أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم نافل والي - قصة قصيرة جداً بعنوان/ من داخل الزنزانة














المزيد.....

قصة قصيرة جداً بعنوان/ من داخل الزنزانة


هيثم نافل والي

الحوار المتمدن-العدد: 5170 - 2016 / 5 / 22 - 17:42
المحور: الادب والفن
    



يخال أن الإنسان الطيب اليوم ممقوت من الآخرين، وعليه فوق ذلك أن يدفع ثمن طيبته وبساطته ورقته وهدوئه للناس الذين يحيطون به لأن الله جبله على هذه الطباع الجميلة الوادعة المحبوبة سمعته وحريته ويحارب حتى في رزقه ويودع السجن إن تطلب الأمر ذلك!.
خلع ضمير مخسوف الخدين غائر العينين بأيدي مرتجفة بجلسته المقرفصة في زنزانته الباردة التي تشبه كهف في بطن الجبل قميصه المدعوك فاقد اللون بسبب إستهلاكه ناقص الأزرار من كثرة أرتدائه، عض ياقة قميصة بأسنانه ليفصل قماشها عن الورق المقوى الأسمر الذي يغلفها، نجح بعد جهد كلفه اللهاث وسيل من اللعاب المر، أخرج القصاصة الورقية منه، لبس قميصه الممزق الياقة مجدداً، زرر الأزرار المتبقية إتقاء البرد الذي كان قد حل في عظامه لا يريد أن يفارقه، هو لم يشعر بان أرتداء القميص سيقيه برودة ورطوبة الزنزانة، بل فعلها بشكل روتيني لم يعِ إليه، أخرج من فتحة بنطاله الجانبية الممزقة المثقوبة قطعة من الخشب بحجم عود الثقاب كانت بقايا من قلم رصاص أحتفظ به وقت الضرورة، بلل قمته الخاوية الجرادء السوداء وكتب على ورق المقوى الذي أخرجه من ياقة قميصة منحنياً كأنه يعاني قصر النظر بسبب الإنارة الخافتة التي تشبه ضوء يشعه سراج يحتضر:
" كنت شريفاً قبل أن أودع السجن، فترة لا أستطيع الآن حساب أو تقدير وقتها بسبب النسيان، ضاع مني التاريخ الذي كنت أتغنى به كرجل شريف، أقصد هنا بالتحديد، كنت أعمل كمصير مشترك بين الشرفاء قبل أن أصبح عاطلاً محبوساً في زنزانة باردة كسرداب تذبح وتقصب فيه الكباش، كانت في وقت ما لم أعد أذكره أعمالنا الحسنة، الطيبة، الجميلة، السخية هي نفسها أثامنا في نظر الآخرين من أبناء نسلنا الذين كنا نظن بأنهم من صنفنا، وشوا بنا أصحاب العمل، قالوا عنا ما لايقال، سخطوا علينا، أمروا بمعاقبتنا على ما اقترفنا من فضيلة أصبحت في زمنهم حائلة اللون من طيبة وبساطة وتواضع وحب الناس ومساعدتهم، طردنا من رزقنا، أودعنا السجن، وها أنا أكتب إليكم أطلب الرحمة من الله والعفو منكم على ما اقترفت يدي من شرور وسوء يخل بنظام المجتمع، أكتب إليكم وأنا أشعر بأنني أموت في مكاني ".
ضمير
بعد أن شله التعب توقف عن الكتابة، طوى ورقته السمراء التي انتزعها من ياقة قميصه بحرص، تسربل في مشيته حتى باب الزنزانة، طرقها بيد مرتجفه راعشة، فتح الحارس الغليظ الطويل كأحد العمالقة السالفين الفتحة الوحيدة التي تمتلكها الزنزانة وسط الباب كعين وحش منها غذائهم وشربهم كما شتيمتهم وسبابهم يتلقفون، صاح بصوت كريه يشبه صرير الحديد على الحجر:
- ماذا تريد يا سجين؟
- إغفر لي عملي، سامحني على جرأتي، كل ما أطلبه أن ترسل هذه الرسالة إليهم!.
- رسالة!، إليهم!، ممن يكونون؟
بصوت واهن كمن حانت ساعته:
- كل شيء مكتوب فيها ومدون، لن أجعلك تتحير، خذها وحقق لي رغبتي الأخيرة في الحياة، أرجوك.
دون أن ينبس العملاق، تلقفها بخشونة، دعكها بقوة، طواها في يده كأنه يحطم عصفور صغير، أغلق الفتحة، عاد النور الباهت الأقرب إلى الظلمة يغلف المكان ويمتصه.
تراجع الحارس خطوتين، أرتجت الأرض من تحته، أسند الورقة على يده، بدت كراحة كفه، أو كورقة خس صفراء ذابلة نساها الزمن، قرأ ما جاء فيها، ضحك من خيبة ضمير، كانت بالنسبة له هذيان محموم أو مجنون، دقق النظر فيها فلم يجد كما توقع أي عنوان، تدحرج في مشيته نحو مشبك حديدي مغروس في جدار الممر وفتحاته تطل عن علو على شارع المدينة الكبيرة الواسعة الصاخبة بالحياة، أمسك ياقة قميص ضمير وبدأ بتقطيعها إلى أجزاء صغيرة، يقذف بها في الهواء عبر فتحات المشبك الحديدي وهو ينظر لها مغتبطاً بعمله بعد أن شعر بزهو كبير ونظره لم ينزل عن قصصات الورق التي بدأت تنتشر في الهواء وتسقط على الأشجار ورؤوس الناس وأسفلت الشوارع كالمناشير.. في حين ظل ضمير يردد حتى آخر نفس من عمره بجلسته المقرفصة داخل زنزانته الباردة قول الكاتب الروسي العالمي خالد الذكر دوستوفسكي" كل شيء يتم في هذا الزمان على نحو عجيب حتى البر والإحسان ".



#هيثم_نافل_والي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان/ الإنسان الفنان
- قصة قصيرة بعنوان/ حظ السعد
- قصة قصيرة جداً بعنوان/ سلطة الأب الشرقي
- قصة قصيرة بعنوان/ أنا الصابئية
- قال بعنوان/ الإرادة الواعية
- اللغة من منظار آخر
- قصة قصيرة بعوان/ صحوة الضمير
- قصة قصيرة جداً بعنون/ رجل الصيانة
- قصة قصيرة بعنوان/ أنا آسف
- مقال بعنوان/ كيف سيطر الغرب على الشرق؟
- قصة قصيرة بعنوان/ بيت الأحلام
- قصة قصيرة بعنوان/ الملعون
- قصة قصيرة بعنوان/ الجوهرة المفقودة
- قصة قصيرة بعنوان/ ساحل البحر
- قصة قصيرة بعنوان/ ملح العيون
- قصة قصيرة بعنوان/ لغز غازية العرافة
- قصة من مشهد واحد بعنوان/ موت على رصيف الغربة
- قصة قصيرة بعنوان/ كل شيء إلا الخيانة
- قصة قصيرة بعنوان/ موقف
- قصة قصيرة بعنوان/ الندم


المزيد.....




- ريتا حايك تفند -مزاعم- مخرج مسرحية -فينوس- بعد جدل استبدالها ...
- الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بالجزائر.. آفاق واعدة ...
- احتفاء بالثقافة العربية و-تضامن مع الشعب الفلسطيني-... انطلا ...
- طلبة -التوجيهي- يؤدون امتحانات -الرياضيات- 2- و-الثقافة العل ...
- هنا رابط مباشر نتائج السادس الإعدادي 2025 الدور الأول العلمي ...
- سوريا الحاضرة من نوتردام إلى اللوفر
- كيف استخدم ملوك مصر القديمة الفن -أداة حكم- سياسية ودينية؟
- موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. استعلم عن نتيجتك
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- “متوفر هنا” الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ا ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم نافل والي - قصة قصيرة جداً بعنوان/ من داخل الزنزانة