أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - «الجنائية الدولية».. تغوّل السياسة على القضاء أم ماذا؟















المزيد.....

«الجنائية الدولية».. تغوّل السياسة على القضاء أم ماذا؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4963 - 2015 / 10 / 22 - 15:25
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    



في لاهاي المدينة الهولندية العريقة والساحرة تتجاور في قصر السلام الشهير ثلاث صروح قانونية، الأول محكمة العدل الدولية، والثاني محكمة الجنائية الدولية، والثالث "أكاديمية القانون الدولي"، ويشعر المرء بمهابة كبيرة وهو يدخل إلى هذا القصر المنيف الذي شهد أحداثاً دولية مهمة.
أواسط شهر اكتوبر (تشرين الأول) من العام الجاري 2015 إلتهب الموقف بين المحكمة الجنائية الدولية وحكومة جنوب أفريقيا، بعد إعلان الأخيرة الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية. القرار اتخذ على خلفية مطالبة المحكمة الجنائية الدولية تسليم الرئيس السوداني عمر حسن البشير إليها، خلال زيارته السابقة لجوهانسبرغ لحضور مؤتمر القمة الأفريقي المنعقد في شهر يونيو (حزيران) 2015.
وما زاد المسألة تعقيداً هو صدور قرار قضائي من المحكمة العليا بجنوب أفريقيا يقضي بمنع الرئيس البشير من السفر (مؤقتاً)، ومع ذلك فلم تمتثل حكومة جنوب أفريقيا إلى الرأي القضائي الداخلي، الذي سبّب لها إحراجاً دبلوماسياً، سواءً مع السودان أو مع الاتحاد الأفريقي، مثلما لم تستجب للقضاء الدولي.
وكان قاضي المحكمة العليا دونستان ملامبو قد قال: إن مغادرة البشير قبل صدور الحكم النهائي يدلّ على عدم انصياع الحكومة لأوامر المحكمة، واعتبر من الحكمة مطالبة المدعي العام لإقامة دعوى قضائية ضد أولئك الذين سهّلوا مهمة البشير في الهرب، وانتهكوا قرار المحكمة، وانتقد حكومة بلاده بقوله: الديمقراطية التي تقوم على سيادة القانون تنتفي إذا تجاهلت الحكومة إلتزاماتها الدستورية، فالمحكمة حسب وجهة نظره هي حارس العدالة وحجز الزاوية في أي نظام ديمقراطي يتأسس على القانون.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت أمري اعتقال بحق الرئيس السوداني الأول في العام 2009 لاتهامه بارتكاب مجازر جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والثاني في العام 2010 لاتهامه بارتكاب جرائم إبادة في دارفور. لكن البشير رفض الاعتراف بالمحكمة، ويرى أنها أداة استعمارية موجهة ضد بلاده وضد الأفارقة. وقد اتخذت القمة العربية من الدوحة 2009 قراراً بالوقوف معه ضد قرار المحكمة، خصوصاً وأن الدول العربية لا تزال بأغلبيتها الساحقة خارج نطاق المحكمة، والدول التي انضّمت إليها هي الأردن وجيبوتي وجزر القمر وتونس ومؤخراً فلسطين، أما بعض الدول العربية التي وقعت على الاتفاقية فلم تصدّق عليها. كما أن عدداً غير قليل من دول الاتحاد الأفريقي هي الأخرى ليست منضمّة إلى المحكمة.
الأزمة الأخيرة بين جنوب أفريقيا والمحكمة الجنائية الدولية طرحت المشكلة بحجمها على بساط البحث، ليس فيما يتعلق الأمر بالرئيس السوداني، بل بعلاقة السياسة بالقضاء ونظام العدالة، علماً بأن جنوب أفريقيا كانت من أوائل الدول التي صدّقت على نظام روما وأدمجته في قانونها الوطني، وعندما دخل حيّز التنفيذ في العام 2002 كانت من المتحمسين له، منذ أن باشرت المحكمة عملها في يوليو/تموز من نفس العام، لكن تطبيقات المحكمة وتوجهاتها وانتقائيتها دفعت جنوب أفريقيا إلى إبداء الكثير من التحفّظات، بخصوص تغوّل السياسة على القانون، الأمر الذي قاد إلى إعلانها عن الانسحاب من المحكمة.
وعلى الرغم من إن هناك من يعتبر عدم امتثال حكومة جنوب أفريقيا إلى أحكام نظام روما الذي وقّعت عليه يساعد في الإفلات من العقاب والمساءلة، لكن رأياً مقابلاً يقف في مواجهة هذا الرأي، وخصوصاً لدى البلدان النامية وبشكل خاص الإسلامية والعربية، ومفاده إن " القانون الدولي" بما فيه تفسيراته الخاطئة وتأويلاته الإغراضية يطبّق على العالم الثالث، أما انتهاكاته السافرة والصارخة، من قبل القوى العظمى، سواء بفرض الحصار على الشعوب أو ممارسة العدوان عليها أو احتلال أراضيها أو نهب ثرواتها، فإنه لا يدخل في إطار المساءلة ولا في تحرّك المحكمة الجنائية الدولية.
وبهذا المعنى فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تنفّذ " قواعد القانون الدولي" إلاّ على الدول الضعيفة، حسب ما جاء في مقالة في صحيفة نيويورك تايمز للكاتبة سوميني سينغويتا، حيث تقول: إذا كان الجاني من أصحاب النفوذ فإن المحكمة تغضّ النظر عنه وتدعه يفلت من العقاب. ولكن ما هو القانون الدولي لكي نقول أن القوى العظمى لا تلتزم به أو أنها تسعى لتكييفه لينسجم مع مصالحها؟ ثم بماذا يختلف عمّا نطلق عليه الشرعية الدولية؟
باختصار نقول إن القانون الدولي هو مجموعة قواعد قانونية تعبّر عن توازن القوى في مرحلة معينة وتعكس الواقع الدولي، وبما إن هذا الواقع مختل لصالح القوى المتنفذة والمهيمنة على العلاقات الدولية، فإن السياسة ستتغوّل على القانون لمصلحة الدول العظمى السائدة، وهكذا فإن الشرعية الدولية، هي انعكاس لتوازن القوى في لحظة تاريخية، ولذلك تجدها أحياناً تتعارض مع القواعد العامة للقانون الدولي الذي جرى إقرارها في وقت سابق. فكم من مرّة خالف مجلس الأمن ميثاق الأمم المتحدة؟ وكم من مرّة تجاوزت " الشرعية الدولية" على قواعد القانون الدولي؟
وإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تعدّ تطوراً كبيراً في الفقه الدولي أخذ طريقه لتعزيز مبادئ العدالة على الصعيد الدولي، بوضع نظام متطور لأول محكمة دولية دائمة لمحاكمة الأفراد، لكنه كأي فكرة نبيلة هناك من يحاول توظيفها وتسخيرها لخدمة أهدافه الخاصة، ولكن ذلك لا يعني خطل فكرة نظام دولي للعدالة، فقد يأتي اليوم الذي يمكن استثمارها لصالح المظلومين وضد الظالمين، ولكن الأمر يحتاج إلى إحداث تغيير على مستوى العلاقات الدولية لتكون أكثر عدالة ومساواة بين الدول والشعوب كبيرها وصغيرها.
إن تطبيقات المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن أثارت موجة من الشك حول صدقية الجهاز القائم عليها والوجهة التي اتخذتها، ومن أهم الاثباتات على ذلك إن جميع القضايا التي تابعتها تتعلق بالبلدان النامية وغالبيتها الساحقة في أفريقيا، وبدأت التحقيق بقضيتين في أمريكا اللاتينية. صحيح إن الانتهاكات في العالم الثالث هي الأكثر شمولاً، لكن ذلك لا ينفي وجود انتهاكات سافرة وصارخة من جانب القوى العظمى.
ومن أهم القضايا اللافتة بالنسبة لنا نحن العرب وفي البلاد الإسلامية، إن المحكمة وقفت مكتوفة الأيدي إزاء الشكاوى التي تم تقديمها ضد "إسرائيل" بسبب جرائمها وحروبها المتكرّرة في غزة، كما إن موقفها كان ملتبساً إزاء قتل إسرائيل 9 أشخاص من الأتراك على متن أسطول الحرية العام 2010، إضافة إلى الجرائم التي ارتكبتها واشنطن ولندن في العراق وفي أفغانستان والصومال وبورما وغيرها.
الاستنتاج الأول الذي يمكن للمرء أن يصل إليه هو تغليب العامل السياسي لدى المحكمة والجهات المتنفذة فيها على وظيفتها القضائية، وبالطبع فإن ذلك يلحق ضرراً بقضية العدالة .
الاستنتاج الثاني بخصوص قضية الرئيس السوداني، وبغض النظر عن الأفعال المنسوبة إليه، والتهم المتعلقة بارتكابات جسيمة لحقوق الإنسان، فإن هناك إشكالية تتعلق بالحصانة القضائية لرؤساء الدول الذين لا يزالون في الحكم، وهو ما كانت محكمة العدل الدولية قد بتّت فيه في قضية الكونغو ضد بلجيكا العام 2000، فرفضت طلب بلجيكا باعتقال وزير خارجية الكونغو بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية (والأمر يشمل رئيس الدولة بالطبع.
وحتى الآن لا توجد سلطة قضائية دولية عليا تقرر بشكل صريح، أي جهة يمكن أن تتبع في حالة تنازع أحكام المحكمتين، بالرغم من اختلاف اختصاصاتهما، علماً بأن محكمة العدل الدولية، وإن كانت قراراتها تتعلق بالفصل في النزاعات بين الدول التي تقبل بولايتها وبتفسير القانون والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومرجعيتها الأمم المتحدة، في حين إن المحكمة الجنائية الدولية التي يفترض أن تبّت في القضايا الجنائية وتصدر أحكاماً قضائية، فإن مرجعيتها هي قانونها الأساسي، وهو أقل حجية من ميثاق الأمم المتحدة.
الاستنتاج الثالث يتعلّق بعدم التحاق دول عظمى بالمحكمة الجنائية قد تكون الأهم على المستوى العالمي، فالولايات المتحدة انسحبت منها عشية دخولها حيّز التنفيذ، والصين وروسيا ليستا عضوين فيها، علماً بأن "إسرائيل" اعترضت على اعتبار الاستيطان جريمة دولية تستحق العقاب، وانسحبت من نظام روما عند دخوله حيّز التنفيذ.
الاستنتاج الرابع افتقار المحكمة إلى آلية فعّالة لتنفيذ قراراتها، وبسبب ذلك قد تبقى هذه القرارات عائمة لأنها لا تستطيع إجبار المتهمين على المثول أمامها (لاسيّما إذا كانوا مسؤولين كبار فما بالك رؤساء الدول) ثم هل تقبل الدول أن تكون جهازاً تنفيذياً للمحكمة لإلقاء القبض على المتهمين.؟
إن قرار حكومة جنوب أفريقيا بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية هو تعبير عن خيبة أمل لعدد من دول العالم الثالث والشعوب المقهورة إزاء التوظيف السياسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تحجم عن التدخل في قضايا، وتغضّ النظر عن جرائم كبرى في حين تراها ترمي بكل ثقلها إزاء اتهامات أخرى، وعلى حد تعبير الكاتب والروائي المسرحي، بريخيت يقول:آه لهذه الأزمة التي يصبح الحديث عن الشجر جناية ، لأنه ينبغي السكوت عن جرائم كثيرة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق و شعار الدولة المدنية
- الأب سهيل قاشا : الرافديني المسكون بهاجس الحضارة *
- تقسيم كردستان خطيئة أما الاقتتال فهو جريمة!
- إنعام رعد : يقينيات السياسي وتأمّلات المفكّر
- هوان العراق
- سرديات الحداثة الدينية في فكر السيد فضل الله
- كريم الملاّ- سردية الاختلاف ونبض الائتلاف
- جوهر الأزمة العراقية
- جدلية الثقافة والوعي
- علي كريم: أول الفلسفة سؤال!
- مفارقات السياسي والأكاديمي
- ورطة العبادي
- الحرب الباردة الجديدة
- بصمة حقوق الإنسان
- الفساد والحوكمة والتنمية
- تظاهرات العراق: من أين لك هذا؟
- فن الضحك والسخرية في أدب أبو كَاطع
- رصاصة الفراشة وصورة «إسرائيل»
- الديموغرافيا والجيوبوليتكا.. «المعجزة اليهودية الثانية»
- موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - «الجنائية الدولية».. تغوّل السياسة على القضاء أم ماذا؟