أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يامنة كريمي - إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية الجزء الثاني















المزيد.....



إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية الجزء الثاني


يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)


الحوار المتمدن-العدد: 5096 - 2016 / 3 / 7 - 17:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية
الجزء الثاني
تأزم أوضاع المرأة الأمازيغية مع المد العربي
1- تراجعت مكانة المرأة الأمازيغية وضعف مستواها الاجتماعي بعد الدخول العربي:
منذ أن بدأ التواجد العربي بشمال إفريقيا حوالي 642م-21 ه مع عمرو بن العاص. عرفت المرأة الأمازيغية وضعية مأساوية. ومن مظاهر هذه الأزمة أنها خضعت للتمييز السلبي اتجاه الرجل. فهي حسب رأي السلفيين – السلفي بالمعنى التاريخي الذي هو الرجع في الحياة إلى أقم معرفة يتذكرها الإنسان عن أجداده وأسلافه- تعتبر ناقصة عقل ودين. الأمر الذي يستوجب وصاية الرجل عليها، سواء في شكل أب أو أخ أو ابن العم ولي الأمر بصفة عامة أو الزوج. وهذه الوصاية تجعل المرأة تفقد حريتها في ممارسة حقوقها المدنية مثل: حرية الزواج، الإرث، الطلاق، العمل، السفر. وحقوقها السياسية: مثل تولي مناصب القرار والمساهمة في تسيير الشأن العام. والحقوق الفكرية: كالتعلم، وممارسة البحث، وحرية التعبير. أو في أحسن الحالات تتطلب تلك الممارسات التي تعتبر حقا طبيعيا لكل إنسان، إذن الوصي وموافقته. الأمر الذي نادرا ما يحصل إلا إذا كان ذلك يخدم منفعته. والأسباب الحقيقية لهذه الوضعية التي تم تعرفها المرأة الأمازيغية قبل هذه الفترة هي:
- تقزيم وتحقير ثقافة معظم القبائل العربية لشخص المرأة قبل الإسلام واستمرار ذلك الموقف حتى بعد الدعوة. حيث كان موقف العرب من المرأة لا يختلف عن الثقافات النسائية التي عرفتها الحضارات الإغريقية والرومانية وما عرف عند اليهود والنصارى، فيما يخص دونية المرأة وتبعيتها للرجل. ورغم اعتناق هذه القبائل للإسلام فإن العناصر العربية الوافدة إلى تامزغا، لم تتنازل عن الامتيازات التي كانت تتمتع بها على حساب المرأة لذلك لا يمكن أن نتجاهل الأثر السلبي لسياسة الغزو التي سلكها العرب في بلاد تامزغا على وضعية المرأة الأمازيغية في معظم المناطق. فرغم الادعاءات بأن العملية هي عملية فتح ونشر للإسلام كدين المساواة والعدالة والتسامح... ولكن ما جرى هو أنه باستثناء اثنين أو ثلاثة من العرب الذين دخلوا إلى تامزغا، الباقي كان هدفه منها، الاستيلاء على الأرض والثروات والنساء. وهذه الحقيقة واضحة من خلال كل الوسائل والأساليب الاستعمارية التي استعملت في عمليات الغزو والتي تتنافى مع المبادئ الإسلامية في نشر الدعوة الإلهية، كما كما هو ثابت في الكتابات التاريخية. وفي هذا الباب نجد الأمويين يعتمدون في سياستهم اتجاه الأمازيغيات قاعدة وقانون عبد الملك بن مروان والتي تقول: "من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فيتخذها بربرية، ومن أراد أن يتخذها للولد ففارسية ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية"(2). مما جعل الخلفاء الأمويين يقيسون فعالية ونجاح ولاتهم على المغرب بقدر ما يرسلونه لهم من المال والأمازيغيات. لذلك كان ارتفاع نسبة الغنائم والأمازيغيات الوسيلة الوحيدة التي يرضى بها الولاة الخلفاء في الشرق، من أجل ضمان استمرار إقامتهم في تامزغا التي تشكل مرتعا خصبا للسلب والنهب واستعباد الأهالي واستباحة النساء اللواتي تعودن في غالب الأحيان على الحرية والكرامة. وكل ذلك بدعوى الإسلام. وعلى سبيل الاستشهاد، نورد ما جاء عند بعض المؤرخين ولو بإيجاز.
قال ابن عذاري: "وكان الخلفاء بالمشرق يستحبون طرائف المغرب ويبعثون فيها إلى عامل إفريقية، فيبعثون لهم البربريات المسبيات، فلما أفضى الأمر إلى ابن الحبحاب مناهم بالكثير، وتكلف لهم وكلفوه أكثر مما كان، فاضطر إلى التعسف وسوء السيرة"(3)
وقال ابن خلدون في نفس الموضوع: "وساءت سيرتهم في البربر ونقموا عليهم أحوالهم، وما كانوا يطالبونهم به من الوصائف البربريات..."(4).
قال الناصري: وارتحل إلى المشرق –حسان- بما أجمعه من ذريع المال ورائع السبي ونفيس الذخيرة، فلما انتهى إلى مصر، أهدى إلى عبد الملك مائتي جارية من بنات ملوك الفرنج والبربر، فلم يقنعه ذلك..."(4)
ونفس السياسة نهجها عقبة ابن نافع الذي جعل من بلاد تامزغا مملكة خاصة، ووزع شؤونها على زبنائه بعدما استعبد أهلها بما كان يدعيه من المعجزات ويتظاهر به من الكرامات. ونفس السياسة نهجها موسى ابن نصير، الذي اتهمه بعض الناس بالحمق لشدة إسرافه في جمع المال والجواري وإرسالها إلى المشرق، لكن هشام بن عبد الملك كان يضرب به المثل في مجال تلبية رغبات السلاطين الأمويين لذلك نجده يكتب إلى عامله على إفريقية قائلا: "أما بعد، فإن أمير المؤمنين لما رأى ما كان يبعث به موسى ابن نصير إلى عبد الملك ابن مروان، أراد مثله منك، وعندك من الجواري البربريات المالئات للأعين الآخذات للقلوب، ما هو معوز لنا في الشام وما ولاه. فتلطف في الانتقاء، وتوخ أنيق الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل، وسبوطة العصب، وجدالة الأسوق، وجثولة الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام(5) وأترك للقارئ حرية استخراج الفكرة الأساسية للنص والأفكار الجزئية وتحليلها والتعليق عليها حتى يتسنى له الوقوف بنفسه على نظرة العرب المنحطة للمرأة الأمازيغية حتى مستوى السفالة.. والإجرام.
2) استغل الرجل العربي الإسلام لتبرير استعباده للمرأة:
رغم ما يدعيه الرجل العربي من أن السلطة المطلقة التي يمارسها على المرأة، والوضع المأساوي الذي يفرضه عليها – والذي يعتبره هو وضعا مشرفا – هي من تعاليم الإسلام. فالمعروف تاريخيا هو أن الإسلام قد وجد المرأة في معظم القبائل -وأسطر على معظم القبائل العربية أي ليس كلها- تعيش الظلم والاستبداد إلى درجة الوأد. فمتعها بمجموعة من الحقوق، التي كانت محرومة منها طيلة الفترة السابقة. لكن من باب الحكمة الإلهية روعي مبدأ التدرج في تمكين المرأة من حقوقها. وذلك لرفض الفكر الذكوري السائد الرفع من مستوى وكرامة المرأة وكذلك مراعاة للوضعية المتدنية التي عاشتها والتي كانت سببا في إضعاف قدراتها واستعداداتها لممارسة تلك الحقوق بشكل إيجابي وصحيح. ومبدأ التدرج يجنب المرأة من احتمال إلحاق الضرر بنفسها أو أسرتها أو مجتمعها في حالة ما إذا لم تحسن التصرف لنقص تجربتها. وهذا سلوك في منتهى العقلانية والمنطق، لأنه من المجازفة، أن نخرج المرأة فجأة من حالة الاستعباد والاسترقاق والعنف والسلبية، ونمكنها من كل شيء ونطلقها تهيم على وجهها في عالم تجهله وإن لم يكن كليا فجزئيا. لذلك كان من حكمة الإسلام أن أعطاها من الحقوق ما هي في حاجة إليه بشكل عاجل، وترك لها المجال مفتوحا لتحصل على ما بقي من حقوقها بشكل تدريجي وتطوري تمشيا مع الإمكانيات والقدرات التي ستكتسبها مع الزمن. وهذه الحكمة الإلهية قد راعت نفسية الرجل ووضعيته في علاقته بالمرأة. حيث لم يكن من الحلم كذلك نقل الرجل من وضع السيادة المطلقة إلى المساواة والديمقراطية مع المرأة على وجه السرعة لما يمكن أن يتسبب فيه ذلك السلوك الفجائي من أضرار. سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع الأمر الذي يسعى الإسلام إلى تفاديه لما فيه صالح البشرية أجمع، وهو العدالة والمساواة والكرامة والديمقراطية بصفة عامة. وهنا أود أن أطرح سؤالا وهو: -إذا كان الإسلام يقوم على المساواة والعدالة والحرية، فلماذا يستثني الرجل العلاقة التي تجمعه مع المرأة من هذه القاعدة؟ ولماذا يحاول تبرير ذلك بنصوص قرآنية يدعي أنها تقر التمييز ما بين المرأة والرجل أو بالأحرى تفضل الرجل على المرأة وتمنحه حق الوصاية عليها؟
إن تصرفات الرجل اتجاه المرأة المشار إليها أعلاه سببها هو أن الآخدون بحرفية النص وظاهره يعملون على تغييب مجموعة من المبادئ اللازمة في أعمالهم وأبحاثهم وهي:
- ضرورة اعتماد المنطق والموضوعية في معالجة النصوص القرآنية (تدبر القرآن).
- مراعاة ظروف النزول وخصوصياتها لأن الإسلام يجب أن يأخذ من باب المبادئ العامة والجوهرية.
- الأخذ بعين الاعتبار مبدأ التدرج الذي اعتمده الإسلام في معالجة كل مشاكل مجتمع الوحي وخاصة المستعصية منها مثل (العبودية والخمر والميسر وقضايا المرأة في علاقتها بالرجل...) وترك مجموعة من القواعد للاجتهاد لمعالجة النوازل انطلاقا من مقاصد الإسلام.
- وجوب الاجتهاد في الإسلام لمسايرة العصر وعدم اعتماد السلفية بشكل حرفي لأن عصرهم غير عصرنا ومشكلاتهم غير مشكلاتنا.

3) الإسلام بريء من استعباد المرأة انطلاقا من مبدأ العدالة والمساواة في الحقوق والمسؤوليات
من القضايا التي يستغلها المتشبثون بحرفية النص للتمييز ما بين المرأة والرجل، العصمة والقوامة وتعدد الزوجات...
أ) العصمة: إن مسألة وجوب العصمة في الإسلام أمر بعيد كل البعد عن المنطق بدليل أنه كان الإسلام يعتبر المرأة غير قادرة على تحمل مسؤوليتها، ويمنح الرجل حق الوصاية عليها لكان الرجل هو الذي يتحمل مسؤولية أفعال المرأة أمام القضاء الدنيوي والحساب الإلاهي بحكم أن ولي أمر القاصر هو الذي يتحمل تبعات أعماله. ومادام هذا الشرط غير ثابت في الإسلام وبأن المرأة مسؤولة عن أفعالها أمام الله مثلها مثل الرجل فذلك يمنحها كامل الحرية لممارسة حياتها في تكامل وانسجام مع الرجل دون سيادة أو امتلاك.
ب) القوامة: يقول تعالى في مسألة القوامة: الرجال قوامون على النساء... بما أنفقوا هنا الأمر واضح ومنطقي، فبما أن الرجل يتحمل مسؤولية النفقة على المرأة فلا حرج في أن تتسع حقوقه عليها. لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن وجود القوامة رهين بثبات الشرط الذي هو النفقة، وبمجرد رفع الشرط يرفع المشروط الذي هو القوامة. لكن ما نلاحظه في تامزغا هو أن المرأة تعمل والرجل يتصرف في أجرها كما يتصرف في شخصها بدون أي مبرر شرعي أو منطقي. حتى أصبح ذلك السلوك الغير المنطقي سلوكا مرضيا ومتطرفا، لا يختلف عن القاعدة التي قام عليها نظام العبودية وهي: العبد وما يملكه، في ملك سيده أو سيدته، ولي كل اليقين بأن اثنين لن يختلفا حول كون هذه السلوكات ليست من شيم الإسلام وإنما هي فقط رغبات المتأسلمين.
ج- تعدد الزوجات لا يقر بها الإسلام كما أشرنا إلى ذلك، منذ البداية إلى معالجتها إن لم نقل محاربتها لكن دائما تبعا لمنهجية المرونة والتدرج، والأمر واضح من خلال الآيات والأحاديث التي جاءت في هذا الصدد. ففي البداية حيث كان العرب قد تعودوا على الزواج بعدد غير محصور من النساء. وأخذوا على توراث النساء والمتاجرة فيهن واستغلالهن أبشع استغلال قال صلى الله عليه وسلم: "أمسك أربعا وفارق سائرهن". ثم في مرحلة ثانية نزلت الآية التي تشترط العدالة بين النساء وتحذر من عدم القدرة على ذلك بفعل العواطف والميولات "وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة وهنا نلاحظ كيف تتطور عملية المطالبة بالحد من تعدد الزوجات. أما في المرحلة الثالثة فقد نزلت آية تقر بعدم قدرة الرجل على العدل ما بين النساء أي عدم قدرته على إقامة شرط التعدد وبالتالي يكون ذلك إعلان صريح على ضرورة منع التعدد من خلال قوله تعلى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم..." ولا تنحصر رغبة الإسلام في التوحيد فيما تم الاستشهاد به فقط وإنما الأمر وارد – بما لا يدع مجالا للشك – ضمن الأهداف المراد تحقيقها من الزواج في الإسلام، والتي هي الرغبة في الشعور بالاستقرار والحب والمودة والرحمة ما بين الأزواج. الأمر الذي يستحيل تحقيقه في حالة تعدد الزوجات. لأن المرأة ترفض تقاسم هذا الشعور مع غيرها من النساء، مثل ما يرفض الزوج تقاسمه مع غيره من الرجال.
وهناك عنصر آخر يستغله الآخذون بحرفية النص لاستمرار ظاهرة تعدد الزوجات، ألا وهو احتجاجهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يعلق بتعدد الزوجات أو الزواج بالطفلات – عائشة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي في التاسعة من عمرها – لكن ما أود إثارة الانتباه إليه هو زواج الرسول من عدد من النساء ليس البحث عن تلبية للرغبات والنزوات العاطفية أو سعيا وراء الشباب والجمال والمال، كما يسعى إلى ذلك المدافعون عن مبدأ تعدد الزوجات. وإنما كان لمصلحة قدرها الرسول ص هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فلا يصح أن نقوم بكل ما فعله الرسول حرفيا، لأننا لسنا رسلا ولا نمتلك صفات وخصوصيات الرسل. وكل ما نعرفه هو كون التجارب البشرية قد أثبتت أن الحياة الزوجية في حالة التعدد، تملأها المشاكل ويفارقها الأمن والاستقرار، فينعكس ذلك سلبا على كل من الآباء والأبناء والمجتمع.
والخلاصة هي أن هذه الظروف التي أخضعت لها المرأة الأمازيغية حرمتها لمدة من التعلم والتطور والإنتاج. كما جعلتها تتخلى لولي أمرها عن إدارة أملاكها وأموالها، وتتنازل عن حقها في الحياة الاجتماعية خارج الأسرة. وقبعت في البيت تسهر على خدمة الرجل-الأب-الأخ-الزوج...- فزادت تبعيتها الاقتصادية للرجل مما زاد من حدة الخضوع له. وفاتت عليها فرصة الاحتكاك بالعالم الخارجي لتطوير تفكيرها وتنمية معارفها وتجاربها وقدراتها العقلية والجسدية مما قوى جانب الرجل وجعله يتهمها بالعجز والضعف وعدم القدرة على المسؤولية. فكان تزويجها يتطلب ولي أمرها، والطلاق موقوف على الرجل لأنه أدرى بمصلحة الأسرة والمجتمع. واستمر تشبث الرجل بظاهرة تعدد الزوجات والخليلات والمحضيات الموروثة عن الثقافة ما قبل الإسلام، بدعوى حماية المرأة وصيانتها والحفاظ على مصلحتها. الأمر الغير وارد في الواقع. بدليل أن الرجل يعطي نفسه الحق في أن يحبس المرأة في البيت ويضربها ويعاشر غيرها ويهجرها متى أراد ويطلقها متى شاء ويضايقها حيثما حلت وارتحلت. وهذه أمور تلحق الضرر بالمرأة وليست من مصلحتها في شيء.
ولذلك فكل ما يمكن أن نخرج به من عرض هذه الفقرة، هي أن المرأة الأمازيغية كانت محور هذا المجتمع بشهادة كل المؤرخين. لكن مع الغزو العربي، قد ضعفت مكانتها وتراجع دورها الاجتماعي، خاصة تلك التي عاشت في الأوساط التي تدعي التشبث القوي بمبادئ الإسلام. فتضررت وعانت من سلطة الرجل وسيادته، المتمثلة في العصمة والقوامة والطلاق وتعدد الزوجات وحق التمتع بالمحضيات والجواري مع الحرية في عدم الاعتراف بأبنائهن وحق حرمان النساء من ممارسة مجموعة من المهام وكذلك حرمانهم أحيانا من الميراث بدعوى حماية أملاك العائلة من الانتقال إلى أسرة أخرى أو قبيلة ثانية. وتمتيع المجتمع للرجل بالحرية في عمل أي شيء واعتبار مغامراته وتخطيه لكل الحواجز الأخلاقية والاجتماعية، هي الرجولة الحقيقية لأنها لا تحد ولا تقهر لأي سبب كان. بل هذا الصنف من الرجال إذا كان بإمكانه توفير المأكل والملبس للنساء اللواتي يعاشرهن، فإن وسطه الاجتماعي يعتبره بطلا من أبطال الأساطير. هذا دون إبداء أي اعتبار لمشاعر وكرامة المرأة موضوع النقاش. لأن الرجل قد جردها من كل المشاعر الإنسانية والأحاسيس النبيلة وعمل على تشييئها وحصر متطلباتها في ملأ البطن وستر العورة وذلك حسب قدرته في أحسن الحالات وحسب رغبته في أغلب الأحيان. لأنه إذا لم يرض سي السيد ضاع كل شيء وضاعت معه المرأة. وهذه الظاهرة كانت سائدة بشكل واضح في المناطق التي تركز الهجرات العربية بسبب ثقافة التمييز الجندري للعرب وما رباه فيهم من أنانية تصل أحيانا إلى درجة الطغيان. وكذلك بفعل تعدد الخلافات بين الفقهاء حول عملية تأويل النصوص الخاصة بالمرأة والاجتهاد فيها. وهو الإشكال الذي لازال ؟؟؟؟ نزاع الفقهاء منذ القديم، لما تلعبه ذاتية الرجل من تأثير في الموضوع، الذي يزداد حدة وتعقيدا مع مرور الوقت، بفعل ما عرفته وتعرفه المجتمعات ومنها المجتمع الأمازيغي من تحول وتغير كبيرين.
4- بعض نظام استمرار المكانة المحترمة للمرأة رغم هيمنة ثقافة تحقير النساء:
في عهد الدولة الإدريسية – الدولة الإدريسية – الدولة الأوربية-، تركت المرأة الأمازيغية آثارها وإن كان ذلك من وراء الستار وعلى سبيل المثال نورد، اسم، كنزة الأوربية التي وضعت السياسة العامة للمغرب بعد وفاة إدريس الثاني، وعاتكة بنت علي ابن عمر صاحب صنهاجة واغمارة.
أما في العهد المرابطي الذي يمثل حكامه القبائل التي عرفت آثار النظام الأموسي نجد أن المرأة قد حظيت بنوع من الحرية ونالت ما تستحقه من الاحترام والتقدير وإن كانت قد تقيدت نسبيا بالثقافة العربية. والدليل على ذلك أننا نجد بأن المرأة حظيت بمكانة مهمة في هذه الفترة الزمنية وعن ذلك يقول صاحب الاستبصار بأن زينب النفزاوية الهوارية زوجة يوسف ابن تاشفين إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة ولها بنى ابن تاشفين مدينة مراكش. كما عرف العهد المرابطي نساء أخريات خلدن أسماءهن في سجل التاريخ ومنهن تميمة بنت يوسف بنت تاشفين المشهور لها بالذكاء والأدب والكرم. وكانت امرأة أعمال، تشرف على إدارة ثروتها بنفسها. وقد جاء ذكرها عند ابن الآبار وابن القاضي. كما اعتبرت زوجة علي ابن يوسف امرأة سياسية محنكة، حيث كان زوجها يقوم بإدارة شؤون الدولة عملا بمشورتها. وإلى هذه القائمة نضيف حواء بنت إبراهيم المسوفي كأديبة ومحاضرة. وفنو بنت عمر بن بنتيان كانت محاربة ومدافعة عن الدولة المرابطية(6). فقد ناضلت بحد السيف عن قصر الخلافة بمراكش وناضلت نصف يوم قبل أن يستسلم إسحاق ابن علي ويدخل الموحدون إلى مراكش في 545ه ونالت إعجاب الموحدين. وهذا العمل البطولي في التاريخ الأمازيغي يستحق إحياء ذكراه كاعتزاز بثقافتنا الحقيقية الأمر الذي يفعل بحيث حتة المفكرين والمؤرخين قد مارسوا سياسة التهميش والأقصاء على المأة من خلال أعمالهم.
أما في العصر الموحدي ورغم أن هذه الفترة عرفت نوعا من التشدد الديني خاصة في عهد ابن تومرت. هذا التشدد الذي مس المرأة اعتمادا على الحادثة التي وقعت بينه وبين أخت السلطان علي ابن يوسف المرابطي والتي أظهر فيها ابن تومرت تحامله على المرأة(7).
لكن هذه الحالة والتي هي في حد ذاتها لا تثبت محاصرة المرأة أو استغلالها أو السعي إلى تغييبها من الحياة العامة لأننا نجد في نفس المرجع أن ابن تومرت كان يعتمد على أخته زينب في مجموعة من قضايا الدعوة الموحدية ويستشيرها في القضايا العامة ومما يثبت دورها ذلك أنه حتى بعد وفاته كانت من الفئة التي ناضلت من أجل استمرار الدولة الموحدية ووصول عبد المؤمن ابن علي الكومي إلي الحكم كما خطط لذلك ابن تومرت قبل وفاته(8).
ومما لا يحتمل الشك هو أن زينب الأمازيغية هذه التي تكلم عنها الفقيه السيد محمد بن الحاج إبراهيم الزرهوني من تاسفت في كتابه "رحلة الوافد في أخبار هجرة الولد" حيث قال بأنها حاربت يوما كاملا اللمتونيين في تينمل في غياب والدها – ابن تومرت – لكن مادام أن ابن تومرت كان حصورا لا يأتي النساء ولا عرف الزواج والمرأة الوحيدة التي كانت قريبة منه هي أخته فمن المنطق أن تكون هي التي يقصدها الفقيه وليس سواها. وبالتالي نتأكد من أن ابن تومرت لم يكن تشدده اتجاه المرأة إلا فيما يخص اللباس أي أنه كان يسعى لأن تلبس المرأة الحجاب. وهذه المسألة واردة عند ابن تومرت ومؤكدة في مجموعة من الكتب التاريخية.
وفي العهد المريني، وغير بعيد عن هذه الفترة التاريخية، وفي القبيلة المصمودية، عاشت امرأة تاريخية، قال عنها القاضي الكنفودي القسطنطيني الذي زار المغرب حوالي منتصف القرن الرابع عشر الميلادي (1362م)- فترة حكم المرينيين وبالضبط عهد ابوزيان، 1367م 1361م رأيت في المغرب لدى إسكسون في جبال دران، في مكان يسمى القاهرة، السيدة الأميرة، الولية الصالحة، عزيزة تاعزونت" الساكسيوية "ثاسكسويث".
منحتني بركتها وتكلمت معها. كانت تقوم بعملية صلح بين مجموعتين مهمتين. كان لها مريدون من النساء والرجال. يتعاطون للزهد والتقشف والعبادة. كل شيء يسير بأمر منها. عندما تعطي درسا عاما تضع عليها خمارا. وكانت فصيحة وبليغة سواء في إجاباتها أو في إرشاداتها أو أوامرها ومواعظها. ولا شيء أرق من عباراتها حينما تكون تستعلم عن حالة الناس. لقد صنعت معجزات كبرى وورد في ذكره كذلك، أن ولي مراكش آنذاك الأمير محمد الهنتاتي، قد صعد عندها إلى الجبل وبعد محادثتها اعترف للفقيه، بأنها حكيمة وقوية الحجة..."(9).
فمن خلال هذه الشهادة يتضح لنا بشكل لا يقبل الشك أن الثقافة الأمازيغية ظلت تحتفظ للمرأة بمكانة مشرفة ولم يتم تغييبها نهائيا عن الساحة الوطنية وحتى بعد الغزو العربي وما حمله من آثار التصغير في حق المرأة وطمس مساهمتها في صنع الأحداث بمشاركتها الفعالة في جميع الميادين. فهذه تاعزونت، كانت حكيمة قومها، تفصل في نزاعاتهم وقضاياهم المختلفة. وكانت معلمة تقدم دروسا في الوعظ والإرشاد وكانت تعالج القضايا السياسية مما كان وراء زيارة الأمير الهنتاتي لها. كما كانت لها أنشطة اقتصادية. والجميع يعرف بأن الزاوية المغربية لعبت كل هذه الأدوار وزاوية تاعزونت كانت ذات صبغة وطنية.
أما في عهد السلطان أبي الحسن فقد تكلم التاريخ الخلدوني عن تواجد امرأة كانت صاحبة سلطان ونفوذ في المغرب الأوسط وعنها قال: كانت عند تغلب السلطان أبي الحسن على المغرب الأوسط شيخة عليهم من بني عبد الصمد هؤلاء، اسمها شمسي، وكانت لها عشرة من الولد فاستفحل شأنها بهم وملكت عليهم أمرهم(10).
كما جاء في الذخيرة الحسنية ص 146 كانت قبائل بني مرين تخرج بجميع العيالات في الحرب كما وقع في الغزوات التي تقابل فيها أبو يوسف بن عبد الحق مع يغمراسن بن زيان في تلمسان حيث برزت الجمال المحلاة والمراكب الملبسة بالديباج والقباب المزينة والجواري المولدات. وفي العصر المريني دائما يرد اسم زهور التي لما قامت عامة مدينة فاس على السلطان عبد الحق المريني أقاموا محمد بن علي الجوطي إمام فبقي إلى سنة 857 حيث عزله أبو الحجاج يوسف بن منصور بن زيان الوطاسي وبقيت فاس في يد ابن الحجاج الزهراء المدعوة زهور مع قائدة الشكيري إلى أن تولى الأمير محمد المدعو الشيخ بن أبي زكرياء الوطاسي الجذوة ص 131.
أما في العهد السعدي فقد داع صيت العريفة بنت نتجو التي لقنت السعديين مظتهر الحضارة الملوكية لا سيما داخل القصور والبيوتات تاريخ الدولة السعدية ص 25 وكان لمسعودة الوزكيتية والدة المنصور الذهبي عناية بإصح السبل وعمارتها وتشييد الخانات بالأمكنة الخالية وبناء القناطر (وأصلحت جسر وادي أم الربيع عام (1000) وتجهيز اليتامى وتزويج الأرامل وهي التي أسست مسجد باب دكالة بمراكش عام 965 وأوقفت عليه نحو سبعين حانوتا وغيرها وأقامت بإزائه مدرسة للطلبة الغرباء ومكتبة وذخائر كتبت على بعضها بخط يدها. والأميرة الرحمانية أم عبد الملك الغازي التي لعبت دورا كبيرا في حمل الخليفة التركي على إصدار أمره لوالي الجزائر بمساعدة ابنها على استرجاع ملكه بالمغرب عام 983. والنساء الناصريات متعلمات على وجه العموم(11).
الهوامش:
- ابن عذاري البيان المغرب. ج 1، ص: 39.
- ابن خلدون. العبر ج 6، ص 140.
-الناصري. الاستقصاء. ج، ص: 94.
- ورد النص عند محمد شفيق، إلى أخ لي في الإسلام، مجلة تيفاوت، مطبعة الرسالة، الرباط، العدد 6، ص: 56.
- عبد العزيز ابن عبد الله، معطيات الحضارة المغربية، دار الكتب العربية الرباط، ص: 16-17.
- "بينما –ابن تومرت- في طريقه يوما وهو في مراكش. إذ رأى أخت السلطان علي ابن يوسف في موكبها ومعها من الجواري الحسان عدة كثيرة، وهن سافرات وكانت هذه عادة الملثمين، يسفر نساؤهم عن وجوههن، ويلثم الرجال، فحين رأى ابن تومرت –أسافو- النساء كذلك أنكر عليهن، وأمرهن بستر وجوههن وضرب هو وأصحابه دوابهم، فسقطت أخت أمير المسلمين عن دابتها.
عبد الله علي علام، الدعوة الموحدية بالمغرب. دار المعرفة القاهرة. ص 98 عن الكامل لابن الأثير... ج 8 ص 298.
- وقد أورد ابن خلدون ما يفيد أن زينت أخت ابن تومرت قد لعبت دورا كبيرا في سياسة البلاد وذلك من خلال قوله: ... كتموا موته، زعموا ثلاث سنين يوهمون بمرضه، ويقيمون سنته في الصلاة والحزب الراتب. ويدخل صحابته إلى البيت كأنه اختصم بعيادته فيجلسون حفافي قبره ويتفاوضون في شؤونهم بمحضر أخته زينب، ثم يخرجون لإنفاد ما أبرموا، ويتولاه عبد المؤمن بتسليمهم. حتى استحكم أمرهم، وتمكنت الدعوة من نفوس كافتهم كشفوا حينئذ القناع عن حالهم". ابن خلدون، العبر ج 6 دار الكتب العلالعلمية، بيروت لبنان. 1992 ص: 270.
Jacques Berques : Structures sociales du- haut-ATLAS. Presse universitaire de France p. 297
- ابن خلدون كتاب العبر. المجلد السادس. ص 152 دار الكتاب العلمية بيروت – لبنان. 1992.
- عبد العزيز ابن عبد الله مرجع سابق.



#يامنة_كريمي (هاشتاغ)       Yamna_Karimi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس ا ...
- أي سياق لتعيين وزيرات بالإمارات؟
- مقررات التربية الإسلامية بالمغرب، واقع وآفاق
- يامنة كريمي - باحثة في قضايا المرأة والديانات من المغرب - في ...
- لنكرم الراحلة زليخة نصري بصفة رَجُلَةَ الدولة
- مسار التمييز الجندري وموقف الأنثى، المغرب نموذجا.
- تأصيل المساواة بين الجنسين في القرآن: التمييز بين الجنسين لي ...
- صورة المرأة في الخطاب الديني
- امرأة الشعوب الأصلية بين نزيف الإقصاء، وانتظارات النضال. الم ...
- هل التنكر والإساءة لهيئة التدريس هو الحل لأزمة التعليم بالمغ ...
- الإسلام السياسي يترأس الحكومة المغربية، المنطلقات والتوقعات
- ليست ثورات عربية، إنها ثورات الديمقراطية والمساواة
- هل الدستور الجديد سيقطع مع التمييز الجندري بالمغرب؟
- الوسائط المعلوماتية بين الرفض والتأييد
- سماء السلفية تمطر وعيدا
- قداسة الفقهاء بين الحرمان والقهر وتضخم الآمال البعدية
- المداخل الإسلامية لدسترة المساواة بين الذكر والأنثى
- لغز الاختمار في ضوء القراءة السياقية
- تهنئة بمناسبة فوز الحوار المتمدن بجائزة ابن رشد للفكر الحر و ...
- الساعات الإضافية بالمغرب وممارسة العنف


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يامنة كريمي - إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية الجزء الثاني