أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كاظم الفياض - ناقة صالح















المزيد.....


ناقة صالح


كاظم الفياض

الحوار المتمدن-العدد: 5081 - 2016 / 2 / 21 - 22:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ناقة صالح-1-
-1-
حاجات الإنسان الطبيعية، ومنها الطعام، قيمت ماليا، ما جعل وجودها العيني هو عين وجودها الرقمي. كل حاجة لها سعر، هومقدار العملات النقدية التي يجب التخلي عنها، للتمتع بمنفعتها، هذا النظام قائم منذ أن توطن الإنسان بعد اكتشافه الزراعة. وأرجو ملاحظة أن نظام المقايضة هو نظام مالي- رقمي وإن لم تسك العملة النقدية. السلع التي ملأت أكبر المخازن، والتي جهد في إنتاجها، ونقلها، والسهر عليها آلاف من بني الإنسان، ولوقت طويل، بل أوقات بعدد من عمل فيها ليست سوى رقم خط في ورقة، يتصرف بها حاملها.
كل دولة أصدرت كما من النقد يوازي ما تمتلك من سلع تطلب إنتاجها جهدا بشريا ، غير أن جميع القوانين لجميع الدول عبر التاريخ لم تعترف بهذا الجهد معيارا نهائيا لتلبية احتياجات باذليه. حامل الورقة، ولا يتطلب حملها، ولا خطها، أي عناء، بعض الملل ربما، يملك ما أنتجه آلاف الشغيلة، رغم أن مقاساته البدنية، ومستلزماته المعيشية، لا تفرق عن أيّ منهم. هو ليس ناقة صالح، له شرب يوم، ولبقية الدواب يوم، وعقرها أسلافه، مع إنها تدرّ من اللبن، قدر ما شربت. هكذا عمل النظام الرأسمالي، والإسلامي القريشي، والإشتراكي وإن غيّرت هوية المالك.
من يكنز مالا يحجز عدله بضاعة عن آخرين لا يجدونه. الفقراء الذين بليت ثيابهم يجهلون أن حصتهم من الثياب مرهونة بيد من أخذ أكثر من كفايته منها، ومازال يحتفظ بالكثير الكثير منها. وكذلك الحال مع طعامهم ومسكنهم وباقي ضرورات حياتهم.الذين عفّوا أولئك المحظوظون، وهم السواد الأعظم من الناس، وإلّا فسارق أو قاتل، ومنهم من ذهب بعيدا، فتاجر بلحم نساء بيته.


ناقة صالح
(2)
عقب توقف الهجوم المدمر الذي شنته قوى الظلام العالمية على شعب العراق المسالم بحجة إخراج الجيش العراقي من أرض الكويت، أجرت إذاعة أجنبية أظنها (مونتي كارلو) عددا من اللقاءات، سمعت منها ثلاثة فقط، مع خبراء إقتصاديين عن مستقبل الاقتصاد العراقي. خبير أوضح إن أرض العراق تحوي من الغاز ضعف احتياط الجزائر، ونفوس الجزائريين ضعف سكان العراق، ووضع الاقتصاد الجزائري جيد، فيمكن للعراق أن ينهض باستثمار غازه الذي لم يستثمره بعد. وقال خبير آخر أن أرض العراق تحمل آثار أقدم حضارات العالم، وفيها كثير من الأماكن المقدسة، وهي متعددة التضاريس، فيمكن للسياحة إن أهتم بها أن تحقق له عائدات مالية تفوق ما يجنيه من النفط. وذهب آخر إلى أن أرض العراق شديدة الخصوبة فهي سهل رسوبي كبير، وفي شماله أراض كثيرة صالحة للزراعة، ولديه وفرة من المياه العذبة تحملها شبكة من الأنهر، منها نهران عظيمان، فتستطيع الزراعة وحدها أن تنهض باقتصاده إن أوليت من الاهتمام ما تستحقه.
الوضع الآن أكثر سوءا من تلك الفترة، النازحون أكثر، وكذلك العاطلون عن العمل، وكان الشعب كله ينوء تحت الخراب، وسوء التغذية، إنما لم يكن خوف من الموت جوعا، هذا الخوف موجود الآن ويتسع، فالحصة التموينية وإن كانت رديئة كما هي اليوم إلّا إنها كانت بمثابة ركيزة لتقوم عليها حياة. كانت موادها أكثر، تسلم معا، ويحصل عليها المواطن بانتظام، وكانت أسعار المواد الغذائية رخيصة جدا، والوقود شبه مجاني، ومتوفر، وكذلك الكهرباء !
مع هذا البلاء الذي يعانيه الشعب، البنك الدولي يفرض قرضا مليار ومئتي مليون من الدولارات ورغم أنه مبلغ بسيط مع قدرة الدولة العراقية إلّا أنّ عليها أن تقبله بشروط منها وقف التوظيف الحكومي ثلاث سنوات ورفع أجور الكهرباء عاليا جدا.. أكرر: "رفعا عاليا جدا" حتى إنّ ربّ أسرة حاصل على شهادة جامعية، ويعمل موظفا حكوميا د 7/1مثلي يتطلب منه لكي يبقي استهلاكه منها على حاله أن يدفع أجورا راتبه الاسمي مضروبا في أربعة، أوضعف راتبه الكلي.
خبراء البنك الدولي، ذوو العقول الجبارة لم ينتبهوا إلى وفرة الغاز الطبيعي في أرضنا، ولا إلى موقعنا الجغرافي الاستراتيجي من خريطة أسواقه، فنحن أقرب من الروس والقطريين إلى أسواقهم في أوربا وآسيا، ولنا منفذ بحري نستطيع من خلاله إنفاذ منتوجنا إلى أبعد مستهلك في العالم.وكان أيسر لهم وللعراقيين لو كانت شروطهم باتجاه تنشيط السياحة، وكان بإمكانهم إجبار الدولة على الاهتمام بالزراعة، وبناء مزيد من المخازن والمعامل الغذائية لتحقيق إيرادات كبيرة، وسريعة، وقبل ذلك كان بإمكانهم إقناع الأتراك، وهم خبراء البنك الدولي، بإطلاق مياه نهري دجلة والفرات، ليس بتذكيرهم بإسلامهم، فعملهم هذا فساد فيه إهلاك للحرث والنسل في تركيا كما في سورية والعراق، إنّما بإعلامهم فحبس كميات هائلة من الماء يحتاج تعطيل مساحات كبيرة من الأرض، وأموال كثيرة لبناء سدود ضخمة،ثمّ للمحافظة عليها، وجهد بشري كاف لفعل هذا، وهو دون شك ليس بقليل.
مالذي استفادته تركيا من مشروعها هذا، وأرضها كثيرة المياه أنهارا وأمطارا وثلوجا؟
لتبيعه كما زعمت؟ فمن اشتراه غير قبرص، حيث مدت أنابيب نقل المياه تحت ماء البحر ليسقي جزيرة أوربية خضراء لأنها وفيرة المياه كباقي أوربا؟ ربما لاحتياجات صغيرة، ولكن بناء معامل لتحلية الماء أليس أجدى اقتصاديا؟
مع ذلك يبقى للموقف التركي شيء للتبرير، ما لا أفهمه إصرار الحكومة العراقية على حبس المياه في سد الموصل، وقد كثر الحديث مؤخرا عن تصدعات فيه قد تسبب انهياره، وقبل أيام أعلنت إيطاليا إنزال وحدة عسكرية قوامها 450 عسكريا لحماية الشركة الإيطالية المكلفة بترميمه. قيل إن انهياره كفيل بإغراق الموصل، وبغداد التي تبعد 400كم ستغمرها المياه إلى ارتفاع 5م!
قرأت عن (رهط) عائلة تملك (ثلث الماء العذب بالكرة الأرضية برقم ثابت وليس نسبة… لأنهم على يقين أن المياه بإنخفاض وتبخير وقريباً سيملكونها!)*
وإنّ (البنك الدولي هو الآمر الناهي للبنوك المركزية (بالعالم) والذي هو حق موروث لعائلة (روتشايلد) )**
ملاحظة: العبارتان المحصورتان بأقواس منجّمة منقولتان من مصدر واحد.
كاظم الفياض
2/1/2016


ناقة صالح
(3)
الطريقة التي يدار فيها الحكم في العراق لا ينتج عنها تقسيمه بل إراقة دم كثير. ويمكن أن نتحقق من ذلك بطرح السؤال التالي: هل تقسيم العراق يمكن أن يقدم لـ...رهط...ـه منفعة أكبر مما هم فيها الآن؟ وأعني برهطه الصدر والحكيم والنجيفي وخميس الخنجر والبرزاني والطالباني وقيادة أحزاب الدعوة والإسلامي والشيوعي مع قوى أخرى مستفيدة إنما أقلّ شأنا، دون أن ننسى هالة كبار رجال الدين من الشيعة والسنة وكيف أحاطت بفضاء المشهد كله. ويمكننا طرح السؤال بصيغة أخرى فنقول: هل تتفق مصالح أولئك ودولة نموذجية عادلة؟


ناقة صالح (4)


141كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ
142إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ
143 إني لكم رسول أمين
144فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
145وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
146أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ
147فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
148وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ
149وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ
150فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
151وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ
152الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ
153قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ
154مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
155قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
156وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ
157فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ
158فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
159وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (سورة الشعراء)
دعوة الأنبياء الناس إلى عبادة الله ليست إجبارا لهم على الإيمان بوجوده، وهو تصديق بغيب، ونعلم إن الإيمان بالغيب هو الدين وقرئ (وقل الحقّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...29) الكهف- إنما الإقرار به إعتراف بخالقيته لكل ما ندرك، والخلق ملك. ولا تنتقل حيازة شيء من مالكه لآخر دون عرف اجتماعي عرّفه مشترع ديني أوقانوني. هذا ما نلمسه من مضامين اجتماعية واقتصادية في قول نبي الله صالح ع من آية141 إلى 149 حيث خاطب مجتمع ثمود بكل أفراده بكلام يفهم منه أنهم مالكو ما أنعم الله عليهم من مياه وزروع وعمران متطور، بينما واقع الحال يدل على بؤس وحرمان أغلبهم، وتمتع قلة برفاهية هذه النعم. (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون . قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) الأعراف
الآيات150و151 و152 دعت إلى تقوى الله، وطاعت نبيه، مخاطبهم نفسه، ورفض طاعة المسرفين، فيكون الخطاب موجها إلى مستضعفي ثمود منذ قوله(... ألا تتقون142 إني لكم رسول أمين143) وهذا يعني إن المستكبرين كانوا قلة لا يعتدّ بهم رقما، وإنما زرعت وعمرت بجهد فقرائها المحرومين منها.
في الآيتين 153و154 يطالب صالح ع ببينة تدل على نبوته، واختيار الناقة آية من الله تصديقا لقوله دليل على إن محاججته لهم اعتراض على نظام اقتصادي مجحف بحق جميع أفراد المجتمع(سمعت معارضا موريتانيا يتحدث من وسيلة إعلامية مرئية قبل سنين قليلة يقول: "أن أكثر من 90% من الدولة مملوكا من 117 فردا وليس عائلة" فهل يشكل هذا الرقم الذي قد يذهب أكثر منه ضحية لحادث عرضي، سقوط طائرة مثلا تأثيرا في العدد المليوني للمجتمع)
الناقة التي بعثت من صخرة بينة لأهل ثمود في الآية155 كانت توضيحا لهم بأن نظامهم الاجتماعي، ورغم أنه مفهوم حسب، إلّا إنه هو المالك الذي سلبهم جلّ احتياجاتهم، وليس القلة المستكبرة، ولا ال 117 مورتانيا حاليا فلم تتمدد أجسامهم لتلتهم أطنان الطعام، ولم تشغل سوى مساحة قليلة من الأرض هي ما يمكن أن يشغله نظيرهم عددا ضئيلا من الفقراء. القاعدة المنطقية التي يقوم عليها النظام الإسلامي، هي: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم268 ) البقرة- خوف الفقر جعل الناس أعداء يتغالبون، وأشدّ حالاته الموت جوعا لعدم توفر ثمن الطعام، أو ثمن العلاج مرضا، أو محاولة العيش عزيزا بسلاح نظام المجتمع الذي تسيره قوانين صيغت من فهم للعدل ملك الأفراد الأرض دون مراعاة لقدرتهم على استعمارها، والمال دون حساب لما يجنون منه على حساب غيرهم. التغالب إذن سمة المجتمعات كلها إلّا ما انصاع منها لحكم نبي، لفترة قصيرة، ولا نرى أي تأثير له في مفهومنا للعدالة اليوم. بدليل عدم المساس بامتيازات الأثرياء، والتي تتعارض مع مصالح الفقراء الذين يدافعون بشراسة عنها أشدّ مما يفعل الأغنياء.
للإنسان الحي الثري والمعدم، حتى موته، حال أسوء يخشى أن ينتهي إليه، ونعلم أن أحوالنا قامت من معتقدات دينية رسخت عبر قرون، وعليه فما ينبغي إلّا لمغامر بالتشكيك بيقينية المعلومة المتداولة عبر أجيال. لنفهم رفض مجتمع ثمود الغني عموما، والفقير أفرادا دعوة صالح ع بإقامة مجتمع يغنيهم، وقتلهم الناقة التي كانت لهم دون شك موردا اقتصاديا مهما، أن نتطلع إلى جمهور الشيعة المحروم من نفطه وكل خيرات أرضه، كيف يسارع لزيارة أموات شيدت فوق جثثهم صروح، غلفت قبابها بطابوق سبك من ذهب، وكثير منهم يسمي ابنته فدك وهي الأرض الزراعية التي أقطعها رسول الله ص ابنته بزعمها رغم إن ما يعانيه من فقر وفاقة كان بسبب هذه الحادثة التي ميعت التعاليم الإسلامية وذهبت بدينه ودنياه. وكلهم يرى ويحارب من أجل معتقده بعدالة موسى بن جعفر الكاظم الأب لسبعة وثلاثين ولدا، ذكرا وأنثى، كل امهاتهم جوار، وكلهن أسوء حالا من الفقيرة الحرة. من يمنع رجال الدين والسياسة وأصحاب المال، ويدافع عن نفوذهم هم الفقراء، ودافعوا من قبل عن سراة ثمود.
بغداد
8/2/2016


ناقة صالح
-5-
الإجابة التاريخية على سؤال همنغوي الشهير:" لمن تقرع الأجراس؟" وأقول بدءا إنني أعرف إن هذه الرواية عن الحرب الأهلية الإسبانية لكنني لم أتمتع بقراءتها حتى هذه اللحظة، هي للمجتمعات التي نضجت فيها فكرة العدالة. إن نشوء الامبراطوريات الكبرى صاحبه نضوج فكري، وارتفاع مستوى رفاهية مواطنيها مقارنة بالدول المعاصرة لها، وتم بانتصارات حربية متتالية على شعوب وقبائل أقل رقيا منها، هكذا نشأت ونمت حضارات وادي الرافدين، ومصر الفرعونية، والفارسية، والأغريقية، والرومانية، والفارسية، فالقريشية، فالعثمانية والصفوية، فالإمبراطوريات الغربية الحديثة.
والإجابة التاريخية تدلنا أيضا إن هذه الحضارات العظيمة التي دامت قرونا تهاوت سريعا بمعارك، وربما حروب خاطفة، من شعوب أقل تحضرا، وربما قبائل بدوية حين انتكست فكرة العدالة في وعي مواطنيها.
لقد وطأت أقدام الجنود الأوربيين أرض اليابسة كلها، وجابت اساطيلهم كل المياه، لأن جميع أهل المسكونة يريد أن يحيا محياهم، لكن الاوربيين لا يريدون للآخرين أن يحيوا مثلهم، لذلك انسحبوا من جميع مستعمراتهم بعد أن نصّبوا من قبلهم حكّاما من أهل البلاد لا يخرجون عن أمرهم، وترجموا معرفتهم العميقة بتراث الشعوب وأديانها بتقديم زعماء دين خاضعين لهم على سواهم، وجعلوهم يفسدون في بلادهم دون رادع، وكل ذلك تم بمعية جيش من الاعلاميين يدير وسائل الاعلام كافة، سواء في بلادهم أو مستعمراتهم. أليس هذا ما رأيناه عيانا بعد غزو عام 2003م وأقول لكم هو يمتد حتى ظهور منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها (مجلس الأمن الدولي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي) المهيمنة على شعوب العالم كله، بما فيها الشعوب الأوربية. هل من تناقض؟ لقد تخلت اوربا مجبرة عن إرادتها لصالح الكارتلات الاقتصادية الكبيرة التي تحكمت بحكومات أوربا جميعها بما فيها روسيا اليوم ولننظر إلى الصين الشيوعية ثم لنعرف كيف أدخلت ضمن الخمس الكبار وليست أوربية، وكانت ضعيفة، وإلى كوريا الجنوبية وباقي نمور آسيا لننظر إلى العالم كله هل من دولة تخلو من نشاط اقتصادي للشركات الكبرى غير كوبا وكوريا الشمالية وربما سنرى من أمرهما شيئا.
الكارتلات العملاقة التي تدير العالم يملكها عدد قليل من الأفراد، ربما مساويا لعدد سراة ثمود. ويمكن أن أشبه ما حصل لهم بحالة (الرستة) في بعض الأجهزة الألكترونية من أجل أن يعود الجهاز لنظامه الأول بعد طول عمل، لقد وصل مجتمعهم لحال من السكون على ماهم عليه تشبه حال أسلافهم قوم نوح ع:( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) ) نوح – الفرق إن الله وعد بعدم إنزال عقوبة جماعية، وإظهار الدين الحق على بقية الأديان، وبشرنا القرآن باستبدال أمة صالحة مكان الأمة الجاحدة التي بعث إليها رسوله الكريم ص (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)) محمد- ما يشهده العالم اليوم من شر عميم نعاني منه نحن العراقيون خاصة سببه استئثار عدد محدود من الأفراد بالقدرة الاقتصادية دون جميع البشر الذين تبعوهم بعيون مغمضة لنقرأ قوله تعالى على لسان نوح ع في سورة نوح : (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) )
مأريد قوله إن الغربيين يعانون الآن من حالة انتكاس العدالة داخليا بانهيارهم الاقتصادي والديني. ففضلا عن تجاوزمديونية الدولة الأعظم للأرقام التي وضعت كمؤشر لانهيارها، مرارا، ووفق متوالية رقمية متصاعدة، وكذلك بعض الدول الأعضاء باتحاد اليورو مهددة بتفكيكه، هناك التفاوت الكبير بين الأفراد في الحصول على مكاسب التطور الحضاري الذي تتمتع به مجتمعاتهم، بمباركة دينية، بل بمشاركة فعالة من قبل جميع المؤسسات الكنسية، حتى بلغ بها الأمر التغاضي عن تشريعات تتعارض ووجودهم الإيماني كتشريع زواج المثليين. عندما تفقد الشعوب المتحضرة إرادتها، وقد فقدتها لصالح المصارف الكبرى، ستنهار مهما بدت قدرتها العسكرية كبيرة. وعلى الصعيد الخارجي خبرت جميع الشعوب الفقيرة اليوم معرفتها بتاريخ علاقاتها مع هذه الامبراطوريات، وإنها لم تأتي لتحريرها كما زعمت بل لاستعبادها.
أصحاب المؤسسات المصرفية التي تحكم العالم يعلمون ربما بالخبرة أن ميزان القوة يميل مع ثقل العدل، وإن ما هم فيه من قوة سببه تصور شعوبهم القانوني لفكرة العدل، وهو تصور رسخ عبر قرون، وعليه فإن فكرة العدالة هي ما يرسخ قوة القانون، أي متانة النظام، الأرضية الضرورية لتوسع أي دولة، وعليه فإن تضعضت قوتهم فلا أقل من تهديم أرض عدوهم، وذلك بإقلاق نظامهم بقوى قانونية متعارضة يمكنها أن تشظي فكرة العدالة في وعي المواطنين.
العدل سلوك اجتماعي تحدده سياقات منطقية، غير عملية، وجدت مع الرؤى الدينية التي تعبدت بها شعوب الأرض كافة، سماوية ووضعية، بما فيها الشعوب الإسلامية، رغم إن القرآن يقول بوضوح إن العدل سلوك اجتماعي تحدده سياقات منطقية عملية إلّا أن المسلمين سلكوا مسلك اليهود[مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)]الجمعة- وهجروا القرآن مذ كان الرسول الكريم ص حيّا بينهم [وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31( ] الفرقان- إذن ثقل العدالة موجود في الكتب السماوية، وفيه هداية الأمم لطريق السلام الحقيقي، حيث يأمن الإنسان من كل ما من شأنه أن يهدد حياته، وإن من شأن ذلك أن يدفع بالشعوب إلى طلب الحق وإن قدم مع جيش معاد لجيشهم، هكذا استقبلناهم عندما ظننا أن سلامنا سيتحقق مع عدلهم حين اقترن في أذهاننا مع الرفاهية التي يتمتعون بها. إننا نعرف الآن إنها لقلة متنفذة، وإن روح التغالب العدائية تحكم مواطنيهم، ولا يحدث هذا دون خوف، وأقله أن يمسي أحدهم دون عمل، وأغلب أرباب عملهم غير حكوميين، الكتب السماوية تقول هذه عبودية واسترقاق بشروط جديدة، ولم تبشر بأنبياء بمعجزات إنما بشعوب ستقرأ ما جاء فيها، وهذا ما حققته وسائل نقل المعلومات المتطورة.
ولمن يرغب بمزيد من الاطلاع مراجعة بياني المنشور على صفحتي في موقع(الحوار المتمدن) وإليكم رابطه:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=424732

بغداد
20/2/2016



#كاظم_الفياض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرخ
- الموسيقى تقول: الحرية موجودة
- شعر- فهم واقعة المرور بحديقة عامة يشطر أحداثها:
- سرد حر- خاتم فضة
- لا أحد معي
- سرد حر- إلهي
- الأعمال الشعرية- مطر صامت
- مظاهرات الطبقة الرثة العراقية
- العالم الآن
- معنى الاحتلال
- مقدمة لدحر العدو
- رأسي ليس خاملا
- منشورات لا غنى عنها لإقامة دولة عالمية عادلة
- أعمال السرد الحر/شجرة البمبر
- ضجر
- الأعمال السردية الحرة/لحظات
- الأعمال الشعرية - فضاء الذئب الميت - ومرثية إبراهيم
- الأعمال الشعرية - فضاء الذئب الميت - مرثية ثالثة
- الأعمال الشعرية - فضاء الذئب الميت - مرثية ثانية
- الأعمال الشعرية - فضاء الذئب الميت - مرثية


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كاظم الفياض - ناقة صالح