أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد بشير - الحفلة















المزيد.....

الحفلة


نهاد بشير

الحوار المتمدن-العدد: 5144 - 2016 / 4 / 26 - 13:10
المحور: الادب والفن
    


انشغلت السيدة كثيرا بالترتيب لحفلها الموسيقي الذي اعتادت ان تقيمه في اخر يوم عطلة من كل شهر. هيأت احد طرفي الصالة ليكون مسرحا للموسيقيين والباقي من المساحة شغلتها بالمقاعد الوثيرة التي خصصت للمدعوين وفي ستة صفوف متوازية. يتالف كل صف من خمسة كراسي وتركت ما يقارب ثلاثة امتار بين بداية المسرح واول صف. كان المدعوون ثلاثين شخصا نصفهم نساء، حضروا مبكرين وتناولوا الكعك والشاي وغيرها في انتظار قدوم الفرقة الموسيقية. عندما حضرت الفرقة لزم المدعوون مقاعدهم وبسبب عدم تدرج ارضية القاعة ظهرت مشكلة حجب الرؤية بالنسبة لقصار القامة من قبل من هم اطول منهم عندما يجلسون امامهم. وبرزت مشكلة اخرى عقدت الامر اكثر، هي ان كل رجل يريد ان يجلس الى جانب المرأة التي برفقته ولا يسمح العدد الفردي لكراسي الصف بذلك. والمشكلة الثالثة هي ان الرجل ما ان يجد مكانا مناسبا لطوله حتى يدرك ان الصف الذي يناسبه لا يناسب طول رفيقته. لذلك كانوا طوال فترة تواجدهم وحتى مغادرتهم في حركة دائمة يغيرون مواقعهم ويقارنون اطوالهم ويجربون ويختلفون ويناقشون ويجلسون وينهضون .....الخ
طرق خفيف ومؤدب على باب القصر،
امرت سيدة المنزل احد الخدم وهي توجههم لترتيب كراسي العازفين :
ـــ يبدو انه وصل، قده الى صالة الاجتماع، ولا تتركه هنا حتى اذا اصر!
فتح الخادم الباب واطل برأسه الى الخارج، اغلق الباب بحذر مصطنع وعاد ليقول:
ـــ لا احد سيدتي!
عاد الطرق على الباب وبشكل اكثر وضوحا بينما العازفون يدوزنون آلاتهم، والمدعوون مشغولون بمحنتهم، مما دعا المايسترو الى الاشارة للعازفين ان يتوقفوا بعد ان ارتفع صوت السيدة زاعقة:
ـــ من خلف باب جهنم؟ ماذا يجري؟
هرع المايسترو الى الباب، فتحه واطال النظر الى الخارج ثم عاد ليقول:
ـــ لا أحد ! و فجأة صرخ باحد العازفين:
انت! ما هذا النشاز الذي يصدر من عودك؟
العازف : لا شيء سأضبط شد الاوتار.
المايسترو: تضبط شد الاوتار؟ كيف ارتخت الى هذا الحد؟ هل كنت تنظف بالعود الحمام؟
يسمع صوت عدة طرقات اكثر حدة على الباب،لم يستطع صخب المدعوين التغطية عليه، فقفز عدد من العازفين الى الباب ليفتحه احدهم ثم يخرجوا كلهم للبحث عن الطارق ويعودوا مؤكدين ان لا احد.
المايسترو بغضب شديد:
ـــ ما امركم ؟ انتم جوقة بوابين ام فرقة عازفين؟ من يغادر كرسيه مرة اخرى فليغادر المنزل، مفهوم؟ وانت، انت ابو ضبط الاوتار، هات محراثك لاراه.
نهض العازف وناوله العود .
عدة طرقات على الباب وهرج استحسان من المدعوين سرعان ما نقض، تزامنا مع قدوم السيدة الى الصالة وهي تتساءل بحدة وغضب:
ـــ ألم تعرفوا من وراء الباب؟ ثم امرت الخدم بالانتشار خارج البيت والمراقبة. توقف الطرق، اما المايسترو فاستلم العود يتفحص اوتاره ويخضه ثم تجمد فجأة وهو ينظر الى العازف قائلا:
ـــ هذا عود أم عدة مطهرجي؟ ماذا بداخله؟
اجاب العازف ببرود:
ـــ لا شيء، انها سندويشاتك، متى ستأكلها؟
المايسترو:
ـــ ليس الان.
سمعت سيدة المنزل كلامهما فصرحت بصوت مسموع للجميع:
ـــ اسمعوا! للعلم، سنفتش كل اعضاء الفرقة وكل الالات الموسيقية، فأنتم فريق شحاذين، اخزيتموني امام ضيوفي!
فجأة فتح الباب ودخل جميع الخدم مرة واحدة ليتساءل عدد منهم :
ـــ مالذي حدث؟ لم تطرقون علينا الباب من الداخل؟
سيدة المنزل: ما الذي تهذون به؟ من يطرق من الداخل؟ ثم ان الطرق توقف منذ لحظة خروجكم حتى الان!
احد الخدم:
ــ لكن، سيدتي نحن في الخارج سمعنا الطرق ياتي من الداخل!
صرت السيدة باسنانها وقالت بلهجة متوعدة:
ـــ اشم رائحة مؤامرة تستهدف عقلي، اقسم اني سارميكم للارصفة اذا لم تصدقوني القول، هل اتفقتم على هذي الكذبة؟
ارتفعت جلبة بين الخدم فمنهم من يقسم انهم صادقون ومنهم من يستعطف السيدة بمديحها ووصفها بالحكمة ومنهم من يدعوها للتاكد بنفسها ..الخ
وعندها سمع طرق شديد على الباب يبدو ان مصدره عدة اشخاص ومجموعة كبيرة من الاكف، وفي نفس الوقت نهض كل المدعوين من مقاعدهم التي لم تناسبهم وتجمدوا في اماكنهم.
صمت كل من في الصالة واخذ بعضهم ينظر الى بعض بذهول. استمر الطرق لفترة طويلة نسبيا ومع ذلك لم يجرؤ احد على الاقتراب من الباب وكأن عدد الطارقين بث الجبن في نفوس من في الداخل.
توقف الطرق واستمر المدعوون في ممارساتهم ومحاولاتهم.
لم يتقدم احد نحو الباب ليستطلع الامر.
تحدث المايسترو الى السيدة:
ـــ سيدتي، حان وقت العشاء.
اي عشاء؟ اجابت بسؤال مستنكرة.
ـــ الوجبة التي وعدتنا بها وثبتناها في العقد بيننا!
ـــ صحيح، لكم هذا بشرط ان تفرغوا جيوبكم من البيض الذي سرقتموه من المطبخ!
ـــ لم نسرقه بل اهدانا اياه رئيس الطباخين .
طرق سريع على الباب والمدعوون على حالهم لكن احدا لم يهتم للطرق وكان شيئا لم يحدث.
ـــ وهل البيض من ارث ابي رئيس الطباخين؟
انبرى رئيس الطباخين من بين المحتشدين قائلا:
ـــ اعطيتهم حصتي من البيض ، فانا اجمع ما لا اتناوله حتى اصبح لدي كمية لا باس بها والدليل على صدقي هو ان البيضات كلها مسلوقة وما زال عندي المزيد.
سألته السيدة ضاحكة: ولم تبرعت لهم ببيوضك؟
ـــ وعدني المايسترو ان يعزف لي المقطع الاول من او فورتونا .
ـــ ومن قال اني سأوافق على عزف هذه المقطوعة؟ لكن ماذا اقول؟ فبالنسبة لهذا المايسترو، سمفونيات العالم كلها، لا تساوي عنده جناح ديك رومي.
طرق كثيف متقطع على الباب والمدعوون على حالهم.
قال البعض: افتحوا الباب واتركوه مفتوحا.
اعترضت السيدة بقولها ان هذا الاجراء لا يليق ببيت يحترم نفسه.
ـــ والان، العشاء، يا سيدتي! قال المايسترو بلهجة شبه متسولة.
أوعزت السيدة الى الخدم بتهيئة الطعام وخلال ذلك كان اعضاء الفرقة يتحدثون ويبدون اراءهم فيما يحصل ومنهم من ابدى قلقه وبعضهم اقترح المغادرة متوقعا الاسوأ.
قال عازف الاورغ: لو يتركون الباب مفتوحا لكان افضل.
فاجابه عازف العود: أبق منقارك مطبقا ايها اللقلق!
المايسترو بلهجة سائبة: اكره تكرار حرف القاف هكذا.وتوجه الى عازف العود:
ـــ ناولني احدى السندويجات.
ـــ لا استطيع، فعلي ان ارخي الاوتار كثيرا او افتحها.
ـــ تفتحها ترخيها تقطعها ، لا افهم، كل ما اعرفه هو انك لن تأخذ السندويشات معك في جرتك هذه! كيف ادخلتها اذن؟
ـــ ادخالها اسهل، والان علي ان امد يدي لاخرجها وتعترضني الاوتار.
ـــ دع الاوتار على حالها، ينتظرنا عمل.
هنا تدخل عازف الاورغ:
ـــ دعه يرخها، فانا بهذا الاورغ الرهيب استطيع ان اعوض عن عشرة عازفي عود.
طرق عنيف وسريع على الباب، ولا من مبال. اما المدعوون فما زالوا نشيطين لا يبدو عليهم اي اثر للتعب او الملل.
نادى احد الخدم:
ـــ يا سادة، الى صالة الطعام رجاء. وجبتكم تتكون من حساء الفطر والسلطة والخبز وقنينة صودا اما الطبق الرئيس فتناولوه من جيوبكم، اعني البيض الذي سرقتموه، وما اقوله ليس من عندي بل هو رسالة السيدة اليكم.
طرق كثيف متواصل على الباب. والسيدة تحاول التدخل بين المدعوين عسى ان تهدئ الجو فقد ازدادت سرعة حركتهم ووتيرة تنقلاتهم حتى اختنق هواء الصالة بما اثاروه باحذيتهم من غبار، لكن دون جدوى، فلا طول الصالة يسمح بزيادة عدد الصفوف ولا عرضها يكفي لستة كراسي اضافة الى مشكلة تباين طولي كل رفيقين.
غادر الموسيقيون الى صالة الطعام والعجيب انهم لم يبدوا اي اعتراض او تذمر، بل مضوا كمن يسير في نومه.
هذه المرة كان الطرق عنيفا جدا كاد ان يخلع الباب من مكانه لكن فترته قصيرة، توقف اثرها نشاط المدعوين للحظات وما لبثوا ان استعادوه. كانوا منفصلين عما حولهم يعبثون بقوانين الطول والوزن وابعاد المؤخرات.
تناول الموسيقيون عشاءهم وعادوا الى اماكنهم ينتظرون اوامر المايسترو الذي لحق بهم متأخرا عنهم بضع دقائق وهو يجفف كفيه ويبتلع بقايا لقمة في فمه. بحثت عيناه عن السيدة فوجدها بين المدعويين تناقشهم وتحاول الحد من فوضاهم. تقدم نحوها لا يعرف العنوان الذي يخاطبها به فانتظر حتى تلاقت عيناهما فقال:
ـــ يبدو اننا لن ننتهي من هذا الطرق المزعج الذي افسد علينا حفلتنا واستهلك وقتنا! لا يمكن العزف في هذا الجو المرتبك وهذا التشويش الذي لا يتوقف ولن يتوقف.
سألته باهتمام: وما الحل برأيك؟
فكر قليلا وهو يحك رأسه ثم قال:
ـــ علينا احتواء الاصوات الطارئة واستثمار التشويش.
ـــ لا افهم!
ـــ سأدخل اصوات الطرق ضمن ايقاعات المعزوفات التي سنؤديها.
قالت بحدة وبسخرية:
ـــ يا رعاك الله! الا تعي ان الهرج هو الذي سيقودك ويحدد لك ما تؤديه؟ هو من سيحتويك يا مايسترو، وليس انت!
ـــ لا بأس، وليكن. لا تحسبي ان الفوضى ليس لها ايقاع، ويشرفني اني اقتنصته . لن ازعجك بمحاضرة اكاديمية في موضوع تخصصي ولكني ارجوك ان تثقي بي والا تقلقي. سنعزف الاعمال التي ستحتوي تلك الايقاعات.
ـــ واذا توقفوا عن الطرق؟
ـــ ستؤدي الات الايقاع دورها لانها موجودة اصلا ولن نستغني عنها!
ـــ وكم سيستغرق ذلك من وقت وكم سيكلفني؟
ـــ من ناحية الوقت، لا اعلم. سألازم باب منزلك وادون كل ما اسمعه من اصوات وعندما تتكرر الايقاعات ندرك انها قد اكتملت. اما موضوع الكلفة فلا اطلب في فترة التدوين سوى ثلاث وجبات طعام كاملة.
ـــ وفرقة البؤساء خاصتك؟
ـــ لا عليك بهم، سيلتقطون ارزاقهم خارج بيتك.
ـــ حسنا، امري لله!
المايسترو:
ـــ اذن اتفقنا. والتفت الى اعضاء الفرقة متحدثا بصوت عال وبلهجة امرة:
ـــ هيا اخواني! كل الى داره، غيرنا البرنامج وتأخر الوقت وتناولتم وجبتكم.سأخبركم بكل جديد في حينه.
طرق على الباب .
المايسترو: هااا؟ هل تسمعين؟ هذا ايقاع الجورجينا، الم اقل لك؟
المدعوون مازالوا يجربون وبدون كلل.
طرق على الباب.
ــ هذا ايقاع العجع!
طرق
ـــ ايقاع اخر!
طرق
ـــ ايقاع آخر!
طرق
طرق
طرق



#نهاد_بشير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النساء في إمرأة
- ماريجوانا
- رأس المال
- جسورها ليست لعبور النهر
- قصيدة/ بؤرة تحول
- مدار النيزك
- على هامش الذكرى الثامنة عشرة لرحيل افروديت
- في الذكرى الثامنة عشرة لرحيل افروديت
- واحة الندم (قصيدة) مهداة الى كولونيل عربي


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد بشير - الحفلة