أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - هل فقدت الدولة العراقية مقوّماتها؟















المزيد.....

هل فقدت الدولة العراقية مقوّماتها؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5028 - 2015 / 12 / 29 - 15:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا أدري كيف أتذكّر كل عام ونحن عند أيامه الأخيرة ديوان الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي «الذي يأتي ولا يأتي». وبقدر ما كان انتظارنا يطول وأحلامنا تؤجل إلى عام يأتي، إلا أن هذا الأخير لا يأتي. هكذا تكون انتظاراتنا أقرب إلى «انتظار غودو»، وتدريجياً يبتعد الحلم، بل تصبح بيننا وبينه مسافات شاسعة.
مرّ ثلاثة عشر عاماً ونيّف على انتهاء الدكتاتورية الفردية التي حكمت العراق بالقوة والتسلّط والواحدية والإطلاقية، لكن الاحتلال الأميركي الذي أعقبها لم يطح بها فحسب، بل أطاح بالدولة ومؤسساتها ومرافقها الحيوية، واستهدف عقولها وكوادرها العلمية والأكاديمية وأجهزة أمنها وحلّ جيشها، وتركها عرضة للفوضى والطائفية والإرهاب والعنف والفساد والتدخّل الخارجي.
كلّما يأتي عام جديد نقول عسى أن يعيد للدولة بعض مقوّماتها، برغم الإعلان عن مشاريع كبرى، تتضح في غالب الأحيان أنها، بحسب الاصطلاح العراقي، «فضائية»، مثل الموظفين الفضائيين الذين يستلمون رواتب وليس لهم وجود فعلي، بل كان هناك من يقبض عنهم بالنيابة. حتى المؤسسات التي أعيد بناؤها نخرها الفساد المالي والإداري بسرعة خارقة، وهذا الأخير هو الوجه الآخر للإرهاب، الذي أصبح مؤسسة بذاته، وأوقع في شباكه قوى وأحزابا وشخصيات، حين لفّها بشرنقة لا يمكنها الفكاك منها، لاسيّما بعدما تورّطت، سواء بالتعامل مع الاحتلال أو بالارتكابات والانتهاكات، أو بأعمال عنف وردود فعل مضادة وهكذا.
ولكي تكون الدولة، دولة، لا بدّ من توفر أربعة مقوّمات أساسية فيها، الأول وجود شعب، وليس جماعات منقسمة ومتناحرة، والثاني وجود أرض، وهذه الأرض ينبغي حمايتها من أي تدخل خارجي وبسط السيادة عليها، فالسيادة هي المقوّم الثالث، أما المقوّم الرابع فهو وجود حكومة معترف بها، تحتكر السلاح وتنظم شؤون الأفراد بين بعضهم البعض وعلاقتهم بالدولة. وباستكمال هذه العناصر مع تأمين وظيفتي الدولة الأساسيتين المشار إليهما، نصبح أمام دولة حماية. وإذا حلمنا بدولة رعاية، فلا بدّ أن يتحقق ذلك من خلال مواطنة فاعلة تقوم على أركان أساسية هي الحرية والمساواة والشراكة والعدالة، خصوصاً العدالة الاجتماعية.
الدولة العراقية انتقلت من دولة شمولية صارمة إلى دولة رخوة وكيان هش، لاسيّما بعد الاحتلال، خصوصاً في ظل نظام القسمة الطائفية ـ الإثنية والمحاصصة الوظيفية، واستمرت الدولة بملامحها الفاشلة، مع استمرار تعويم سيادتها وجرح كرامتها الوطنية، تلك التي تكرّست منذ فرض الحصار الدولي ونظام العقوبات على العراق إثر اجتياح قواته للكويت العام 1990 وإلى الآن. بل إنها تدرّجت من دولة فاشلة إلى دولة غير موحدة وكيانات هشّة، خصوصاً بغياب مرجعية موحّدة برغم وجود دستور وحكومة اتحادية وبرلمان وقضاء.
انقضى العام الماضي وسط ذهول كبير فـ «داعش» استمرّ في وجوده الفعلي، سواء في الموصل أو في مناطق واسعة من غرب العراق وشماله، وعلاقة السلطة الاتحادية بإقليم كردستان لا تزال متعثّرة بسبب النفط أو الميزانية وتعطيل دفع استحقاقات الإقليم، مقابل اتهامه بعدم دفع ما عليه إلى الحكومة الاتحادية، فضلاً عن اختلاف المواقف بشأن الاجتياح التركي للأراضي العراقية.
وبتعويم السيادة العراقية انفتحت شهيّة القوى الإقليمية وزاد نهمها بعد الاحتلال. يكفي أن نقول إن العام المنصرم (2015) شهد حدثين خطيرين لانتهاك سيادة العراق على أرضه وحدوده، الأول يتعلّق بعبور عشرات الآلاف من الزوار الإيرانيين الحدود الإيرانية ـ العراقية لمناسبة «زيارة الأربعين» (وهي مناسبة شيعية أو يحتفل بها الشيعة بشكل خاص) ولم تستطع الحكومة العراقية منعهم، وقد اجتازوا الحدود عنوة وعبروها من منطقة زرباطية (محافظة واسط ـ الكوت) وتوجهوا إلى كربلاء، واكتفت الحكومة العراقية بتحميل الجانب الإيراني المسؤولية لمثل هذا الخرق، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال كما يقال.
أما الحدث الثاني فتمثل بدخول القوات التركية الأراضي العراقية، بحدود 30 كم باتجاه منطقة بعشيقة شمالي محافظة الموصل التي يحتلها تنظيم «داعش» منذ 10 حزيران 2014 ولحدّ الآن، ولم تستطع الحكومة العراقية أن تفعل شيئاً، بعدما عبرت الحدود نحو 25 دبابة وألف جندي زاعمة محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتدريب القوات العراقية «البيشمركة» وملاحقة «حزب العمال الكردستاني».
وإذا كان العام 2014 هو عام احتلال «داعش» والعام 2015 هو عام التدخل الإقليمي التركي والإيراني، فإني أعتقد أن العام الجديد 2016 سيعيد إلى طاولة البحث مشروع «جو بايدن» لعام 2007 والذي وافق عليه الكونغرس الأميركي، خصوصاً وقد جاء متزامناً مع التطهير الطائفي والمذهبي الذي أعقب تفجير مرقدي الإمامين حسن العسكري وعلي الهادي في العام 2006.
مشروع بايدن سيكون حاضراً بقوة أكبر، من خلال وصفة الإقليم السنّي التي تم الترويج لها تحت عناوين «الفيدراليات»، وهي بمفهوم بايدن أبعد من ذلك، حيث تصل إلى وضع نقاط تفتيش وإصدار هوّيات هي أقرب إلى «باسبورات» لاحقاً، وبناء قوى مسلحة لحماية حدود الأقاليم، مع فواصل، وتشكيل إدارات تكاد تكون مستقلة. وربما ستكون قوات «الحرس الوطني» التي تقابلها قوات «الحشد الشعبي» و «البيشمركة»، هي نواه لجيوش مصغّرة تحمي الأقاليم، وسوف لا يكون بمستطاع الجيش الوطني تحريك أي قطعة عسكرية أو نقل أي ضابط أو حتى جندي من موقع إلى آخر، طالما كان هذا مرتبطاً بإدارة أحد الأقاليم، والدستور الدائم يمنح مثل هذا الامتياز للأقاليم وليس للسلطة الاتحادية، على خلاف الفيدراليات المعروفة في العالم.
إن مشروع بايدن بصيغته القديمة (ثلاث فيدراليات موسّعة أقرب إلى مستقلة أو منفصلة) أو بطبعته الجديدة، الإقليم السني الذي انعقدت بخصوصه مؤتمرات واجتماعات، ولقي دعماً إقليمياً تركياً وخليجياً، وكذلك تأييداً وحماسة من جانب واشنطن، التي تصرّ على إقامة «الحرس الوطني» وتسليح وتمويل رؤساء عشائر مناطق شمال العراق وغربه، لكي يدافعوا عن مناطقهم، يعني في ما يعنيه التهيئة لإقامة كيانية خاصة لمرحلة ما بعد «داعش». فـ «داعش» آجلا أم عاجلاً صائر إلى زوال، لأنه ضد منطق التاريخ، ولكن الخشية على العراق تكمن في مرحلة «ما بعد داعش».
إن امتلاك السلاح والمال والنفوذ ودعم أطراف دولية وإقليمية لـ «السنّية السياسية» كما تريدها لمواجهة «الشيعية السياسية» في الحكم المدعوم إيرانياً، سيكون عامل انفصال فعلي بغض النظر عن النوايا، حتى وإن بقيت صيغة الدولة العراقية على ما هي عليه. إذ، من الناحية الفعلية، ستكون غير قادرة على بسط سلطانها على الأقاليم التي من حقها إقامة ممثليات لها في السفارات العراقية لمتابعة الشؤون الإنمائية والاجتماعية والثقافية (بحسب الدستور)، وليس ذلك سوى دويلات داخل الدولة. وتدريجياً، ستتوسّع هذه الصيغة لتصبح كياناً مستقلاً، مثلما هو إقليم كردستان من الناحية الفعلية.
النظام الفيدرالي هو نظام متطوّر وناجح ومطبّق في أكثر من 30 بلداً، ويعيش تحت لوائه نحو 40 في المئة من سكان المعمورة، لكن الفيدرالية العراقية بحسب نصوصها المدوّنة في الدستور أوسع من جميع التجارب الفيدرالية في العالم، وهي من الناحية العملية ستقود إن آجلاً أو عاجلاً إلى إقامة كيانات مستقلة.
وإذا كانت الفيدرالية الكردية قد قامت على أساس الاعتراف بحقوق الشعب الكردي في حق تقرير المصير، ولها ما يبرّرها، فإن الفيدراليات الأخرى ستكون ذات مسحة طائفية ومذهبية، وقد تقود إلى احترابات داخلية، بل وداخل كل كيان فيها، بسبب الصراع على مراكز النفوذ في السلطة والثروة. وبالطبع، فمثل هذا الأمر سيزيد من تآكل الدولة العراقية ويفقدها ما تبقى من مـــقوّماتها المعروفة على الصُعد القـــانونية والسياسية، أو من الناحية العملية كما هو معروف في القانون الدولي.
هكذا مضى عام وهو محفوف بمخاطر وهواجس جدية، ويأتي عام وهو مصحوب بقلق ومخاوف متعاظمة، خصوصاً وقد نفد صبر أطياف من الشعب، فاندلعت تظاهرات احتجاجية ضد الفساد والمفسدين ومن أجل إصلاح حقيقي، مطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالشروع به فوراً، وإلاً فإن التلكؤ لن يكون في صالح بقاء الدولة العراقية.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل الاجتياح التركي
- هل المجتمع المدني ضد الدولة؟
- فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان
- الفيدرالية والأقاليم: معنًى ومبنًى
- آرا خاجادور وزيارة التاريخ!!
- هل سيبقى العراق موحداً؟
- العراق.. من الدولة الفاشلة إلى الكيان الهش
- ماذا يريد البرلمان العراقي.. وماذا يريد العبادي؟
- وماذا عن التجارة غير المشروعة ؟
- دستور وعقول وأقلام
- محمود البياتي: سنّارة الحلم والذاكرة التي تأكلنا!
- الأزمة العراقية والسيناريوهات المحتملة
- من سيحسم معارك الأنبار وصلاح الدين : واشنطن أم موسكو؟
- جائزة نوبل والمجتمع المدني
- «الجنائية الدولية».. تغوّل السياسة على القضاء أم ماذا؟
- العراق و شعار الدولة المدنية
- الأب سهيل قاشا : الرافديني المسكون بهاجس الحضارة *
- تقسيم كردستان خطيئة أما الاقتتال فهو جريمة!
- إنعام رعد : يقينيات السياسي وتأمّلات المفكّر
- هوان العراق


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - هل فقدت الدولة العراقية مقوّماتها؟