أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - هوان العراق















المزيد.....

هوان العراق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4956 - 2015 / 10 / 15 - 20:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الخبر الأبرز والأكثر إثارة ورعباً في العراق هذه الأيام، هو انتشار مرض الطاعون (الكوليرا) الذي كاد أن يغطّي على حركة الاحتجاج المندلعة منذ أسابيع، والمطالبة بتحسين الخدمات ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، فقد حصد هذا المرض أرواح نحو 1000 مواطن عراقي، ولا يزال مستمراً، فضلاً عن تراجع الخدمات الصحية والتعليمية وانقطاع الكهرباء وشحّ المياه الصافية والصالحة للشرب.
خلال العقود الثلاثة والنصف الماضية، عانى العراق حروباً وحصاراً واستبداداً أثّرت سلباً في تماسك نسيجه الاجتماعي ومنظومته القيمية والسلوكية، وساهم في تدمير بنيانه التحتي وهياكله الارتكازية وطرقه وجسوره وخطوط مواصلاته وإنجازات علمائه وما بنته سواعد أبنائه وعقولهم على مدى عقود من السنين، فضلاً عن تبديد موارده وثرواته.
ثم جاء الاحتلال ومعه نزيف الطائفية والإرهاب والعنف والفساد المالي والإداري، ونظام المحاصصة الطائفي والإثني، الذي كان بمثابة طاعون سياسي، فما إن يخرج العراق من أزمة حتى يقع في أخطر منها، وهكذا كانت الأزمات تتوالد وتتفاقس.
كلّما مرّ العراق بأزمة خانقة كالأزمة الحالية، التجأتُ إلى التاريخ أستعين به، لأقرأ الهوان الذي تعرّض له هذا البلد العريق، ليس في تاريخه البعيد، بل في تاريخه القريب.
فقد عانى حصارات ومجاعات وأوبئة، كما تعرّض لاستلاب خارجي وداخلي مزمن وطويل، وأنواع من الاستبداد والقهر، فقد تحوّلت بغداد بعد الغزو المغولي العام 1258 (658 ه) من عاصمة دولة عظيمة، مزدهرة وزاخرة بالثقافة والعلم والأدب، إلى مدينة هامشية تعيش احترابات واستباحات وظلماً، بعد أن كانت منارة حضارية، قوية ومنيعة، بناسها وقيمها وتقدّمها.
ومنذ دخول هولاكو بغداد وعبثه بمكتباتها وكتبها وهدره لحقوق أبنائها، أصيبت البلاد بالوهن والخوار، وكانت الغزوات تتوالى عليها سواءً أيام الحُكمين الصفوي والعثماني، أو قبل ذلك أيام العهدين الجلائري والتركماني، فقد تنازعت عليها، القوى الطامعة، مما ضاعف في هوانها، يضاف إلى ذلك ما أصابها من كوارث وفيضانات، وما تربّع على حكمها من ولاة ومماليك وطغاة.
لقد قضى طاعون العام 1773 على ثلث سكان بغداد، وكان الطاعون الذي انتشر في ربيع العام 1831 الأشد فتكاً، ويشير المبشر المسيحي البريطاني كروفس إلى أن طاعون بغداد المذكور، إضافة إلى الفيضان، قضيا على نصف سكان المدينة، الذين هلكوا في أقلّ من شهرين، فخلال 15 يوماً، من ظهور الإصابات الأولى، توفّي أكثر من سبعة آلاف نسمة، وحاول السكان الفرار، إلاّ أن السفن النهرية لم تكن تكفيهم، كما أن الطرق أصبحت غير آمنة بسبب انتشار أعمال السلب والنهب.
كان الوباء يحصد النفوس حصداً، لدرجة بلغت الوفيات يومياً بين 1500 إلى 3000 (ثلاثة آلاف إنسان)، وأخذت الشوارع تخلو من المارّة، وتتكدّس فيها الجثث، وزاد الأمر سوءاً، ندرة الطعام وشحّ المياه بسبب وفاة معظم السقائين. ولكي تكتمل المأساة، فقد تعاون الوباء مع الفيضان، وانهالا على بغداد المنكوبة، التي أحاطت بها المياه في 21 نيسان (إبريل) 1831 وأغرقت آلاف الدور في غضون 24 ساعة، مكتسحة في طريقها السدود، وهو ما يذكره المؤرخ المعروف لونكريك، في كتابه، «أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث».
وضاعف من تدهور الموقف، إن والي بغداد داود باشا، الذي حكم العراق بين 1817-1831 وقام بعدد من الإصلاحات، خارت قواه بسبب المرض والضعف الذي أصاب البلاد، فقرّر الاستسلام، بعد أن عرّض علي رضا، بغداد للحصار. وأصبحت بغداد في ضيق شديد وسدّت جميع مسالكها وأخذت الأزمة تشتد يوماً بعد آخر، والجنود لا يجدون ما يسدّون به الرمق، فضلاً من القدرة على المقاومة، وأدى الأمر إلى رفع وتيرة التذمر، خصوصاً بشحّ الطعام وارتفاع الأسعار وغول المجاعة، الذي ازداد شراسة، كلّما أطبق طوق الحصار على المدينة.
وددتُ من خلال عرض معاناة العراق التاريخية، وخصوصاً، الأيام الأخيرة من حكم داوود باشا، أن أشير إلى أن تلك الحصارات والأوبئة والمجاعات والفيضانات والاستباحات لم تدم سوى بضعة أشهر.
أما اليوم فإن معاناة العراق مستمرة منذ عقود من الزمن، فبعد حروب وحصار دولي وعقوبات شاملة دامت نحو 13 عاماً، وامتهنت كرامة الناس في نوع من القسوة لا مثيل له، جاء الاحتلال الذي دمّر ما تبقى من الدولة العراقية، التي كانت واعدة في خمسينات القرن الماضي، وأعاد العراق إلى مرحلة ما قبل الدولة بصبغتها الدينية والطائفية والإثنية والعشائرية والمناطقية وغيرها.
وتشتّد صورة العراق قتامة، بفعل سيطرة «داعش» على ثلث أراضيه تقريباً بعد احتلال الموصل في 14 حزيران (يونيو) العام 2014، ولا يزال يمارس منهجه الإرهابي الاستئصالي، ونظامه التعسفي المتوحش في مناطق شمال وغرب العراق، ولم يتمكّن ما سمّي بالتحالف الدولي أو الحشد الشعبي، اللذين أثارا ردود فعل مختلفة، من وضع حدّ لسيطرة "داعش" حتى الآن، وإن كان نفوذه بدأ يتقلّص، لكن تأثيراته لن تنتهي بالأمد القريب حسبما يبدو.
ويمكن السؤال مجازاً هل تآلف العراق مع القسوة؟ وما علاقة الطاعون السياسي بالطاعون الصحي؟ أم أن ثمة يأساً وقنوطاً وفقدان أمل بالتغيير؟ على الرغم من حركة الاحتجاج الواسعة وإعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ بضعة أسابيع عن رغبته في إجراء إصلاحات، ولكن لحد الآن ظلّت تلك الإصلاحات فوقية، وغالبيتها هوائية، مثل الموظفين الهوائيين الذين يستلمون رواتب وليس لهم من وجود فعلي.
العراق يعاني بصمت مريع ومعاناة شديدة وآلام مبرحة وجروح فاغرة وعميقة، وتتّسع عوامل الهجرة بين الشباب، إضافة إلى البطالة والنزوح والإرهاب والطائفية، فكيف السبيل إلى الخلاص؟
ربما لأسباب نفسية ومعنوية، لا يرى القابضون على مقاليد السلطة، الذين لم يكن لهم أن يكونوا حيث هم، لولا المحتل والقوى الإقليمية المتنفذة، أي مبرّر لاستقالتهم وتنحيّهم وابتعادهم عن المشهد السياسي، فهم لا يعتقدون بوجود أفضل منهم، ويتشبّثون بالسلطة بأسنانهم، مثلما تمسّك بالسلطة الذين قبلهم، وأوصلوا البلاد إلى الهاوية.
ولا أحد يريد الاستفادة من دروس الماضي بحيث يعلن فشله وينسحب، وذلك أضعف الإيمان كما يقال.
ومثلما اعتقد النظام السابق إن مجرد بقائه في السلطة، فهذا انتصار له، ودليل على وجوده، فالحكام الجدد الذين أعقبوه يتباهون على خصومهم ومعارضيهم، ويتنابزون بعضهم مع البعض، طالما هم في السلطة، وهكذا دارت الأزمة تلو الأزمة، حتى أصبحت أوضاعنا أقرب إلى الطاعون السياسي.
لقد تذرّعت القوى المتنفذة في العلاقات الدولية في مدة فرض الحصار على العراق بأحكام القانون الدولي، الذي يخالفه قادة العالم الثالث الصغار، في حين أنهم أعلنوا حصاراً دولياً مفتوحاً ضد شعب أعزل ومغلوب على أمره، ومرتهن مستقبله وإرادته وموارده، ومجروحة كرامته ومعومة سيادته، والأكثر من ذلك قاموا باحتلاله تحت مبررات واهية ومزعومة، قالوا عنها هم أن المعلومات بشأنها كانت كاذبة أو مغلوطة، ونعني علاقة العراق بالإرهاب الدولي أو بوجود أسلحة دمار شامل، أما الديمقراطية المزعومة، فلم تكن سوى الطاعون السياسي الذي يستمر منذ العام 2003، ولحدّ الآن بكل أوجهه.
هل ألِفَ العراق مثل تلك القسوة حقاً؟ وهل عرف شعب عقوبات شاملة وكاملة من جميع الأطراف، وحروباً وإرهاباً وعنفاً وطائفية وفساداً لا حدود له وتعطّشاً للدماء والثأر والكراهية منفلتاً من عقاله؟ لدرجة فتّت الدولة العراقية بعد أن أوصلها إلى الإفلاس، حيث بدّدت الحكومات المتعاقبة نحو تريليون دولار خلال عقد ونيّف من الزمان، دون أن يلوح في نهاية النفق بصيص ضوء أو بادرة أمل.
هكذا تظهر صورة العراق مروّعة ! يكفي أن أقول إن طفلاً واحداً كان أيام الحصار يموت كل أربع دقائق..
وأن نحو مليون و650 ألف إنسان فارقوا الحياة، وإن ضحايا الاحتلال زادوا على المليونين، وإن هناك أربعة ملايين لاجئ عراقي وأكثر من مليوني نازح داخلي، وإن البلاد منقسمة، والتنافس الإقليمي يشدّها ذات اليمين وذات الشمال، وإن جيش الاحتلال الذي رحل، لا تزال ذيوله قوية في تقرير مصائر البلاد.
أَليست تلك الكوليرا السياسية أم ماذا نسمّيها؟ ومن الألم والحزن على العراق نردّد مع الشاعر المتنبي:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
فمتى يوضع حد لهوان العراق؟



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرديات الحداثة الدينية في فكر السيد فضل الله
- كريم الملاّ- سردية الاختلاف ونبض الائتلاف
- جوهر الأزمة العراقية
- جدلية الثقافة والوعي
- علي كريم: أول الفلسفة سؤال!
- مفارقات السياسي والأكاديمي
- ورطة العبادي
- الحرب الباردة الجديدة
- بصمة حقوق الإنسان
- الفساد والحوكمة والتنمية
- تظاهرات العراق: من أين لك هذا؟
- فن الضحك والسخرية في أدب أبو كَاطع
- رصاصة الفراشة وصورة «إسرائيل»
- الديموغرافيا والجيوبوليتكا.. «المعجزة اليهودية الثانية»
- موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟
- قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
- قتل المسلمين.. مسألة فيها نظر
- ماذا بعد ال«لا» اليونانية؟
- «النووي الإيراني».. هزيمة أم انتصار؟
- الثقافة واليسار والتبديد


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - هوان العراق