سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 5120 - 2016 / 4 / 1 - 03:05
المحور:
المجتمع المدني
زها حديد ... مبدعة أخرى ترحل
خلال فترة طويلة من تصفحنا لمواقع التواصل الاجتماعي والإبحار في بحر ألنت المتلاطم , نجد إن العراقيين على شبه اتفاق بنقد الواضع العراقي القائم " دولة وحكومة ورئاسة وزراء , ووزراء وفساد في كل زاوية من العراق " , إجماع شبه تام على نقد كل أوضاع العراق , بصورة تعطي مؤشر واضح مدى السلبية في حياة واهتمامات الشعب العراقي .
نادرا جدا , حين يجتمع العراقيين على حب أو الإشادة بدور شخصية معينة , لدرجة إن الشخصيات الكبرى في التاريخ هناك اختلاف حقيقي في النظر اليها و في تقدير أو الإشادة أو النظر بصورة سلبية لتلك الشخصية , لدرجة إن تأكد لدينا اقتناع إن العراقي ينظر للدنيا بمنظر رمادي جدا , فيختزل الحسنات ويضخم السيئات ..
ربما إن الإشادة بشخصية , أصبحت سبة أو عار , يحاول إي منتقد اجتماعي التهرب منها , وربما إن الإشادة تضع الإنسان في زاوية غير محببة جدا , حتى أصبحت السلبية جزء من الشخصية العراقية ...
لكن اليوم وخلال ساعات قليلة وبعد إن شاع خبر وفاة المبدعة العراقية ( زها حديد ) , وجدنا كل صفحات التواصل الاجتماعي , تنشر صور زها حديد , مع ما تمثله من قيم ايجابية افتقدها المجتمع العراقي طويلا , ونحن كذلك أشدنا بها ضمن من أشاد , ولكن حيرني هذا الإجماع على الإشادة بشخصية , في مجتمع قل إن يجتمع فيها اثنان إلا واختلفا على إي موضوع من مواضيع النقاش , وكأنه لا يوجد في العراق قدر من الاتفاق , مثل ما هو موجود من مساحة كبيرة من الاختلاف .
سيدة عاشت في مجتمع منفتح لدرجة الإفراط , مجتمع علماني لا يمت للتقاليد العربية أو الإسلامية بصلة , مجتمع كل شيء فيه نقيض عنا , ولكن , كل من يذكر زها حديد في إي مجلس أو حوار أو حديث , يشير إليها , كقدوة وهدف يُرغب المحدث السامع للتمثل بها .
أتذكر صديق لي من العراقيين في المهجر , كان يأخذ أولاده إلى أجمل المنشئات الهندسية , ويشتري الكتب التي تتحدث عن انجازات زها حديد , ويفرش الأرض , ويفتح المجلات ويفرش صور المنشئات الهندسية , ويقول إلى أبنائه , هذه زها حديد , عراقية من بلدي , من يريد إن ينجح في حياته فليكن مثلها , حقيقة صديقي هذا لم يفتح كتب التاريخ ولم يذكر الكثير من الشخصيات التاريخية ولم يقل لأبنائه هؤلاء تاريخنا كونوا مثلهم .
والسبب إن من يعيش في الغرب يختلف اختلاف جذري عن الذي يعيش في الوطن وفي بلادنا العربية, الذي يعيش في الغرب ينظر للمستقبل ويتمنى أبناءه يبدعون في مجالات كبيرة وحيوية يحتاجها المجتمع بشدة هناك , ولكن نحن في الوطن دائما ننظر للماضي , ونستحضر شخصيات التاريخ والموجودة فقط في كتب التاريخ , نستحضرهم بشكل يومي نبكي عليهم ونبحث في حياتهم ونحاول إن نجعل أبناءنا صورة منهم , ربما هذا من الأسباب الذي جعل الغرب يتفوق و ونتخلف نحن , نحن لا زلنا نعيش في دوامة الماضي , وهم يفكرون بشكل جدي في المستقبل , وماذا يمكن إن يحدثوا من تغير في مجتمع متطور مرن , يتحرك دوما للأمام .
سؤالي الحائر دوما : لماذا العراقي يبدع حين يكون فردا , ولماذا يبدع وهو في الخارج ؟
ولماذا : العراقي حين يصبر جزء من مجموع يفشل ويفسد وخصوصا حين يكون في الداخل ؟
هذا السؤال حائر دائما عندي , وحين نتناقش به , كنت أعطي أمثلة لشخصيات عراقية رائعة حدا , أبدعت وأصبحت اسما لامعا , ولكن حين كانت فقط فردا , وليست جزء من مجموع , وكانت في الخارج !!!
كنت أعطي دائما مثال زها حديد وشخصيات عراقية أخرى رائعة وجميلة , استطاعت إن تثبت نفسها ويكون لها اسما حين نجلس تكون لنا مثال وقدوة , ولكن دائما نشير إن نفس هؤلاء إذا عادوا للوطن فشلوا وفسدوا , وكذلك حين يصبحون جزء من مجموع , أيضا فشلوا وفسدوا , ونلاحظ دائما العراقيين في الخارج حين يجتمعون يتحولون إلى كتلة فاشلة فاسدة , ولكن حين يتحرك كل واحد منهم بشكل فردي , يحقق انجازا رائعا وكبيرا .
دائما يحيرني العقل الجمعي العراقي , بفشله وفساده , ودائما يحيرني أيضا العقل الفردي العراقي في قدرته وإبداعه وتطوره , وكأنه نقيض لا يمكن فهمه , كذلك و ببساطة , لو اجتمع كثر من عقل مبدع واحد , لابد إن يكون الإبداع أفضل وأكثر , ولكن عندنا العقل المبدع الواحد حين يجتمع مع أخر يخبو ويفسد ويفشل .
أتذكر كلمة للإمام علي يصف فيها الغوغاء ويقول " هم من اجتمعوا ضروا , وحين يتفرقون يفيدون أنفسهم ومجتمعهم " وكأنها حقيقة لا تصف إلا المجتمع العراقي , حين يكون فردا يفيد ويفكر وينفع نفسه وأهله ومجتمع , لكن لحظة الاجتماع يتحول إلى قوة مدمرة رهيبة تدمر كل ما أمامها .
إنا اعتقد حقاً إن وصف الأمام علي يصف المجتمع في وقت ما , وان المجتمع العراقي حين يتوفر لها كل آليات الوعي الاجتماعي من حرية وتعليم وثقافة سيتحول إلى شي أخر , ولكن الذي ينظر للمجتمع العراقي يشاهده وكأنه هو نفسه منذ 1400 سنة لم يتغير و وان فرصة التغير الوحيدة أمامه , حين يكون في الخارج بعيد كل البعد عن ثقافة المجتمع العراقي المبنية على الموت والثقافة النظرية السمعية , بعيدا عن الثقافة العملية والعلمية في المجتمع .
يقول صديقي إذا تريد إن تعرف لماذا نحن هكذا , نفشل حين نجتمع ونبدع حين نفترق , انظر إلى حاضنة المجتمع , وفي كلامه كثير من الصحة , ففي مجتمعنا الحاضن هو السبب , لأننا دائما نقدس الماضي , ونجزع من كل شخص يفكر في المستقبل وتحقيق انجازا ما لخدمة المجتمع وابسط مثال " إن تشيع بنا ثقافة تحطم كل قدرة ولو بشكل بسيط لتحقيق فكرة ما تفيد المجتمع من خلال حديث شريف , يقول " كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار , ولمدة 100 سنة حارب رجال الدين لدينا ولهم السيطرة الكبرى على عقول الجماهير , حاربوا كل حضارة القرن العشرين , أو على الأقل ساهموا بشكل كبير بتأخير وصول هذه الآليات ( التلفزيون والسيارة والهاتف والطيارة ) , والتي أصبحت ضرورة لابد منها في مجتمع اليوم حاربوها وحرموها , اتهموا كل من يفعلها بالفسوق والخروج من الدين .
زها حديد يحق لي إن احترمها وأشيد بها مثل ما يحترمها كل رواد التواصل الاجتماعي , سيدة حققت بمفردها ما لم يستطيع إن يحققه مجتمع كامل , وهي ببساطة معمارية عراقية، من مواليد بغداد 1950 وهي ابنة وزير المالية الأسبق محمد حديد من مدينة الموصل والدها اشتهر بتسيير اقتصاد العراق من 1958 لغاية 1963 وظلت تدرس ببغداد حتى انتهت من دراستها الثانوية - حاصلة على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية في بيروت 1971 لها شهرة واسعة في الأوساط المعمارية الغربية، حاصلة على وسام التقدير من الملكة البريطانية، تخرجت عام 1977 في الجمعية المعمارية "AA" أو "Architectural Association" بلندن، عملت كمعيدة في كلية العمارة 1987، انتظمت كأستاذة زائرة أو أستاذة كرسي في عدة جامعات في أوروبا بأمريكا منها هارفارد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل .
أسلوبها في العمارة
العمارة التفكيكية في أعمال زها حديد تتميز أعمال زها حديد باتجاه معماري واضح في جميع أعمالها وهو الاتجاه المعروف باسم التفكيكية أو التهديمية وهو اتجاه ينطوي على تعقيد عال وهندسة غير منتظمة، كما أنها تستخدم الحديد في تصاميمها بحيث يتحمل درجات كبيرة من أحمال الشد والضغط تمكنها من تنفيذ تشكيلات حرة و جريئة.
وقد ظهر هذا الاتجاه في عام 1971 ويعد من أهم الحركات المعمارية التي ظهرت في القرن العشرين.
ويدعو هذا الاتجاه بصفة عامة إلى هدم كل أسس الهندسة الإقليديسة (نسبة إلى إقليدس، عالم الرياضيات اليوناني) من خلال تفكيك المنشآت إلى أجزاء. ورغم الاختلاف والتناقض القائم بين رواد هذا الاتجاه إلا أنهم يتفقون في أمر جوهري وهو الاختلاف عن كل ما هو مألوف وتقليدي.
وفقا لتصنيف جينكز لعمارة التفكيك، فإن أعمال زها حديد تقع ضمن الاتجاه البنائي الحديث New constructivism وقد ارتبط هذا الاتجاه أيضا بأعمال ريم كولاس؛ وتتلخص رؤيتهم للتفكيك قي تحدي الجاذبية الأرضية من خلال الإصرار على الأسقف والكمرات الطائرة، مع التأكيد على ديناميكية التشكيل، حتى أنه أطلق على أعمال زها حديد اسم ( التجريد الديناميكي ) .
اليوم رحلت زها حديد , رحل اسم لامع أخر من الشخصيات العراقية الرائعة , ولكننا نثق بشدة إن لولا رحيلها من العراق لم تستطيع إن تبدع وتلمع لو بقيت مجرد مهندسة عراقية في بغداد .
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟