نقد الشافعي, الحلقة (2 / 29): تمهيد لا بد منه

انور سلطان

الحوار المتمدن-العدد: 5108 - 2016 / 3 / 19 - 07:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

نقد الشافعي, الحلقة (2 / 29): تمهيد لا بد منه.

استدلال الشافعي وغيره على المفاهيم الدخيلة على الإسلام يستند أساسا إلى حمل بعض كلمات النصوص على معان اصطلاحية لم يكن لها وجود عند نزول النص. ولذلك قبل الدخول في أي نقاش, لا بد من تقرير ثلاث قواعد مهمة:

القاعدة الأولى: إن الأصل في كلمات النصوص أن تُحمل على المعاني اللغوية, إلا ما ثبت بالدليل القاطع الذي لا يحتمل التأويل أن كلمة في النص لها معنى خاص غير المعنى اللغوي. مثل كلمة الصلاة التي استخدمت بمعنى العبادة المخصوصة وتبين هذا من فعل الرسول, المنقول بالتواتر العملي, الذي يفهم مراد الله على حقيقته.

القاعدة الثانية: أي نص قرآني لا بد أن له معنى عند نزوله في عهد الرسالة, وإذا كان خطابا للمسلمين كافة فهو خطاب للصحابة قبل غيرهم, ولذلك لا يمكن أن يترتب عليه فعل لا يمكن تصوره من الصحابة في عهد الرسالة. وإذا حُمل النص على معنى يترتب عليه فعل لا يمكن تصوره من الصحابة في عهد الرسالة فهذا دليل قاطع على أن ذلك المعنى الذي حُمل عليه النص معنى محرف.

القاعدة الثالثة: السياق اللغوي والتارخي للآية يشكل في كثير من الأحيان حجر الأساس في فهم مقصد الآية.

السياق اللغوي للآية يعني أن الآية, أحيانا, تكوّن هي وغيرها من الآيات نصا واحدا يعالج مسألة معينة, وعند فصل آية عن بقية الآيات التي تشكل جميعا نصا واحدا يحدث غموض في معنى الآية ويغيب المعنى المقصود, ومن السهل عندها حمل الآية على معنى آخر غير المعنى مقصود الذي جاءت الآية من أجله.

السياق التاريخي قسمان: الأول: سياق خاص وهو الواقعة التي يتناولها النص, أي مناسبة النص. والثاني: سياق عام يشمل العصر برمته. ويدخل في السياق العام المرحلة المكية والمرحلة المدنية. ووقت النزول مهم جدا في فهم مقصد كثير من الآيات.

العبادات والمعاملات:

نقطة أخرى في غاية الأهمية يجب التنبيه لها من الآن, وهي التفريق بين أمر الدين وأمر الدنيا. والخلط بينهما كان مدخلا رئيسيا للتحريف.

علاقة الإنسان بربه تشكل أمر الدين. وهو على قسمين: العبادة والإيمان. وفي هذا نزلت أحكام تفصيلية, لأن العبادات ليست عقلية بطبيعتها. وكذلك أمور الغيب. وهي ليست عقلية بطبيعتها لأنه لا توجد قاعدة عقلية كلية يمكن من خلالها معرفة كيفية العبادة.

أما علاقة الإنسان بنفسه وبغيره فهي تشكل أمر الدنيا. وعلاقة الإنسان بغيره على مستويين: علاقة على مستوى الإنساني, وعلاقة على مستوى الحقوق (المعاملات). والإسلام وضع قواعد عقلية كلية تحكم هذه العلاقات, وهي: قاعدة النفع, لا الضرر, في علاقة الانسان بنفسه. وقاعدة حسن الخلق, لا سوء الخلق, في علاقته بغيره على المستوى الإنساني. وقاعدة العدل, لا الظلم, في علاقته بغيره على مستوى الحقوق (المعاملات). وهذا يعني أن أمور الدنيا عقلية بطبيعتها, ولذلك السبب أو كلها الدين للناس.
وقد لخصت الآية 90 من سورة النحل, وهي سورة مكية, علاقة الإنسان بغيره, ونصها: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم نذكرون).
وأمر الناس بإقامة العدل في هذه الأمة, وفي الأمم السابقة, قبل أن يؤمنوا، وقبل أن ينزل أي حكم دنيوي, إنما يعني إيكال الأمر إلى الناس لمعرفتهم بالعدل. ولكن في عهد الرسالة, بعد أن أصبح المسلمون مجتمعا مستقلا قائما بذاته بقيادة النبي, أوكلها للنبي وحده يصدر فيها من عقلة وحكمته, وجعل طاعة الصحابة المبايعين للنبي دينا. وجَعْل طاعة النبي دينا في أمور الدنيا أمر خاص بالنبي وحده. وأي أحكام نزلت في المعاملات هي استثناء من القاعدة وهي إيكال أمرها للناس, ونزلت بناء على تلك المبادئ, ووفق ما تقتضيه الظروف القائمة حينها. ونزول بعض الأحكام الدنيوية فضل من الله اختص به النبي وصحابته حينها.

سيقول قائل وما فائدة الدين إذن؟

والجواب أن الدين جعل العمل بهذه المبادئ العقلية الكلية واجبا وليس خيارا. فأرجع الإنسان إلى مقتضيات عقله, ونبهه أنه يترتب على الالتزام من عدمه بتلك المبادئ الكلية ثواب وعقاب في دار أخرى. فإذا اتبع هذه المبادئ مخلصا, وإن أخطأ أحيانا دون قصد, فله الثواب الجزيل. وإن تعمد إسقاطها فسوف يعاقب العقاب الأليم. والإبتلاء هو في اتباع هذه المبادئ الكلية لا في التزام أحكام تفصيلية, لأنه لا يمكن أن توجد أحكام دنيوية تفصيلية صالحة لكل زمان ومكان طالما أن الأحوال والظروف والحاجات متغيرة بتغير الزمان والمكان.

ــــــــــــــــ
أعتذر للتأخر في النشر لظروف خارجة عن إرادتي.

#انور_سلطان (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل