موقفه من العلاج ببول الإبل وحديث الذبابة إذا انتشر وباء الكوليرا لا قدر الله؟ ما رأيه في كروية الأرض ودورانها حول الشمس؟

ما موقفه من إقامة الخلافة؟ وما رأيه في حركة إصلاح الخطاب الديني التي ينادي بها الرئيس السيسي؟ ولماذا يكمم الأفواه ويرفع قضايا الحسبة ويقوم بالتهديد والوعيد لكل من يجروء على رفع صوته مناديا بالإصلاح أو يقوم بمجرد التفكير فيه بصوت عال.

يا سيدي لقد قام بسجن إسلام بحيري، ولم يكف عن التهديد بسجن إبراهيم عيسى، وقام بترويع المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم، الغلبان ومتواضع الثقافة، لأنه تجرأ ولبس عمامة الأزهر وقرأ آيات من القرآن على أرواح موتاه في جلسة عائلية. أي والله هذا ما حدث.

لبس عمامة الأزهر أصبحت جريمة لا تغتفر. نعم لم يترك الأزهر المطرب الشعبي إلا بعد أن خر صاغرا جاثيا على ركبتية، بعد أن أجهش بالبكاء نادما على ما فعل أمامنا على شاشة التلفاز في برنامج العاشرة مساء.

لقد طاردت محاكم التفتيش بمباركة الأزهر الفنانة صافينار والفنانة انتصار وغيرهن بتهمة نشر الفسق والفجور. فهل من يقوم بإقامة محاكم التفتيش في القرن الواحد والعشرين يصلح لتربية البراعم الصغيرة الغضة من أبنائنا؟

الأزهر هو المسؤول عن تحجب كل نساء مصر بحجة أن الحجاب والنقاب من أركان الدين الحنيف الذي لا يجب المساس به. ويعلم الله أن لباس الإنسان ليس له علاقة بالعقيدة والإيمان. فالرسول لم يأتي بلباس مخصوص وأنما كان يلبس لباس أهله وقومه وعشيرته.

ألم يرفض الأزهر تكفير بتوع داعش الذين يقتلون الأبرياء بالشبهة وبسبب اختلاف فهمهم للعقيدة، ويقومون بهتك الأعراض وسبي النساء والأطفال وتدمير الأوطان ونشر الفساد في ربوع البلاد.

حجة الأزهر أن داعش تقتل فقط ولكنها لا تكفر بالله. مثل حرامي الحلة وسارق الدواجن ولص الغسيل من فوق السطوح. يقول شيخ الأزهر، إن كفّرنا كل مجرم فسوف يصبح الكل كفارا! بالذمة ده منطق. هناك فرق يا فضيلة الشيخ بين من يقتل باسم الدين، ومن يقتل بسبب الثأر أو يسرق لكي يأكل ويطعم أولاده.

هل نجح الأزهر في تنقية مؤسساته من الإخوان والسلفيين والوهابيين الذين يعششون بين صفوفه مثل العفن؟ ثم يأتي السؤال الهام الذي لا أجد له إجابة: هل الأزهر هو المكان المناسب الذي نوكل إليه تربية أولادنا؟

إذا قمنا بإصدار مجلة للأطفال تحت إشراف الأزهر لكي تبين للنشء أمجاد علماء المسلمين والعرب كما يقولون، أليس من الواجب الإنساني والحضاري أن نصدر مجلة أخرى للأطفال تحت إشراف الكنيسة المصرية، فهي أعرق وأقدم وأكثر وطنية من مؤسسة الأزهر.

إذا انقسمت ثقافتنا إلى ثقافات دينية مختلفة، واحدة إسلامية والأخرى مسيحية، أليس هذا يعتبر كارثة محققة تشق الصف وتمهد لتقسيم البلد في المستقبل؟

إذا كنا نبغي نشر الثقافة الإسلامية بين الأطفال عن طريق الأزاهرة، وتعريفهم بأمجاد العلماء المسلمين والعرب ومدى مساهمتهم في الحضارة الإنسانية التي نعيش فيها، فهل سنبين لهم ما قد عاناه هؤلاء العلماء من اضطهاد على أيدي السلطات والمجتمعات الإسلامية؟

إذا كنا سنقوم بتوضيح التاريخ الإسلامي لأطفالنا، فهل سنذكر لهم التاريخ على حقيقته والمسكوت عنه منه؟ هل سنذكر لهم أن خالد بن الوليد قام بقتل مالك بن نويرة وطبخ رأسه لكي يحظى بإمرأته فائقة الجمال؟

هل سنذكر لأطفالنا أن يعقوب بن اسحق الكندي، فيلسوف العرب، عندما قال "إن العقل جوهر التقرب إلى الله"، اتهم بأن أفكاره تتعارض مع الدين، ثم تم طرده من بلاط الخليفة المتوكل وحرق كتبه وجلده في ميدان عام وسط تهليل المؤمنين الأبرار، وهو شيخ مسن تعدى سنه الستين؟

هل سنذكر لهم أن أبوبكر الرازي الفارسي، الذي يعتبر أشهر أطباء وعلماء عصره، قد هاجمه رجال الدين المتعصبين؟ فطرد من عمله وصودرت كتبه، ثم تم اعتقاله وضربه على رأسه بكتبه حتى فقد البصر. وعندما تطوع أحد تلاميذه بعلاجه، رفض وقال لقد نظرت إلى الدنيا حتى مللت.

هل سنقول لهم أن ابن رشد القرطبي، الذي ساهم بشكل كبير في نهضة أوروبا بسبب فلسفته وشرحه للفكر الأرسطي، قد نكب على يد السلطان المنصور بن أبي يعقوب ، سلطان الموحدين، فأحرقت كتبه واتهم بالإلحاد، وطرد من المجالس، ثم تم نفيه بعيدا عن الأندلس.

هل سنذكر في مجلة نور أن محي الدين بن عربي الأندلسي الصوفي المشهور، بعد تأليفه، "الفتوحات المكية"، قيل عنه أنه كافر مخلد في النار. فهجره طلابه وعاش بقية حياته في خوف ورعب إلى أن مات وحيدا فريدا غير مأسوف عليه.

أما أبو نصر بن محمد بن طرخان الفارابي، من خراسان، الفيلسوف وعالم المنطق، قال عنه ابن عماد في شذرات الذهب، أنه أكثر العلماء كفرا وزندقة، وقال عنه الغزالي أن الفارابي لا شك في كفره هو وابن سينا.

ابن المقفع، الذي كان يجمع بين لغة العرب وصنعة الفرس وحكمة اليونانيين، ومؤلف كتاب كليلة ودمنة، والأدب الصغير، والأدب الكبير. وكتب أخرى كثيرة، والذي كان يوضح ما ينبغي أن يكون عليه الحاكم إزاء الرعية، وما يجب أن تكون عليه الرعية إزاء الحاكم.

أغضبت آراؤه الخليفة المنصور في صدر العصر العباسي الأول. فاتهم ابن المقفع بالكفر، وقطعت أطرافه وفصلت رأسه، وألقي بباقي جسده في النار.

الحلاج المتصوف الإسلامي المشهور، اتهمه الخليفة المقتدر بالله بالكفر، وحكم عليه بالموت. فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضربت عنقه، وأحرقت جثته بالنار. ثم ألقي مابقي من تراب جثته في نهر دجلة.

شيخ الاستشراق المتصوف السهروردي، في عصر صلاح الدين الأيوبي، تم قتله بنفس الطريقة التي قتل بها الحلاج من قبل.

الإمام ابن حنبل، قام الخليفة المعتصم بسجنه وتعذيبه.

هل سنجمل تاريخنا الحقيقي ونخفي ما به من عفن أم سنذكره بأمانة لأطفالنا ونتركهم يحترمون عقولهم ويختارون ما يتوافق مع العلم والمنطق والفطرة السليمة؟

هل سنذكر لهم الأحاديث الصحيحة التي تقول:
عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال، ‏ ‏أرسل ملك الموت إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏عليه السلام ،‏ ‏فلما جاءه ‏‏ صكه ‏ ‏ففقأ ‏ ‏عينه فرجع إلى ربه، فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال فرد الله إليه عينه، وقال ارجع إليه ،فقل له يضع يده على متن ثور. فله بما غطت يده بكل شعرة سنة. قال أي رب ثم مه، قال ثم الموت، قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة ‏ ‏رمية بحجر، ‏ ‏فقال رسول الله ‏ صلعم‏ ‏فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت ‏ ‏الكثيب ‏ ‏الأحمر .

عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال: إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا. البخاري

عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلعم، إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل، فحلوهم فأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، واطفئوا مصابيحكم. البخاري

عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلعم، ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. قالوا وإياك يا رسول الله، قال وإياي. إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. مسلم

عن عثمان بن أبي العاص أنه أتي النبي صلعم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلعم، ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا، قال ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. مسلم

عن جابر أن رسول الله صلعم، رأي امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تعمس منينة لها، فقضى حاجته. ثم خرج إلى أصحابه فقال، إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان. فإذا أبصر أحدكم امرأة، فليأتي أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه. مسلم

عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال، إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه. مسلم

عن سهيل بن أبي صالح قال، سمعت عن رسول الله صلعم أنه قال، إذا تثاوب أحدكم، فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل. مسلم

عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال، إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع التأذين...مسلم

عن ابن عمر أن رسول الله صلعم قال، إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب، فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله. مسلم

بعد أن كان يتولي تربية أولادنا فلاسفة وعمالقة وعلماء ومربيين أمثال رفاعة رافع الطهطاوي وعلى باشا مبارك وأحمد لطفي السيد وأحمد أمين وطه حسين، أصبحنا نوكل أمر ومصير أطفالنا إلى شيخ الأزهر ومشيخته ووكيله ونجومه الباثقة.

سؤالي للرئيس السيسي، هو لماذا لا تنتظر حتى ترى مدي جدية رجال الأزهر في عملية تصحيح الخطاب الديني وتنقيح مناهج الطلبة من المصايب والكوارث التي تدرس لهم، قبل أن توكل إليه مهمة تربية النشئ تربية دينية عن طريق إصدار مجلة نور الأزهرية؟

#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات