ملده العجلاني
الحوار المتمدن-العدد: 5149 - 2016 / 5 / 1 - 21:45
المحور:
الادب والفن
حيثما تتحرك الاشكال و تُحدث اصطدام , تُنتج مزيدا من الأشكال والألوان عبر لوحة الرسم القماشية , هنا تشاهد اوركسترا , تعزف , و ترقص الاشكال , في العمل الفني .
لقد كان بطل هذا الايقاع الفني الموسيقي , وفي وقت مبكر من الرسم التجريدي ، هو - الفنان فاسيلي كاندينسكي (1913) - لأسلوبه الغنائي التجريدي ,وهو يعتبر مؤسس الفن اللاموضوعية او التجريدية .
فنظرياته مبتكرة , وهي مدرسة فنية , لا تمثل و لا تحاكي الواقع الخارجي أو الكائنات من الطبيعة ؛ إن نظرياته تتعلق بنمط من الفن يبدع الاْشياء ,التي لا تشابه تلك المعروفة في الطبيعة الفيزيائية. بمعنى "لوحة تجريدية كبيرة" بعيدة عن الواقع وغير المستمدة منه بالطرق التقليدية من التبسيط و التحوير.
تبدت أعمال "كاندينسكي" تتصف بالإرتجال والتراكيب ، التي تعكس اهتمامه في إيجاد وسيلة للتوازن من طبيعة غير مادية و معبرة مباشرة عن الموسيقى في فنه.
اذ أن لوحاته اعتمدت في الأساس على إدراك اللون والإحساس . في هذا الصدد يقول الفنان (كينيث نولاند) أحد رواد الفن التجريدي : "أعتقد أن الرسم بدون موضوع مثل الموسيقى دون كلام". ولكن هل حدثت تغييرات غلى العمل الفني في هذه المدرسة في عصرنا الحالي ؟ .
إن العمل الفني في الفن التجريدي حاليا تطور لدرجة انه لم يعد مجرد تصور لشخص أو لمكان أو لشيء في العالم الطبيعي. ولا حتى علاقات اللون ,الأشكال، الضربات، و الكتل ، بل اصبح عملية معقدة لخلق شعور جديد عند مشاهدة العمل , مشاعر من المتعة , الدهشة , و العبث بافكارنا ومخيلتنا ,لنكتشف الطريقة لفهم الفنان و عمله المبتكر .
فهنا لم يعد الفنان تجريديا , فهو ليس مهتم في العلاقة بين لون أو شكل أو أي شيء آخر. بل صار مهتم فقط بالتعبير عن العواطف الإنسانية الأساسية: مأساة ، النشوة، العذاب، وهلم جرا.
فموقف الفنان من الطبيعة التي حوله هي عبارة عن , الفوضى , وعلى الفنان ان يصنع النظام , و هو يعبر عن هذه الحالة باعمال فنية فريدة تعكس حالة التخبط التي تمر بها البشرية . اذن كيف يمكن ان يدرس هذا النوع من الفن اكاديمياً ؟ وما هو مستقبل الفن التجريدي المعاصر ؟
الفن اكاديمياً. في المدارس الفنية القديمة يمكن ان يدرس ... وفي الواقع، ينبغي أن يدرّس لانه يجب على الفنان ان يكون على معرفة و عليه خوض تجربة كاملة بكل انواع المدارس ، لكن هل هناك نوع من الفن الابداعي يمكن أن يدرس ؟ كيف وهو يجب ان يكون فريد ؟ وليس تقليداً لنموذج مسبق .
وهكذا على مدارس الفن اليوم العودة إلى ورشة العمل , واتاحة المجال للطلاب بالتوسع في هذا النشاط الابداعي كوسيلة لفهم العناصر, وارتباطاتها في المدارس التقليدية , فهو ( الفن الابداعي ) لايمكن ان يُنتج عن طريق الدراسة الاكاديمية التقليدية , فلا يمكن ان تُعلم الابداع بل فقط يمكنك ان تُتيح الفرصة للشخص لاظهار امكاناته ومساعدته بتطوير تقنياته..
الفن التجريدي مزدهر حاليا , إذ ان التكوين الإبداعي سيكون دائما مثيراً للاهتمام . وإن أسلوب الفنان و علامته الفارقة ستبقى دائماً محط اعجاب النقاد والفاعلين بعالم الفن .. لكن كما يقول الخبراء على الفنانين والمشترين الجدد على حد سواء , عليهم الاستيقاظ من الهتافات من حول هذا الفنان أو ذاك , فعالم الفن يملؤه الضجيج, وينفق الكثير من المال للحفاظ على المظاهر .. ولكن هذه المظاهر تخفي الفنان الحقيقي ..اي الاعمال الفنية بحد ذاتها .
وهنا نجد أن الحكم أو تحديد الفن العظيم , يصبح مشوشاً , فرفع حاجز التعجرف سيساعد في ظهور العديد من الفنانين الكبار في المستقبل , وخصوصا للاسف هنالك العديد من مشجعي الفن اللذين ليس لديهم الكثير من الرؤية لتحديد فن المستقبل , او القدرة على التقييم الاحترافي للأعمال الفنية , فمثلا يمكن الافتراض ان يقال : (هذا فنان مشهور فهذا يعني ان اعماله ستكون دائما عظيمة جداً) . لكن هذا المشهد غير واقعي في مدرسة تعتمد على الابداع بشكل رئيسي وكسر المألوف .
فتقييم كل عمل بحد ذاته بعيداً عن الاهمية الاعلامية للفنان و عن الضجيج الاعلامي وعن رعاة الفن , هو أحترام للفنانين وللمتابعين وللمشترين الذين يتبعون إحساسهم الشخصي للرؤية الإبداعية , فإن الاعتراف بالمواهب الحقيقية هو الخيار الافضل لتطوير الفن التجريدي المعاصر .
فيمكن وصف الفن التجريدي بانه حالة دائمه من التخلي عن القيم القديمة والاشكال المألوفة و الافكار المقولبة , ونتيجة لذلك فكل عمل يجب ان يثير الدهشة مع قيمة جمالية عالية وهذا هو اساس المدرسة التجريدية , و هذا هو المعيار الصحيح لتقييم عظمة العمل الفني , ومن خلال ذلك المعيارفقط يمكننا وضع رؤية مستقبلية لاْهم الأعمال و اْبرز الفنانين المبدعين في العالم .
الخلاصة :
أن كل عمل فني هو اْكتشاف جديد للفنان , و ثورة داخلية تقوده للوصول الي ذلك العمل . هونشاط إبداعي بفضلٍ من السماء , في لحظات نادرة من الإلهام الذي يتجاوز الفنان فيه إرادته وهنا تحصل المعجزات , إنه الوصول إلى عالمه الداخلي . وتجسيد لعلاقته بالعالم من حوله . فهو نتيجة عملية مكثِفة لالغاء الحدود و الدخول في عالم اللا محسوس , لاْنتاج أشياء عظيمة يمكن ان تغير عالم الفن في المستقبل. .
ومن هنا يُنصح بالبحث عن الفنانين العظماء في الفن التجريدي من جديد وجمع اعمالهم !
#ملده_العجلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟