|
من الدولة العميقة إلى الدولة الغنائمية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5071 - 2016 / 2 / 10 - 18:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الدولة العميقة إلى الدولة الغنائمية عبد الحسين شعبان ما كادت البلدان العربية التي شهدت حراكاً شعبياً تتنفّس الصعداء بعد تبلور مطالب شعوبها باتجاه التغيير، حتى بدأت معاناة أخرى ومن نوع جديد تواجهها، والأمر لا يتعلّق بصميم ما سعت إليه ورفعته من شعارات ذات طبيعة قيمية، مثل المطالبة بالحرّيات والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وغيرها، بل بصراعات واحتدامات جديدة سرعان ما أخذت طريقها إلى المسرح السياسي، خصوصاً ما رافقها من عنف وفوضى وتفتت مؤسسات الدولة وانحلال بعضها. والأمر لا يتعلق بالشرعيات القديمة التي انهارت، أو تآكلت، أو ضعف دورها، بقدر ما له علاقة بطبيعة التغييرات الحاصلة والحواضن الاجتماعية لها، والمرحلة الانتقالية التي تمرّ بها ودور الدولة العميقة في مواجهتها والتحديات التي اعترضت طريقها، والقوى التي حاولت تجيير عملية التغيير لمصلحتها، والتطورات الجديدة وغير المتوقعة التي أعقبتها. وإذا كانت الشرعيات القديمة قد أصبحت ماضياً، ولا يمكن إعادته، أو العودة إليه، فإن المسألة في وجهها الآخر ترتبط بعدم ولادة شرعية جديدة وتوافقات تستجيب لمطامح التغيير وتطلّعاته، خصوصاً باللحظة الثورية التي اتحدت فيها العوامل الموضوعية مع العوامل الذاتية، بالنسبة إلى الشباب. وإذا كان القديم قد انهار، أو تفكّك، أو تذرّر، لكن الجديد لم يولد بعد، وحتى ولادته كانت قيصرية أحياناً، وسرعان ما تعرّض المولود الجديد إلى التهابات حادة وأعيد إلى حاضنته، فضلاً عن كوابح وعراقيل بدأت مع أولى محاولات البناء، سواء من جانب القوى المخلوعة أو من جانب قوى وجدت مصلحتها في الماضي، أو أرادت أن تكون هي بديلاً عنه، وهكذا تبدّدت فرص التغيير، وأصيب البعض بالخذلان والخيبة، بل وُجد هناك من اعتبر التغيير كارثة، والربيع أصبح بعرفه خريفاً، لأن البديل كان ملتبساً، حيث استشرت الفوضى وعمّ العنف وتفشى الإرهاب على نحو مريع، بل إن الدولة الوطنية أصبحت عرضة للتمزّق والتآكل والتفتت، وتم العبث بوحدتها وهيبتها ومرجعيتها. وإذا كانت حركة الاحتجاج استهدفت استعادة الحقوق المفقودة والمستلبة، فإن العواصف والتقلّبات والانقسامات التي شهدتها البلدان التي عرفت التغيير، دفعت أوساطاً غير قليلة إلى القنوط لدرجة اليأس، خصوصاً بصعود نجم الجماعات الإرهابية، سواء تنظيم القاعدة أو ربيباته: تنظيم «داعش» وجبهة النصرة وغيرهما، إضافة إلى قوى محافظة أحياناً قد تكون أبعد عن الحداثة من القوى الاستبدادية التي حكمت البلاد. للأسف الشديد، فإن الطبقة السياسية التي تصدّرت المشهد عقب أنظمة الاستبداد التي أطيحت والتي زعمت أنها كانت السبب وراء معوّقات التطور الديمقراطي، وقفت هي الأخرى بسبب صراعها على السلطة ومراكز النفوذ وبفعل الفساد المالي والإداري والتذرّر الطائفي والمذهبي، بوجه علميات التحوّل الديمقراطي، لاسيّما في ظل استشراء العنف والإرهاب، ولذلك ضاعت الحقوق التي ناضلت من أجلها الشعوب وحركات الإصلاح والتمدين ومن أهمها «الحق في الحق»، وأساسه الحق في التمثيل السياسي، والحق في الأمن، والحق في السلام، والحق في التنمية، والحق في الحرية، والحق في الكرامة، والحق في السكن والعمل والضمان الاجتماعي، والحق في العلاج، وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتلك من مستلزمات دولة الحق والقانون، خصوصاً باعتماد حكم القانون واستقلال القضاء وفصل السلطات والإقرار بالتنوّع والتعددية وحق الشعب في اختيار من يمثله وحقه في عزله، على أساس التداولية السلمية للسلطات. واستبدلت الطبقة السياسية بعد إطاحة الأنظمة السابقة، مفهوم الدولة الاستبدادية ليحلّ محله مفهوم الدولة الغنائمية، والمحاصصة الطائفية والحزبية، وولدت وتكاثرت بسرعة خارقة لوبيات فاسدة وفئوية ولصوصية، فضلاً عن غياب رجال دولة حقيقيين، فالطاقم السياسي بشكل عام جاء في أغلبيته من المعارضات، التي ليس لها خبرة أو معرفة بالدولة وآليات عملها، وبسبب ضعف الرقابة وتفكك أجهزة الدولة ومحاولة الكسب غير المشروع والسريع استشرى الفساد المالي والإداري على نحو لم يسبق له مثيل، بل إنه شكّل ظاهرة صارخة في أوضاع ما بعد الربيع العربي. لو راجعنا تقارير البنك الدولي والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية المعتمدة، مثل منظمة الشفافية العالمية، لاكتشفنا إن بلدان ما بعد الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، سواء التي وصلت فيها النخب الحاكمة بعد الاحتلال، مثل أفغانستان والعراق، أو بالتدخل الخارجي كما هو في ليبيا واليمن، هي الأكثر فساداً، بل إن بلداً مثل العراق وصلت وارداته النفطية خلال السنوات العشر الماضية أكثر من 700 مليار دولار، لكنه لا يزال يعيش على الحافة، وترتفع نسبة من هم دون خط الفقر لتصل إلى أكثر من 8 ملايين إنسان في بلد عدد سكانه نحو 30 مليوناً، وتزداد نسبة البطالة وتتفشى الأمية فيه، ولاسيّما بين النساء، فضلاً عن الإرهاب والعنف والطائفية والمحاصصة والفساد، وهو من أغنى بلدان العالم. وهكذا كانت المعادلة أغنى بلد لأفقر شعب. ومن النتائج الكارثية الجانبية لحركات التغيير، صعود ظاهرة الإسلام الجهادي، في تونس وليبيا وسوريا ومصر والعراق، خصوصاً بين أوساط المهمشين والمنحرفين والمجرمين والفئات الأقل تعلماً، تلك التي تبنّت أيديولوجية «داعش»، التي تمدّدت ليشمل نشاطها قارات وبلداناً بعيدة مجندة آلاف الشباب، بمن فيه الأوروبي والغربي للالتحاق بها. وإذا كانت الدولة العميقة قد انهارت سريعاً، لكن تأثيراتها لم تنتهِ ولا تزال قائمة وقوية، وقد استعادت بعض مواقعها، ولكن تحت عناوين اقتسام الغنائم والحصص وتوزيع الفوائد على القوى المتنفذة، مهما اتخذت من أسماء وصفات. والأمر لا يتعلق بنفوذها الداخلي فحسب، بل إنها عقدت شراكات مع الخارج، بما فيها الدول والشركات العابرة للقارات والحدود التي زعمت أنها تقف مع التغيير. صحيفة الخليج (الإماراتية)، الاربعاء 10/2/2016
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كردستان العراق.. جدل البنادق وحدود الخنادق
-
عام الدستور في تركيا
-
المجتمع المدني بين التوقير والتحقير
-
العراق.. تراجيديا الموت أم أرقام إحصائية؟
-
عن السبي «الإيزيدي»
-
الجواهري والشباب وجامعة الدول العربية
-
في فكرة التضامن الدولي
-
اللحظة الفلسطينية يونانياً
-
خضير ميري: ابتهالات آخر الصعاليك
-
شيء عن هندسة التحالفات الدولية
-
هل اقترب موعد تحرير الموصل؟
-
عن المواطنة ومتفرعاتها
-
مستقبل العراق ومثلّث الألغام
-
هل ينجلي ليل الرمادي؟
-
تركيا وعقدة عضوية الاتحاد الأوروبي
-
هل القضاء على التطرف بات مستعصياً؟
-
فكر التطرّف والتكفير : عالم على الحافة
-
هل فقدت الدولة العراقية مقوّماتها؟
-
رسائل الاجتياح التركي
-
هل المجتمع المدني ضد الدولة؟
المزيد.....
-
البحرين.. جملة قالها الشيخ ناصر أمام بوتين وردة فعل الأخير ت
...
-
مردخاي فعنونو: كيف عرف العالِم سر الترسانة النووية الإسرائيل
...
-
وزير الخارجية الإسرائيلي: أخرنا إمكانية امتلاك إيران لسلاح ن
...
-
إسرائيل تضرب وسط إيران.. قصف مبنى في قم وانفجارات في أصفهان
...
-
-تمويل بغباء-.. ترامب يكشف سرا عن سد النهضة
-
سفن وصواريخ.. كيف تساعد أميركا إسرائيل في صد هجمات إيران؟
-
-شالداغ-.. خطة إسرائيل البديلة للتعامل مع منشأة -فوردو-
-
إسرائيل تعلن اغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري
...
-
عراقجي لشبكة إن بي سي: خيار التفاوض أو الحرب متروك للأميركيي
...
-
الجامعة العربية تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدعو للتهد
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|