أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سندس القيسي - باريس وأضواؤها الساطعة وزقاقها المرعبة















المزيد.....

باريس وأضواؤها الساطعة وزقاقها المرعبة


سندس القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 5098 - 2016 / 3 / 9 - 12:53
المحور: الصحافة والاعلام
    


باريس وأضواؤها الساطعة وزقاقها المرعبة

إن أضواء برج إيفيل تتلألأ كل مساء الساعة العاشرة لتحتفل بباريس مدينة الضوء والحب معًا، كما يسميها أصحابها. وهي مدينة جميلة وغامضة تستحق الإكتشاف، رغم أن أجزاءً منها ابتدأت بالإهتراء وأصبحت معالم الحزن والفقر تعلوها. بل إن حالة الغليان التي تعيشها المدينة تشي ببوادر العنف والإصطدام المخبأين في طيات زقاقها المرعبة، والتي لا يستحسن أن ترتادها ليلاً، على الأقل ليس لوحدك.

لقد قضيت شهرًا كاملاً الصيف الماضي في باريس، التي هربت إليها من المعتاد والمألوف اللندني، ولكي أتلمس ماهية وكنه التحرر الفرنسي، الذي لا بد أنه يختلف عن التحرر البريطاني. واكتشفت أن ما يمكن أن تكتب عنه في باريس قد يكون أوسع رحابة مما يمكن أن تكتب عنه في لندن. وهنا أتحدث كعربية. فإن مفهوم العربي عند الفرنسي هو الشمال إفريقي، بينما هو الشرق أوسطي في لندن. إن الفرنسي على علاقة يحاول أن يتحاور من خلالها مع شعوب شمال إفريقيا، فالفرنسي يفهم التوزيع الديمغرافي لهذه البلدان، التي يغلب عليها العرق البربري أو الأمازيغي أو الشلحي أو الطوارق، وهم جميعًا يتقنون الفرنسية، ومع ذلك لا يستطيع كثيرًا من الشمال إفريقيين نسيان إرث الإستعمار خاصة بعد أن تخلت عنهم فرنسا عقب خوضها حربيها العالميتين الأولى والثانية.

وهناك الفقر المدقع الذي تعاني منه هذه الجالية، التي يزداد الضغط عليها مع ازدياد التطرّف. وكما قال شاب فرنسي في مقتبل العمر، فإن الأوروبي امتداد الأمازيغي. وهنا أتذكر أمازيغيًا قال لي إن فرنسا هي من تركض وراءهم لكي يكونوا فرنسيين وليس العكس. وتظل العلاقة بين الأمازيغي والفرنسي جدلية، فهم من جهة يتبنون الثقافة الفرنسية، ثم ينبذوها من جهة أخرى. والأمازيغ بدورهم لهم ثأر مع العرب، الذين فرضوا عليهم ثقافتهم وإسلامهم، ولهذا هم يعتقدون أن شمال إفريقيا أمازيغية مائة في المائة مع أن هذا ليس دقيقًا ولا صحيحًا.

أما فيما يتعلق بعلاقة العربي بالبريطاني، فإن الأخير يخلط بين العربي والمسلم، مع أنه في الآونة الأخيرة أصبح يميز الفرق أكثر قليلاً. وبريطانيا تريد أن تحتفظ الأقليات العرقية بأصلها لأنه من الممكن لهذه الإثنيات أن تكون بريطانية، لكنها لن تكون إنجليزية أو اسكتلندية أو إيرلندية أو ويلزية وهذه هي الدول الأربع التي تشكل المملكة المتحدة، ففي بريطانيا، الكل يحتفظ بأصله خصوصًا أصحاب البلد وهم من عرق الكلتك والأنجلو-ساكسون وعرقيات أخرى من أصول ألمانية وغيرها.

وخلال هذا الشهر، عشت في ثلاث أماكن مختلفة أولها يضم شرفة رائعة على الطابق الرابع، حيث قضيت معظم وقتي أشرب القهوة وأمتع نظري بباريس وأكتب دون أن أخرج إلا فيما ندر. فقد كان المكان رائعًا وقديمًا ومرتبط بمسرح محلي غير أنه كان علي الطلوع والنزول على الدرج المرهق على الأقل ثمانية مرات في اليوم. ولم أفهم لماذا لا يحب الفرنسيون المصاعد، فهذا على عكس ما هو متواجد في بريطانيا. وكأن أربع طوابق طويلة لم تكفيني، ففي سكني التالي، ترقيت إلى الطابق السادس، فالسكن يشح في الصيف والخيارات محدودة.

وأول من فتح شباكي وأيقظني من النوم عامل من شمال إفريقيا كان يقف على السلم الخارجي، حيث يقومون بعمل تصليحات. ولم يكن يعرف أن أحدًا بالغرفة فبعد أن تعرفنا، طلبت منه أن يحضر لي القهوة من تحت، لأَنِّي لا أستطيع معاقبة نفسي بهذا السلم القاسي على مدار ست طوابق، لم أرتح منها بعد منذ ليلة الأمس وحقائبي الثقيلة الكثيرة. ففعل! وَيَا ليته لم يفعل، إذ ما أن أحضر لي القهوة والتعليقات بدأت من قبل زملائه العرب الذين أسمعهم ولا أراهم. والذين أصبحوا فيما بعد يمرون من أمام نافذتي لكي يأخذوا طلة على هذه العربية الساكنة الجديدة هنا وكأني تحفة! وكم تضايقت لهذا الأمر الذي يثبت لي تخلف العربي، حتى وهو في قلب باريس. وبعدها، اضطررت أن أبقي نافذتي مغلقة ليلًا نهارًا. ومع ذلك لم أسلم من مضايقتهم، فقد ظلوا يفتحون نافذتي حتى وأنا نائمة. ثم ذهبت وشكوتهم بفرنسية ركيكة إلى مسؤولهم، دون فائدة.

وقد ذهبت إلى باريس لتحقيق حلم مراهقة قديم، حيث أردت أن أقضي وقتي في مونمارتر أكتب في هذا المكان الصعلوك، الذي مر عليه سارتر ودي بوفوار وكتاب وفنانين كثر. ومضيت أبحث عن مكان استراتيجي يتيح لي أوسع نظرة بانورامية ممكنة كي أشبع عيناي وحواسي بهذا المكان الرائع خاصة مع الجو البديع. وبينما أنا أذهب وأنزل وأطلع، دعاني نادل من أصلٍ عربي إلى طاولة برانية على التراس، فلبيت وحين طلبت قهوة، لم يعجبه ذلك كثيرًا، فشرحت له إني أريد أن أكتب وأخرجت التابلت، وأني سأذهب، فقبل على مضض، وطلبت ثلاثة قهوة لي لوحدي دفعة واحدة، حتى لا يزعجني هذا النادل. وجلست أكتب وكلما رفعت عيني فإذا بها تقع في عين النادل، الذي شتت أفكاري بوقت الغذاء والعشاء والكراسي الفارغة والممتلئة، فما كان مني إلا أن شربت قهوتي وخرجت، حيث لم أعد قادرة على التركيز فيما أكتب، إنما في وجبات الطعام. وهكذا خرجت من مونمارتر التي تمردت على أصلها البوهيمي لتصبح مكان سياحي ذو خمس نجوم. وقد كنت غبت عن مونمارتر وباريس أكثر من عشر سنين.

لكن ما حصل بعد ذلك، كان مفارقًا حيث انتقلت إلى حي التوانسة واليهود. وهو حي خطر بعض الشيء يجانبه حي للمغاربة وحي للجزائريين. وقد حذرني الجميع من هذه الأحياء جميعًا وهي معمرة بالجيش والشرطة لكني لم أسمع لأحد ومضيت أسير في شوارعها ليلًا لاكتشاف حقيقة باريس. وفي هذه الأحياء، كاد يتم خطفي والإعتداء علي في حادثين منفصلين، كما تمت سرقتي من قبل عامل الفندق العربي. وكيف يستطيع المرء أن يدافع عن هكذا أشكال مخزية؟

وأول ما اكتشفت في هذه الأحياء ولعل هذا لأول مرة في حياتي، أسواق المومسات، وأغلبهن صينيات وأسيويات. ويبدأن أعمالهن في وضح النهار حيث يقفن في صفٍ طويل خارج المباني المهنية وعلى امتداد الطريق، منهن من يبذلن جهدًا في لباسهن وزينتهن والبعض غير آبهة لهذا. وقد راقبت آلية عمل البعض وكيف تلتقط رجلاً. كل هذا لم أره من قبل!

وبينما كنت أمشي ذات مرة، وجدت شرطيان يفتشان رجلاً عربيًا، ربما مهاجرًا غير قانوني، وقلت في ذات نفسي يا للعنصرية، وأدرت وجهي أراقبهم منتظرة لحظة تدخلي، إذ أني لن أسكت عن العنصرية، وبينما أنا أفكر في هذا الأمر أدرت وجهي، لأجد أكثر من عشر شباب عرب، يقفون للشرطة بالمرصاد. ففتحت فمي مشدوهة. ووقفت معهم أنتظر ذهاب الشرطة وحين راح الشرطيان، رجل وإمرأة تبادلنا الأسئلة، فسألوني من أنا وماذا أريد، فقلت أني كاتبة وأريد أن أفهم ما يفعلون، فقالوا إنهم يتربصون بالشرطة الفرنسية. ثم جاء واحد تحت تأثير السكر والمخدرات وتهجم بعدوانية علي، بينما أنا أريد أن أستفسر الأمور مع الشباب. فمنعوه عني وطلبوا مني أن أذهب في حال سبيلي بسببه. ففعلت لأن منطق الأمان يقتضي الإبتعاد عن الخطر، خاصة أن هؤلاء لا يخافون من الشرطة حتى! وفي الحقيقة، ربنا ستر. وهذا الجو المشحون في باريس لا وجود له في لندن. ولذلك أقول لكم إحذروا العرب والمسلمون في باريس، فإن بعضهم خطر ومتوحش! وباريس ليست لندن، حيث الشرطة مهابة!



#سندس_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة العربية 8: الواعظات يضعن أياديهن في عِش الدبابير
- المرأة العربية 7: يوم المرأة وأمومة الأم العربية
- المرأة العربية 6: أمينة ليست شرف أحد وجسدها ملكها
- المرأة العربية 5: الجسد والطالعات من قمقم الشهوة
- المرأة العربية 4: النضال بالجسد العاري
- المرأة العربية 3: من التعري الكلي إلى النقاب
- الملكة إليزابيث ملكتي وقدوتي
- المرأة العربية 2: الملكة إليزابيث الثانية ملكتي وقدوتي
- لا تلقي قذارتك الأقذر على الطاهرات
- المرأة العربية 1: الفضيلة والرذيلة والحريّة
- لا ترمي قذارتك الأقذر على الطاهرات يا منال
- يوم لندني غامر بالحرية
- التحرر الحقيقي 1: تجربة الرجل الأسود
- الفنان موسى حيّان: لا أشرب إلا من ماء الغيمة الصادقة
- يوم جميل في لندن
- الشرف والدم 5: تشويه المرأة العربية
- الشرف والدم 4: حذارٍ من الصلب والذبح
- الشرف والدم 3: المستعمر وإقصاءاته للمرأة
- الشرف والدم 2: الأنوثة
- الشرف والدم 1: الذكورة


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سندس القيسي - باريس وأضواؤها الساطعة وزقاقها المرعبة