أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - غموض ذاتٍ عدمية - قراءة في رواية -الغريب- للكاتب الفرنسي ألبير كامو














المزيد.....

غموض ذاتٍ عدمية - قراءة في رواية -الغريب- للكاتب الفرنسي ألبير كامو


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5126 - 2016 / 4 / 7 - 04:18
المحور: الادب والفن
    


تبدو الرواية غريبة هي الأخرى مثل عنوانها تماما، وهي تطرح برود ولامبالاة شخصٍ فرنسي يقيم في الجزائر يدعى مارسو في يوم تلقيه لنبأ وفاة والدته التي أودعها دار العجزة بسبب عجزه عن تلبية متطلباتها وشعوره بأنها تحتاج لمن يشاطرها الإهتمام والذكريات. مما لا شك فيه أن كامو يصور لنا شخصا يتعامل مع كل شيء بكثير من البرود أو أنه مصاب بالعجز عن التعبير عن مشاعره وإبداء إهتمامه بكل ما قد يهم شخصا طبيعيا. لا يبكي الرجل في جنازة والدته ولا يرغب في إلقاء نظرة أخيرة على الجثمان، كما يحجم عن الركوع قرب قبرها، وفي ذات اليوم يتعرف إلى ماري ويستحم معها في البحر ويذهبان لمشاهدة فيلمٍ كوميدي. يبدي الرجل برودا تجاه أي تغييرٍ محتمل في حياته، وحيال رغبته في أن يتقدم في العمل، وبرودا في مواساة جاره الذي أضاع كلبه المسن، والذي يبدي إنزعاجه منه على الدوام ولكنه يحبه في قرارة نفسه ويرفض مجرد فكرة إستبداله بكلبٍ آخر. يتعرف الرجل، في غمرة بروده، على جاره الآخر، الذي يعمل سمسارا للنساء، والذي يبدأ علاقته معه بالكذب حيال شجاره مع أحد العرب قبل أن يتضح كل شيء فيما بعد. يكتب مارسو بلا مبالاة رسالة لصديقة ريمون العربية، وهي الصدفة التي ستوقعه، كغيرها من الصدف، في مشاكل مهلكة.

يسهب كامو في وصف البحر، والطبيعة، والإحتفاء بها كعادته في أعماله الأخرى، ولكن جريمة القتل تبدو مبهمة وغريبة للغاية، وغير مقنعة بعض الشيء. في الفصول اللاحقة، نقرأ عن تأملات الرجل، ومحاكمته، وإنعدام شخصيته وحلولها في المحامي الذي يترافع عنه، وأفكاره حيال عدم إهتمام المرء بما لا يبدو مهما له لأنه لا يتوقع حصوله له قبل أن يقع ذلك حقا، ومثال ذلك أحكام إعدام الآخرين. وتصور الرواية الصراع بين الواقعية والمباديء الإنسانية، فبالنسبة لمارسو يبدو عدم حزنه على والدته أمرا طبيعيا لأنها عاشت حياتها ولأن الموت مصير الجميع، فيما رأى المدعي العام بأن عدم إحساس المجرم بالحزن يدل على مدى قسوته وفراغ قلبه الذي يمثل هوة تجر المجتمع للسقوط، وشبه فعله ذلك بجريمة قتل أبوي أخرى سيتم النظر فيها لاحقا، حيث إعتبر المدعي العام جريمة القتل المعنوي لوالدة مارسو تمهيدا للجريمة التالية المنفصلة. لكن المرء يفكر في كون المدعي العام، معميا بقسوة العدالة، يتكلم بكل قوة وهو يطالب بإعدام شخصٍ آخر.

تنخرط الرواية في نقاشاتٍ وجودية في موضعين، الأول في التحقيق عندما رفض مارسو الإعتراف بأنه يبصر آلام المسيح وتضحيته من أجل خلاص الإنسان، وهو الأمر الذي لم يستطع المحقق المؤمن تصديقه، لأنه لم يتصور وجود شخصٍ لا يؤمن بذلك، وبدأ بإعتباره معاديا للمسيح Anti-Christ. وفي الفصل الأخير، نقرأ الحوار الذي دار بين مارسو والكاهن، والذي رفض لقاءه طويلا، حيث رفض الإعتراف بالرجاء والأمل في حياةٍ أخرى، وقال بأن زمان وطبيعة الموت لا يهمانه في شيء ما دام هو بحد ذاته المصير المحتوم للجميع، وقال بأنه حتى إذا ما تصور وجود حياةٍ أخرى فإنه يريدها أن تكون إنعكاسا أو تذكارا لهذه الحياة، وإستغرب الكاهن لذلك وإندهش من فرط تعلقه بهذه الأرض. قال مارسو بأنه قد لا يعرف ما يهمه على وجه التحديد، ولكنه متأكد بشكلٍ دقيق مما لا يهمه على الإطلاق، وأنا شخصيا أرى في هذه العبارة تعبيرا مثاليا عما أردده على الدوام وأؤمن به بشكل كبير. وقد قال مارسو بأنه عاش اللحظة واللذة وأن الكاهن على يقينه لم يعش هذه الحياة، وأنه يعتقد بأنه يخبرها أكثر منه، ولا يأمل – لذلك – بشيءٍ آخر يعوضه حياته المفقودة، ولهذا السبب ما كان ليحزن إن نسته ماري أو غيرها، أو إن كان أحدا لن يبكيه، بل لم يرَ ضرورة للبكاء على من فارقنا ما دام الجميع سيرحل. أعتقد بأن هذه الخلاصات الوجودية هي أروع ما في هذا العمل القصير والذي ينساب بسرعة في القراءة، ففي هذا العمل يتجسد تناقض غريب للغاية هو التمسك بالحياة واللامبالاة حيالها في الوقت ذاته، فنحن ههنا نتعامل مع شخصٍ غريب الأطوار عدمي حد عدم المبالاة بموت الآخرين وموته، ومتمسك بالحياة في الوقت ذاته لأنه لا يرجو بديلا عنها، إنها رواية تجسد غرابة العدمية في أفضل أشكالها وضوحا وغرابة.

إقتباسات:

ليس للمرء إلا أم واحدة.

المساء، في هذا البلد، لا بد أنه كان أشبه بهدنة كئيبة. واليوم ها هي الشمس الطاغية، التي تحيل المنظر لا إنسانيا ومنحطا.

كل شيء صحيح، وليس ثمة ما هو صحيح.

إن ما لا يستطيع أن يحوزه لا يسعنا أن نشتكي من إفتقاره إليه. ولكن القضية بالنسبة لهذا المكان هي أن الفضيلة السلبية للتسامح يجب أن تتحول إلى فضيلة أصعب، ولكنها أسمى، للعدالة، لا سيما حين يصبح فراغ القلب، كما نكتشفه لدى هذا الرجل، هوة يمكن للمجتمع أن يسقط فيها.
إن من ينظر إلى القضية ببرود، يجد كل شيء طبيعيا.

إن المرء يتصور دائما أفكارا مبالغا فيها عما لا يعرف.

كيف يموت المرء ومتى، هذا لا أهمية له ما دام سيموت.


ربما لم أكن متأكدا مما كان يهمني حقا، ولكني كنت متأكدا تماما مما لم يكن يهمني.

حياة أستطيع فيها أن أتذكر هذه الحياة.

إن أي يقين لديه لم يكن يساوي شعرة إمرأة. بل هو لم يكن متأكدا من أنه في الحياة، ما دام يعيش كالميت، أما أنا، فقد كنت أبدو ويداي فارغتان. ولكنني كنت متأكدا من نفسي، متأكدا من كل شيء، أكثر تأكدا منه، متأكدا من حياتي ومن ذلك الموت الذي سيجيء.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجتمعاتنا العمياء - قراءة في رواية العمى للكاتب البرتغالي جو ...
- صراعات الذات واللاهوت – قراءة في رواية عزازيل للكاتب المصري ...
- وداع نينوى – الأمّة والتاريخ – وسط صمت العالم
- صراعات مقنّعة بالجمال – قراءة في رواية -عن الجمال- للكاتبة ا ...
- شارلي إيبدو – ضريبة الحريّة الباهظة
- لم يحن الوقت بعد - قصة قصيرة
- عبث الحياة - قصيدة
- تراجيديا عراقيّة – قراءة في رواية -فرانكشتاين في بغداد- للكا ...
- ألف ليلة وليلة الفرنسية – قراءة في رواية زديج لفولتير
- قبول الآخر – قراءة في رسالة الفيلسوف جون لوك عن التسامح
- إطلالة قصيرة على كافكا
- تناقضات النفس البشريّة – قراءة في رواية -الإنسان الصرصار- لل ...
- لا يزال ثبت الملوك السومري يحيّر المؤرّخين بعد مرور اكثر من ...
- أنشودة في عشق الطبيعة – قراءة في رواية بيتر كامينتسند للكاتب ...
- إعادة قراءة التاريخ - قراءة في كتاب -الفتوحات العربية في روا ...
- إكتشاف أنفاق سريّة تحت الأرض تعود لعقيدة نهرينيّة قديمة تحت ...
- علماء يستعدّون لحل لغز الحمض النووي السومري - موضوع مترجم
- ملحمة وطن – قراءة في رواية -الحريّة أو الموت- للكاتب نيكوس ك ...
- أحيانا - قصيدة
- الإنسانيّة هي كل ما نحتاج إليه


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - غموض ذاتٍ عدمية - قراءة في رواية -الغريب- للكاتب الفرنسي ألبير كامو