أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - عن الهوية والعولمة















المزيد.....

عن الهوية والعولمة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 17:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عن الهوية والعولمة
عبد الحسين شعبان
هل العلاقة بين الهوية والعولمة، علاقة صراع وصدام، أم وفاق ووئام؟ الجواب عن مثل هذا السؤال ذات الطبيعة الإشكالية الجدلية لا ينطوي على الإيجاب أو السلب، لأنه من الصعوبة والتعقيد بمكان أولاً، وثانياً لعلاقة مدخلاته بمخرجاته على نحو وثيق وعضوي، والأمر لا يتعلق بالنخب الفكرية والثقافية فحسب، بل يتعلق بالناس العاديين أيضاً، وبمدى فهمهم لقضايا الهوية والعولمة، وانعكاسات ذلك على مجالات حياتهم المتنوعة والمختلفة.
لا يكفي رفع شعار الحفاظ على الهوية ليتم التمسك بها، فالمسألة لها علاقة باختلاف درجة الوعي والمعرفة وفهم التواصل والتفاعل مع الآخر، وبالقدر الذي تستشعر الهويات الوطنية خصوصيتها. لكن لا ينبغي أن يقودها ذلك إلى الانغلاق والعزلة، مثلما لا ينبغي أن يقود الشعور بضرورة التواصلية والتفاعلية في إطار الكونية والشمولية، إلى تضييع الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية. ومثلما ينطبق الأمر على الجماعة، فهو ينطبق على الفرد أيضاً.
ومثلما لا يمكن الحديث عن هوية كبرى وهوية صغرى، وهوية أغلبية وهوية أقلية، وهوية عليا وهوية دنيا، وهوية عمودية وهويات أفقية، لاسيما إذا كان القصد التسيّد والتفوق والأحقية، لأن ذلك سيعني هوية خارج إطارها الإنساني، سواءً على المستوى الفردي الذي يفترض المساواة وعدم التمييز، أو على المستوى الجماعي، فيما يتعلق بالشعوب والأمم وحتى بالجماعات.
وستكون محاولة أية هوية للتسيد منطلقة عن ثقافة لا إنسانية، وهذه ستؤدي بالضرورة إلى التصادم مع الآخر، وفرض الهيمنة عليه، يقابلها رد فعل ورفض، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى الانكماش والانكفاء، وفي كل الأحوال فإن الكراهية والبغضاء والواحدية، تحل محل التواصل والتفاعل الإنساني والتعددية والتنوع. وقد صدق ماركس حين قال: «لا يمكن لشعب أن يضطهد شعباً آخر أن يكون حراً»، أي لا يمكن لهوية أن تتسيد على أخرى وتكون إنسانية.
الهوية المفتوحة ترفض الصهر والاستتباع من جانبها إزاء الآخر ومن الآخر عليها كذلك، مثلما ترفض الهيمنة والتسيد، وفي إطار النظرة الحقوقية، لا بد من المساواة والعدالة فيما يتعلق بالهويات على اختلافها، وأساس ذلك، الموضوعية والعقلانية والحقوق المتساوية، وعكس ذلك سيكون الاستعلاء والفوقية، التي غالباً ما يقابلها الانعزالية والانغلاقية، وهو ما يقود إلى صراع الهويات بدلاً من جدليتها، الموحدة، المتعددة، العامة والفرعية، والقائمة على أساس المشترك الإنساني، ومبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
وإذا كانت الثقافة متعددة المشارب والتوجهات، بحكم تعدد الهويات، فإن العولمة تسعى لفرض هوية «متجانسة» ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، وذلك بتذويب الحدود والحواجز الثقافية والفكرية والاقتصادية بين الأمم والشعوب، وفقاً لمصالح خاصة وضيقة وأنانية، يلعب فيها رأس المال والاحتكارات الدور الأبرز والأساس.
وسيعني ذلك بغض النظر عن المبررات والمزاعم محاولة التسيد لفرض ثقافة الأقوى، المهيمن اقتصادياً، والمتنفذ ثقافياً، والمتفوق عسكرياً، خصوصاً ثقافة الشركات فوق القومية ومصالحها العابرة للجغرافيا والحدود والأمم والثقافات. وتسعى العولمة على نحو محموم، لتعميم هوية موحدة (والمقصود واحدة)، مقابل تقليص المجال أمام الهويات الأخرى (الفرعية أو الخاصة)، التي ستكون متنافرة ومتصارعة مع العولمة.
العولمة ستلاحق إذاً الهويات المختلفة، لفرض ثقافتها الشمولية وإملاء إرادتها لتطويع الهويات الأخرى وطمس خصوصيتها، ابتداء من محاصرتها ووصولاً إلى إلغائها، في حين إن الهوية الخاصة والتي تعتز بخصوصيتها وتميزها ووطنيتها، تبقى، تعارض وتمانع وتتشبث بأسباب بقائها ورفضها الذوبان، أو التشتت والتذرر في إطار هوية لمجتمعات أقوى وثقافات أخرى مهيمنة بحجة العولمة والشمولية، بل إن الهويات الخاصة ستتمسك بكل ما له علاقة بحفاظها على نفسها أو استمرار وجودها وديمومتها، ولعل ذلك من طبيعة الأشياء.
وإذا كانت العولمة قد اعتبرت معلماً جديداً بانتهاء الحرب الباردة وتحول الصراع الإيديولوجي من شكل إلى آخر، وانهيار الكتلة الاشتراكية، بعد هدم جدار برلين في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، والذي ألحق بتفكك الاتحاد السوفييتي في العام 1991، فإن مضمونها كان قديماً. ومنذ أواخر الثمانينات انفردت الولايات المتحدة بإدارة العلاقات الدولية والهيمنة عليها، وفرض نموذجها حتى قيل إن ذلك بداية للعصر الأمريكي أو كما حاول البعض أن يعتبره نهاية التاريخ، ولكن بقدر ما كانت العولمة ظاهرة عالمية وتاريخية، فإن تأثيراتها في نهاية القرن العشرين كانت كبيرة وحاسمة، بل تجاوزت حقبة عشرات ومئات من السنين، بسبب الثورة العلمية - التقنية وثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات، والطفرة الرقمية «الديجيتل»، وهي تعبير عن نظام عالمي جديد، يعتمد على معطيات علمية واكتشافات هائلة وغير مطروقة سابقة، وهي فوق الحدود الجغرافية والقيم الحضارية والثقافية.
ولكن كيف تتحدد علاقة ذلك بالهوية، فالأولى (العولمة) تحاول أن تفرض سيطرتها على الثانية (الهوية) بهدف إفراغها من محتواها ومضمونها، كما تسعى إلى إلغاء سيادة الدول أو إضعافها بالتجاوز على خصوصياتها ومواطنتها وحدودها، بفرض ثقافة أخرى، بما يؤدي إلى إضعاف عناصر الهوية الوطنية ومكوناتها، لدرجة تحاول أن تصبح الشعوب بلا هوية تميزها أو تؤكد خصوصيتها.
وإذا كانت الهوية تتعرض للاندثار أو الانثلام أو التطويع، بسبب العولمة، فالحل يقتضي رفع درجة الفاعلية للمواجهة بالانفتاح والتفاعل واحترام الحقوق والحريات وليس بالانغلاق والعزلة والاستبداد، فشتم العولمة وتعداد مساوئها لن يكفي للتخلص من آثارها، خصوصاً وأنها واقع موضوعي، وما علينا إلا الاستفادة من بعض جوانبها الإيجابية مثل: عولمة حقوق الإنسان وعولمة الثقافة وعولمة المعرفة وعولمة الثورة العلمية - التقنية، وهذه المعطيات ينبغي أن تصب في الاتجاه الذي يخدم الهويات الوطنية والخصوصيات الثقافية، ويكون لصالحها وليس ضدها، بالتلاقح معها والتفاعل فيها تأثراً وتأثيراً وهذا هو الوجه الإيجابي للعولمة، مع إن وجهها المتوحش المهيمن طاغياً، خصوصاً محاولات التسيد إعلامياً بفرض نمط حياة وعيش وسلوك على الدول والشعوب الأضعف.
والإعلام وتكنولوجياته هو وسيلة مؤثرة وسلاح ماض لإعادة صنع الرأي العام والتأثير فيه بوسائل حديثة وعلمية وفاعلة، تمر من تحت جسورها الكثير من الأفكار والآراء التي تفعل فعلها في الآخر على صعيد سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو نفسي أو قانوني، وفي نمط الحياة والسلوك والاختيار. ولهذه الأسباب خصصت دول
ومؤسسات بما فيها فردية أو شبه فردية، ولكنها في الوقت نفسه جزء من مجمع صناعي - حربي لتروست الأدمغة والإعلام، ميزانيات ضخمة للإعلام ووسائل الدعاية والتأثير في الآخر، لدرجة أن ميزانياتها تكاد تنافس منظومات الدفاع والتسلح، فالإعلام سلاح فعال، يسبق الحروب ويلعب دوراً في إدارتها، وهو سلاح وقت السلم ووقت الحرب، وفي ظل العولمة، سلاح في كل دقيقة وكل ثانية، بحيث يستطيع الخبر والصورة والمعلومة الإنترنتية والفضائية والهاتفية، ملاحقتك والتسلل إليك حيث تكون حتى دون استئذان، بل بالرغم عنك. وإذا كانت الحرب حسب كلاوزفتير امتداداً للسياسة بوسائل أخرى، فالإعلام وسيلة مؤثرة في كل الأوقات في الحرب والسلم، خصوصاً في زمن العولمة.
الفارق كبير بين العولمة كواقع موضوعي، ومحاولة فرضها كإيديولوجيا لا فكاك منها، ولكي تتم مواجهة سلبيات العولمة أو وجهها السيئ، فعلى الهويات الوطنية والخاصة تعزيز دورها من خلال استراتيجيات جديدة أساسها التعاطي مع العلم والتكنولوجيا الحديثة، وتأكيد الجوانب الإيجابية في ثقافة مجتمعاتنا وهوياتها، بما يعزز شخصيتها المستقلة المنفتحة، وغير المنغلقة، واعتماد وسائل إعلامية حديثة تقوم على نشر الحقيقة، ليس دعاية أو ترويجاً، ولكن الحقيقة كما هي، والتبصير بالتحديات لمواجهتها، بما يحفظ الهوية والقيم، ونقد تراثنا وتاريخنا بما له وهو شيء كثير، وما عليه وهو شيء ليس بالقليل، خصوصاً نبذ جوانب التعصب والتطرف وادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة، لأن ذلك سيقربنا من المسار الكوني، بل ومن أنفسنا أيضاً.
[email protected]

صحيفة الخليج (الاماراتية) الاربعاء 3/3/2016



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيسنجر والتاريخ والفلسفة
- سوّر مدينتك بالعدل
- أحقاً وزارة للتسامح وأخرى للسعادة!؟
- - مستقبل التغيير في الوطن العربي- - تأملات فكرية في الربيع ا ...
- من الدولة العميقة إلى الدولة الغنائمية
- كردستان العراق.. جدل البنادق وحدود الخنادق
- عام الدستور في تركيا
- المجتمع المدني بين التوقير والتحقير
- العراق.. تراجيديا الموت أم أرقام إحصائية؟
- عن السبي «الإيزيدي»
- الجواهري والشباب وجامعة الدول العربية
- في فكرة التضامن الدولي
- اللحظة الفلسطينية يونانياً
- خضير ميري: ابتهالات آخر الصعاليك
- شيء عن هندسة التحالفات الدولية
- هل اقترب موعد تحرير الموصل؟
- عن المواطنة ومتفرعاتها
- مستقبل العراق ومثلّث الألغام
- هل ينجلي ليل الرمادي؟
- تركيا وعقدة عضوية الاتحاد الأوروبي


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - عن الهوية والعولمة