أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - عن السبي «الإيزيدي»















المزيد.....

عن السبي «الإيزيدي»


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 17:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عن السبي «الإيزيدي»
عبد الحسين شعبان
لم تنتهِ مأساة الإيزيديين بعد تحرير سنجار (شنكال) من قبضة داعش، بل إنها مع مرور الأيام، زادت حرقة وألماً، خصوصاً عندما أخذت تتكشف بعض الجوانب الإنسانية الحساسة فيها، حيث الفداحة واللوعة والصدمة. فقبل أيام فقط، تم اكتشاف مقبرة جماعية ضمت رفات نحو 20 رجلاً في سنجار، إضافة إلى مئات تم قتلهم خلال الهجوم الذي شنه «داعش» لاحتلال سنجار في 3 أغسطس/آب العام 2014.
وفي هذا التاريخ الأسود أخذ العالم يتعرف إلى ما حصل للإيزيديين، ولاسيما للنساء والأطفال، حيث السلب والنهب وسبي النساء وقتل الرجال والاستيلاء على الممتلكات والأموال، على نحو لا مثيل له، بل إن هذا اليوم وما أعقبه كان الأكثر مأساوية وهمجية في كل ما تعرض له الإيزيديون في تاريخهم المملوء بالمآسي والآلام والعذابات والمعاناة من التمييز وعدم المساواة.
وفي زمن يحرم فيه العالم، الاستعباد والاسترقاق، جعل «داعش» العوائل الإيزيدية عبيداً له، وأرقاء يعملون لمصلحته، بالحقول والمزارع بطريقة أقرب للسخرة، أو بجهود زهيدة لا تسد الرمق، أو مقابل الإبقاء على حياتهم. لعل تلك المجزرة الرهيبة بحق الإيزيديين تلقي الضوء تاريخياً على ما تعرضت له هذه الديانة وأتباعها من أذى وإساءة، بإنكار الحق في الاختلاف والحق في الاعتقاد، وهذه تمثل جذر التعصب والتطرف إزاء الآخر، وهو الأمر الذي يقود إلى هضم الحقوق وهدر الكرامات، سواء بالتمييز، أو بمحاولات الاستئصال، أو التهميش.
تعتبر الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات في العراق والمنطقة، ويتركز وجودها الكبير في قضاءي شيخان وسنجار، والأخير يعتبر ثاني أكبر موقع للوجود الإيزيدي، وقد تعرض الإيزيديون إلى نحو 72 غزوة خلال حكم الدولة العثمانية، ولاقوا ما لاقوا من محن ومآس، لكن تلك المصائب التي وقعت عليهم كادت تختفي أو تخف، وإنْ لم تختفِ آثارها المستمرة، ولا سيما التمييز الواقع ضدهم ومحاولات تشويه دينهم ونشر بعض الأوهام والخرافات عنه.
وقد كانت كل غزوة، أو حرب، أو اجتياح يتعرضون له، يتم بموجب فرمان سلطاني يصدر من الباب العالي، والهدف هو إخضاعهم وترويضهم والتسيّد عليهم، وبالطبع فإن عمليات القتل والتشريد والتهجير والإكراه، وصلت إلى حد الإبادة الجماعية، ودائماً كانت هناك مزاعم دينية تقف خلف ذلك بسبب الاختلاف والتمايز في المعتقد والعقيدة، حيث يتعرض الإيزيديون إلى عمليات قسرية لإجبارهم على تغيير ديانتهم بالقوة، وهو ما لا تقره سماحة الإسلام استناداً إلى القرآن الكريم، خصوصاً سورة البقرة، التي تقول: «لا إكراه في الدين».
ومنذ أن احتل "داعش" سنجار مارس أبشع الأساليب لتحقيق غاياته اللاإنسانية في إطار قراءات مغلوطة ومتعصبة ومتطرفة لبعض النصوص الإسلامية، وعلى أساسها قام باختطاف النساء وسبيهن وارتكاب مجازر جماعية ضد أناس لم يسجل في كل تاريخهم القديم والحديث أية ممارسة عنفية أو استخدام للقوة حتى للدفاع عن النفس، بل كانوا دائماً يميلون إلى السلم والتسامح، وذلك جزء من تراثهم الإنساني والديني، حيث لم يرد في نصوص كتبهم المقدسة وتعاليمهم الدينية، أية إشارة للقتل، أو الثأر، أو العدوان، ولم يبادروا، أو يلتجئوا إلى شن حرب أو القيام بعمل عنفي ضد جيرانهم، ولم يسجل التاريخ أية أفعال من هذا القبيل، بل كانوا باستمرار ضحية الغدر والجحود والكراهية، وتعرضوا لعمليات استئصال وإلغاء مستمرة.
ما تعرض له الإيزيديون على أيدي «داعش»، هو استمرار لما تعرضوا إليه على يد تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي فرخ «داعش» وأخواتها، ففي 14 أغسطس/آب العام 2007 شن تنظيم القاعدة غزوة ضد قضاء سنجار، استهدف فيها مجمعات الإيزيديين في سيباشيخدر وكرعوزير، وأسفرت تلك العمليات الإرهابية عن وقوع نحو 1000 ضحية بين قتيل وجريح، وتم تدمير نحو سبعمئة منزل.
وبعد احتلال «داعش» لمدينة الموصل، مركز محافظة نينوى في 10 حزيران/يونيو العام 2014 حدث تململ في بعض المناطق، ومنها مناطق الإيزيديين، لكن خدر وعدم يقظة الجهات الرسمية والقوات المسلحة، فضلاً عن إهمالها وتقصيرها، وعدم جدارتها، جعل «داعش» يتمدد، وهكذا حلت مأساة كبيرة في عموم المنطقة التي احتلها، سواء في محافظتي صلاح الدين والأنبار، أو في بعض مناطق محافظتي ديالى وكركوك، ولكن الأمر الأكثر بشاعة وهمجية كان ما حصل للإيزيديين، من كارثة إنسانية واجتماعية وأخلاقية وقانونية ونفسية بكل معنى الكلمة، حيث شن عليهم "داعش" هجوماً كاسحاً استهدف اقتلاعهم من مناطقهم وأراضيهم، وقتل رجالهم وسبي نسائهم، وأخذ الجميع أسرى يعملون بالسخرة لحساب التنظيم الإرهابي.
والأكثر من ذلك، حين بدأت عمليات البيع والشراء للنساء في سوق النخاسة، حيث أصبحن جواري وسبايا، وهو الأمر الذي حصل لهم في الماضي أيضاً، وكاد الإيزيديون أن ينسوه وإن كان النسيان غير ممكن، أو بالأحرى لا يريدون ذكره، لأنه أصبح جزءاً من الماضي، حيث كانت آخر غزوة تعرضوا لها في نهاية القرن التاسع عشر، حين تم سبي الكثير من النساء، وقطع رؤوس الكثير من الرجال، إضافة إلى تدمير المقامات المقدسة والمزارات الخاصة بالعبادة، وهو ما قامت به «داعش»، مثلما حصل في السابق في سنجار وشيخان وبعشيقة، وختارة.
وإذا كان من فضيلة للعولمة، على الرغم من أن وجهها المتوحش هو الطاغي، فإنها أطلعت العالم على ما جرى للإيزيديين على يد «داعش» والجماعات الإرهابية، وذلك من خلال عولمة وسائل الاتصال والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والثورة العلمية- التقنية وعولمة ثقافة حقوق الإنسان، ففي الماضي لم يكن من الممكن توثيق تلك الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولحق الاعتقاد والضمير وللخصوصية الدينية للإيزيدية أو لغيرها، فضلاً عن أن الاعتراف بهذه الحقوق أصبح مسألة كونية وقاعدة آمرة ملزمة في القانون الدولي Jus Cogensلا يمكن المساس بها أو تجاوزها تحت أية ذريعة أو حجة.
لقد كانت الانتهاكات في السابق تحدث ولا يسمع أحد عنها إلا ضحاياها أو أبناء المناطق القريبة، كما أنها كانت تجري من دون أن يمد العالم يد المساعدة والعون للضحايا الناجين من المجازر، ولكن التضامن الدولي اليوم أصبح قيمة إنسانية أساسية في إطار التعاون الدولي، سواء كان تضامناً وقائياً Preventive Solidarity، أي قبل حدوث المآسي، أو تضامناً حمائياً Protective Solidarity، أي بعد وقوع المآسي، أو تضامناً إصلاحياً Reformatory Solidarity، أي لاتخاذ إجراءات وخطوات وتدابير تشريعية وسياسية واجتماعية وثقافية وتربوية بهدف إصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية وحماية حقوق الإنسان، ولعل موضوعاً كهذا، ونعني به التضامن الدولي، كان مثار نقاش من جانب خبراء دوليين رسميين ومستقلين وممثلي دول ومنظمات دولية في إطار مشروع إعلان دولي DeclarationInternational نوقش في الدوحة مؤخراً، حيث كلفت بإعداده الخبيرة الدولية Ms. Virginia Dandan، وسيقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشته، وفيما إذا تم إقراره سيصدر في نهاية هذا العام 2016 أو مطلع العام القادم 2017.
وإنْ كان ثمة غدر وجحود وتقصير ولا مبالاة، أو على الأقل لم يكن التحرك للتضامن مع الإيزيديين يتناسب مع حجم مأساتهم، إلا أنه لا يمكن إهمال بعض فاعليات التضامن ومد يد المساعدة والعون لهم، خصوصاً في محافظة دهوك ومدن زاخو وعقرة وسميل، ولاسيما للنازحين من سنجار، والذين بلغ عددهم نحو 340 ألف نازح، وهناك نازحون آخرون، حيث تفيد بعض الإحصاءات بأن عددهم نحو 150 ألف نازح من بعشيقة وبلدات سهل نينوى، وبينهم عدد كبير من المسيحيين، إضافة إلى مسيحيي الموصل الذين خيروا بين التأسلم «الداعشي» أو دفع الجزية، أو مغادرة المنطقة. وامتدت يد المساعدة والتضامن للإيزيديين من بعض بلدات ومدن سوريا وتركيا.

ولكن هل هذا القدر من التحرك كاف، أم أن الأمر يحتاج إلى حزمة من الإجراءات والتدابير التي من شأنها القضاء على "داعش"، وتجفيف منابع الإرهاب ومصادر تمويله وبيئته الحاضنة، خصوصاً أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والقانونية وغيرها، تساوقاً مع قرارات مجلس الأمن الدولي؟ ويحتاج الأمر كذلك إلى رد الاعتبار للضحايا وتعويضهم وجبر الضرر، وقبل ذلك كشف الحقيقة والمساءلة وتقديم المتهمين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، مثلما يتطلب إصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية، وإزالة كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التمييز أو عدم المساواة، ضمن متطلبات العدالة الانتقالية.
إن مأساة الإيزيديين والجرائم بحقهم لا تقل عن المآسي والجرائم التي ارتكبت في الحربين العالميتين الأولى والثانية في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وكذلك الجرائم والمآسي بحق الأرمن في تركيا، وبحق عرب فلسطين من جانب «إسرائيل»، سواء في مجازر دير ياسين وكفر قاسم ومدرسة بحر البقر، أو خلال عدوانها المتكرر على الأمة العربية وغزو لبنان العام 1982 والجرائم ضد سكان غزة ومحاصرتها منذ العام 2007، إضافة إلى عمليات الاستيطان والإجلاء والتوسع وقضم الأراضي، أو الجرائم ضد مسلمي البوسنة والهرسك أو في يوغسلافيا السابقة، أو رواندا أو غيرها. الجرائم واحدة والقانون واحد وينبغي أن يكون العقاب واحداً، بقدر ما نحن بحاجة إلى نشر ثقافة اللاعنف والتسامح وقبول الآخر على أساس المساواة وعدم التمييز.
[email protected]

جريدة الخليج (الإماراتية) الاربعاء، 27/1/2016



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجواهري والشباب وجامعة الدول العربية
- في فكرة التضامن الدولي
- اللحظة الفلسطينية يونانياً
- خضير ميري: ابتهالات آخر الصعاليك
- شيء عن هندسة التحالفات الدولية
- هل اقترب موعد تحرير الموصل؟
- عن المواطنة ومتفرعاتها
- مستقبل العراق ومثلّث الألغام
- هل ينجلي ليل الرمادي؟
- تركيا وعقدة عضوية الاتحاد الأوروبي
- هل القضاء على التطرف بات مستعصياً؟
- فكر التطرّف والتكفير : عالم على الحافة
- هل فقدت الدولة العراقية مقوّماتها؟
- رسائل الاجتياح التركي
- هل المجتمع المدني ضد الدولة؟
- فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان
- الفيدرالية والأقاليم: معنًى ومبنًى
- آرا خاجادور وزيارة التاريخ!!
- هل سيبقى العراق موحداً؟
- العراق.. من الدولة الفاشلة إلى الكيان الهش


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - عن السبي «الإيزيدي»