|
محاولة
نسيمه الشلال
الحوار المتمدن-العدد: 5103 - 2016 / 3 / 14 - 18:41
المحور:
الادب والفن
كعادته، وقف امام المراة ، ليسرح شعره ، رتب خصلاته القصيرة بعناية فائقة ، وبعدها تفحص هندامه بالكامل وكأنه ذاهب الى موعد مهم جدا ، او سيقابل شخصية بارزة في المجتمع . خرج بكامل اناقته من منزله الطيني البسيط . سالكا الطريق الترابي الذي تعود السير عليه خلال سنوات عمره الثلاث والعشرون . كان يسير، ويلعن ، يلعن الجو الحار الخانق ، والتراب الذي التصق على حذائه و اخفى لمعته الى ان التقى (بشلته ) التي كانت تقف على الدرب المؤدي الى المدينة ، وما ان وصل حتى بدا تذمره وعدم رضاه كما في كل يوم وكل ساعة . وقال بعصبية واضحة : _ ماهذا المكان الذي نعيش فيه ،انه لا يصلح للكلاب ، الجو حار ،والغبار في كل مكان حتى انه يرافقنا مع ملابسنا حين ننام ، لا شيء يدعو للتفاؤل ، لا امل هنا . اتعلمون ماذا ، أظن ، بل انا على يقين بأنني ولدت في المكان الخطأ ، ماكان ينبغي ان أولد هنا في هذه البقعة القذرة المليئة بالقطط والكلاب السائبة . ثم اطلق زفرة طويلة ، وقبل ان يتممها أضاف احد زملائه يوافقه الرأي قائلا بمرح مشبوب بالأسى :هذه القرية كما هي لم يتغير فيها شيْ منذ زواج ابي بأمي غير مقاسات الناس والعشوائيات . قام بحركة لا ارادية ليكمل حديثه ، ويعيد على اسماعهم اسطوانته التي تعودوا عليها : الم اقل لكم ، لقد ولدت في المكان الخطأ ، يجب ان نهاجر من هنا ، او نغير هذا المجتمع ! لم نولد لنعيش تفاصيل هذا البؤس . فرد عليه زميل له : والى اين تريدنا ان نذهب ؟ ودراستنا هل نتركها دون ان نكملها ؟ قهقهة بصوت عالي وهو يقول : دراسة ! عن اية دراسة تتحدث ؟ وتفحص الجميع بنظراته لتاكد من وصول رسالته اليهم ، ثم اشار بسبابته على ذلك المسكين وهو يقول ساخرا : الأفندي يحسب نفسه يحضر رسالة ماجستير او دكتوره . كم انت مسكين يا صديقي . عفوا هل اخاطبك بالأستاذ ام تفضل لقب دكتور ؟. لم يتحمل زميله هذه السخرية فتركهم وهو يقول : لا تنسوا ما لم نعبر هذه المرحلة لن نتمكن من دراسة الماجستير او الدكتوراه . أستمر صاحبنا على هذا النحو ، متذمرا وحانقا وناقدا لكل شيء حتى لطبخات امه وتصرفات وكلام والده ، وقرر اخيرا ان يترك المدرسة ، ويذهب الى المدينة للعمل ! القرار كان صادما لوالده ، ووالدته ، فقد كان حلمهما ان يكون ابنهما طبيبا مشهورا او مدرسا ، ولكن تبدد الحلم رغم محاولاتهما نصحه مرارا وتكرارا ليعدل عن قراره ، ولكن عبثا ، فقد ترك والديه ، وهما في صدمة وخرج من ذلك البيت الطيني ومن تلك القرية متوجها الى المدينة التي لم يزرها من قبل للبحث عن حياة جديدة يتمناها ، واحلام كثيرة يريد ان يحققها . نزل في فندق وسط المدينة ، وبدأ يخرج كل يوم يستكشف المدينة الكبيرة ويجول ويتسكع في شوارعها الى ان نفذ ما لديه من مال ، بعدها ذهب للبحث عن عمل يكسب منه ايجار غرفته وطعامه ، رفضته كل الشركات والمعامل التي تقدم للعمل فيها ، فهو لا يملك اية شهادة دراسية ، ولا اية خبرة في مجال من العمل . بعد اسبوع من البحث المضنى وجد عمل بأجر بسيط كعامل بناء ، وحتى وهو يعمل كان يعيد على مسامع الجميع عبارته الشهيره : لقد ولدت في المكان الخطأ .. ويستمر في السب واللعن . تناهى الى سمع والديه خبر سقوطه من اعلى أحدى البنايات التي كان يعمل فيها ، فاستقلوا سيارة اجرة متوجهين الى المستشفى بأسرع ما يمكن ، ووجدوه بين الحياة والموت مربوطا ببعض الأجهزة الطبية . فتح عينيه ببطء ليجد امه بجانبه ممسكة بيده والدموع تنزل على خدودها التي جعدها الزمن ، اما والده فقد كان يقف بالقرب منه والحزن يقطر من تقاسيم وجهه الحزين ، قالت والدته : لماذا فعلت بنا هذا ياولدي ؟ اما كان الأجدر بك ان تغير حياتك بطريقة اخرى . وبصعوبة بالغة تمتم قائلا : لقد حاولت يا اماه ! وهنا تدخل والده قائلا : لم تحاول قط ! انما اردت ان تموت ، وتعذبنا معك وهاهي رغبتك تتحقق ، كنت قادرا على ان تخلق واقعا وحياة كما تتمناه وليس كما فرض عليك . لأول مرة يشعر بأهمية وجود والديه في حياته رغم أميتهما .. الان فقط احس كم كان كلامهما نابع عن معرفة مختلفة عن معرفته بأمور الحياة والدنيا ، اغمض عينيه واعترف مع نفسه ، انه بالفعل لم يحاول مجرد محاولة ان يغير اسلوبه في الحياة ، فكيف كان بأمكانه ان يحقق احلامه ويغير حياة مجتمع كامل كان يتذمر منه دائما .
#نسيمه_الشلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصف رغيف نصف قمر
-
مسافات
-
حلم
المزيد.....
-
نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط
...
-
تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
-
السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
-
فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف
...
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
-
مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
-
روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|