عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 5166 - 2016 / 5 / 18 - 20:01
المحور:
كتابات ساخرة
مجلس عزاء في السوشيال ميديا
قبل ثلاثة ايام ، ماتتْ فجأةً "صديقة" فيسبوكيّة شابّة و جميلة ، بعد اصابتها بأزمة قلبيّة حادة .
ذهبتُ الى مجلس"الفاتحة" في يومهِ الأوّل ، لأنّ زوجها كان من اقربائي .
كانتْ القاعةُ خاويّةً ، وليس فيها سوى زَوْج الفقيدة ، و والدها ، وثلاثة افراد من الجيران.
جاء زوجها الى حيث أجلسُ ، وسلّمَ عليّ ، فقلتُ لهُ : عجيب . لماذا لم يحضر الى مجلس الفاتحة أحدٌ ، من اولئكَ الكثيرين الذين كانوا يعرفون زوجتك ؟
أجابَ الزوجُ مذهولاً : ماذا تقصد ؟
قلتُ : لقد كان لديها 5000 "صديق" ، و 15000 "مُتابِعْ" ، و 20000 "صديق مُشتَرَك" .. وعندما كانتْ تكتبُ ، أيّ شيءٍ يخطرُ على بالِها ، على "جدارها" الخاص ، حتّى لو كان : أنا "ضايْجَة" .. فإنها كانتْ تحصلُ خلال دقائق على 6.4k "لايك"، و 800 "تعليق" ، و 600 "مُشارَكَة" .. والجميع يلهثون وهم يكتبون : رائع . "إنتي شنو" . ما هذا الجمال . مذهلة . فظيعة . عظيمة . أنتِ قنديل الفيسبوك المضيء . أنتِ ملحُ الفيسبوك المُطَعَّمْ بـ " اليود " .. و العالمُ موحِشٌ بدونكِ .
طبعاً أنا لم أكنْ اعرفُ أنّ الزوجَ لا يملكُ "حساباً" في الفيسبوك ، وأنّهُ لم يكن يعرفُ كلّ ذلك ، لأنّهُ لم يكن يتواصلُ من خلاله مع الناس .. لذا قالَ لي بغضبٍ عارمٍ ، وهو يكزُّ على أسنانه: وما دمتَ ذئباً فيسبوكيّاُ "أمْعَطاً" ، لماذا لم تخبرني بذلكَ في حينه ؟ ألستَ قريبي ، وبمقام والدي ، وزوجتي بمقام ابنتكَ ، و "عَرْضَنا " واحد ؟
لم أعرف بماذا أجيب . فقد كان قريبي الشاب على وشك الإصابة بجلطة دماغيّة قاتلة ، بعد كلّ هذه التفاصيل المُفجِعة ، التي كان يسمعها منّي لأوّل مرّة ، و بنجاحٍ ساحق .
و عند هذه اللحظة التاريخيّة الفارقة من الخيبة والاحساس بالخيانة ، نهضَ قريبي ، وذهبَ الى والد زوجته ، وقالَ لهُ بصوتِ مسموع ، وهو يغادرُ القاعةَ مع أشقّائهِ : مجلسُ العزاءِ هذا لكَ وحدك ، والفاتحةُ فاتحتكَ وليستْ فاتحتي .. وبالعافية عليك .
بعد ذلك بثوانٍ قليلة ، صحتُ أنا أيضاً ، وبأعلى نغمةٍ صوتيّةِ ممكنة : الفاتحة .
ودون أن أتحقّق من أنّ أحداً قد انتبهَ إليّ ، قفزتُ من مقعدي كالملدوغ ، وتعثّرتُ بأربعِ مناضدَ خشبيةٍ ثقيلة ، عليها عشرُ قنانٍ من الماء البارد التي لم يشرب منها أحد .. وحدث كلّ ذلك بينما كنتُ أتلمّسُ طريقي كالأعمى .. مُهرْوِلاً نحو باب الجامع .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟