أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - راشد الغنّوشي و حوار الهوفينغتون بوسط – عربي : مغالطات الشّموليّة النّاعمة... ولكن .















المزيد.....



راشد الغنّوشي و حوار الهوفينغتون بوسط – عربي : مغالطات الشّموليّة النّاعمة... ولكن .


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 5123 - 2016 / 4 / 4 - 23:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هنالك مغالطة فكريّة وسياسيّة يعتمدها الشّيخ راشد الغنّوشي منذ سنة تقريبا ( منذ خسارة المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة و لكن بدأت ملامحها تظهر منذ الانقلاب العسكري في مصر خاصّة) تتمثّل في تقديم حجج يبدو ظاهرها مقنعا (لاعتمادها على وقائع فعليّة) الا ان باطنها مغالط ويتجنّب وقائع أخرى أكثر أهمّيّة لارتباطها بأسس الفكر السياسي و المنهج الأصولي . أهمّ هذه المغالطات ورد مثلا في الفقرة الأولى من حوار السيّد راشد الغنّوشي مع الهوفينغتون بوسط - عربي كما لي :

"النهضة حزب سياسي مدني ديمقراطي. نشأت الحركة كتيار مجتمعي وردّة فعل على سياسة الدولة التي تبنّت نظام الحزب الواحد، وعملت على تهميش الهوية العربية الإسلامية منذ فجر الاستقلال. وكردة فعل على نظام شمولي، برزت هذه الظاهرة المجتمعية شاملة أبعاداً مختلفة، خاصة الأبعاد الدعوية والثقافية والمجتمعية، ثم تطورت بعد فترة التأسيس الأولى في بداية السبعينات لتشمل البعد السياسي.
هذه الظاهرة لم يُترك لها المجال والحرية لتتطور تطوراً طبيعياً، بل وُوجهت بقمع شديد من قبل الدولة. الحرية التي كانت مفقودة وفرتها لنا الثورة، ما أتاح لنا الفرصة لاستئناف مسار التطور العادي للظواهر أو التيارات المجتمعية.
نحن نرى أن مسألة الهُوية والصراع أو الخلاف حولها قد حُسم بإقرار الدستور التونسي بداية 2014، الذي حظي بتأييد 94% من البرلمان. هذا الدستور حدد الأرضية التي يتوافق حولها الشعب التونسي بكافة تياراته، وحدد طبيعة النظام السياسي الذي نريده. وقد حدد الدستور التونسي في بنده الأول، وهو بند غير قابل للمراجعة، أن تونس دولة حرة مستقلة، لغتها العربية ودينها الإسلام.
وبالتالي أصبح هناك إجماع وطني حول موضوع الهُوية، ولا يبقى للأحزاب إلا أن تتنافس في إطار البرامج العملية وليس في إطار الصراع حول الهوية. كما حدد أيضاً الدستور التونسي الذي كنا من أكبر صانعيه، أن الشأن الديني هو شأن عام تؤطره الدولة والمجتمع المدني، ومنع الدستور الجمع بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية أو في المجتمع المدني، وبالتالي تخصصنا في الجانب السياسي هو التزام بالدستور الذي وضعناه.
وستبقى النهضة في رأينا حزباً مدنياً يستمد مرجعيته من قراءة تعتبر أن الإسلام والديمقراطية متوافقان، فنحن نعتبر أنفسنا ضمن تيار الإسلام الديمقراطي، وهذا ليس بدعة في العالم الديمقراطي، حيث نجد أحزاباً ديمقراطية عريقة تستمد إلهامها ومرجعيتها من ديانتها، فهناك المسيحيون الديمقراطيون وغيرهم من الأحزاب التي تجمع بين المرجعية الدينية، والالتزام بالديمقراطية." (1)

انّ هذه الفقرة تحتوي على مغالطات كبرى... و لكن :

1-المغالطات الكبرى:

أ- "النهضة حزب سياسي مدني ديمقراطي. نشأت الحركة كتيار مجتمعي وردّة فعل على سياسة الدولة التي تبنّت نظام الحزب الواحد، وعملت على تهميش الهوية العربية الإسلامية منذ فجر الاستقلال. وكردة فعل على نظام شمولي، برزت هذه الظاهرة المجتمعية شاملة أبعاداً مختلفة، خاصة الأبعاد الدعوية والثقافية والمجتمعية، ثم تطورت بعد فترة التأسيس الأولى في بداية السبعينات لتشمل البعد السياسي ."
هل النهضة هي فعلا حزب سياسي مدني ديمقراطي؟سنرى ذلك في الآخر.
و لكن لننظر الآن في منطق التحليل :
لم تنشأ الحركة فعلا كتيّارمجتمعي بل نشأت كتيّار نخبوي . و في هذا تستوي الحركة مع كلّ الحركات السياسية التي تدّعي –عبر تسمية نفسها بالمجتمعيّة- تمثيل المجتمع التونسي. و اذا أردنا التدقيق أكثر اعتمادا على ما لحق من الفقرة يمكن القول انّ الحركة نشأت دعويّة وثقافية أوّلا وقبل كلّ شيء ثمّ تحوّلت الى حركة سياسيّة. و اذا كان نشوؤها –ككل حركة فكرية أو سياسية- ذا طابع اجتماعي طبعا –من حيث التحليل السوسيولوجي- فان وصفها بالحركة الاجتماعيّة فيه مغالطات :
الأولى ذكرناها سابقا و تتمثل في ادّعاء تمثيل المجتمع.
الثانية في كونها اساسا نشأت دعوية ثقافية (و ليس اجتماعية) ثم سياسية .
الثالثة في كونها لم تهتمّ في بدايتها تماما بالمطالب الاجتماعية بل بالعكس تجاهلتها و ركّزت على المطالب الثقافية ثم السياسية و لم تكتشف المطالب الاجتماعية الا متأخّرة بتأثير اليسار التونسي و الحركة النقابية التونسية من ناحية أولى و تأثير الثورة الايرانية و تيار الاسلاميين التقدّميين في تونس من ناحية ثانية ...و هذا يعترف به السيد راشد الغنوشي نفسه في كتاباته مثل " من تجربة الحركة الاسلامية في تونس .
الرّابعة تعمّد الخلط المفهومي بين الحركات السياسية و الحركات الاجتماعية. فالحركة الاسلامية هي بالأساس حركة سياسية اذا قورنت بالحركات الاجتماعية من أمثال الحركة النقابية أو النسويّة أو الطلاّبيّة،الخ.
---

هذا من ناحية أولى. أمّا من ناحية ثانية فتوجد مغالطة كبرى في التحليل بعد مغالطة التوصيف/التعريف.

يعتبر السيّد راشد الغنّوشي ان الحركة نشأت كردّة فعل على سياسة الدولة في مجالين : سياسة الحزب الواحد و تهميش الهويّة العربية الاسلاميّة . و يفسّر شموليتها الخاصّة كردّة فعل على نظام شمولي .
نعم كان نظام الحزب الواحد سائدا في تونس و يمكن نقد طريقة تعامله مع الهويّة العربية الاسلامية (مع اختلاف في زاوية النقد) لكن النظام لم يكن شموليّا بالمعنى الدقيق للكلمة.
لقد كان النظام التونسي تسلّطيّا نعم ( حتى مفاهيم الاستبداد – الديسبوتيسم- و الدكتاتورية بمعانيها الدقيقة في علم السياسة قد لا تنطبق عليه ) . ولكن وصفه بالشمولية –الطوطاليتاريسم- فيه ، من ناحية أولى ، تمييع لمعنى الشمولية (الكلّيانيّة) التي لا تنطبق – اذا اعتمدناها اجرائيّا في معانيها المتداولة- الا على أنظمة محدّدة مثل الأنظمة الفاشية و النازيّة و العسكريّة و الشيوعيّة. و فيه ، من ناحية ثانية ، تبرير مخالف للمنطق لشموليّة النهضة من خلال تقديمها كمجرّد "ردّة فعل" على شموليّة النظام.
ليس صحيحا انّ شموليّة الاتجاه الاسلامي-النهضة هي ردّة فعل على شمولية النظام لسببين أساسيّين:
أولا :
شمولية النهضة تنبع من نظرتها الشمولية للاسلام و هي نظرة عقائدية وسياسية نابعة من قراءتها الايديولوجية للدين الاسلامي تحديدا بوصفه عقيدة وحياة و دينا ودولة و ثقافة وحضارة ،الخ. هذا ما كان يقوله – و ما يتجاهل الخوض فيه الآن- الاسلاميون عموما و أوّلهم الشيخ راشد و يمكن العودة الى تعريفاته للحركة الاسلامية و مشروعها لتأكيد ذلك. (2)
ثانيا :
حركة الاخوان المسلمين و الحركات الاسلامية الشمولية و الحركات الشمولية الأخرى عموما لا تظهر فقط كردّة فعل على النظام الشمولي بحيث يمكن تبرير شموليتها عبر شمّاعة النظام الذي تظهر فيه. الجماعة الاسلامية في الهند- باكستان ظهرت شموليّة في مجتمع ديمقراطي و غير شمولي . و بعض الحركات الشمولية في أوروبا ظهرت في مجتمعات ديمقراطية ليبيراليّة و هي التي حوّلتها الى مجتمعات شموليّة. ان تفسير شمولية النهضة بشمولية النظام هو تفسير تبريري هدفه الهروب من تفسير الرّؤية الفكرية و المنهج الأصولي (3) الشموليين للحركة و الناتجين عن قراءة شمولية للاسلام أوّلا وقبل كلّ شيء. ويمكن أن نفهم هذا المنطق التبريري ببساطة شديدة كما يلي :
لماذا لم تكن ردّة الفعل الاسلاميّة على النظام الشمولي ردّة فعل ديمقراطيّة كما ردّ الفعل عليه الديمقراطيّون؟
التفسير الوحيد هو انّ الحركة الاسلامية كانت تناضل ضدّ الشمولية بشمولية أخرى لا غير و انّ أصلها لا يعود الى ردّة الفعل ذاتها بل الى التصوّر الفكري و السياسي الشمولي الخاصّ بها و هو مشروع الاسلام السياسي الكلاسيكي . و اذا أراد السيّد راشد الغنّوشي أن ينقد الشمولية فعليه ليس فقط أن ينقد شمولية النظام المفترضة بل أن يكنس أمام بيته أيضا و يعيد تقييم الأمور بشكل أعمق و ليس بشكل تبريري يدفع الى الرّيبة لسبب بسيط: من يبحث عن التعلاّت لتبرير شموليّته الخاصّة بشمولية غيره دون الحفر عميقا في الأسس الفكرية و العقائدية لحزبه قد يكون دخل مرحلة جديدة لتعويض الشمولية الخشنة القديمة بشمولية ناعمة جديدة تريد استغلال الحرّية المتوفرة للتاقلم و لتحقيق نفس الهدف القديم الشمولي و لكن بطريقة ناعمة لا غير.
هل تخلّى الشيخ راشد و النهضة على مبدا شموليّة الاسلام السياسي أم لا؟
اذا كانا لا يزالان يعتقدان بشمولية الاسلام ، بمافي ذلك سياسيا بمعنى بقاء هدف تحقيق الدولة الاسلاميّة ، فهذا يعني ان الهدف لا يزال هو نفسه و انّ الطرق لتحقيقه هي وحدها التي ستتغيّر لا غير فيقع تعويض الثورة الاسلامية بالطريق الديمقراطي الاسلامي لتحقيق نفس الهدف الاستراتيجي.

---

ب- " هذه الظاهرة لم يُترك لها المجال والحرية لتتطور تطوراً طبيعياً، بل وُوجهت بقمع شديد من قبل الدولة. الحرية التي كانت مفقودة وفرتها لنا الثورة، ما أتاح لنا الفرصة لاستئناف مسار التطور العادي للظواهر أو التيارات المجتمعية. "
بعد الحديث عن النشأة و الطبيعة ينتقل السيد راشد الغنّوشي هنا الى " تطوّر الظاهرة".و كالعادة غياب الحريّة هو السبب في التطوذر غير الطبيعي و توفّرها يمثل فرصة لاستئناف مسار التطور العادي للظواهر أو التيارات المجتمعية .
هنالك مغالطة أخرى هنا. ربط التطور الطبيعي بالحرية و التطور غير الطبيعي بالشمولية هو مغالطة.الحركة الديمقراطية الحقيقية تنشأ و تتطور طبيعيا حتى في ظل الاستبداد و الشمولية - بل انها تقوى و تتجذّر أكثر وقتها أحيانا – و الايهام بأن الحرّية ستعني آليّا التخلّي عن الشمولية هو مغالطة فكرية و سياسية طالما لم يقع نقد جذري للأسس الفكرية و السياسية للحزب الشمولي نفسه. اذا كانت الحركة السياسية ذات طبيعة شمولية فكريا و سياسيا فان توفر مناخ الحرّية خارجها في المجتمع لا يعني انها ستتطور طبيعيا باتجاه الديمقراطية . يمكن أن يحدث العكس تماما.ستستغلّ مناخ الحرية لنشر شموليتها علنيا و قانونيا و تدريجيا الى حين فوزها ديمقراطيا و بعد ذلك تعود حليمة الى عادتها القديمة .
لقد وصل هتلر الى السلطة في مجتمع ديمقراطي ثم ألغاه و أسس لشموليته. و السلفية العلمية و الجهادية و حزب التحرير يكفرون الديمقراطية أصلا و لكنهم يستفيدون من الحرية لتحقيق أهدافهم من خلال النشاط القانوني و العلني،الخ.
نعم قد تساعد الحرّية على تليين شوكة البعض و لكنها ليست عصا سحرية لتحويل الشموليين حتميّا الى ديمقراطيين اذا لم يقوموا بمراجعات فكرية و سياسية جذرية لقبول الديمقراطية و الحرية و التخلّي عن برامجهم السياسية الشمولية القديمة و اسسها العقائدية و الفكرية.
انّ منطق التطمين الديمقراطي هنا لا ينفع بل قد يكون منطقا تخديريّا لا غير يساعد على اعتماد منهج الشمولية الناعمة بدل الشمولية الخشنة القديمة لا أكثر و لا أقلّن خاصّة اذا اعتمد من الحجج ما يتأسّس على مغالطات مثل التي سبقت و مثل التي ستأتي.

---

ج-" نحن نرى أن مسألة الهُوية والصراع أو الخلاف حولها قد حُسم بإقرار الدستور التونسي بداية 2014، الذي حظي بتأييد 94% من البرلمان. هذا الدستور حدد الأرضية التي يتوافق حولها الشعب التونسي بكافة تياراته، وحدد طبيعة النظام السياسي الذي نريده. وقد حدد الدستور التونسي في بنده الأول، وهو بند غير قابل للمراجعة، أن تونس دولة حرة مستقلة، لغتها العربية ودينها الإسلام."

هذه مغالطة تنطلق من معطى صحيح لايصال فكرة خاطئة. تكمن المغالطة في ما يلي:
ان اعتبار مسألة الهوية و الصراع أو الخلاف حولها قد حسم بدستور2014 و فصله الأوّل هو وهم حقيقي لسبب بسيط هو ان هذا الفصل هو نفسه الفصل الأوّل القديم للدستور التونسي منذ 1959 و لم يقع عليه أي تغيير جذري في المحتوى. و ان اضافة عبارة هو بند غير قابل للمراجعة ليس سوى تغييرا شكليا في منطوق الدستور لأنه ليس هنالك من القوى السياسية الكبرى في تونس من كان يريد تغيير ذلك تماما.و الدليل على ذلك هو ما قاله السيد راشد الغنوشي نفسه من أن 94 بالمائة من البرلمانيين ( نسي أن يقول لنا أن أهم من لم يوافق عليه هم من أبناء حركته هو تحديدا و أوّلهم الشيخ الصادق شورو الذي قرأ الفاتحة على الدستور الذي ولد ميّتا حسب رأيه ) وافقوا و من كلّ الكتل البرلمانية الكبرى التي تعكس أهمّ التيارات السياسية التونسية الا بعضا من اسلاميي النهضة (داخل البرلمان) ومن السلفيين و حزب التحرير الاسلامي خارجه.
---


د- "وبالتالي أصبح هناك إجماع وطني حول موضوع الهُوية، ولا يبقى للأحزاب إلا أن تتنافس في إطار البرامج العملية وليس في إطار الصراع حول الهوية. كما حدد أيضاً الدستور التونسي الذي كنا من أكبر صانعيه، أن الشأن الديني هو شأن عام تؤطره الدولة والمجتمع المدني، ومنع الدستور الجمع بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية أو في المجتمع المدني، وبالتالي تخصصنا في الجانب السياسي هو التزام بالدستور الذي وضعناه."

ان استعمال فعل أصبح هنا هو مغالطة لأن الاجماع الوطني حول الهوية حاصل منذ المجلس القومي التاسيسي (1955-1959) و ظهر ذلك في دستور1جوان 1959 و لم يحصل أن اقترح أي نائب في تاريخ تونس تغيير هذا الفصل الأوّل تماما.أقصى ما وجد هو اختلافات في تأويل هذا الفصل. وهذا الاختلاف في التأويل قد يبقى موجودا عندما تطرح قضايا جزئيّة لا غير. ودليل ذلك انّه لم يطرح أبدا مطلب الغاء شرط اسلام رئيس الجمهورية في الترشّح لمنصب الرّئاسة و لا مطلب الغاء وزارة الشؤوؤن الدينية و لا مطلب الغاء تعليم التربية الاسلامية و لا مطلب الغاء الاستناد الى الفقه الاسلامي في القانون التونسي و ان كل ما في الأمر هو اختلافات في تفاصيل و محتويات هذه النقاط بين قراءة تقدمية و ديمقراطية و مدنية من ناحية و قراءة حرفية و محافظة من ناحية ثانية.
ان الاستنتاج الأخير في الفقرة أعلاه القائل " وبالتالي تخصصنا في الجانب السياسي هو التزام بالدستور الذي وضعناه." هو استنتاج لا علاقة له بالتحليل اذن طالما لم تكن الوقائع التي ذكرها الشيخ جديدة بل هي قديمة قدم الدستور التونسي منذ 1959.
انّ الشيخ راشد يوهم قرّاءه انّ تغيّرا جذريّا وقع في الدستور حول الهوية نتج عنه قرار النهضة بالتخصّص كحزب سياسي في المجال السياسي في حين ان هذه النقطة بالذات لم تتغير و عليه أن يصارح أتباعه و حلفاءه و معارضيه بالسبب الحقيقي لهذا التغيير المزمع...و هو اكتشاف خطأ التصوّر الشمولي الاسلامي الخشن القديم من ناحية واكتشاف قدرة رفض المجتمع التونسي السياسي و المدني حاليّا للاسلام السياسي التقليدي و اكتشاف مفاعيل تأثير القوى الدولية على الحياة السياسية في تونس عموما و عليه هو و على حركته تحديدا. ولكن سيكون هذا الاعتراف طلبا غير ممكن الاستجابة اليه لسبب بسيط : قد يكشف ذلك ان التخلّي عن الشمولية ناتج عن الضغوط و ليس عن تغيير قناعات بل عن تغيير أسلوب تبليغ القناعات و تغيير الطريقة التي ستعتمد لتحقيقها لا حقا...حين تحين الفرصة.

---

ه-" وستبقى النهضة في رأينا حزباً مدنياً يستمد مرجعيته من قراءة تعتبر أن الإسلام والديمقراطية متوافقان ، فنحن نعتبر أنفسنا ضمن تيار الإسلام الديمقراطي، وهذا ليس بدعة في العالم الديمقراطي، حيث نجد أحزاباً ديمقراطية عريقة تستمد إلهامها ومرجعيتها من ديانتها، فهناك المسيحيون الديمقراطيون وغيرهم من الأحزاب التي تجمع بين المرجعية الدينية، والالتزام بالديمقراطية."

نعم، ليس بدعة في العالم الديمقراطي. و يا ليت الأمر يتطوّر فعلا في ذلك الاتجاه فستكون النهضة و تونس قد حققتا مكسبا تاريخيا و سياسيا استثنائيا في العالم العربي تحديدا. و لكن الخوف هو أن تكون بدعة في عالم الاسلام السياسي العربي تحديدا. و هنا المشكل لأننا بعيدون حتى عن الاسلام السياسي التركي و الماليزي و الأندونيسي مثلا.
هنا أجد نفسي مضطرّا الى أمرين: تذكير الشيخ راشد بمواقفه من الاسلام السياسي التركي الحاكم من ناحية و بمعنى الديمقراطية المسيحية من ناحية ثانية.

أ- تذكير بتركيا :

اليك ما كتبته بنفسك يا شيخ راشد :

أنت اعتبرت الاسلام السياسي التركي الحاكم حاليّا اسلاما مشوها و محرفا بعيدا عن العقيدة و اعتبرت الحرية الديمقراطية وسيلة للعودة في تركيا لاحقا الى نبع الاسلام الصافي عندما كتبت مثلا في كتابك الديمقراطية وحقوق الانسان في الاسلام الصادر في قطر سنة 2012 ما يلي :
" انّ التجربة التركية وليدة ظروف خاصّة فلا تصلح نموذجا.فقد أنتجتها ضرورات قاهرة ، والضرورات تقدّر بقدرها . ضرورات حملت الاسلاميين بعد تجارب مريرة على أن يعلنوا تمسّكهم بعكس ما تمليه عليهم عقيدتهم القاضية بأن الاسلام ليس عقيدة وحسب و انّما منهاج حياة. (...) وفي ظل الحرّيّة لن يلبث الاسلام التركي في زمن تصاعد الصحوة أن يلتحم بالموج الاسلامي المتلاطم ويندمج الجميع في نهر الاسلام العظيم الذي ينهل من نبع صاف غير قابل لا للتحريف و لا للتشويه . " (4)
انك هنا ، وان كان حديثك وقتها عن العلمانية و نقاط أخرى لا تزال شموليّا يا شيخ راشد و لكن بطريقة جديدة . أنت قلت صراحة في حوارك الأخير مع الهوفينغ بوسط " ... لم نقل إننا سننتقل من حزب إسلامي إلى حزب علماني، بل قلنا إننا سنتفرغ للعمل السياسي، كنا حزباً شمولياً مثلما كانت الدولة شمولية فتولدت أحزاب بعضها إسلامي وبعضها يساري. القيم التي سنستند إليها خلال عملنا السياسي هي ذاتها كما جاءت في الدستور الذي استند إلى المرجعية الإسلامية وإلى المرجعية الحداثية. الدستور التونسي ليس دستوراً علمانياً بل ينص في فصله الأول على إسلامية الدولة ."
انّ الدولة بالنسبة اليك يجب أن تجعل من الاسلام منهاج حياة سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و دولي. و التخصّص السياسي للنهضة الذي تعد به يبدو انّه يدخل في باب التعاطي المؤقت مع اسلام قابل للتحريف و التشويه من باب الضرورات (القاهرة) تبيح المحظورات .

اذا كان موقفك من تركيا هكذا . فكيف سيكون موقفك الحقيقي من تونس و اعادتها الى نبع الاسلام السياسي الصّافي ؟

انّ التخصّص السياسي الذي تتحدّث عنه ، و الذي ترفده بدور المجتمع المدني في القيام بالوظائف الدّعويّة و الثقافية و الاجتماعيّة و غيرها، يدخل اذن في باب "تقسيم العمل" الاسلامي لا غير.
لقد قلت يا شيخ راشد في حوارك الصحفي انّ " ...هذا هو التوجه العام والتطور الذي نرنو إليه، حيث يتخصص الحزب في مسائل السياسة والعمل على تقديم برامج للحكم، ويتم الفصل مع بقية أجزاء الظاهرة التي مكانها المجتمع المدني والأهلي ". و يصبح ذلك التخصّص بالتالي اعادة صياغة للشّموليّة نفسها مع تقديمها في شكل جديد سوف يتأقلم مع الديمقراطيّة الحالية انطلاقا من صفة الديمقراطية الاسلامية للمرور لاحقا الى لمّ شمل المشتغلين في العمل الاسلامي من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي الحقيقي الذي هو الدولة الاسلامية . و انّ أكبر دليل على ذلك ايهامك النّاس يالعمل على التوافق مع الديمقراطية المسيحية .

ب- الديمقراطية الاسلامية و الديمقراطية المسيحية :

لقد تكونت الأحزاب الديمقراطية المسيحية الأوروبية المعاصرة قبيل و أثناء الحرب العالمية الثانية خاصّة .و كانت بعيدة و مستقلّة تنظيميّا عن الكنائس وعملت على تحقيق أهداف كبرى اهمّها :
1-
التخلص من النازية و الفاشية .والديمقراطيون المسيحيون الايطاليون خاصة شاركوا في المقاومة المسلحة ضد الفاشية.
2-
التمايز عن التيار الشيوعي الذي كان مسيطرا و محاولة توحيد المسيحيين الايطاليين و الألمان - كاثوليكا وبروتستانتا- و غيرهم في بديل يحافظ ايجابا على التقاليد المسيحية ضد التطرف الالحادي.
3-
تأسيس الديمقراطية البرلمانية الحديثة ،أو اعادتها ، دون ضرب النظام الديمقراطي الجمهوري البرلماني في البلدين .
4-
الانطلاق من القيم المسيحية العامة دون ضرب العلمنة وذلك بعدم الدعوة الى دولة دينية مسيحيّة لا تكتيكيّا و لا استراتيجيّا.
5-
القبول بالعمل السياسي على قاعدة الديمقراطية و التداول السلمي على الحكم بواسطة الانتخابات وعدم اعتبار الأحزاب غير المسيحية (الشيوعية و الاشتراكية و الديمقراطية العلمانية) أحزابا كافرة أو فاسقة يجب ازاحتها كلّيّا من المشهد السياسي بل انّه بالامكان التحالف معها كما حصل في ايطاليا مع الحزب الاشتراكي الموحّد بين 1963و1979و كاد أن يحصل مع الحزب الشيوعي الايطالي في ما سمّي التوافق التاريخي .
6-
الميول التوحيدية الديمقراطيّة الأوروبية و ليس التوحيدية الامبراطورية المسيحية كما تتمنّى الكنيسة غالبا.

ثانيا : في الديمقراطية الاسلاميّة المنشودة

هنالك سبع سمان لا بدّ من الاعتناء بها حتى تكونوا رعاة مسلمين ديمقراطيّين يليقون بمواطني القرن الواحد و العشرين في تونس، فكريا و سياسيا و تنظيميا ، و حتى لا تأكلها "السبع العجاف التي كنتم تربّونها رغم انها هي من أكلت الرّعية في السّابق في الايّالة وقبلها و بعدها بل وحتّى اليوم و بعد ثورة شعب كان شعارها الشغل و الحرية والكرامة الوطنية و ليس الاسلام هو الحلّ الاخواني الذي كنتم تؤمنون به جهرا و الذي لا تزالون تؤمنون به "سرّا".

أولا- المرجعية الفكرية : المرجعية الاسلامية و المرجعية الأصوليّة - السلفية

لن يصبح حزب حركة النهضة حزبا اسلاميا ديمقراطيا الا اذا قام بأمرين:
- التخلي عن وثيقة الرؤية الفكرية و المنهج الأصولي لحركة الاتجاه الاسلامي باعتبارها وثيقة أصولية و سلفية ضيقة جدا و كتبت حتى ضد الاسلاميين التقدّميين (فما بالك بغيرهم من المسلمين و غير المسلمين التونسيين) و كانت معارضة حتى لنظرية المقاصد الاسلامية سواء عند الشاطبي أو عند تلاميذه الحديثين و المعاصرين في تونس و هي لا علاقة لها بالاسلام التونسي لا المالكي و لا الحنفي و لا غيره تقريبا.
- اعتماد المرجعية الاسلامية العامة جدّا و التي تقتصر على تأكيد أركان العقيدة ( الايمان بالله و الرسل و الملائكة و اليوم الآخر و القضاء والقدر خيره وشرّه ) و أركان الاسلام الخمس ( الشهادة و الصلاة و الصوم و الزكاة و الحجّ لمن استطاع اليه سبيلا) و اعادة صياغة الالتزامات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية والنفسية- الثقافية الاسلامية العامة وفق مبدأ الاسلام النصيحة لا غير و دون عنف رمزي أو مادّي .
هذان الشرطان سيمكنان النهضة من تجاوز التصّوّر الايديولوجي الشمولي الاسلاموي و يحوّلانها الى حزب سياسي ذي مرجعية اسلامية عامّة و الا فستبقى حزبا اخوانيّا.

ثانيا - المرجعية البشرية :المسلمون و الاسلاميون و المواطنون

الانفتاح على كل المسلمين مهما كان مذهبهم في تونس( سنة أو شيعة أو اباضية و مالكيين أو أحناف ، و أشاعرة أو ظاهريين أو معتزلة ،الخ) والقطع مع اعتبار الحزب حزب الاسلاميين كما كان بل و الانفتاح على كل المواطنين تدريجيا ،على الأقلّ مثلما يفترض في كل حزب سياسي تونسي لا يميز بين كل المواطنين و هو ما يعني تحوله من حزب عقائدي الى حزب سياسي يركز على تقديم بدائل سياسية و اقتصادية و اجتماعية وثقافية وطنية وليست دينية مذهبية ذات منحى أصولي و سلفي كما كان حزبكم ، و انما ينطلق من مرجعية الاسلام و لكن داخل المرجعية الثقافية الوطنية التونسية المتعددة التي تحوي الثقافة التونسية ما قبل و غير العربية- الاسلامية و الثقافة اليهودية التونسية و الثقافة الوطنية العلمانية مثلا.

ثالثا - المرجعية السياسية :الديمقراطية و الدولة الديمقراطية و الشورى و الخلافة الاسلامية

الكفّ نهائيا عن المطالبة بالدولة الاسلامية سواء في شكل خلافة أو امارة أو غيرهما و تعويضها بالدولة الديمقراطية الحديثة و التفريق الواضح بين الشورى القديمة التي كانت محصورة في أهل الحلّ والعقد و الديمقراطية الحديثة التي هي سلطة الشعب بكامله من خلال نوابه الذين هم وحدهم مصدر التشريع مؤسساتيّا.و اعتبار الديمقراطية الحديثة نقلة نوعية في مستوى الفكر السياسي و الممارسة السياسية تجاوزت الشورى في مستوييها التنظيري و العملي و لا سبيل الى العودة من الأولى الى الأخرى.

رابعا - المرجعية التشريعية :مبادئ حقوق الانسان و الشريعة

الاعتراف نهائيا بأن المصدر النصّي الحديث للتشريع مرجعيته هي المواثيق الدولية لحقوق الانسان في مبادئها العامّة و ليس الشريعة التي تجاوز الزمن الكثير من مبادئها. ولكن يمكن الاستفادة منها كلّما لم تتعارض مع مبادئ حقوق الانسان الحديثة التي يجب توطينها في تونس داخل الثقافة التونسية العربية الاسلامية دون ضرب طابعها الكوني من ناحية و لكن مع الأخذ بعين الاعتبار للخصوصية الثقافية و الدينية كلما لم تكن تلك الخصوصية معارضة لما هو كوني ..ولكن ليس لما هو غربي بالضّرورة.

خامسا - المرجعية التنظيمية :الحزب و الجماعة

التفريق النهائي بين الجماعة و الحزب السياسي و ذلك بالانفصال التنظيمي و الوظيفي بين من يريد ممارسة النشاط السياسي و من يريد ممارسة النشاط الدّعوي الذي عليه أن يبقى في حدود الجمعيات الممولة ذاتيا و التي تعمل في اطار القانون مع المحافظة على الأمن الوطني و السلم الاجتماعية وحقوق و حريات الغير الدّينية (واللادّينية) التي اساسها حرية المعتقد وحرّية القيام بالشعائر الدينية للجميع و حرية تغيير المعتقد و حرية عدم الاعتقاد الديني تماما و ذلك حتى لا يكون مجردّ تقسيم عمل بين أناس يعملون من أجل نفس الهدف السياسي-الديني و لكن من مواقع منفصلة لا غير.

سادسا - المرجعية الحركيّة : النضال و الجهاد.

التمييز النهائي بين النضال السياسي الوطني و بين الجهاد الدّيني و ذلك على الأقل بطريقتين:
- التخلّي نهائيا عن جهاد الطّلب الذي لم يعد له مكان في العصرالحديث تماما.
-اعادة تأويل جهاد الدّفع ضمن الحقوق العالمية الحالية في الدفاع عن الوطن ضدّ الاعتداء الخارجي عموما و ليس في الاقتتال بين الأديان و المذاهب الدينية داخل و خارج الوطن و فصله ( عندما يكون عسكريّا) تماما عن شرطي الاسلام أو الجزية الذين تجاوزهما الزمن نهائيّا.

سابعا - المرجعية التّرابية – الوطنية :تونس و الشعب التونسي و الوطن العربي و العالم الاسلامي و الأمة الاسلامية.

اعلان تونسة الحزب نهائيا فكريا و سياسيا و تنظيميا مع اعادة النظر في مفاهيم علاقته بالبعدين العربي و الاسلامي على أساس الاستقلال الوطني و الأخوة العربية و الاسلامية برفض التبعية لأي مركز سياسي أو تنظيمي خارج حدود الوطن (تنظيم الاخوان المسلمين تحديدا) دون رفض التعاون مع العرب و المسلمين و الانسانية جمعاء.

---

ان النقطة المركزية التي يركّز عيها الشيخ راشد منذ مدّة هي تكرار فكرة التوافق بين الاسلام و الديمقراطية من خلال المزج بين الشورى و الديمقراطية الذي ينتج اسلاميين ديمقراطيين منذ 1981 حسب رأيه. و نحن لا نرفض فكرة امكان التوافق بين الاسلام و الديمقراطية و لكننا نشكّ في امكان توافق الاسلاميين مع الديمقراطية و سنكون سعداء بذلك فعلا لو تحقّق الأمرفعلا. ولكنّنا نريد أن نذكّره بأمرين مهمّين حول الديمقراطية و حول الوطنيّة :

الأمر الأوّل : حول الديمقراطية.

لقد كان الشيخ راشد من أنصار الامارة الاسلاميّة و ليس الديمقراطية الاسلامية و كان يرفض الانتخابات و الترشّح اليها أصلا و يبرّر ذلك بحديث نبوي و بىية قرآنيّة قائلا:" و اعتبر (الدّين) الترشّح لمنصب من المناصب في الدولة الاسلاميّة سببا كافيا للحرمان منه.قال عليه السلام انّا لا نولّي هذا أحدا طلبه.".و من ثم لا مجال في المجتمع الاسلامي للحملات الانتخابية يخوضها الزّعماء ف"لا تزكّوا أنفسكم" (سورة النجم –آية 32) و انّما الأمّة هي التي تزكّي و ترشّح من تراه كفؤا." (5)

و في الندوة الصحفية بمناسبة تقديم مطلب العمل القانون للاتجاه الاسلامي 1981 قال صراحة : "...فتصوّرنا للحكم ليس تصورا ديمقراطيا ولكنّه تصوّر شوري نقدّمه الى قواعد الشعب و للشعب أن يحكم لنا أو لغيرنا دون انحراف أو ضغوط. وهذا مبدأ اسلامي لا تراجع عنه و القواعد في النهاية هي التي تختار لزيد أو لعمر. " ( 6)

السؤّال هنا هو : هل ان آيات القرآن وأحاديث الرّسول و مبدأ الشورى هي الثابتة عندكم و ما بقي يدخل في اطارالتكتيك السياسي ؟

الأمر الثاني : حول الوطنيّة.

لقد صدّر الشيخ راشد الغنّوشي احدى محاضراته في "مقاربات في العلمانية و المجتمع المدني بحديث الرّسول الذي يقول " اذا رأيتم العالم يرتاد السّلطان فاتّهموه ." (7)
سنترك جانبا ارتياد الباجي قايد السبسي (فهو أمر آخر الآن و السّبسي ليس سلطانا –بالمعنى الحرفي - لأننا جمهوريون ولسنا في سلطنة .) و لكن :
ماذا عن ارتياد أمير قطرحيث لا دستور و لا انتخابات و لا أحزاب و لا جمعيات و لا فصل سلط و لا ديمقراطيّة و لا هم يحزنون؟
و ماذا عن مساندة السعوديّة حيث الأمر أدهى و أمرّ؟
وماذا عن رئيس تركيا قائد الاسلام المنحرف و المشوّه ؟
و ماذا عن ارتياد الادارة الأمريكيّة؟

ها انّنا نكتفي بالسؤال والتذكير... و اللّبيب من الاشارة يفهم .


2-... ولكن .

مرّ الشيخ راشد الغنوشي من اسطوانة الاستئصال التي كان يتّهم بها قسما من نداء تونس من البورقيبيين و اليساريين هناك الى اسطوانه الجبهة الشعبية الاقصائيّة الآن بعد أن تحالف مع النداء في الرّباعي الحاكم و بعد أن غادر النّداء "الشقّ الاستئصالي" فيه.
أنا ضدّ الاستئصال و ضدّ الاقصاء مبدئيّا و عمليّا سواء للاسلاميّين أو لغيرهم من كلّ من ينشط سلميّا.
و أنا لا أدعو الى حلّ الرّباعي الحاكم رغم انّه من المشروع مثلا المطالبة بانتخابات سابقة لأوانها في النظام الديمقراطي ف صورة حدوث أزمات حادّة بحيث يكون التغيير ديمقراطيّا و ليس استئصاليا و لا اقصائيّا.
ولكن هنالك نقطة مهمّة لا بدّ من تناولها .يركذز الشيخ راشد في اطار حديثة عن الجبهة الشعبية مثلا على نفي تهمة الارتباط بالارهاب و يعتبر ذلك من باب الابتزاز السياسي و التجارة بدماء الشهداء...
ان الشيخ راشد يستعمل استراتيجية المبالغة في توصيف اتّهامات خصومه حتى لا يجيب عن حقيقة اتهاماتهم .ان الجبهة الشعبية - رسميّا- لا تتهم النهضة بالارهاب بل بتسهيل عمله و تحمّلها مسؤولية سياسية و أخلاقية عن لعبها بورقة السلفية العلمية و الجهادية في اطار تكتيك تخويف الأزلام ( كما صرّح بذلك الشهيد محمد البراهمي اثر لقاء مع الرئيس السابق منصف المرزوقي) فاذا بفعل الارهاب يغتال شكري بلعيد و محمد البراهمي و اذا بالمجاميع السلفية تعتدي على الأحزاب و المثقفين و الصحفيين و النساء و مقامات الأولياء و غيرها.

انّ من يبالغ في تصوير انتقادات غيره تجاهه يهدف الى عدم الاعتراف بالتقصير الذي ارتكبه. و عدم الاعتراف يعني اما انه يعتبر ما مارسه صحيحا و سيعود الى ممارسته لو توفّرت الفرصة أو يخاف من الاعتراف به لقناعته انّ ذلك سيفتح باب التحقيق و تحمّل المسؤوليات الذي لا يريده. وفي الحالتين هنالك أمر ما يجب اخفاؤه و يبدو انّه خطير حتى لو كان تقصيرا لا غير خاصة و ان من نتائجه اغتيالين لزعيمين سياسيين كبيرين في البلاد و عمليّات ارهابية استهدفت الجيش و الأمن و المواطنين.
انّ السؤال هنا هو التالي:
هل يخدم هذا الانتقال الديمقراطي من حزب يقول عن نفسه انه بصدد التحوّل الى حزب اسلامي ديمقراطي؟
طبعا لا، خاصّة و انّ أجنحة من هذا الحزب ساندت بصورة مباشرة السلفيين و استقبلتهم في المطارات و دافعت عنهم و تمنّت الذهاب معهم للقتال في سوريا و غير ذلك.
هل تكفّ النهضة عن هذه السياسة و تعترف بتقصيرها و تعتذر عنه و تحمّل المسؤول عنه مسؤوليته؟
اذا لم تفعل ذلك فهي التي ستخسر. و اذا فعلته فتونس هي التي ستربح. و لننتظر المؤتمر العاشر و غيره.

ولكن هنالك أمر لا بدّ من اضافته و توجيهه الى غير النهضويّين ، و به نختم .

اذا كان من الصعب أن نقتنع بديمقراطية اسلامية تساوي بين الديمقراطية الحديثة و الشورى القديمة و تسندها السعودية و قطر و السودان و ادارات دوليّة . فانّه لا يمكن ايضا الاقتناع بأخرى حداثيّة ليبيرالية تعبد بورقيبة و تحنّ الى استقرار و أمن عهد بن علي و تسندها الامارات العربيّة المتّحدة و تتباهى بعبد الفتاح السيسي و تسندها ادارات دولية أخرى...و لا بأخرى قومية لا تنقد لا تجربة عبد الناصر (التي رفضت الأحزاب اصلا) و تحتفي بمن لمّع انتخابات السّسيسي في مصر بالمشاركة فيها ...و لا تجربة البعث (القائمة على الحزب الواحد) و مدحت في لحظة شقوقا من البعث العراقي التحقت بداعش أوّل ما ظهرت أو تنقد بعث سوريا و تصمت عن بعث العراق ... و لا بأخرى يسارية لا تنقد دكتاتورية البروليتاريا القائمة على الحزب الواحد الفعلي أو الديمقراطية الشعبية القائمة على تعدّد أحزاب شكلي تماما - و منها من يعبد ستالين أو ماوتسي تونغ أو أنور خوجة الى حدّ اليوم- بل و منها من أرسل وفودا الى الصّين للتباحث مع الحزب الشيوعي الصّيني حول اليسار العربي بعد أن كان هؤلاء يعترون الصّين تحريفية و امبريالية اشتراكية منذ 1970 خاصّة.

خاتمة :

أكاد أعتقد ان الديمقراطيين المبدئيّين الوحيدين في تونس هم بعض ( وليس حتّى كلّ) أحزاب الوسط الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي التي انهزمت و انقرضت تقريبا الآن بسبب أخطائها و سلوكات قياداتها ...و انّ البقيّة كلّهم (نعم كلّهم) مخاتلون طالما لم يقوموا بمراجعات فكرية و سياسية حقيقية و علنيّة وصريحة.
انّ التكتيك السّياسي و ازدواج الخطاب الديمقراطي و الوطني يكاد يكون سمة الجميع رغم الاختلاف في الدّرجة أحيانا و رغم اختلاف البرامج الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و نوعية و درجة العلاقات الدّولية.
انّ هذا الوضع يساعد النّهضة قبل أيّ طرف آخر و من حقّها وقتها أن تتهم غيرها بأنّهم يخافون من تحوّلها الى حزب ديمقراطي اسلامي لأنّ ذلك سيسحب منهم أوراقا يستعملونها ضدّها.
و كأنّني بالجميع ... أو يكادون... في الهمّ شرق ... هكذا .
وكأنّني بالفرق بينهم هو بين السّيء و الأسوأ... هكذا .


04-04-2016.





هوامش:

1-
http://www.huffpostarabi.com/2016/04/02/story_n_9599988.html
2-
أنظر مقاله قادة الحركة الاسلامية المعاصرة: البنّا –المودودي – الخميني في كتابه مقالات ،ج1، تونس، 1988، ص 87-107.
3-
و ثيقة الرّؤية الفكرية و المنهج الأصولي للاتجاه الاسلامي –النهضة، .1986.
4-
راشد الغنوشي ،الديمقراطية و حقوق الانسان في الاسلام، الدار العربية للعلوم و مركز الجزيرة للنشر، قطر،2012 ، ص 294.

5-
راشد الغنوشي ،مقال العقلية الفردية و أثرها في حياة العرب وواقعهم ، كتاب مقالات ، مرجع سابق، ص 141.
6-
راشد الغنوشي ، من تجربة الحركة الاسلامية في تونس،دار المجتهد ، تونس،2011، ص،269.
7-
راشد الغنّوشي ،مقاربات في العلمانية و المجتمع المدني، دار المجتهد ، تونس، 2011، ص 103.



#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقة موجّهة الى حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد و الى المش ...
- راشد الغنّوشي و خطب ودّ الجبهة الشعبية : تجوع الحرّة ولا تأك ...
- الجبهة الشّعبيّة التونسيّة : نحو سياسة و تنظيم جديدين .
- الارهاب و العقل في تونس اليوم : أسئلة منهجية الى العقلاء .
- ما العمل الآن في تونس؟ نحو تحالف يسار- وسط .
- القرآن و العلم و الانسان : رسالة لا أدريّة و انسانية الى صدي ...
- الجبهة الشعبية التونسية و الندوة الوطنية الثالثة : امّا صدمة ...
- سورة القرد َفَلَتْ : نصّ شتائمي على إيقاع الوحش الدّاعشي .
- 14 جانفي2015 : نداء من أجل حزب يساري تونسي موحد و جديد.
- الأستاذ عادل اللطيفي ، التاريخ و الثورة و الاسلام السياسي: ر ...
- الصديق عادل اللطيفي و - الاشارات اليسارية-.
- الأستاذ عادل اللطيفي، الجبهة الشعبية و الموقع و المشروع.... ...
- الجبهة الشعبية التونسية، الدورة الثانية من الرئاسية و الحكوم ...
- رسالة الى الشعب التونسي : انتخبوا حمة الهمامي -ولد الشعب- رق ...
- تونس و يسارها الجديدين: من- التاريخ الانتخابي- الى -الانتخاب ...
- الانتخابات التونسية و مستقبل تونس: قراءة اجتماعية- سياسية و ...
- من الجبهة الشعبية إلى حزب -نداء تونس-: أ تريدون فعلا تحالف - ...
- الى الجبهة الشعبية: نداء من القلب الى كل يساريي و قوميي و تق ...
- إلى الجبهة الشعبية و برلمانييها القادمين: برقية سريعة.
- تونس بين الانتخاب و الإرهاب: نحو تحالف قوى اليسار و الوسط ال ...


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - راشد الغنّوشي و حوار الهوفينغتون بوسط – عربي : مغالطات الشّموليّة النّاعمة... ولكن .