انور سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 02:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما كنت ابحث في الايات التي تأمر بالحكم بما أنزل الله، وجدت ان هذه الصيغة وردت في الحكم بما انزل الله في التوراة والانجيل، وكانت هذه الايات جزء من ايات تتناول قصة اليهود الذين تحاكموا للنبي، ولم يرد الامر بالحكم بما أنزل الله في غير هذا الموضع. وهذه القصة تناولتها سورة المائدة من الايات 42 الى 50.
واستوقفتني هذه الايات التي كانت تأمر بالحكم بما أنزل في التوراة "الموجوده مع اليهود " وبما انزل في الانجيل ايضا، لأنها تناقض مع ما لقن لنا ان التوراة والانجيل كتب محرفة.
وقد وصف القران الكتابين بأن فيهما هدى ونور في معرض الأمر بالحكم بما أنزل فيهما.
( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ) المائدة: 44.
(قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ) المائدة: 46، اي اتينا عيسى.
وأكثر من هذا ، فقد اعتبر القران ان عدم الحكم بما في كتبتهم التي بين أيدهم ظلم وفسق وكفر، لا بل وأنكر القران على اليهود كيف يأتون يتحاكمون الى النبي وعندهم حكم الله في التوراة.
( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) المائدة: 43.
وهذا يعني ان القران كان يعتبر تلك الكتب صحيحة ولا غبار عليها، والذي أخذه القران على اليهود، فيما يخص التوراة، أمرين:
- الأول: كتمان ما هو موجود في التورراة، وهذا التقريع بذاته يؤكد على اعتراف القران بالتوراة المكتوبة التي لدى اليهود حينها انها حق وان كتمان الحق ذنب عظيم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) البقرة: 159
فما هو موجود فعلا عند أهل الكتاب في كتبهم هو بينات وهدى.
- والثاني: هو تحريف الكلم عن مواضعه، أي تحريف المعنى عند الحديث، وليس اعادة كتابة النص والتصرف فيه بالحذف والاضافة، والا لما وصف التوراة والانجيل التي لدى اهل الكتاب في ذلك الوقت بأن فيها هدى ونور، وأن ما نزل فيها من أحكام هي أحكام الله عموما دون استثناء. ولما أخذ على اليهود كتمانهم لما فيها، باعتباره كتمانا للحق.
واشار القران لتحريف المعنى : ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) البقرة: 59.
فالتحريف يكون بالقول بخلاف ما أمروا، او يقولون بخلاف ما هو موجود في التوراة.
ومما يؤكد ان القران يعترف بالكتب الموجودة انها كتب سماوية، وصف القران لعلماء أهل الكتاب بأهل الذكر، ولو كان يعتبر كتبهم محرفة لما وصفهم بأنهم أهل الذكر.
فعندما انكر المشركون ان يرسل الله بشرا رسولا احالهم النبي الى أهل الكتب، ان يسألوهم عن حقيقة الرسل وهل هم بشر ام لا، وسمى علماء أهل الكتب بأهل الذكر
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) النحل: 43.
ونفس الصيغة وردت في الاية السابعة من سورة الانبياء.
ولو كان ما عندهم محرف لما اعتبرهم القران علماء.
( أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ) الشعراء: 197.
وهل العلم الا علم بالحق وليس بالباطل.
بل قال القران: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يونس: 94.
وأعتبر النبي ان ما عند اليهود حق، ويؤكد هذا صومه ليوم عاشوراء وأمره بصيامه لما علم ان اليهود تصومه شكرا لله أن نجى موسى وبني اسرائيل فيه من فرعون. ولم يشكك اطلاقا في المعلومة التي وصلته. والحديث الذي ينهى عن تصديق او تكذيب أهل الكتاب يتناقض مع القران ومع قضاء النبي الذي قضى بين اليهود بما في كتابهم عندما تحاكموا اليه، ويتناقض مع فعل وامر النبي بصوم عاشوراء الذي جاء تصديقا لروايتهم التاريخية. وهذا يدل انه مختلق لا أساس، والذي حرف ما يقرره القران من السهل عليه اختلاق حديث.
وأوضح من كل هذا، ان القران اعتبر نفسه مصدقا للكتب التي لدى أهل الكتاب.
(آمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ) البقرة: 41.
والقران لن يكون مصدقا الا للحق الموجود فعلا، من وجهة نظره، والا لما قال لاهل الكتاب: امنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم. فالكتب التي مع أهل الكتاب هي في نظر القران كتب منزلة من عند الله، وهو -أي القران- مصدق لها.
وهذا يعني ان الدعوة للايمان بالكتب السابقة ليست مجرد دعوة للتصديق بوجود كتب سابقة لم يعد لها وجود، بل الايمان بما هو موجود، وهي التوراة والانجيل الموجوده، عند أهل الكتاب.
(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) النعكبوت: 46.
ويقصد القران بالذي أنزل اليهم كتبهم التي بين أيديهم، والا لما كان هناك معنى لخطابهم بهذا الاسلوب، وكان الأولى أن يقول ان الذي معكم محرف، وان يقرعهم عوضا عن خطابهم بهذه الطريقة التي فيها من الود الكثير.
ونختم بهذه الاية التي تقطع أي ادعاء في عدم اعتراف القران بصحة الكتب السماوية الموجود
( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) المائدة: 68.
#انور_سلطان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟